(الصفحة 499)
رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) ، المتقدمة في الأمر الرابع . وكيف كان فلو دلّ الدليل على التفصيل بين الأذان والإقامة باعتبار الاستقبال في الثاني دون الأوّل ، فالكلام فيه حينئذ نظير الكلام في باب القيام .
ثمّ إنّه لو قلنا باعتبار تلك الاُمور في صحة الإقامة ، أو قلنا باستحبابها فيها ، فهل يستفاد من الأخبار المتقدمة الدالة على الشرطية أو الاستحباب التعميم بالنسبة إلى كل ما يعتبر في الصلاة وجوداً أو عدماً ، فيعتبر أو يستحب جميعها في الإقامة ، مثل قصد القربة أو عدم الالتفات ، بحيث يرى خلفه من زواية عينه ، وغير ذلك من الأمور المعتبرة في الصلاة وجوداً أو عدماً؟ وجهان :
من استفاده التعميم من التعليل في أكثر الأخبار المتقدمة; بأنّ المقيم كأنّه في الصلاة; ولذا نهي في بعضها عن الايماء باليد في الاقامة ، ومن عدم الدليل على جواز التعدّي عن تلك الأمور .
موارد سقوط الأذان والإقامة
هنا مسائل
المسألة الاُولى : يسقط الأذان خاصّة في موارد :
الأوّل : في الجمع بين الظهرين في يوم عرفه ، فإنّه يسقط الأذان بالنسبة إلى صلاة العصر .
الثاني : في الجمع بين العشائين بمزدلفة بالنسبة إلى العشاء ، ويدل عليهما
(الصفحة 500)
الأخبار الكثيرة :
منها : ما رواه الشيخ عن ابن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذّن ويقيم للظهر، ثمّ يصلّي ثمّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان، وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة»(1) .
ومنها : ما رواه أيضاً عن عمر بن اُذينة، عن رهط، منهم: الفضيل وزرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) : «إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين» . وروى الصدوق مرسلا مثله ، إلاّ أنّه قال : «بين الظهر والعصر بعرفة» ثمّ قال : «بين المغرب والعشاء بجمع»(2) .
وغير ذلك من الأخبار الكثيرة التي نقلها في الوسائل في بعض أبواب المواقيت(3) وصلاة الجمعة(4) والحج(5) ، فراجع .
الثالث : في العصر من يوم الجمعة ، ولم نظفر برواية دالّة على هذا الحكم بخصوصه ، وإنّما أفتى به الأصحاب(6) ، نعم يستكشف منه وجود نصّ على ذلك كان منقولا في الجوامع الأولية ، والاستدلال على ذلك بما ورد في بعض الروايات ، من أنّ أذان الثالث يوم الجمعة بدعة(7) لا يخلو من النظر بل المنع ، لعدم الدليل على كون المراد بأذان الثالث أذان العصر .
الرابع : في موارد قضاء الصلوات ، فإنّه يسقط الأذان فيها بالنسبة إلى ما عدا
- (1) التهذيب 2 : 282 ح1122; الوسائل 5 : 445. أبواب الأذان والإقامة ب36 ح1.
- (2) التهذيب 3: 18 ح66; الفقيه 1: 186 ح885; الوسائل 5: 445. أبواب الأذان والإقامة ب36 ح2 و3.
- (3) الوسائل 4: 218 ـ 225. أبواب المواقيت ب31 و32 و34 .
- (4) الوسائل 7: 400. أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب49.
- (5) الوسائل 14: 14. أبواب الوقوف بالمشعر ب6 .
- (6) المبسوط 1: 151; النهاية: 107; السرائر 1: 305; الغنية: 91; جواهر الكلام 9 : 30; مفتاح الكرامة 2 : 260 .
- (7) الوسائل 7: 400. أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب49.
(الصفحة 501)
الصلاة الاُولى ، ويدل عليه ما رواه في الكافي عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال : «إذا كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثمّ صلّها ثمّ صلِّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة»(1) .
وما رواه فيه أيضاً عن موسى بن عيسى قال : كتبت إليه : رجل تجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان وإقامة؟ فكتب(عليه السلام) : «يعيدها باقامة»(2) وغيرهما ممّا يدل عليه من الأخبار ، ولا يخفى أنّ سقوط الأذان بالنسبة إلى الصلاة الثانية في جميع الموارد المتقدمة ليس لخصوصية فيها ، بل السقوط إنّما هو من ناحية الجمع بين الصلاتين ، فلو جمع بينهما في غير تلك الموارد يسقط الأذان بالنسبة إلى الصلاة الثانية أيضاً ، كما أنّه ربما يوافقه الاعتبار ، لما عرفت من أنّ حقيقة الأذان إنّما هو النداء إلى إقامة الصلاة ليجتمع الناس في المسجد ، وفي موارد الجمع يكون الناس مجتمعين فيه ، فلا حاجة إلى النداء .
نعم لا تسقط الإقامة ، لكونها لتنبيه الحاضرين كما تقدّم . هذا ، مضافاً إلى أنّ رواية الفضيل وزرارة المتقدمة ، لا اختصاص لها بالجمع في يوم عرفة ، أو بمزدلفة ، بل يستفاد منها الاطلاق .
