(الصفحة 464)
بعضه عن البدن الواقع جزؤه على الأرض ، وهذا الاحتمال أنسب بكون المرأة خلف الرجل المفروض في القضية الشرطية ، بخلاف المعنى الأول .
هذا ، والجمع بين الأخبار يقتضي الحمل على مراتب الكراهة ، بمعنى أنّ صدق التأخر يوجب ارتفاع الكراهة أو الحرمة ، ولكن ارتفاع أصل الكراهة موقوف على تأخر المرأة عن الرجل في جميع حالات الصلاة ، فالأولى بل الأحوط التأخر بذلك المقدار الذي يرجع إلى كون مسجدها وراء موقفه .
الثالث : أن يكون بينهما عشرة أذرع ، ويدل عليه الرواية الاُولى من روايات عليّ بن جعفر المتقدمة ، وكذلك رواية عمّار(1) ، والتعبير فيها بأكثر من عشرة أذرع ليس المراد به عدم كفاية عشرة أذرع ، بل لأنّ إحراز تحققها يتوقف عرفاً على ضمّ مقدار زائد إليها كما لا يخفى .
المسألة الثانية : ما يصحّ السجود عليه
يشترط فيما يسجد عليه أن يكون من الأرض ، أو ما أنبتت الأرض ، بشرط أن لا يكون مأكولا ولا ملبوساً في حال الاختيار ، واعتبار ذلك فيما يسجد عليه المصلّي ممّا تفردت به الإمامية(2) ، خلافاً لسائر فرق المسلمين ، حيث لم يعتبروا في ما يسجد عليه شيئاً .
ويدل على ذلك مضافاً إلى اتفاقهم(3) عليه وعدم وجود المخالف ، الروايات
- (1) الوسائل 5: 128. أبواب مكان المصلّي ب7 ح1 و 2.
- (2) الإنتصار: 136 مسألة 34 .
- (3) المقنع: 85 ; السرائر 1: 267; المختصر النافع: 50; المعتبر 2: 117; تذكرة الفقهاء 2 : 434 مسألة 100; كشف اللثام 3 : 340; جواهر الكلام 8 : 411; رياض المسائل 3 : 284; المدارك 3 : 241; الحدائق 7: 245 .
(الصفحة 465)
الكثيرة الواردة في هذا الباب ، الدالة عليه عموماً أو خصوصاً ، بمعنى النهي عن السجود على بعض ما ليس من الأرض ، وكذا عن بعض المأكولات والملبوسات .
فممّا يدل على ذلك بنحو العموم رواية هشام بن الحكم أنّه قال لأبي عبدالله(عليه السلام): أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز؟ قال : «السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أُكل أو لبس فقال له : جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟ قال : لأنّ السجود خضوع لله عزّوجلّ فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عزّوجلّ فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغترّوا بغرورها . . .»(1) .
ومنها : رواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «السجود على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أُكل أو لبس»(2) .
ومنها ما رواه في الخصال بإسناده عن الأعمش(3)، عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام)في حديث شرائع الدين قال : «لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتّان»(4) إلى غير ذلك ممّا جمعه في الوسائل في الباب الأوّل من أبواب ما يسجد عليه فراجع .
وبالجملة: فأصل الحكم ممّا لا إشكال فيه ، فلابدّ من التكلّم في بعض الفروع .
- (1) الفقيه 1 : 177 ح840 ; علل الشرائع : 341 ب42 ح1; التهذيب 2: 234 ح925; الوسائل 5: 343. أبواب ما يسجد عليه ب1 ح1 .
- (2) الفقيه 1: 174 ح826 ; علل الشرائع: 341 ب42 ح2 و3; التهذيب 2: 234 ح924 وص313 ح1274; الوسائل 5: 344. أبواب ما يسجد عليه ب1 ح2.
- (3) من أعاظم المحدّثين من العامة ; وكان معاصراً للصادق (عليه السلام) ، واتّفق وفاته في عام وفاته (عليه السلام) (منه) .
- (4) الخصال: 604; الوسائل 5: 344. أبواب ما يسجد عليه ب1 ح3.
(الصفحة 466)
هنا فروع :
الفرع الأوّل : في جواز السجود على مطلق الأرض
إنّه يجوز السجود على كل ما يصدق عليه عنوان الأرض ، سواء كان تراباً أو حجراً أو غيرهما ، ولا فرق في التراب بين أن يكون تراباً خالصاً ، أو تراباً معدنياً مشتملا على ذرّات الذهب ، أو الفضّة ، أو غيرهما من المعدنيات ، لعدم خروجه عن صدق التراب ، وإن خرج بعض أجزائه عن صدقه بعد التصفية والتجزية .
كما أنّه لا فرق في الحجر بين أنواعه ، فيجوز السجود على حجر الجصّ ، وكذا حجر النورة ، فيما إذا لم يكونا مطبوخين ، وأمّا بعد الطبخ فلا يبعد أن يقال أيضاً بعدم خروجهما عن صدق الأرض ، مضافاً إلى استصحاب جواز السجود عليهما الثابت قبل الطبخ ، وأمّا استصحاب الأرضية فيمكن أن يخدش في جريانه ، بعدم كون الشك في بقاء أمر خارجيّ ، بل الشك في مفهوم لفظ الأرض فتأمّل .
ويدل على الجواز أيضاً صحيحة الحسن بن محبوب قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليّ بخطه : «إنّ الماء والنار قد طهّراه»(1) .
