(الصفحة 49)
قد يأتون ببعض نافلة العصر أيضاً بعد الإتيان بفريضة الظهر .
وبالجملة : جواز التفريق والإتيان بالنافلة في وقتين أمر ، والارتباط وكون المجموع من حيث هو مجموع نافلة واحدة مسمّاة بنافلة العصر أمر آخر ، فلا منافاة بين الروايات الدالّة على الأمر الأوّل ، وبين الروايات الظاهرة في الأمر الثاني .
وقد تلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ الظاهر في كلّ نافلة مركّبة من أزيد من صلاة هو الارتباط ووحدة الأمر ، وأنّ اختلاف بعض الأخبار في عدد الركعات لا يدلّ على الخلاف ، فضلا عن الأخبار التي لا تخالف الروايات المعمول بها في أصل العدد ، بل تخالفها في الجمع والتفريق ، كخبر سليمان بن خالد المتقدّم الدالّ على الإتيان بستّ ركعات من نافلة العصر بعد الظهر ، وبركعتين منها قبل فريضة العصر ، وخبر رجاء بن أبي الضحاك الدالّ على أنّ الرضا(عليه السلام) صلّى ستّاً من نافلة الظهر ، ثمّ أذّن ثمَّ صلّى ركعتين منها ، وكذا نافلة العصر(1) ، فإنّه لا يدلّ على استقلال ستّ ركعات ، وكونها نافلة مستقلّة ، بل التفريق والإتيان بالستّ قبل الأذان ، وبالركعتين بينه وبين الإقامة ، لعلّه كان من جهة تحقّق الفصل المستحب بين الأذان والإقامة .
الأمر الثاني : صلاة الغفيلة
روى الشيخ في المصباح عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : «من صلّى بين العشائين ركعتين يقرأ في الاُولى الحمد
{وذا النون إذ ذهب مغاضباً ـ إلى قوله : ـ وكذلك ننجي المؤمنين}(2) وفي الثانية الحمد وقوله :
{وعنده مفاتِح
(عليه السلام)
- 2 : 181 ح180 ; الوسائل 4 : 55 . أبواب أعداد الفرائض ب13 ح24 .
- (2) الأنبياء 21 : 87 ـ 88 .
(الصفحة 50)
الغيب لا يعلمها إلاّ هو}(1) الآية فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال : اللّهمَّ انّي أسألُكَ بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ أنت ، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا ، وتقول : اللهمَّ أنت وليّ نعمتي ، والقادر على طلبتي ، تعلم حاجتي ، فأسألك بحقِّ محمّد وآله لمّا قضيتها لي ، وسأل الله حاجته أعطاه الله ما سأل»(2) .
وعن السيّد رضيّ الدين بن طاووس(رحمه الله) في كتاب فلاح السائل بإسناده عن هشام بن سالم نحوه وزاد : فإنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال : «لا تتركوا ركعتي الغفلة وهما ما بين العشائين»(3) .
والنقل عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) يحتمل أن يكون صادراً من السيّد(رحمه الله) ، ويحتمل أن يكون من كلام الإمام(عليه السلام) وإن كان الثاني أظهر .
وروى الصدوق مرسلا قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «تنفّلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنّهما تورثان دار الكرامة» . قال : وفي خبر آخر : «دار السلام وهي الجنّة» وساعة الغفلة ما بين المغرب والعشاء الآخرة(4) . والظاهر أنّ قوله : وساعة الغفلة . . . ، من كلام الصدوق لا تتمّة للرواية .
وروى سماعة ووهب بن وهب والسكوني عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه(عليهما السلام)قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «تنفّلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنّهما تورثان دار الكرامة»(5) .
- (1) الأنعام 6 : 59 .
- (2) مصباح المتهجّد : 94 ; الوسائل 8 : 121 ، أبواب بقية الصلوات المندوبة ب20 ح2 .
- (3) فلاح السائل : 248 ; مستدرك الوسائل 6 : 303 . أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب15 ح3 .
