(الصفحة 489)
الأذان ثمانية عشر حرفاً ، والإقامة سبعة عشر حرفاً»(1) وغيرها ممّا يدل على ذلك ، ولا ريب أنّ الترجيح معها لكونها موافقة لفتوى المشهور كما عرفت .
ما قيل باعتباره في الأذان والإقامة
فيما قيل أو يمكن أن يقال باعتباره في الأذان والإقامة ، وهي أمور :
أحدها : ترك التكلّم ، والكلام فيه قد يقع من حيث تكلّم المؤذن في أثناء الأذان أو بعده ، وقد يقع من حيث تكلّم المقيم نفسه في أثناء الإقامة أو بعدها ، وقد يقع من حيث تكلّم المجتمعين في المسجد لإقامة صلاة الجماعة .
أمّا من الحيثية الاُولى ، فمقتضى الأخبار الكثيرة جواز تكلّم المؤذِّن في الأثناء أو بعده .
منها : رواية عمرو بن أبي نصر قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : أيتكلّم الرجل في الأذان؟ قال : «لا بأس به». قلت : في الإقامة؟ قال : «لا»(2) .
ومنها : رواية سماعة قال : سألته عن المؤذن أيتكلّم وهو يؤذن؟ قال : «لا بأس حين يفرغ من أذانه»(3) . والمراد بهذا القول يحتمل أن يكون حين الفراغ من جميع فصول الأذان، فيدلّ بمفهومه على ثبوت البأس في مورد السؤال، وهو تكلّم المؤذن في أثناء الأذان ، واللاّزم حينئذ الحمل على الكراهة ، جمعاً بين الأخبار ، ويحتمل أن يكون المراد حين الفراغ من كل فصل من فصول الأذان ، فيدلّ بمفهومه على جواز
- (1) الكافي : 3 / 302 ح3; التهذيب : 2 / 59 ح208; الاستبصار : 1 / 305 ح1232; الوسائل : 5 / 413. أبواب الاذان والاقامة ، ب19 ح1.
- (2) الكافي 3: 304 ح10; التهذيب : 2 / 54 ح182 ; الاستبصار 1 : 300 ح1110 ; الوسائل 5 : 394. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح4.
- (3) التهذيب 2: 54 ح183; الوسائل 5 : 394. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح6.
(الصفحة 490)
التكلّم في الأثناء .
ومنها : رواية محمّد الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في أذانه أو في إقامته؟ قال : «لا بأس»(1) .
ومنها : خبر الوصية الدالّ على كراهة التكلّم بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة(2) ، لكنّه ضعيف من حيث السند .
وأمّا من الحيثية الثانية ، فمقتضى بعض الأخبار جواز التكلّم في الإقامة أو مطلقاً ، أي ولو بعدها ، كرواية محمّد الحلبي المتقدمة ، ورواية الحسن بن شهاب قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : «لا بأس أن يتكلّم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعدما يقيم إن شاء»(3) . ورواية حمّاد بن عثمان قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يتكلّم بعدما يقيم الصلاة؟ قال : «نعم»(4) .
ومقتضى بعضها الآخر عدم جواز ذلك ، كرواية محمّد بن مسلم قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «لا تتكلّم إذا أقمت الصلاة فإنّك إذا تكلّمت أعدت الإقامة»(5) ورواية عمرو بن أبي نصر المتقدمة ، الدالة على ثبوت البأس فيما لو تكلّم في الإقامة ، ورواية أبي هارون المكفوف قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلّم ولا تؤم بيدك»(6) .
هذا ، ومقتضى الجمع بين الطائفتين حمل الثانية منهما على الكراهة ، مضافاً إلى
- (1) التهذيب 2: 54 ح186; الإستبصار 1: 301 ح1113; الوسائل 5: 395. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح8 .
- (2) أمالي الصدوق: 248 ح3; الفقيه 4: 257 ح822 ; الوسائل 5: 394. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح2.
- (3) التهذيب 2: 55 ح188 ; السرائر 3: 601; الإستبصار 1: 301 ح1115; الوسائل 5: 395. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح10 .
- (4) التهذيب 2: 54 ح187 ; الإستبصار 1: 301 ح1114; الوسائل 5: 395. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح9 .
- (5) التهذيب 2: 55 ح191 ; الإستبصار 1: 301 ح1112; الوسائل 5: 394. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح3 .
- (6) الكافي 3 : 305 ح20; التهذيب 2 : 54 ح 185; الوسائل 5 : 396. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح12.
(الصفحة 491)
أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي الحكم بالكراهة ، فإنّ المقيم كأنّه قد ورد في الصلاة ليس بخارج منها ، كما أنّه ليس بداخل فيها واقعاً ، فينبغي له ترك التكلّم المانع بوجوده عن صحة الصلاة .
وأمّا من الحيثية الثالثة ، فمقتضى أكثر الأخبار الواردة في هذا الباب حرمة الكلام على أهل المسجد إذا قال المقيم : قد قامت الصلاة ، إلاّ في بعض الموارد :
منها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال : «إذا أُقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد إلاّ في تقديم إمام»(1) .
ومنها : رواية سماعة قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «إذا أقام المؤذّن الصلاة فقد حرم الكلام، إلاّ أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام»(2) .
ومنها : رواية ابن أبي عمير قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في الإقامة؟ قال : «نعم فإذا قال المؤذّن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلاّ أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض: تقدّم يا فلان»(3) .
