(الصفحة 415)
العملية ، فالرواية تدلّ على عدم وجوب الإعادة في الفرض المذكور .
ففيه : انّه يلزم بناءً عليه القول بالتفصيل بين ما إذا غسل المصلّي ثوبه وبين ما إذا وكّل الغير في غسله ـ كما هو مفاد هذه الرواية ـ وحينئذ فلا موقع لما ذكره بعد تلك العبارة من عدم وجوب الإعادة أيضاً فيما لو علم بنجاسة الثوب فأخبره الوكيل في تطهيره بطهارته .
هذا ، والأقوى وجوب الإعادة أو القضاء في الفرض المذكور ، والظاهر أنّ المراد من قوله(عليه السلام) في الرواية : «أمّا إنّك لو كنت غسلت . . .» ، هو أنّه لو كنت غسلت ثوبك لبالغت في غسله بحيث لا يبقى فيه أثر المني أصلا لا أنّه لا يضرّ العلم بوقوع الصلاة في النجاسة بعد الفراغ عنها إذا علم بالطهارة قبلها كما لا يخفى . هذا كلّه فيما لو رأى النجاسة بعد الفراغ من الصلاة .
لو رأى النجاسة في أثناء الصلاة
أمّا الثاني : لو رآها في أثنائها فإن احتمل حدوثها في الأثناء وأمكن له غسله صحّت الصلاة مع غسله لاستصحاب الطهارة إلى حين الرؤية ، ولا يضر وقوع بعض الأكوان المتخلّلة بين الأفعال في النجاسة ، لما يستفاد من الروايات الكثيرة المستفيضة الواردة فيما لو حصل للمصلّي رعاف في أثناء الصلاة ، وأمكن له الغسل من وجوب الغسل والاتمام وعدم وجوب الإعادة أو القضاء .
ومن المعلوم أنّه لا خصوصيّة للرعاف ، فلو أصابه في أثناء الصلاة دم من نفسه أو من غيره ثم أزاله وأتمّ صلاته صحّت الصلاة ، كما أنّه يحكم العرف بعدم اختصاص ذلك الحكم بالدم ، بل يجري في كل قذارة ونجاسة ، كما أنّه لا خصوصيّة للغسل ، بل المناط هو رفع النجاسة وإزالتها ، لئلاّ تقع الصلاة فيها ولو بقلع الثوب وإلقائه ، فيستفاد من تلك الروايات قاعدة كلية ، وهي عدم بطلان الصلاة لو وقع
(الصفحة 416)
بعض أكوانها المتخلّلة بين أفعالها في النجاسة ، إذا لم يأت بفعل أو قول معها .
هذا إذا احتمل حدوثها في الأثناء وإن لم يحتمل حدوثها فيه بل تبيّن له أنّها كانت من قبل ، بحيث وقع بعض أفعال الصلاة معها ، فمقتضى قاعدة الإجزاء وجوب الاتمام مع إمكان غسله ، وعدم وجوب الإعادة أو القضاء ، كما أنّ مقتضى الروايات المتقدّمة ـ الواردة فيما لو تبيّن وقوع الصلاة في النجاسة بعد الفراغ عنها ـ ذلك ، لأنّه إذا كانت الصلاة الواقعة بتمامها فيها صحيحة مجزية ، فوقوع بعض أفعالها في النجاسة مع الجهل بها ، فصحّتها وإجزائها بطريق أولى .
وقد عرفت أنّه لا يضرّ وقوع بعض الأكون المتخلّلة بين الأفعال في النجاسة ، فمقتضى القاعدة عدم وجوب الإعادة ، إلاّ أنّه يظهر من بعض الروايات الفرق بين ما إذاتبيّن الخلاف في الأثناء، وبين ماإذا تبيّن بعد الفراغ، وأنّه تجب الإعادة في الصورة الاُولى دون الثانية ، مثل رواية أبي بصير المتقدّمة عن أبي عبدالله(عليه السلام)حيث قال(عليه السلام) في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به ، قال: «عليه أن يبتدئ الصلاة» وقال في مقام الجواب عن السؤال عمّا إذا علم بوقوعها في النجاسة بعد الفراغ: «مضت صلاته ولا شيء عليه»(1). ومثل صحيحة زرارة المتقدّمة(2).
وحيث إنّ الرواية متضمّنة لأحكاموفروع كثيرة، فلابأس بنقلها بتمامها فنقول:
روى الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة قال(3) : قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ، فعلّمت أثره إلى أن أصيب له الماء، فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئاً
- (1) الوسائل 3 : 474 . أبواب النجاسات ب40 ح2 .
