(الصفحة 174)
مذكور في الجوامع الأولية ، غاية الأمر أنّه لم يصل إلينا .
نعم ربما يستدل للحكم الثاني بما رواه زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) حيث قال : «وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك»(1) .
وفيه : أنّه لا دليل على كون المراد بالوتر الوتيرة التي هي نافلة العشاء ، وما ورد من أنّ المؤمن لا يبيت إلاّ بوتر(2) ، لا يكون شاهداً على هذا المعنى ، إذ ليس في معنى البيتوتة النوم ، بل المقصود به الإتيان بالليل كما يظهر ذلك بملاحظة موارد الاستعمالات ، ويمكن الاستدلال لامتدادها بامتداد وقت الفريضة بالإطلاقات الواردة في المقام مع سلامتها عن المعارض كما لا يخفى .
فرعان :
الأوّل : هل يعتبر في الوتيرة التي يؤتى بها بعد العشاء ، البعدية العرفية المتّصلة كما يظهر من بعض المتأخرين(3) ، حيث اعتبر عدم الفصل المفرط بين فريضة العشاء ونافلتها ، فلا يشرع الإتيان بها في آخر النصف مثلا مع الإتيان بالفريضة في أوّل الليل ، أو لا يعتبر ذلك؟ وجهان .
ربما يستدل للأول بأن المنساق من الأدلة الدالة على بعديتها(4) هو البعدية المتصلة ، ولكن لا يخفى أنّ الظاهر كون البعدية في نافلة العشاء ، في مقابل القبلية في نافلة الظهرين ، فالمراد أنّ نافلة العشاء لابدّ أن يؤتى بها بعد العشاء لا قبل
- (1) الكافي 3 : 453 ح12 ; التهذيب 2 : 274 ح1087 ; الوسائل 8 : 166 . أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب42 ح5 .
- (2) التهذيب 2 : 341 ح1412 ; الفقيه 1 : 128 ح604 ; علل الشرائع : 267 وص 330 ح4 ; عيون الأخبار 2 : 113 ; الوسائل 4 : 94 ـ 95 . أبواب المواقيت ب29 ح1 ، 2 ، 4 ، 5 .
- (3) جواهر الكلام 7 : 191 ; مجمع الفائدة والبرهان 2 : 32 ; مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 47 .
- (4) الوسائل 4 : 45 . أبواب اعداد الفرائض ب13 .
(الصفحة 175)
فريضتها ، كما في نافلة الظهرين ، ويدلّ على ذلك أنّه لا إشكال في أنّه لو اشتغل بعد العشاء بالنوافل يستحبّ له أن يجعل الوتيرة خاتمة لها ، كما ورد عليه النص أيضاً(1) .
ومن المعلوم أنّه ربما تكون النوافل كثيرة كما في ليالي شهر رمضان ، وحينئذ فلا تصدق البعدية العرفية لثبوت الفصل الطويل ، اللّهم إلاّ أن يقال : بأنّ الدليل الذي يستفاد منه البعدية ، يقيد إطلاقه بما إذا كان الشخص آتياً بالنوافل ، فلا يجوز التأخير في غير هذا المورد وهو كما ترى .
الثاني : لو أتى بفريضة العشاء في آخر وقتها ، فهل يشرع بعدها النافلة بحيث تكون أداء أم تصير قضاء؟ لا يبعد أن يقال : بأنّ المستفاد من النصوص الدالّة على امتداد العشاء إلى النصف أو الفجر(2) هو امتدادها بنافلتها ، لأنّها من متمّماتها فلا يستفاد منها التأخير .
المسألة الرابعة : وقت صلاة الليل
لا إشكال في أنّ وقتها من أوّل انتصاف الليل إلى الفجر ، كما استقرت عليه الفتاوى(3) ، ويدلّ عليه بعض النصوص مثل مرسلة الصدوق قال : قال أبو جعفر(عليه السلام) : «وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره»(4) . وضعفها منجبر
- (1) راجع ص173 .
