(الصفحة 402)
وربّما يدلّ على شمول الحكم للمحمول الرواية الأخيرة الدالة بمفهومها على ثبوت البأس إذا كان الشيء المصاحب للمصلّي الذي لا تتمّ الصلاة فيه وحده نجساً ، ثمّ إنّه بناءً على ما ذكرنا من أنّ المعتبر في صحة الصلاة هو كون المصلّي طاهراً ومتّصفاً بهذه الصفة ، وإنّ طهارة الثوب من مراتب طهارة نفسه ، يمكن القول ببطلان صلاة المضطجع والمستلقى الذي يصلّي على شيء نجس أو كان عليه شيء نجس ممّا لا يعدّ ثوباً ، سيّما إذا كانا ساترين له .
بخلاف ما إذا كان ثوبه الذي يصلّي فيه متّصلا بما يكون نجساً ، سيّما إذا لم يتحرّك بحركته ، كما إذا تعمّم بطرف ثوب يكون طرفه الآخر الواقع على الأرض نجساً . وكما إذا كان لباسه طويلا في الغاية بحيث كان طوله ضعف طول بدنه ، أو أزيد ، أو أنقص مثلا ، فإنّه لا يعدّ الشيء النجس ملابساً للمصلّي في هاتين الصورتين ونظائرهما ، بخلاف القسم الأوّل . هذا ، ولو قلنا بأنّ المعتبر في الصلاة طهارة البدن والثوب بما هو ثوب ، أمكن القول بعدم البطلان فيه أيضاً كما لايخفى .
هل تعتبر الطهارة في ما لا تتمّ الصلاة فيه؟
قد عرفت أنّ اعتبار الطهارة في الصلاة ممّا قام عليه الاجماع ، ويدلّ عليه الروايات الكثيرة(1) ، ولكن ذلك إنّما هو بالنسبة إلى ما تتمّ الصلاة فيه وحده ، وأمّا في غيره ممّا لا تجوز الصلاة فيه منفرداً ، فالظاهر عدم اعتبار طهارته .
والنصوص والفتاوى(2) متطابقتان على ذلك ، وقد تقدّم بعض الروايات الدالة
- (1) الوسائل 1: 315. أبواب أحكام الخلوة ب9 .
- (2) الخلاف 1: 479 مسألة 223; الإنتصار: 136; السرائر 1: 264; تذكرة الفقهاء 2: 481 مسألة 127; مستند الشيعة 4: 281 ـ 284.
(الصفحة 403)
عليه في صدر المبحث ، ويدلّ عليه أيضاً ما رواه الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن عقبة، عن زرارة، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : «كل ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء مثل القلنسوة والتكّة والجورب»(1) .
وما رواه أيضاً عن سعد، عن الحسن بن عليّ، عن عبدالله بن المغيرة، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عليّ بن أسباط، عن ابن أبي ليلى، عن زرارة قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : إنّ قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثمّ صلّيت فقال(عليه السلام) : «لا بأس»(2) .
هذا ، ولكن يقع الكلام في أنّ المراد بما لا تتمّ فيه الصلاة وحده ، هل هو الشيء الذي لا يكون ساتراً للعورة ولو مع تغيّر هيئته وتبديل مكانه ، أو الشيء الذي لا يكون ساتراً إذا لم تتغيّر هيئته ، ولو مع تبديل مكانه ، أو ما يكون كذلك إذا لم تتغيّر هيئته، ولم يبدّل مكانه الذي جعل ذلك الشيء لباساً له ، فعلى الأوّل لا تكون العمامة بل الخفّ والجورب ، بل التكّة في بعض الموارد ممّا لا تتمّ فيه الصلاة، مع أنّ الثلاثة الأخيرة مذكورة في الروايات المتقدّمة من جملة الأمثلة لذلك ، والاُولى وإن لم تكن مذكورة فيها إلاّ أنّها مذكورة في الرواية الواردة في الفقه الرضوي(3) ، مضافاً إلى أنّ الصدوق أفتى بعدم كون نجاستها مضرّة بصحّة الصلاة كسائر ما لا تتمّ (4)، فهذا الاحتمال في غاية البعد ، ويدور الأمر بين الاحتمالين الأخيرين .
