(الصفحة 430)
شيء لا يعتبر طهارته في الصلاة ، وأمّا البدن والثوب الذي صلّى فيه فلم يعلم بنجاسة واحد منهما قبل الصلاة ، فهو من أفراد الجهل بالموضوع .
ثمّ إنّ الظاهر أنّه لا فرق في ذلك بين ما إذا علم قبل تحقّق النسيان بعروض النجاسة له وحصلت الملاقاة بينه وبين البدن أو الثوب بالرطوبة قبله ، وبين ما إذا حصلت الملاقاة بعده ، وذلك لعدم تحقّق العلم بنجاسة بدنه أو ثوبه الذي صلّى فيه في زمان أصلا ، فلا يخرج عن مسألة الجهل .
لو لم يكن للمصلّي إلاّ ثوب واحد نجس
لو لم يكن للمصلّي إلاّ ثوب واحد وكان نجساً ولم يتمكّن من إزالتها عنه وتطهيره ، مع مراعاة الوقت ، فهل تجب عليه الصلاة عرياناً إلاّ مع الاضطرار إلى لبسه لضرر أو حرج ، أو تتخيّر بين الصلاة كذلك وبين الصلاة في الثوب النجس ، أو يجب عليه خصوص الثاني؟ أقوال :
فعن الشيخ في كتبه كالنهاية والمبسوط والخلاف ، والحلي في السرائر ، والمحقّق في الشرائع والنافع ، والعلاّمة في بعض كتبه ، والشهيد هو القول الأوّل(1) . وعن المحقّق في المعتبر والعلاّمة في بعض كتبه هو الثاني(2) ، وعن كاشف اللّثام هو الثالث(3) ، ومنشأ الاختلاف بينهم وجود الأخبار المتعارضة في هذا المقام ، فيظهر من بعضها الأوّل ، ومن بعضها الثالث .
والشيخ حمل الطائفة الثانية الدالة على وجوب الصلاة في الثوب النجس على
- (1) النهاية: 55; المبسوط 1: 90; الخلاف 1: 474 مسألة 218; السرائر 1: 186; شرائع الإسلام 1: 54; المختصر النافع: 19; قواعد الأحكام 1: 194; الذكرى 1: 139; الدروس 1: 127.
- (2) المعتبر 1: 445 ; المنتهى 1: 182 و 239 .
- (3) كشف اللثام 1 : 456 .
(الصفحة 431)
صورة الاضطرار إلى لبسه لضرر أو حرج ، قال المحقق في المعتبر ـ بعد نقل فتوى الشيخ وحمل تلك الأخبار على ذلك ـ ما حاصله : إنّ هذا التأويل محلّ نظر ، ولو قيل بالتخيير بينهما لكان حسناً .
أقول : لابدّ أولا من نقل الأخبار الواردة في المقام ثم بيان مقدار دلالتها وثبوت التعارض بينها أو عدمه ، وقد عرفت أنّها على طائفتين :
أمّا الطائفة الاُولى الدالة على وجوب الصلاة عارياً مع عدم الاضطرار :
فمنها : رواية سماعة المرويّة في الكافي قال : سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه إلاّ ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال : «يتيمّم ويصلّي عرياناً قاعداً يومئ إيماءً»(1)، ورواه الشيخ أيضاً ، إلاّ أنّ المذكور فيما رواه موضع قوله قاعداً ، قائماً(2) .
ومنها : رواية محمّد بن علي الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة، وليس عليه إلاّ ثوب واحد، وأصاب ثوبه منيّ قال : «يتيمّم ويطرح ثوبه فيجلس مجتمعاً فيصلّي فيومئ إيماءً»(3) .
