(الصفحة 228)
إجمالا بنسيان بعض الأجزاء ، ومورد قاعدة الفراغ هي صورة الشكّ في الإتيان به ، إلاّ أنه لمّا كان المكلّف بالنسبة إلى المكلّف به الواقعي ـ الصلاة إلى القبلة الواقعية ـ شاكّاً في الإتيان بالجزء ، فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ .
ويحتمل أن يقال بوجوب القضاء عليه إلى أربع جهات ، لأنه وإن كان شاكّاً في الإتيان بالجزء بالنسبة إلى المكلف به الواقعي ، إلاّ أنّ العقل الذي يحكم عليه بوجوب الصلاة إلى أربعة جوانب يقضي بوجوب القضاء إليها ، لأنّه يجب عليه العلم بوجود جميع الصلوات مع أجزائها ، فإذا كان عالماً بنسيان جزء في إحداها فقد علم بأنّه لم يأت بها مع أجزائها ، فيجب عليه قضاء الجزء المنسي إلى أربع جهات لأجل العلم بوجود شرطه وهو استقبال القبلة . هذا ، ولا يبعد ترجيح هذا الإحتمال فتدبّر .
المسألة السادسة :
لو علم المتحيّر بفوات بعض المحتملات
إذا علم المتحيّر بعد الإتيان بمحتملات ما يجب عليه تكراره ، بأنّه لم يأت بجميع المحتملات ، بل ترك واحداً منها مثلا ، سواء تذكّر في الوقت أو في خارجه أو علم ببطلان أحد المحتملات من جهة نقصانه لأجل ترك الركن فيه سهواً ، فهل يجب عليه الإتيان بما علم أنّه لم يأت به في الوقت أو بعده ، وكذا إعادة ما وقع باطلا ، أو لا يجب شيء منهما؟
وجهان ، من جريان قاعدة الفراغ أو الشك بعد الوقت بالنسبة إليه ، لأنّه وإن كان قاطعاً بترك أحد المحتملات ، أو بنسيان الركن ، إلاّ أنّه يكون بالنسبة إلى المأمور به الواقعي ـ الصلاة إلى القبلة الواقعية ـ شاكّاً في الإتيان به ، أو نسيان الركن
(الصفحة 229)
فيه فتجري قاعدة الشك بعد الوقت وقاعدة الفراغ ، ومقتضاهما عدم وجوب الإتيان بالمحتمل الذي يعلم بعدم الإتيان به وعدم وجوب الإعادة فيما لو علم بترك الركن نسياناً .
ومن أنّه وإن كان شاكّاً بالنسبة إلى المأمور به الواقعي في الإتيان به ، أو في نسيان الركن فيه ، إلاّ أنّه بعد ملاحظة أنّ الشارع لم يسقط شرطية القبلة ، والمفروض أنّ طريق إحرازها منحصر في الإتيان بالصلاة إلى أربعة جوانب وأنّه يعلم بترك أحد المحتملات أو بترك الركن فيه سهواً الذي هو بمنزلة الأوّل يحكم العقل والعرف حكماً قطعياً بوجوب الإتيان بما علم بفواته ، ووجوب الإعادة عليه ، وهذا هو الأظهر ، وفي حكم ترك الركن سهواً ما لو علم بترك ما لا تبطل الصلاة بتركه سهواً ، بل يجب عليه أن يقضيه بعد الفراغ من الصلاة كالتشهد والسجدة الواحدة ، فإذا علم بترك التشهد مثلا في أحد المحتملات يجب عليه قضاؤه ، ولا تجري قاعدة الفراغ بالنسبة إليه كما عرفت .
ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكرنا من وجوب الإتيان بما علم فوته ، وإعادة المأتي به فاسداً من جهة ترك الركن سهواً بين العلم بعدم الإتيان بواحد معيّن من المحتملات أو ببطلانه وبين العلم إجمالا بعدم الإتيان بواحد منها أو ببطلانه ، فيجب عليه في الصورة الاُولى الإتيان بالصلاة إلى الجهة التي يعلم تفصيلا أنّه لم يصلّ إلى تلك الجهة صلاة صحيحة ، وفي الصورة الثانية الإتيان بها إلى أربع جهات في كلا الفرضين لإحراز الصلاة إلى القبلة الواقعية ، أمّا لو علم بترك ما لا تبطل الصلاة بتركه سهواً بل يجب عليه قضائه بعد الإتمام ، فإن علم بتركه في واحد معيّن من المحتملات ، فإن كان هو الأخير يجب عليه قضائه بعده إلى الجهة التي صلّى الأخير إليها ، وإن كان غيره كما إذا علم بتركه في المحتمل الأوّل أو الثاني أو الثالث فيعلم حكمه من الفرض الآتي ، وإن علم بتركه إجمالا في أحد المحتملات ، فالمسألة مبنية
(الصفحة 230)
على أنّ الأجزاء المنسية التي يجب قضاؤها بعد الفراغ من الصلاة هل تكون جزء للصلاة ومتمّمة لها؟
غاية الأمر أنّه قد تغيّرت مواضعها واكتفى الشارع بإتيانها بعدها وأوجب سجدتي السهو لأجل تغيير موضعها ، أو أنّها تكون مأموراً بها مستقلة ، والمصلحة الفائتة لأجل نسيانها في الصلاة تتدارك بها ، فعلى الأوّل يشترط فيها عدم الإنفصال عنها ، وكذا كلّ ما يعتبر فيها من الاستقبال وغيره ، بخلاف الثاني فإنّه بناءً عليه لا يضرّ بها الانفصال وفعل المنافي عمداً أو سهواً ، فإن قلنا بالثاني فيجب عليه فيما نحن فيه قضاؤها إلى الجهات الأربع وتتدارك بها ما فاتته من المصلحة ، ويعلم حينئذ بالإتيان بالمأمور به الواقعي مع جميع أجزائه وشرائطه ، وأمّا بناءً على القول الأوّل الذي هو الظاهر من الأدلة ، فلا يحصل العلم بإتيان الصلاة التامة إلى القبلة الواقعية بقضاء الجزء المنسيّ إلى أربع جهات ، لأنّه يحتمل حصول الانفصال بينه وبين الصلاة التي نسي جزءها ، لأنّه يحتمل نسيان الجزء في غير المحتمل الأخير ، مضافاً إلى احتمال الإستدبار عن القبلة كما هو واضح .
والمفروض أنّه يجب عليه إحراز الاتّصال ، وواجديته لشرائط الصلاة ، بل يحصل الاحتياط بقضاء الجزء المنسيّ كالتشهد مثلا بعد الإتيان بالمحتمل الأخير إلى الجهة التي صلّى الأخير إليها ، ثمّ الإتيان بثلاث صلوات تامة إلى الجهات الثلاث الاُخر ، أو الإتيان ثانياً بالصلاة إلى أربعة جوانب .
ومن هنا ظهر حكم الفرض السابق ، فإنّه إذا علم بترك التشهد في المحتمل الثالث مثلا ، فطريق الإحتياط هو أن يأتي بصلاة تامة إلى الجهة التي صلّى المحتمل الثالث إلى تلك الجهة ثانياً ; وهكذا حكم سائر فروضه .
(الصفحة 231)
المسألة السابعة : مراتب الامتثال ثلاثة
قد ظهر من مطاوي ما ذكرنا أنّ مراتب إمتثال الأمر المتعلّق بالمأمور به الواقعي ـ وهي الصلاة إلى القبلة الواقعية ـ ثلاثة :
الأوّل : العلم التفصيلي بإتيانه مع تمكّنه من تحصيله .
الثاني : التحرّي والاجتهاد والعمل على طبق المظنة من أيّ شيء حصلت ، مع عدم التمكّن من تحصيل العلم التفصيلي .