هذا، ومقتضى رواية عبيد بن زرارة جواز ذلك ، حيث قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام)قلت : أيتكلّم الرجل بعدما تقام الصلاة؟ قال : «لا بأس»(4) . والجمع يقتضي حمل الروايات المتقدمة الظاهرة في الحرمة على الكراهة ، مضافاً إلى ما عرفت من أنّه قضية مناسبة الحكم والموضوع ، ثمّ إنّه يحتمل أن لا يكون للاستثناء الواقع في أكثر هذه الأخبار خصوصية ، بل كان الملاك رعاية مصالح الجماعة وما
- (1) الفقيه 1 : 185 ح879 ; الوسائل 5 : 393 . أبواب الأذان والإقامة ب10 ح1.
- (2) التهذيب 2: 55 ح190 ; الإستبصار 1: 302 ح1117; الوسائل 5: 394. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح5 .
- (3) التهذيب 2: 55 ح189 ; الإستبصار 1: 301 ح1116; الوسائل 5: 395. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح7 .
- (4) السرائر 3: 601; الوسائل 5: 396. أبواب الأذان والإقامة ب10 ح13 .
(الصفحة 492)
تتقوم به ، فالكلام لغير تعيين الإمام ، بل لتنبيه الجاهل بأحكام الجماعة مثلا ، أو لتسوية الصفوف خارج عن الحرمة ، كما احتمله العلاّمة(قدس سره)، بل جزم به في المنتهى(1) .
ثمّ لا يخفى إنّه تطلق الإقامة كثيراً ما على قول قد قامت الصلاة ، كما يظهر بمراجعة الأخبار ، وحينئذ فلا تعارض بين نفس الروايات المتقدمة الدالة على حرمة الكلام كما هو واضح . ثمّ إنّ اطلاق الأذان على الأعمّ منه ومن الإقامة شائع جدّاً ، كما يظهر لمن تتبع في الأخبار ، وممّا اطلق فيه الأذان على الأعمّ روايتا سماعة وابن أبي عمير المتقدمتان .
ثانيها : عدم مغايرة المؤذّن للمقيم ، ومقتضى الأخبار جوازها ، وقد جمعها صاحب الوسائل في الباب الواحد والثلاثين من أبواب الأذان والإقامة فراجع .
ثالثها : البلوغ ، ومقتضى الأخبار أيضاً عدم اعتباره ، كخبر ابن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم»(2) . وغير ذلك ممّا جمعه صاحب الوسائل في الباب الثاني والثلاثين فراجع . ومقتضى صحة أذان غير البالغ كون عباداته شرعية كما هو الحقّ ، وتدلّ عليه جملة من الأخبار .
رابعها : القيام والاستقرار وكونه على الأرض ، والروايات الواردة في هذا الباب كثيرة، وقدجمعها في الوسائل في الباب الثالث عشر من أبواب الأذان والإقامة.
منها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «تؤذّن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائماً أو قاعداً وأينما توجّهت ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئاً للصلاة»(3) .
- (1) المنتهى 1 : 256 .
- (2) التهذيب 2 : 280 ح1112; الوسائل 5: 440. أبواب الأذان والإقامة ب32 ح1; وسائر أحاديث الباب.
- (3) التهذيب 1 : 183 ح866 ; الوسائل 5: 401. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح1.
(الصفحة 493)
ومنها : ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا(عليه السلام) أنّه قال : «يؤذّن الرجل وهو جالس ويؤذّن وهو راكب»(1) . ومقتضاها عدم اعتبار القيام ولا كونه على الأرض ، بل ولا الاستقرار ، كما أنّ مقتضى الرواية الاُولى عدم اعتبار القيام ولا الاستقرار ، بناءً على أن يكون المراد بقوله : «وأينما توجّهت» المشي إلى المحلّ الذي يريده المؤذّن ، لا نفي اعتبار الاستقبال .
هذا ، ولا يخفى بعد المعنى الأوّل .
ومنها : ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «إذا أذّنت في الطريق أو في بيتك ثمّ أقمت في المسجد أجزأك»(2) . ومقتضاها نفي اعتبار الاستقرار ، ولكن الرواية لم تصدر لبيان ذلك ، بل المقصود منها عدم اعتبار اتصال الأذان بالإقامة كما لا يخفى .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا بأس للمسافر أن يؤذّن وهو راكب ويقيم وهو على الأرض قائم»(3) .
ومنها : رواية محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): يؤذّن الرجل وهو قاعد؟ قال : «نعم ولا يقيم إلاّ وهو قائم»(4) .
ومنها : رواية أحمد بن محمّد، عن العبد الصالح(عليه السلام) قال : «يؤذّن الرجل وهو جالس ولا يقيم إلاّ وهو قائم» . وقال : «تؤذّن وأنت راكب ولا تقيم إلاّ وأنت على الأرض»(5) .
- (1) الفقيه 1: 183 ح867; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح2.
- (2) الفقيه 1: 189 ح901; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح3.
- (3) التهذيب 2 : 56 ح193 ; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح4.
- (4) التهذيب 2 : 56 ح194 ; الإستبصار 1: 302 ح1118; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح5.
- (5) الكافي 3: 305 ح16; التهذيب 2 : 56 ح195 ; الإستبصار 1: 302 ح1119; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح6.