فإنّ ظاهره أنّ الإشكال المتوهّم في جواز السجود عليه إنّما هو من حيث كونه نجساً،وأمّامع فرض الطهارة فظاهرالجوابوالسؤال كون الجوازمفروغاًعنه حينئذ.
وأمّا الزجاج فلا يجوز السجود عليه ، لعدم صدق الأرض عليه ، مضافاً إلى صحيحة محمد بن الحسين قال : إنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي(عليه السلام)
- (1) الكافي: 3 / 330 ح3; الفقيه : 1 / 175 ح829; التهذيب : 2 / 235 / 928; الوسائل : 5 / 358 أبواب ما يسجد عليه ب10 ح1 .
(الصفحة 467)
يسأله عن الصلاة على الزجاج قال : فلمّا نفذ كتابي إليه تفكّرت وقلت: هو ممّا أنبتت الأرض وما كان لي أن أسأل عنه. قال : فكتب إليّ : «لا تصلِّ على الزجاج وإن حدّثتك نفسك أنّه ممّاأنبتت الأرضولكنّه من الملح والرمل وهما ممسوخان»(1).
والمراد من قوله : «وهما ممسوخان» أنّ الرمل والملح في حال صيرورتهما زجاجاً غير باقيين على حقيقتهما ، وليس المراد أنّهما ممسوخان حتى في حال كونهما رملا وملحاً حتّى يناقش بأنّ الملح وإن لم يكن باقياً على وصف الأرضية وقد تبدّل عنه إلى صورة الملحية ، إلاّ أنّ الرمل لا يكون ممسوخاً أصلا .
الفرع الثاني: في جواز السجود على كلّ ما أنبتته الأرض
يجوز السجود على كل ما أنبتته الأرض إلاّ المأكول والملبوس ، والمراد بنبات الأرض كما هو المتبادر منه بنظر العرف ، هو ما ينبت من الأرض وله حياة نباتيّ الذي يكون مرجعه إلى التغذّي بقوى الأرض ، والاستفادة منها لإبقاء الحياة ، وإن زال عنه الروح النباتي فعلا ، لأجل اليبوسة أو الانفصال من الأرض .
وليس المراد هو ما يخرج من الأرض أو يصنع من أجزائها ولو لم يكن نباتاً عرفاً ، فلا يجوز السجود على القير وإن ورد في بعض الروايات جواز السجود عليه . معلّلا بأنّه من نبات الأرض(2) ، ولكنّها معرض عنها ، مضافاً إلى معارضتها بما يدل على المنع(3) .
- (1) الكافي : 3 / 332 ح14 .وفيه : ان أسأله عنه; التهذيب : 2 / 304 ح1231; الوسائل : 5 / 360 . أبواب ما يسجد عليه ب12 ح1.
- (2) الفقيه 1: 292 ح1325; الوسائل 5: 355. أبواب ما يسجد عليه ب6 ح8 .
- (3) الكافي 3: 331 ح6; التهذيب 2 : 304 ح1228; الوسائل 5 : 353 ـ 354. أبواب ما يسجد عليه ب6 ح1 و 3 .
(الصفحة 468)
ثمّ إنّ المشهور بينهم بل كان مفروغاً عنه عندهم ظاهراً أنّه لا يجوز السجود على الرماد ولا على الفحم(1) ، ولكن يمكن المناقشة في ذلك بأنّ الفحم إنّما هو من نبات الأرض ويشترك مع الخشب في بقاء الجسم النباتي فيه ، وزوال الحياة النباتية عنه ، نعم يفترق معه في كونه مطبوخاً ، وقد عرفت أنّ المطبوخ من الأرض لا يخرج بذلك عن حقيقتها ، فكذا المطبوخ من النبات ، وأمّا الرماد فهو وإن خرج عن صدق النبات ، لعدم بقاء الجسم النباتي معه أيضاً إلاّ أنّه يمكن أن يقال بصدق اسم الأرض عليه ، نظير التراب الذي كان في الأصل إنساناً ، فالجواز إنّما هو من هذه الجهة ، لا من جهة كونه نباتاً ، ولكن الظاهر ما ذكروه من عدم الجواز ، كما أنّ مقتضى الاحتياط أيضاً ذلك .
الفرع الثالث : في عدم جواز السجود على المأكول والملبوس
لا يجوز السجود على المأكول والملبوس ، وليس المراد منهما خصوص ما يكون صالحاً للأكل واللبس فعلا ، كالخبز والقميص ، بل يعمّ ذلك ، وما يكون صالحاً للأكل واللّبس ولو بعلاج كالحنطة والشعير والقطن والكتان ، لأنّها بنظر العرف تعدّ من المأكولات والملبوسات ، وإن توقّف أكل الأولين نوعاً على الطحن ، ثم الطبخ ، وليس الأخيرين على النسج ثم الخياطة .
ثمّ إنّ الشيء قد يكون مأكولا في جميع الأمكنة وفي جميع حالاته وفي جميع الأحوال أي أحوال الناس،ولاإشكال حينئذ في عدم جوازالسجودعليه، وقد يكون مأكولا في بعض البلاد دون بعض ، أو في بعض حالاته دون بعض ، أو في بعض
- (1) المبسوط 1 : 89 ; السرائر 1: 268; المعتبر 2: 120; تذكرة الفقهاء 2: 439; كشف اللثام 3: 344; جواهر الكلام 8 : 416; مستند الشيعة 5: 252.