الثالث : العلم الإجمالي بإتيانه في صورة التحيّر وعدم التمكّن من تحصيل العلم والظنّ .
وفي الاكتفاء به في صورة التمكّن من تحصيل واحد منهما وجه ، وهل ثبت في الشرع مرتبة اُخرى وهي العمل على طبق الأمارات التي عيّنت شرعاً لتعيين القبلة ، كوضع الجدي على القفا ، وقبلة بلد المسلمين ، وقول صاحب الدار لمن دخل فيها ، فيكتفي في مقام الإمتثال بالعمل على طبقها وإن لم تفد الظنّ ، أو لا؟ ولا يخفى أنّه مع ثبوت كونها مرتبة اُخرى غير المراتب المتقدّمة لا إشكال في تقدّمها على التحرّي والاجتهاد ، وفي تساويها مع المرتبة الاُولى في مقام الإمتثال تأمّل وإشكال .
وكيف كان ، فالظاهر انه لا يظهر من الأخبار أنّ ما ذكر يكون أمارة بالخصوص ، بحيث كان في العمل بالجدي مصلحة تتدارك بها المفسدة المترتّبة على ترك الصلاة إلى القبلة الواقعية على فرض الخطأ ، فالأمر بوضع الجدي على القفا في حال الصلاة مع عدم التمكّن من العلم ـ كما هو مورد الرواية ـ إنّما هو لأجل أنّه يفيد الظنّ ، إن لم نقل بإفادته العلم بالقبلة التي هي جهة الكعبة دون عينها كما عرفت ;
(الصفحة 232)
فاعتباره إنّما هو لذلك لا لأجل كونه أمارة بالخصوص .
وأمّا قبلة بلد المسلمين ، ففيه : انه لم يدلّ على اعتبارها دليل سوى السيرة المستمرّة بين الناس ، فإنّهم إذا دخلوا بلد المسلمين وتحيّروا في القبلة لا يتفحصون عنها ، بل يصلّون إلى الجهة التي تطابق محاريب مساجدهم ، ولعلّها ليس لكون ذلك عندهم من الأمارات المخصوصة ، بل لأجل أنّهم لمّا لم يكونوا عالمين بالقبلة ، يكون أقصى مراتب الإمتثال لهم هو العمل بالظنّ ، فاعتمادهم على المحاريب وقبور المسلمين إنّما هو لأجل إفادتهما ظناً قوياً ، وكذا قول صاحب الدار لمن دخل فيها . فظهر ممّا ذكرنا أنّ مراتب الامتثال هي الثلاثة المذكورة ولا يزيد عليها قسم رابع .
المسألة الثامنة : إذا صلّى إلى جهة ثمّ تبيّن خطأه
إذا صلّى إلى الجهة التي كان مأموراً بالتوجّه إليها ، ثمّ تبيّن خطأُه بعد الفراغ من الصلاة ، فإن كان منحرفاً عن القبلة إنحرافاً يسيراً بحيث لم يبلغ حد المشرق والمغرب ، ففي وجوب الإعادة عليه في الوقت فقط وعدمه مطلقاً ، قولان(1) :
والأقوى هو الثاني ، للأخبار المعروفة الدالة عليه كصحيحة معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادق(عليه السلام) عن الرجل يقوم في الصلاة ثمّ ينظر بعدما فرغ ، فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالا؟ فقال له : «قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب قبلة»(2) .
- (1) فعن المحقق الاجزاء كما في شرائع الاسلام 1 : 67 ـ 68 ; المختصر النافع : 24 ; المعتبر 2 : 74 ; وعن عدّة الاعادة مطلقاً ; المبسوط 1 : 280 ، المقنعة : 97 ; المراسم : 61 ; الكافي في الفقه : 138 .
- (2) الفقيه 1 : 179 ح846 ; التهذيب 2 : 48 ح157 ; الإستبصار 1 : 297 ح1095 ; الوسائل 4 : 314 ، أبواب القبلة ب10 ح1 .