(الصفحة 5)
نهاية التقرير
الجزءالاول
مقدّمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في حياة الإمام السيّد البروجردي
آية الله العظمى السيد حسين بن علي بن أحمد بن علي النقي بن الجواد بن المرتضى ـ والد السيّد بحر العلوم، محمد مهدي الطباطبائي ـ ابن محمد بن عبد الكريم بن المراد ـ الذي تجتمع فيه الأسر الطباطبائية الأربع: الأسرة الطباطبائية في بروجرد. اُسرة آل الحكيم في النجف الأشرف. اُسرة آل صاحب الرياض في كربلاء. الاُسرة الطباطبائية في يزد ـ ابن الشاه أسد الله بن جلال الدين الأمير بن الحسن بن مجد الدين بن قوام الدين بن إسماعيل بن عباد بن أبي المكارم بن عباد ابن أبي المجد بن عباد بن علي بن حمزة بن طاهر بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج ـ الذي كان ممّن حضر وقعة فخ في ذي القعدة سنة تسع وستين ومائة مع ابن عمّ أبيه «الحسين بن علي بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)» ـ ابن إبراهيم الغَمر ـ الذي كانت اُمّه فاطمة بنت الإمام الحسين(عليه السلام) ، وقد قضى نحبه مظلوماً سنة 145هـ في سجن المنصور العباسي، وكان عمره سبعاً وستين سنة ـ ابن الحسن المثنى ـ الذي سمّه عبد الملك بن مروان الأموي ، فمات عن خمس وثلاثين سنة ـ ابن الإمام أبي محمد
(الصفحة 6)
الحسن بن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
أمّا اُمّه فهي: السيدة آغابيگم بنت السيد محمد علي بن السيد عابد بن السيد علي بن السيد محمد بن عبد الكريم.
إذن فنسبه الشريف ينتهي بالإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، فهو حسني من جهة أبيه، وحسيني من جهة اُمّ إبراهيم الغَمر : فاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، وهو طباطبائيّ نسبةً إلى جدّه السابع والعشرين، إبراهيم طباطبا، وهو بروجرديّ نظراً إلى توطّنه في بروجرد، مدينته الواقعة في منطقة لُرِستان في جبال غرب إيران برهةً من الزمن.
مراحل حياته المباركة
المرحلة الاُولى: بروجرد
احتضنته هذه المدينة وليداً لأبوين كريمين، في اُسرة جليلة عريقة عرفت بالعلم والورع والتقوى، وكان ذلك في أواخر شهر صفر من سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف من الهجرة النبويّة المباركة.
كانت اُسرته روضةً من رياض العلم والأخلاق ، فراح سيّدنا يرتع فيها، ويتوغّل في معارجها، ويحلِّق في آفاقها بعيداً، فخلقت منه صورةً مشرقةً للفضيلة، وعَلَماً من أعلام المسلمين، ومفخرةً من مفاخرهم العلمية، وزعيماً من زعماء الطائفة.
يقول العلاّمة الطهراني عند ترجمته للسيد:
«... إنّ اُسرة السيد البروجردي من اُسر العلم الجليلة، التي لها مكانتها السامية، فوالده وجدّه، وعمّ أبيه الميرزا محمود، وجدّ أبيه، وجدّ جدّه، وسلفه إلى السيد عبد الكريم المذكور علماء أجلاّء معاريف، لهم آثار هامّة، قد قاد بعضهم
(الصفحة 7)
الحركة العلميّة»(1).
وكما احتضنت ولادته احتضنت نشأته، حيث قضى فيها قرابة خمس وخمسين سنة من عمره الشريف (1392 ـ 1310، 1328 ـ 1364 هـ . ق) متعلِّماً ومعلِّماً وهذا ديدنه في كلّ الحوزات الاُخرى.. فكان نزوعه إلى العلم جبلة وطبيعة، حتى غدت عنده كلّ العلوم ـ التي تلقّاها في حياته الطويلة التي نافت على ثمان وثمانين سنة ـ مَلَكات، وكان لا يتعب من طلبها، ولا يملّ من قضاء كلّ وقته في تحصيلها...
ويبدو أنّ والده السيد علي أدرك فيه كلّ هذا، فراح هذا العالم الجليل يبذل جهده المبارك في تربية ولده وإعداده دينيّاً وعلمياً، فقد تلقّى تعليمه الأول قراءةً وكتابةً عنده قبل السابعة من عمره، ثمّ هيَّأه وأعدّه لدراسة آداب اللغة العربية، فقد اختار له من كتب الأدب العربي: جامع المقدّمات والسيوطي وغيرهما في «المكتب»، كما درس «گلستان سعدي» في الأدب الفارسي، وكان ذلك سنة تسع وتسعين ومائتين وألف قمرية(2).