لا يقال : إنّ مدلولها حكاية فعل النبي(صلى الله عليه وآله) ، ومن المعلوم أنّ الفعل لا إطلاق له كالقول، فلعلّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان يجمع بين الظهرين في يوم عرفة بأذان وإقامتين ، وبين العشائين بمزدلفة كذلك .
لأنّا نقول : لا نسلم عدم الاطلاق فيما لو كان الحاكي هو الامام(عليه السلام)، وكان المقصود من حكايته بيان الحكم ، فإنّه(عليه السلام) لو لم يأخذ في مقام بيان الحكاية قيداً ليستفاد منه الإطلاق .
- (1) الكافي : 3 / 291 ح1; التهذيب : 3 : 158 ح340 ; الوسائل : 5/ 446. أبواب الاذان والاقامة ب37 ح1 .
- (2) التهذيب 2: 282 ح1124; الوسائل 5: 446. أبواب الأذان والإقامة ب37 ح2.
(الصفحة 502)
وبالجملة: فالظاهر إطلاق الحكم وسقوط الأذان فيما لو جمع بين الصلاتين أو أزيد بالنسبة إلى غير الاُولى . هذا ما ذهب إليه الخاصة ، وأمّا العامة فحيث إنّ الجمع عندهم يختص بموارد خاصة(1) ، لعدم كون الجمع عندهم مقابلا للتفريق ، بل معناه هو الاتيان بصلاة في وقت صلاة اُخرى ، كالإتيان بصلاة الظهر في وقت صلاة العصر ، إذ أوقات الصلوات متبائنة عندهم ، فينحصر جواز الجمع والاكتفاء بأذان واحد بموارد خاصة .
ثمّ إنّ سقوط الأذان بالنسبة إلى غير الصلاة الاُولى هل هو على نحو العزيمة أو الرخصة؟ وجهان . ولا يخفى إنّه لا يستفاد من الأدلة الواردة في هذا الباب وجوب ترك الأذان أصلا، مضافاً إلى أنّ التعليل الوارد في بعض الروايات ربما يؤيد عدم الوجوب.
وتوهّم إنّ الأمر بالترك والاكتفاء بالإقامة يدل على ذلك ، يدفعه إنّ متعلّق الأمر هو الجمع ، ولا إشكال ولا خلاف في عدم وجوبه حتى في الموارد المتقدمة ، كما يدل عليه كثير من الأخبار ، واستحباب الجمع في الموارد المتقدمة الراجع إلى أفضليّة الاشتغال بالفريضة الثانية ، والمبادرة إليها بدون فصل حتّى بالأذان ، لا ينافي كون الأذان راجحاً بالإضافة إلى تركه المطلق ، وإن كان بالإضافة إلى المبادرة بالفريضة مرجوحاً .
فهو نظير العبادات المكروهة التي ينطبق عنوان أرجح على تركها مع بقائها على الراجحية بالنسبة إلى مطلق الترك ، فالمقام من هذا القبيل لا من باب التخصيص ، حتّى يقال بأنّه لا دليل على استحباب الأذان في الموارد المذكورة ، فيلزم التشريع لو أتى به عبادة كما لا يخفى . وبالجملة ، فالظاهر إنّ سقوط الأذان في تلك الموارد إنّما هو على طريق الرخصة لا العزيمة كما عرفت .
- (1) كالسفر مثلاً. راجع المجموع 4: 370 ـ 371; المغني لابن قدّامة 2: 113; الشرح الكبير 2: 116.
(الصفحة 503)
المسألة الثانية : مورد سقوط الأذان والإقامة معاً
إذا صلّى الناس جماعة ، ثمّ جاء آخرون قبل تفرق صفوفهم ، فإنّهما يسقطان بالنسبة إليهم ، وهذا في الجملة ممّا لا ريب فيه ولا إشكال(1) ، لدلالة الأخبار الكثيرة الآتية عليه ، وإنّما وقع الكلام والإشكال في بعض خصوصيات المسألة ، فالأولى نقل الأخبار الواردة في هذا المقام حتّى يتّضح بها حقيقة الحال ، فنقول وعلى الله الاتّكال :
الأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة :
منها : ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن سعيد(2)، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال : سألته عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم؟ فقال : «ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان»(3) .
ومنها : ما رواه الشيخ في التهذيب عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : الرجل يدخل المسجد وقد صلّى القوم أيؤذّن ويقيم؟ قال : «إن كان قد دخل ولم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم وإقامتهم وإن كان تفرّق الصفّ أذّن وأقام»(4) .
- (1) شرائع الإسلام 1: 74 ـ 75; المعتبر 2: 136 ـ 137; المنتهى 1: 260; تذكرة الفقهاء 3: 62 مسألة 170; مفتاح الكرامة : 2 / 266; مستند الشيعة : 4 / 529; جواهر الكلام : 9 / 41; مدارك الاحكام : 3 / 266 .
- (2) هذا الرجل ومن بعده مجهولان (منه) .
- (3) الكافي : 3 / 304 ح12; التهذيب : 2 / 277 ح1100 ; الوسائل : 5/ 429. أبواب الأذان والإقامة ب25 ح1 .
- (4) التهذيب 2: 281 ح1120، الوسائل 5: 430. أبواب الأذان والإقامة ب25 ح2.