- (4) الفقيه 1 : 357 ح1564 ; الوسائل 8 : 120 . أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب20 ح1 .
- (5) علل الشرائع : 343 ح1 ، ثواب الأعمال : 68 ، أمالي الصدوق : 445 ح10 ، معاني الأخبار : 265 ، التهذيب 2 : 243 ، ح963 ; الوسائل 8 : 120 ـ 121 . أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ب20 ، ذح1 .
(الصفحة 51)
وزاد الشيخ في التهذيب بعد نقل الرواية عن السكوني ، قيل : يا رسول الله وما ساعة الغفلة؟ قال : ما بين المغرب والعشاء .
وعن السيّد بن طاووس في الكتاب المذكور أنّه روى هذه الرواية أيضاً وزاد ، قيل : يا رسول الله وما معنى خفيفتين؟ قال : يقرأ فيهما الحمد وحدها . قيل : يا رسول الله متى أُصليهما؟ قال : ما بين المغرب والعشاء(1) .
وعن الصدوق في الفقيه ، عن الباقر(عليه السلام) : «إنّ إبليس يبثّ جنوده جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق ، ويبثّ جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى طلوع الشمس . وذكر أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان يقول : أكثروا ذكر الله عزّوجلّ في هاتين الساعتين وتعوّذوا بالله عزّوجلّ من شرّ إبليس وجنوده ، وعوّذوا صغاركم في هاتين الساعتين فإنّهما ساعتا غفلة» . انتهى(2) .
وروى الشيخ في المصباح عن الصادق ، عن آبائه(عليهم السلام) ، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال : «أُوصيكم بركعتين بين العشائين ، يقرأ في الاُولى الحمد وإذا زلزلت الأرض ثلاث عشرة مرّة ، وفي الثانية الحمد مرّة وقل هو الله أحد خمس عشرة مرّة ، فإن فعل ذلك في كلّ شهر كان من الموقنين ، فإن فعل ذلك في كلّ سنة كان من المحسنين ، فإن فعل ذلك في كلّ جمعة مرّة كان من المخلصين ، فإن فعل ذلك مرّة كلّ ليلة زاحمني في الجنّة ، ولم يحص ثوابه إلاّ الله تعالى»(3) .
إذاعرفت ذلك فاعلم أنّه يقع الكلام هنا في جهتين: إحداهما: اتّحادالتنفّل المأمور به في ساعة الغفلة مع صلاة الغفيلة التي تضمّنتها رواية هشام بن سالم المتقدّمة وكذا
- (1) فلاح السائل : 248 ; مستدرك الوسائل 6 : 303 . أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب15 ح2 .
- (2) الفقيه 1 : 318 ح1444 .
- (3) مصباح المتهجّد : 94 ; الوسائل 8 : 118 . أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب17 ح1 .
(الصفحة 52)
مع صلاة الوصيّة التي تدلّ عليها الرواية الأخيرة وعدمه ، والاُخرى : اتّحاد صلاة الغفيلة أو الوصيّة مع نافلة المغرب وعدمه .
فنقول : أمّا الكلام في الجهة الاُولى فملخّصه : إنّ الظاهر هو التعدّد ، وإن جاز التداخل في مقام الامتثال ، لوضوح أنّ الرواية الدالّة على مطلوبيّة مطلق التنفّل في ساعة الغفلة ، إنّما تدلّ على أنّ المطلوب هو عدم خلوّ هذا الزمان الذي هو زمان الغفلة من التنفّل الذي يكون حقيقته التوجّه إلى المعبود ، والتخضّع والتخشّع لديه ، فالمطلوب فيه أمر عام ينطبق على القليل والكثير ، ولا دلالة لها على كيفيّة مخصوصة ونحو خاصّ . والرواية الاُخرى تدلّ على استحباب ركعتين بالكيفيّة الخاصّة ، وهو عنوان آخر يغاير العنوان المأخوذ في تلك الروايات من حيث المفهوم ، ولكن لا يأبى من الاجتماع معه في الخارج ومقام الامتثال ; فهذان العنوانان في عالم تعلّق الطلب والأمر متغايران ، ولذا يجوز تعلّق أمر مستقلّ بكلّ منهما ، وفي عالم الامتثال والوجود الخارجي يمكن تصادقهما على أمر واحد .
