(الصفحة 485)
كيفية الأذان والإقامة
اعلم أنّ المشهور بين الإمامية في كيفية الأذان ، أنّه عبارة عن التكبير أربع مرات ، والشهادة بالتوحيد مرتين ، والشهادة بالرسالة مرّتين ، والدعاء إلى الصلاة مرتين ، والدعوة إلى الفلاح كذلك ، والدعاء إلى خير العمل كذلك ، والتكبير مرّتين ، والتهليل مرتين ، فيكون مجموع الأذان ثماني عشرة كلمة(1) .
ويظهر من بعض أصحابنا القول بكون التكبير في آخره أربع مرّات كالتكبير في أوّله(2) ، وعليه فيكون عشرين كلمة ، وخالف جميع العامة في قول «حيّ على خير العمل» بعد قول «حيّ على الفلاح»(3) على ما تشهد به سيرتهم المستمرة ، ولا ريب في أنّه كان هذا القول من فصول الأذان في زمان النبي(صلى الله عليه وآله) .
غاية الأمر إنّه لا يعلم لِمَ أُسقط ومن أسقطه بعد النبي(صلى الله عليه وآله)؟! قد يقال كما قيل : بأنّه أُسقط في زمان عمر، وكان وجه إسقاطه إيّاه ، توهّمه أنّه لو علم الناس بكون الصلاة خير الأعمال لم يرغبوا في الجهاد وتسامحوا فيه .
وبالجملة : فلم يعلم تحقيقاً أنّه في أيّ زمان اُسقط ، ومن كان مسقطاً له ، وما وجه إسقاطه إيّاه؟ وإنّما المعلوم كون ذلك مورداً لاختلاف المسلمين ، ومميّزاً للتشيّع عن التسنّن ، بحيث يرتفع به صوت الشيعة عند القيام على العامة ، كما يظهر من بعض التواريخ ، وعليه فيسقط من فصول الأذان عندهم إثنتا كلمة ، وقال
- (1) الخلاف : 1 / 278 مسألة 19; تذكرة الفقهاء : 3 / 41 مسألة 156; مفتاح الكرامة : 2 / 280; جواهر الكلام : 9 /81; كشف اللثام : 3 / 374; مستند الشيعة : 4 / 478 .
- (2) الهداية : 131 ، ب42 .
- (3) راجع الخلاف : 1 / 278 مسألة 19; تذكرة الفقهاء : 3 / 42; بداية المجتهد : 1 / 154 ـ 155 .
(الصفحة 486)
الشافعي بكون الأذان تسع عشرة كلمة في غير الفجر ، وفيه إحدى وعشرون بزيادة الترجيع في الجمع ، والتشويب في خصوص الفجر ، والشهادة بالتوحيد مرّة واحدة بدل التهليل مرتين في آخره(1) .
والترجيع عبارة عن تكرار الشهادتين مرتين اُخريين ، بأن يقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله مرّتين ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله مرّتين مع اخفاض صوته ، ثم يرجع ويرفع صوته بذلك. والتشويب عبارة عن قول : الصلاة خير من النوم ، في خلال الأذان أو بعده ، ووافقه أبو حنيفة إلاّ في الترجيع والتشويب ، فيكون الأذان عنده خمس عشرة كلمة .
وقال مالك : إنّ التكبير في أوّله مرّتان مع الترجيع ، فيكون سبع عشرة كلمة ، ووافقه أبو يوسف إلاّ في الترجيع ، فيكون عنده ثلاث عشرة كلمة ، وقال أحمد بالتخيير بين الترجيع وعدمه(2) .
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الخلاف مع العامة في خمسة موارد :
الأوّل : في الدعاء إلى خير العمل ، بعد الدعاء إلى الفلاح ، وقد عرفت اتفاقهم على نفيه .
الثاني : في الترجيع الذي حكم الشافعي ومالك باستحبابه ، وأحمد بالتخيير بينه وبين عدمه .
الثالث : في التشويب الذي حكم الشافعي باستحبابه .
الرابع : في مقدار التكبير في أوّله ، فذهب مالك وأبو يوسف إلى أنّه مرّتان لا أربع .
الخامس : في التهليل في آخره .
- (1) الجامع لأحكام القرآن6:226; بداية المجتهد1: 154 ـ 155; مغني المحتاج1: 136; الخلاف1: 278مسألة 19.
- (2) المجموع 3: 93; بداية المجتهد 1: 154 ـ 155; تفسير القرطبي 6: 227; الخلاف 1: 279.
(الصفحة 487)
ويظهر من جميع من ذكرنا قوله أنّ آخره الشهادة بالتوحيد مرّة لا التهليل مرّتين ، ومخالفة مشهور الإمامية وكذا العامة مع بعض أصحابنا(1) إنّما هو في مورد واحد ، وهو مقدار التكبير في آخره ، فظاهره إنّه أربع مرّات كالتكبير في أوّلة ، خلافاً للمشهور بين المسلمين ، حيث ذهبوا إلى أنّه مرّتان لا أربع .
هذا ، ويوجد في بعض الكتب الفقهية اختلاف الأمصار الإسلامية ، أعني مكّة المكرّمة ، والمدينة ، والكوفة ، والبصرة ، في الأذان ، فأذان مكّة المكرّمة عبارة عن التكبير أربع مرّات والشهادتين تربيعاً ، بأن يقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله أربع مرّات متعاقبة ، ثم يعقبه بالشهادة بالرسالة كذلك ، ثم سائر الفصول مثنى مثنى .
وأذان المدينة هكذا إلاّ في تربيع الشهادتين ، فإنّ أذانهم إنّما هو مع ترجيع الشهادتين لا تربيعهما ، وقد مرّ تفسير الترجيع .