لم ينته دور الأب السيد علي الطباطبائي مع ابنه عند هذا الحدّ، بل راح يلاحقه في تعليمه ويواكبه في دراسته، ويهيئ له أجواءً علميةً بعيدةً عن مشاغل الحياة اللاهية والمرهقة... ليوفِّر له الوقت الكافي للدراسة والتحصيل، وليشبع رغباته العلمية وما تحتاجه مواهبه وقدراته ، خاصة بعد أن لمسها فيه، وعرف أنّ ابنه يتمتّع بقوّة الذاكرة، وأنه ذو قابلية نادرة وقدرة عجيبة على الاستيعاب، فنقله إلى مدرسة «نوربخش» الدينية، التي كانت يومذاك تتّصف بدراستها الجيّدة، لما فيها من أساتذة أكفّاء ومصادر بحث قيّمة، مكّنته أن يقضي وقته درساً وبحثاً ومطالعةً
- (1) اُنظر نقباء البشر 2 : 602 .
- (2) مقدمة الحاشية على كفاية الاُصول : 42.
(الصفحة 8)
ومناظرةً، فحصل منهاعلى نصيب تحتاج إليه حياته العلمية... وكان إلى جانب ذلك يحضر دروساً اُخرى مستفيداً من أساتذة الحوزة العلمية في بروجرد، فدرس في هذه المرحلة علم المنطق والفقه والاُصول ، وأتمّها على أيدي أساتذة الحوزة العلمية.. منهياً هذه المرحلة من حياته العلمية سنة 1310هـ ، وقد أكمل فيها المقدّمات والسطوح العالية.. وقد هيّأته هذه الدراسة واستيعابه المبكر لعلومها ليكون مدرِّساً ممتازاً في الحوزة الاُخرى التي انتقل إليها في اصفهان فيما بعد.
وبانتقاله إلى مدينة اصفهان، تنتهي المرحلة الاُولى من حياته، ليبدأ مرحلةً اُخرى سنة 1328 قمرية بعد أن عاد إلى بروجرد من اصفهان والنجف مجتهداً فقيهاً; ليقضي فيها ستّاً وثلاثين سنةً أُستاذاً فذّاً، وباحثاً لامعاً، ومحقِّقاً جادّاً قلَّ نظيره، فعكف عليه طلبة حوزة بروجرد; ليستنيروا بإيمانه وتقواه، ويستزيدوا من معارفه وعلومه، التي استقاها من أقطاب العلم وأئمّة الدين في كلّ من مدينتي إصفهان والنجف الأشرف.
المرحلة الثانية: اصفهان
بعد أن اكتملت عند سيدنا مرحلتا المقدّمات والسطوح انتقل إلى مدينة اصفهان حيث أكبر الحوزات العلمية يومذاك. إذ كان فيها من حَمَلة العلم وأبطاله عدد لا يُستهان به(1)، وكان عمره ثمانية عشر عاماً، أي في سنة 1310. وقضى في اصفهان عشر سنوات (1310 ـ 1320) استاذاً لمرحلة السطوح، وتلميذاً يحضر بحوث كبار علمائها، حتى أتقن السطوح، وتقدّم على أقرانه وزملائه، واشتغل بتدريس «قوانين الاُصول» برهةً، استفاد منه خلالها بعض الطلاّب(2)، فعظم علمه، وصقلت مواهبه، وتوسّعت دائرة اُفقه; لتشمل مجالات العلوم الحوزوية المختلفة من
- (1 و 2) نقباء البشر 2 : 605 .
(الصفحة 9)
الفقه والاُصول والرجال والحديث والحكمة والفلسفة.
أساتذته في هذه المرحلة:
ـ الميرزا أبو المعالي الكلباسي (1247 ـ 1315هـ) وأفاد منه كثيراً في علمي الحديث والرجال، وحظي عنده بمقام كريم، فقد كان من طلاّبه المبرزين ومن المقرّبين. وكان سيّدنا يهتمّ بدرس استاذه أبو المعالي أكثر من غيره ، كما صرّح هو بذلك.
ـ السيد محمد باقر الدرچه اى (1264 ـ 1342هـ).
ـ السيد الميرزا محمد تقي المدرّس (1273 ـ 1337هـ) وقد درس عندهما علمي الفقه والاُصول.
ـ أمّا في الفلسفة والحكمة العالية فقد كان يدرسهما عند كلّ من الملاّ محمد الكاشاني المعروف بـ «الآخوند الكاشي» الذي توفي عام 1333هـ وجهانگيرخان القشقائي الاصفهاني (1243 ـ 1328هـ).
ونظراً للمكانة العلمية التي حظي بها، وللمقام المحمود الذي كان له عند أساتذته الكبار في الحوزة العلمية في إصفهان، ولما لمسوا فيه من صدق التوجّه والموهبة العظيمة، واستيعابه للمطالب بشكل علمي متين.. فقد منحه شهادة الاجتهاد كلّ من أبي المعالي والدرچه اي والمدرّس وهو بعد لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره.
أما الدروس التي كانت على عاتقه وقام بتدريسها في هذه المرحلة فهي على مستوى السطوح العليا: كشرح اللمعة الدمشقية في الفقه، والقوانين المحكمة في الاُصول ، والفصول في الاُصول حيث كان يدرّسها بإتقان تامّ وإمعان وتحقيق، ومن الجدير بالذكر أنه لم يكن يغفل عن مراجعة ما ذكره علماء العامّة في مختلف الحقول العلميّة فضلاً عمّا أفاده أصحابنا رضوان الله تعالى عليهم.