- (2) الوسائل 4 : 184 ـ 185 . أبواب المواقيت ب17 ح2 ، 4 ، 6 وص 288 ب62 ح3 و4 .
- (3) المسائل الناصريّات : 198 مسألة 76 ; المهذّب 1 : 70 ; الوسيلة : 83 ; المراسم : 63 ; الخلاف 1 : 533 مسألة 272 ; السرائر 1 : 196 و202 ; المعتبر 2 : 54 ; تذكرة الفقهاء 2 : 318 مسألة 39 .
- (4) الفقيه 1 : 302 ح1379 ; الوسائل 4 : 248 . أبواب المواقيت ب43 ح2 .
(الصفحة 176)
بعمل الأصحاب ومطابقة فتوى المشهور ، مضافاً إلى أنّ المسألة من المسائل المذكورة في الكتب المعدّة لنقل الفتاوى المتلقّاة عن الأئمة(عليهم السلام) ، وحينئذ فلا يعبأ بما ذهب إليه بعض المتأخرين من الخلاف في ذلك(1) ، خصوصاً بعد استمرار عمل الأئمة المعصومين(عليهم السلام) على ذلك .
وبالجملة : فلا إشكال في ذلك ، كما أنّه لا إشكال في جواز تقديمها على المسافر ، أو شابّ تمنعه رطوبة رأسه ، أو يشقّ عليه القيام ، أو نحو ذلك(2) ، كما أنّه لا إشكال في ثبوت القضاء لها لو لم يؤت بها في وقتها(3) ، وكذا في كون القضاء أفضل من التقديم فيما إذا دار الأمر بينهما ، لدلالة أخبار كثيرة على ذلك كلّه(4) .
إنّما الإشكال في وجه مقالة المشهور ، من أنّ كلّما قرب من الفجر كان أفضل ، وأنّه هل يدل عليه دليل لفظي أم لا؟ وإن كان قد ادّعى عليه الإجماع(5) فلابدّ من ملاحظة الأخبار فنقول :
منها : رواية معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن أفضل ساعات الوتر؟ فقال : «الفجر أوّل ذلك»(6) .
ومنها : رواية أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : أيّ ساعة كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوتر؟ فقال : «على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب»(7) .
- (1) جواهر الكلام 7 : 193 .
- (2) الخلاف 1 : 537 مسألة 275 ; النهاية : 61 ; المقنعة : 142 ; جواهر الكلام 7 : 205 .
- (3) الخلاف 1: 537 مسألة 275; المعتبر 2 : 58 ; المنتهى 1 : 212 ; كشف اللثام 3 : 117 ; جواهر الكلام 7 : 207 .
- (4) الوسائل 4 : 255 . أبواب المواقيت ب45 .
- (5) الخلاف 1 : 533 مسألة 272 ; المعتبر 2 : 54 ; تذكرة الفقهاء 2 : 318 مسألة 39 .
- (6) الكافي 3 : 448 ح23 ; التهذيب 2 : 336 ح1388 ; الوسائل 4 : 271 . أبواب المواقيت ب54 ح1 .
- (7) الكافي 3 : 448 ح24 ، الوسائل 4 : 271 . أبواب المواقيت ب54 ح2 .
(الصفحة 177)
ومنها : رواية مرازم عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : متى أُصلّي صلاة الليل؟ قال : «صلّها في آخر الليل . . .»(1) .
ومنها : رواية إسماعيل بن سعد الأشعري قال : سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام)عن ساعات الوتر؟ قال : «أحبّها إليّ الفجر الأوّل» . وسألته عن أفضل ساعات اللّيل؟ قال : «الثلث الباقي . . .»(2) .