وأمّا الطائفة الثانية الدالة بظاهرها على وجوب الصلاة في الثوب النجس ،
فمنها : رواية محمد بن علي الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره؟ قال(عليه السلام) : «يصلّي فيه، فإذا وجد الماء غسله» . قال
- (1) الكافي 3 : 396 ح15; التهذيب 2 : 223 ح881 باسناده عن الكليني; الوسائل 3 : 486 . أبواب النجاسات ب46 ح1 .
- (2) التهذيب 1: 405 ح1271; الإستبصار 1: 168 ح582، عن غير طريق الكليني; الوسائل 3: 486. أبواب النجاسات ب46 ح3.
- (3) التهذيب 1 : 406 ح1278 وج2 / 223 ح882 ; الاستبصار 1 : 168 ح583; الوسائل 3 : 486 . أبواب النجاسات ب46 ح4 .
(الصفحة 432)
الصدوق: وفي خبر آخر: «وأعاد الصلاة» . وفي رواية اُخرى له إنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله؟ قال(عليه السلام) : «يصلّي فيه»(1) .
ومنها : ما رواه عبدالرحمن بن أبي عبدالله أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يجنب في ثوب ليس معه غيره ولا يقدر على غسله؟ قال(عليه السلام) «يصلّي فيه»(2) .
ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن جعفر(عليه السلام) عن أخيه موسى(عليه السلام)قال : سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم يصلّي فيه أو يصلّي عرياناً؟ قال(عليه السلام) : «إن وجد ماءً غسله، وإن لم يجد ماءً صلّى فيه ولم يصلّ عرياناً»(3) .
ومنها : رواية محمّد بن عليّ الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره؟ قال(عليه السلام) : «يصلّي فيه إذا اضطر إليه»(4) .
ومنها : ما رواه عمّار الساباطي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سئل عن رجل ليس معه إلاّ ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه، وليس يجد ماءً يغسله كيف يصنع؟ قال : يتيمم ويصلّي، فإذا أصاب ماءً غسله وأعاد الصلاة»(5) . وهذا هو الخبر الذي قال
- (1) الفقيه 1: 40 ح155 و156 وص160 ح753; الوسائل 3: 484. أبواب النجاسات ب45 ح1 ـ 3.
- (2) الفقيه 1: 16 ح754; التهذيب 2: 224 ح885 ; الإستبصار 1: 169 ح586; الوسائل 3: 484، 485. أبواب النجاسات ب45 ح4 و 6 .
- (3) الفقيه 1 : 160 ح756; قرب الإسناد: 165 ح704; التهذيب 2 : 224 ح884; الإستبصار 1 : 169 ح585 ; الوسائل 3: 484. أبواب النجاسات ب45 ح5.
- (4) التهذيب 2: 224 ح883 ; الإستبصار 1: 169 ح584 ; الوسائل 3: 485. أبواب النجاسات ب45 ح7.
- (5) التهذيب 1: 407 ح1279 وج2: 224 ح886; الإستبصار 1: 169 ح587; الوسائل 3: 485. أبواب النجاسات ب45 ح8 .
(الصفحة 433)
الصدوق بعد نقل رواية الحلبي : وفي خبر آخر «وأعاد الصلاة» .
ثمّ إنّك قد عرفت أنّ المحقّق في المعتبر(1) جمع بين هذه الأخبار المتعارضة بالحمل على التخيير ، ومعناه تخيير المكلّف بين الصلاة عارياً وبين الصلاة في الثوب النجس ، ولا يخفى أنّ التخيير هنا ليس كالتخيير في الواجب التخييري ، بأن يكون هنا أمر واحد متعلّق بالشيئين على سبيل التخيير ، إذ الأمر فيما نحن فيه دائر بين رعاية شرطيّة الستر أو مانعية النجاسة في المأمور به بالأمر التعييني وهي الصلاة .