وأذان الكوفة عبارة عن تربيع التكبير الأوّل وتثنية باقي الأذان فيوافق مذهب الإمامية إلاّ في فصل واحد قد عرفت اتفاقهم على نفيه ، وهو الدعاء إلى خير العمل .
وأذان البصرة عبارة عن تربيع التكبير الأوّل ، وتثليث الشهادتين وحيّ على الصلاة وحيّ على الفلاح ، يقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله مرّة ثمّ يتبعه بالشهادة بالرسالة مرّة ثمّ يدعو إلى الصلاة كذلك ، ثمّ يدعو إلى الفلاح كذلك ، ثمّ يعيد المجموع مرّة ثانية ، ثمّ يعيدهنّ ثالثة(2) .
والعجب أنّ كلاًّ منهم استند لمذهبه بالسيرة المستمرة من زمان النبي(صلى الله عليه وآله) ، وهذا المعنى ممّا يدل على عدم اعتناء أكثر الصحابة بالأحكام الشرعية ، وإلاّ
- (1) الهداية : 131 ، ب42 .
- (2) بداية المجتهد 1 : 154 ـ 155.
(الصفحة 488)
فكيف يمكن أن يخفى عليهم مثل هذا الأمر المكرّر في كل يوم وليلة خمس مرّات ، وحينئذ فيرتفع الاستبعاد عمّا ورد من الأئمة(عليهم السلام) ممّا يخالف جميعهم كما هو واضح .
ثمّ إنّه يدل على ما ذهب إليه مشهور الإمامية في كيفية الأذان ، بعض الروايات الواردة في هذا الباب(1) ، ولكونها موافقة للشهرة من حيث الفتوى ، بل وكذا من حيث الرواية يجب الأخذ بها دون غيرها ممّا يدل بظاهره على خلاف المشهور ، لما حققناه في الاُصول ، من أنّ أول المرجحات هي الشهرة الفتوائية ، هذا كلّه في الأذان .
وأمّا الإقامة فالمشهور بين الإمامية أنّها سبعة عشر فصلا(2) ، على ترتيب فصول الأذان ، وينقص من التكبيرات في أوّله تكبيرتان ، ويزاد فيها بدلهما قد قامت الصلاة مرّتين ، بعد قول حيّ على خير ا لعمل ، وينقص أيضاً من التهليل في آخره مرّة واحدة ، ومن قال من أصحابنا(3): إنّ الأذان عشرون فصلا ، فقد ذهب إلى أنّ الإقامة اثنان وعشرون فصلا ، أثبت فيها جميع فصول الأذان مع زيادة قد قامت الصلاة مرّتين في الموضع المذكور .
وعليه فيكون مجموع فصول الأذان والإقامة عنده إثنين وأربعين فصلا ، كما أنّ مجموع فصولهما عند المشهور خمسة وثلاثون فصلا .
ويدل عليه ما رواه في الكافي عن إسماعيل الجعفي قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : «الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً ، فعدّ ذلك بيده واحداً واحداً،
- (1) الوسائل 5 : 413. أبواب الاذان والاقامة ب19.
- (2) الخلاف 1: 279 مسألة 20; المعتبر 2: 139; تذكرة الفقهاء 3 : 43; مفتاح الكرامة : 2 / 281; كشف اللثام : 3 / 375; جواهر الكلام : 9 / 82 .
- (3) الهداية : 131 ، ب42 .
(الصفحة 489)
الأذان ثمانية عشر حرفاً ، والإقامة سبعة عشر حرفاً»(1) وغيرها ممّا يدل على ذلك ، ولا ريب أنّ الترجيح معها لكونها موافقة لفتوى المشهور كما عرفت .
ما قيل باعتباره في الأذان والإقامة
فيما قيل أو يمكن أن يقال باعتباره في الأذان والإقامة ، وهي أمور :
أحدها : ترك التكلّم ، والكلام فيه قد يقع من حيث تكلّم المؤذن في أثناء الأذان أو بعده ، وقد يقع من حيث تكلّم المقيم نفسه في أثناء الإقامة أو بعدها ، وقد يقع من حيث تكلّم المجتمعين في المسجد لإقامة صلاة الجماعة .
أمّا من الحيثية الاُولى ، فمقتضى الأخبار الكثيرة جواز تكلّم المؤذِّن في الأثناء أو بعده .
منها : رواية عمرو بن أبي نصر قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : أيتكلّم الرجل في الأذان؟ قال : «لا بأس به». قلت : في الإقامة؟ قال : «لا»(2) .
ومنها : رواية سماعة قال : سألته عن المؤذن أيتكلّم وهو يؤذن؟ قال : «لا بأس حين يفرغ من أذانه»(3) . والمراد بهذا القول يحتمل أن يكون حين الفراغ من جميع فصول الأذان، فيدلّ بمفهومه على ثبوت البأس في مورد السؤال، وهو تكلّم المؤذن في أثناء الأذان ، واللاّزم حينئذ الحمل على الكراهة ، جمعاً بين الأخبار ، ويحتمل أن يكون المراد حين الفراغ من كل فصل من فصول الأذان ، فيدلّ بمفهومه على جواز
- (1) الكافي : 3 / 302 ح3; التهذيب : 2 / 59 ح208; الاستبصار : 1 / 305 ح1232; الوسائل : 5 / 413. أبواب الاذان والاقامة ، ب19 ح1.
- (2) الكافي 3: 304 ح10; التهذيب : 2 / 54 ح182 ; الاستبصار 1 : 300 ح1110 ; الوسائل 5 : 394. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح4.
- (3) التهذيب 2: 54 ح183; الوسائل 5 : 394. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح6.