ومنها : ما رواه الشهيد في محكيّ الذكرى عن ابن أبي قرّة ، عن زرارة : أنّ رجلا سأل أمير المؤمنين(عليه السلام) عن الوتر أوّل الليل؟ فلم يجبه ، فلمّا كان بين الصبحين خرج أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى المسجد ، فنادى أين السائل عن الوتر؟ ثلاث مرّات ، نِعْمَ ساعات الوتر هذه . ثم قام فأوتر(3) . وهذه الروايات لا تخلو عن إشعار بل دلالة في بعضها على ما ذكره المشهور ، وربّما استدلّ عليه أيضاً بقوله تعالى :
{والمستغفرين بالأسحار}(4) ، وقد اختلف في تفسير السحر ، فالمشهور بين الناس تفسيره بالثلث الباقي من الليل(5) ، كما أنّه ربما يفسر بأضيق من ذلك ، وربما يقرب الثلث بأنّه قد ورد في الشرع أعمال كثيرة للسحر خصوصاً في أسحار شهر رمضان فيجب أن يكون وقته وسيعاً قابلا لوقوع تلك الأفعال فيه .
ولكن يرد عليه أنّ هذه الأعمال ليست عملا واحداً مأخوذاً مرتبطاً حتى يجب أن يكون الوقت بمقداره أو أزيد ، بل كلّ منها عمل مستقلّ دلّ عليه دليل مستقلّ ، ولا يلزم حينئذ أن يكون الوقت بقدر جميعها ، وحينئذ فلا يجوز
- (1) التهذيب 2 : 335 ح1382 ; الوسائل 4 : 272 . أبواب المواقيت ب54 ح3 .
- (2) التهذيب 2 : 339 ح1401 ; الوسائل 4 : 272 . أبواب المواقيت ب54 ح4 .
- (3) الذكرى 2 : 373 ; الوسائل 4 : 272 . أبواب المواقيت ب54 ح5 .
- (4) آل عمران : 17 .
- (5) التفسير الكبير 10 : 169 ; الجامع لأحكام القرآن 4 : 38 ـ 39 . تفسير الثعالبي 2 : 20 .
(الصفحة 178)
الإعراض عمّا دلّت عليه اللّغة في معنى السحر ، من كونه قبيل الفجر ، أو قبله ، أو سدس الليل ، أو نحوها(1) والأمر سهل .
المسألة الخامسة : وقت نافلة الصبح
ويقع الكلام فيها في مقامين :
الأوّل : وقتها من حيث الابتداء .
الثاني : آخر وقتها . فنقول :
أمّا الكلام في المقام الأوّل فملخّصه أنّه قد تحقّقت الشهرة على أنّ أوّل وقتها هو طلوع الفجر الكاذب(2) ، وحكي عن بعض جواز إتيانها بعد الفراغ من صلاة الوتر(3) ، ونسبه في الحدائق إلى المشهور(4) ، لما ورد في بعض الأخبار من كونها من صلاة الليل ، ولابدّ من ملاحظة الأخبار الواردة في الباب ، فنقول : إنّها على ثلاث طوائف :
أما الطائفة الأولى فتدلّ بظاهرها على لزوم الإتيان بها قبل الفجر الصادق :
منها : رواية ابن أبي نصر قال : سألت الرضا(عليه السلام) عن ركعتي الفجر؟ فقال : «احشو بهما صلاة الليل»(5) .
ومنها : رواية أبي بصير قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : متى أُصلّي ركعتي الفجر؟
- (1) المصباح المنير 1 : 267 ; لسان العرب 6 : 190 .
- (2) المبسوط 1 : 76 ; المراسم : 63 ; الغنية : 72 ; الوسيلة : 83 ; المهذّب 1 : 70 ; السرائر 1 : 308 ; شرائع الاسلام 1 : 63 ; المختصر النافع 22 ، المعتبر 2 : 55 ; تذكرة الفقهاء 2 : 319 مسألة 40 .
- (3) قواعد الأحكام 1 : 247 ; كشف اللثام 3 : 64 ; الذكرى 2 : 375 .
- (4) الحدائق 6 : 240 وهكذا في كشف اللثام 3 : 64 .
- (5) التهذيب 2 : 132 ح511 ; الاستبصار 1 : 283 ح1029 ; الوسائل 4 : 263 . أبواب المواقيت ب50 ح1 .