والأظهر هو الاحتمال الثاني الذي مرجعه إلى أنّ المراد بما لا تتمّ فيه الصلاة هو
- (1) التهذيب 2 : 358 ح482 ; والوسائل 3 : 455. أبواب النجاسات ب31 ح1 .
- (2) التهذيب 2: 357 ح1480; الوسائل 3: 456. أبواب النجاسات ب31 ح3.
- (3) فقه الرضا (عليه السلام) : 95; المستدرك 3 : 208 . أبواب لباس المصلّي ب14 ح1 .
- (4) الفقيه 1 : 42 ح167 .
(الصفحة 404)
ما لا يكون ساتراً للعورة مع هيئته الفعليّة ، ولو مع تبديل موضعه الذي جعل ذلك لباساً له ، وعليه فيدخل القميص القصير الذي لا يستر العورة كما هو المتداول بين الأعاجم فيما يعتبر طهارته .
وجه الأظهريّة ـ مضافاً إلى فهم المشهور ذلك ـ ما يستفاد من المرسلة المتقدّمة(1)، حيث أنّها تدلّ بظاهرها على أنّ الخفّ على قسمين : قسم يستر العورة وتتمّ الصلاة فيه، وقسم لايكون كذلك، ولوكان المراد ممّا لا يتم هو الاحتمال الثالث ، لكان الخفّ منحصراً في القسم الثاني ، إذ الظاهر أنّ الخف لا يستر أزيد من الساق لو لم يبدّل مكانه ، وأيضاً يلزم أن يكون المحمول مما لا تتمّ دائماً ، إذ ليس شأنه أن يستر العورة مع كونه محمولا ، وإلاّ لم يكن بمحمول ، فالأظهر هو الاحتمال الثاني .
ثمّ إنّ التفصيل بين ما تتمّ وما لا تتمّ ، بعدم اعتبار طهارة الثاني في صحة الصلاة ، لا يختص بالثوب ، بل يجري في المحمول أيضاً ، بناءً على شمول الأدلة الدالة على اعتبار الطهارة له أيضاً ، كما استظهرناه آنفاً ، وجه عدم الاختصاص واضح ، لو استندنا في اعتبار طهارة المحمول إلى مرسلة عبدالله بن سنان المتقدّمة(2) ، إذ جعل المحمول فيها مرادفاً للثوب ، وفصّل في كليهما بين ما تتمّ وما لا تتمّ .
وأمّا لو استندنا في ذلك إلى ما يستفاد من صحيحة زرارة المتقدّمة(3) ، من أنّ ظاهرها باعتبار اسناد الإمام(عليه السلام) الطهارة إلى نفس المصلّي أنّ المعتبر في صحة الصلاة هو طهارة المصلّي ، غاية الأمر أنّ طهارة الثوب من مراتب طهارة الشخص ، ومن المعلوم أنّ ذلك باعتبار ملابسته للمصلّي وهو لا يختصّ بالثوب ، بل يعم المحمول ، أو استندنا إلى أنّ خصوصيّة الثوبيّة ملغاة بنظر العرف ، أو إلى أنّه
- (1) الوسائل 3 : 456 . أبواب النجاسات ب31 ح2 .
- (2) الوسائل 3 : 456 ، أبواب النجاسات ب31 ح5 .
- (3) الوسائل 3 : 477 . أبواب النجاسات ب41 ح1 .
(الصفحة 405)
تصدق الصلاة في النجس إذا كان المحمول نجساً ، كما يظهر من الشيخ(1) ، فوجه عدم الاختصاص اتحاد مناط شمول الحكم ، وخروج بعض الأفراد عن تحته كما لا يخفى .
ثمّ إنّ الحليّ في السرائر بعد أن اعتبر في صحة الصلاة أن يكون ثوب المصلّي وبدنه طاهراً خالياً من النجاسات ، وبعد ذهابه إلى أنّ ما لاتتمّ الصلاة فيه من جميع الملابس، ومايطلق عليه اسم الملبوس تجوز فيه الصلاة ، وإن كان عليه نجاسة ، قال:
وأمّا ما لا يكون ملبوساً ولا يطلق اسم الملبوس عليه لا تجوز الصلاة فيه إذا كان فيه نجاسة ، لأنّه يكون حاملا للنجاسة ، والأوّل خرج بالاجماع من الفرقة على ذلك(2) . انتهى .