وبعبارة اُخرى ، الشك هنا في أنّ متعلّق الأمر التعييني هل يتحقّق في هذه الصورة بمراعاة الشرط أو يتوقف انطباق عنوان الصلاة على المأتي به؟ على أن لا تكون واقعة في النجاسة ، ولو كان ذلك مستلزماً لوقوعها في حال عدم الستر ، ومن هنا يظهر أنّ التخيير بين الصورتين بناءً عليه تخيير عقلي ، إذ لا يخلو إمّا أن يصلّي المكلّف في الثوب النجس ، فيلزم عدم مراعاة مانعية النجاسة ، أو يصلّي عارياً فيلزم عدم مراعاة شرطيّة الستر ، فليس هنا تخيير شرعيّ لكي يحتاج إلى البيان .
ومن المعلوم أنّ القول بالتخيير بناءً عليه يرجع إلى عدم مانعية النجاسة وعدم شرطيّة الستر كما هو واضح ، والظاهر أنّ سؤال الرواة إنّما هو عن تعيين أحدهما ، كما أنّ الجواب في كل واحد من الروايات إنّما يدلّ على تعيين أحد الأمرين .
وبالجملة : فالجمع بين تلك الأخبار بهذا النحو ممّا لا يساعده العرف ، إذ الدليل الدالّ على وجوب الصلاة عارياً وإلقاء الثوب ، والدليل الدالّ على وجوب الصلاة في الثوب النجس ، والنهي عن الصلاة عارياً كما في بعض الروايات المتقدّمة ممّا لا يمكن القول به ، لأنّه لا معارضة بينهما ، مع أنّ مرجع الجمع بالحمل على
(الصفحة 434)
التخيير إلى كونه جمعاً عرفيّاً ، يوجب خروجهما عن التعارض .
والحقّ إنّه لا محيص عن الجمع بينهما ، لما عرفت من الشيخ من حمل الأخبار الدالة على وجوب الصلاة في الثوب النجس على ما إذا اضطر إلى لبسه لبرد أو وجود ناظر أو غيرهما ، وحمل ما يدلّ على الصلاة عارياً على صورة عدم الاضطرار(1) .
توضيح ذلك ، إنّ السند في بعض الروايات المتقدّمة الدالة على وجوب الصلاة عارياً ينتهي إلى محمّد بن عليّ الحلبي ، كما أنّ السند في بعض الروايات الدالة على وجوب الصلاة في الثوب النجس ينتهي إليه(2) أيضاً ، ومن البعيد إنّه كان قد سأل عن حكم المسألة مرّتين أو مرّات ، بل الظاهر أنّه سأل عن الإمام(عليه السلام)مرّة واحدة وأجابه(عليه السلام) بجواب واحد ، فالتعدّد إنّما نشأ من تعدّد من روى عنه من الرواة .
وحينئذ فالرواية المشتملة على حكم من أصاب ثوبه الجنابة مع عدم كونه واجداً لغيره ، ليست مغايرة للرواية المشتملة على حكم من أصاب ثوبه المنفرد البول ، بل الظاهر أنّهما رواية واحدة ، كما يدلّ على ذلك روايته الأخيرة المشتملة على حكم من أصاب ثوبه المنفرد جنابة أو بول .
ولا يخفى أنّ وجوب الصلاة في الثوب النجس قد قيّد في هذه الرواية بما إذا كان المصلّي مضطرّاً إلى لبسه لبرد أو غيره ، إذ ليس المراد من الاضطرار ، الاضطرار الحاصل من قبل الصلاة ، لكونها مشروطة بستر العورة ، إذ كان ذلك مفروض السؤال ، فلا يحتاج إلى التكرار ، فالمراد منه هو الاضطرار الطارئ مع قطع النظر عن اعتبار الستر في صحة الصلاة .
وحينئذ فهذه الرواية تكون شاهدة للجمع بين الروايات التي رواها محمّد بن
- (1) الإستبصار 1: 169; الخلاف 1: 476 ذ مسألة 218 .
- (2) راجع الوسائل 3 : 484 ـ 487 . أبواب النجاسات ب45 ح1 و 7; وب46 ح4 .