وبعبارة أُخرى ، لمّا كان من سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) التفريق بين المغرب والعشاء ، والإتيان بكلّ منهما في وقت فضيلته ، فكان يأتي بالعشاء بعد ذهاب الشفق كما هو المتداول الآن بين المسلمين من أهل السنّة ، فلذا يفصل بين الصلاتين زمان قهراً ، وكان الناس في ذلك المقدار من الزمان مجتمعين على ذكر الاُمور الباطلة ، والاشتغال باللغو والغيبة ، ولا أقلّ من الاُمور الدنيويّة ، فلذا وقع الحثّ والتحريض على صرف هذا الزمان في ذكر الله الذي هو عبارة عن الصلاة التي حقيقتها التوجّه إلى الخالق المعبود ، بنحو الخضوع والخشوع ، فالمطلوب هو مطلق التنفّل المانع عن الاشتغال بالاُمور الدنيويّة .
ومن الواضح تحقّق هذا المطلوب بالإتيان بصلاة الغفيلة بكيفيّتها المخصوصة ، لوجود الأعمّ في ضمن الأخصّ ; وهذا لا ينافي تعلّق أمر مستقل بكلّ منهما ، لأنّ
(الصفحة 53)
ملاك تعدّد الأمر هو تغاير المتعلّقين في عالم المفهوميّة ، سواء كانت النسبة بينهما التساوي ، أو التباين ، أو العموم المطلق ، أو العموم من وجه ، غاية الأمر أنّه لايمكن التداخل في صورة التباين ، وأمّا في غيرها من الصور الثلاثة فيتحقّق التداخل في مقام الامتثال ، وإن لم يقصد العنوانين معاً .
نعم لو كان العنوانان من العناوين القصديّة التي قوامها بالقصد ، بحيث لاتتحقّق بدونه ، لا يمكن التداخل ما لم يقصد كلاهما . فانقدح ممّا ذكرنا أنّ صلاة الغفيلة وكذا الوصيّة تغاير النافلة المأمور بها في ساعة الغفلة في مقام تعلّق الأمر ; غاية الأمر أنّه يتحقّق التداخل بينهما في مقام الامتثال إذا أتى بها بصورة الغفيلة أو الوصيّة ، وأمّا إذا لم يأت بها بشيء من الصورتين ، يتحقّق الامتثال بالنسبة إلى الأمر المتعلّق بمطلق التنفّل ، دون الأمر المتعلّق بالغفيلة أو الوصيّة .
وأمّا الكلام في الجهة الثانية فملخّصه : إنّ فيه وجوهاً ثلاثة ، مقتضى الوجه الأوّل منها : إتّحاد الغفلية أو الوصيّة مع نافلة المغرب ذاتاً وعنواناً فتتحدان في مقام الصدق قهراً كما هو واضح . ومقتضى الوجه الثاني : عكس ذلك ، فهما متغايرتان عنواناً وكذا صدقاً ، فلا تجتمعان على وجود واحد . ومقتضى الوجه الثالث : التفصيل بين مقام الذات وعالم الصدق ، بتحقّق الاختلاف بينهما بحسب الذات وإمكان التصادق بحسب الخارج ومقام الامتثال .
المقايسة بين الوجوه ، الوجه الأوّل أن يقال : إنّه لمّا كان الإتيان بنافلة المغرب بين العشائين متداولا بين المسلمين ، بحيث لم يكونوا يتركونه في مقام العمل فكان قوله(عليه السلام) : «من صلّى بين العشائين ركعتين يقرأ في الاُولى الحمد . . .»(1) ، الحديث بياناً لكيفيّة خاصّة للركعتين من النافلة المعهودة بينهم ، المعروفة عندهم ، وأنّه
- (1) مصباح المتهجّد : 94 ; الوسائل 8 : 121 . أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب20 ح2 .