ومراده بالأوّل هو ما لا تتمّ الصلاة فيه من الملابس الذي حكم بجواز الصلاة فيه ، وإن كانت عليه نجاسة ، وظاهره اختصاص التفصيل بين ما لا تتمّ وغيره بخصوص الملابس ، وكون اعتبار الطهارة في المحمول عامّاً غير مقيد بما إذا كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه وحده .
وقد عرفت أنّه لا فرق بين الثوب والمحمول في اعتبار طهارتهما إذا كانا ممّا تتمّ ، وعدم اعتبار طهارتهما إذا كانا ممّا لا تتمّ ، لأنّ ما يدلّ على إخراج بعض أفراد الثوب يدلّ على تقييد الحكم في المحمول أيضاً . هذا لو قلنا بأنّ المحمول على قسمين : قسم تتمّ الصلاة فيه وحده ، وقسم لا يكون كذلك ، بناءً على أنّ المراد بما لا تتم هو الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المتقدّمة ، كما استظهرناه .
وأمّا بناءً على أن يكون المراد هو الوجه الثالث ، وهو أن يكون المراد الشيء الذي لا يستر العورة مع كونه باقياً على هيأته الفعليّة ، ولم يبدّل موضعه الذي جعل لباساً ، فلا يكون المحمول على قسمين ، بل يكون دائماً ممّا لا تتمّ مع بقائه على صفة
- (1) الخلاف 1 : 503 مسألة 244 .
- (2) السرائر 1 : 264 .
(الصفحة 406)
المحمولية ، وحينئذ فيمكن القول بما ذهب إليه الحلّي كما لا يخفى .
ثمّ إنّ الحكم ببطلان الصلاة فيما لم يكن ملبوساً للمصلّي ، بل كان محمولا له مع كون المأخوذ أولا في مقام بيان ما هو المعتبر في صحة الصلاة هي طهارة الثوب والبدن ، ممّا يدلّ على أنّ المراد بالثوب ليس ما يكون مقابلا للمحمول ، بل المراد به كل ما يكون ملابساً للمصلّي ، أعمّ ممّا يكون محيطاً به أو مستصحباً له ، وهذا أيضاً ممّا يؤيّد ما استظهرناه سابقاً من اعتبار طهارة ا لمحمول ، حيث يشعر بكون مراد الفقهاء من الثوب هو الأعمّ من المحمول كما هو غير خفيّ .
لو شك في طهارة ثوب وصلّى فيه ، فانكشف أنّه كان نجساً لا يجب عليه الإعادة
لو شكّ في طهارة بدنه أو ثوبه أو غيرهما ممّا تعتبر طهارته في الصلاة ، فإن كان منشأ الشك هو عدم النصّ أو إجماله أو تعارضه ، وبالجملة كانت الشبهة حكمية ، فسيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى ، وإن كان منشؤه اشتباه الاُمور الخارجية ، فإن كان مسبوقاً بالطهارة أو النجاسة فالمرجع هو استصحابهما .
وإن لم يكن كذلك فالمرجع هي قاعدة الطهارة ، فإن صلّى مع استصحاب الطهارة أو قاعدتها ، ولم ينكشف الخلاف إلى الأبد ، فلا إشكال في صحة صلاته وكونها هي المأمور به لا أنّه يكون معذوراً ، في ترك الصلاة إذا كانت مع النجاسة واقعاً ، وإن انكشف الخلاف ، فتارة يكون انكشاف الخلاف . بعد الفراغ من الصلاة ، واُخرى في أثنائها .
أمّا الأوّل: فالظاهر عدموجوب الإعادة عليه لقاعدة الإجزاءالمحقّقة في الاُصول، وحاصلها أنّ المأمور به بالأمر الواقعي الثانوي ، أو بالأمر الظاهري يقتضي الإجزاء