- (2) الوسائل 3 : 477 . أبواب النجاسات ب41 ح1 .
- (3) رواه الصدوق في العلل عن أبيه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر
(عليه السلام)
- ، وعليه لا تكون الرواية مضمرة «منه» .
(الصفحة 417)
وصلّيت، ثم إنّي ذكرت بعد ذلك، قال(عليه السلام) : «تعيد الصلاة وتغسله» . قلت : فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صلّيت وجدته، قال : «تغسله وتعيد» . قلت : فإن ظننت أنّه أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ شيئاً ثمّ صلّيت فيه فرأيت فيه، قال : «تغسله ولا تعيد الصلاة» . قلت : لِمَ ذلك؟ قال : «لانّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً» . قلت : فإنّي قد علمت أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟ قال : «تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك». قلت : فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال : «لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب بالشكّ الذي وقع في نفسك» . قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال : «تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، وإن لم تشكّ ثم رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة، لأنك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ»(1) .
فإنّ الجواب عن السؤال الثالث يدلّ على عدم وجوب الإعادة ، فيما إذا انكشف الخلاف بعد الفراغ والاتمام ، والجواب عن السؤال الأخير يدلّ على وجوب الإعادة فيما إذا التفت إلى النجاسة في الأثناء ، وعلم بوقوع بعض الأفعال فيها ، وعلى عدم وجوبها في هذه الصورة ، فيما إذا علم أو احتمل حدوثها في الأثناء .
وبالجملة: فظاهر الرواية التفصيل بين ما إذا تبيّن وقوع الصلاة في النجاسة بعد الفراغ ، وبين ما إذا تبيّن ذلك في الأثناء ، ولكن قد يدعى القطع بعدم الفرق بين
- (1) التهذيب 1: 421 ح1335; الإستبصار 1: 183 ح641، علل الشرائع: 361، الوسائل 3: 477. أبواب النجاسات ب41 ح1.
(الصفحة 418)
الصورتين ، بل بأولويّة عدم وجوب الإعادة في الصورة الثانية ، خصوصاً بعد اشتراكهما في العلّة التي علّل الإمام(عليه السلام) عدم وجوب الإعادة في الصورة الاُولى بها ، وهي جريان الاستصحاب واقتضاء دليله الإجزاء .
وهذا يوجب طرح الرواية مضافاً إلى أنّ من البعيد أن لا يسأل زرارة بعد سؤاله عن علّة الحكم في الصورة الاُولى عن علّة حكم هذه الصورة ، خصوصاً بعد اشتراكهما في التعليل كما عرفت آنفاً .
هذا ، ولا يخفى أنّه لا وجه لطرح الرواية بعد كونها صحيحة ، ومجرّد الاستبعاد لا يوجب ذلك، واقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء ودلالته على توسعة المأمور به بالأمر الواقعيّ الأوّلي إنّما هو مقتضى ظاهر دليله ، فلا ينافي ورود دليل خاصّ على خلافه، كما قام في الطهارة الحدثيّة على وجوب الإعادة ، فيما إذا تبيّن كونه فاقداً لها .
وبالجملة: فالظاهر لزوم الأخذ بمقتضى الرواية وجعلها دليلا على التفصيل في المسألة، وإن كان خلاف القاعدة .
هذا ، وقد يتوهّم دلالة صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة على ما ذكرنا أيضاً ، حيث قال الإمام(عليه السلام) فيها : «إن رأيت المنيّ قبل أو بعدما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمّ صلّيت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك ، وكذلك البول»(1) .
ولا يخفى أنّ ظاهرها التفصيل بين ما إذا كان مسبوقاً بالعلم ، وما إذا لم يكن كذلك ، لا الفرق في الثاني بين الأثناء وبعد الفراغ ، كما هو مفروض المسألة ، لأنّ المراد بقوله(عليه السلام) : «إن رأيت . . .» إنّه إن رأيت المنيّ قبل الشروع في الصلاة أو بعد الدخول فيها ونسيت إزالته وصلّيت ثم ذكرت فعليك الإعادة ، فهذه
- (1) الوسائل 3: 478. أبواب النجاسات ب41 ح2.
(الصفحة 419)
الجملة ـ الجملة الاُولى ـ متعرّضة لحكم ما إذا سبق العلم قبل إتمام الصلاة ، ووقعت باقي أجزائها فيها .
غاية الأمر إنّ ذلك لا يتحقّق من القاصد للامتثال الملتفت إلى شرطيّة الطهارة ، إلاّ مع نسيان الإزالة ، ويؤيّد ذلك عطف قوله «بعدما تدخل» على قوله «قبل» الدالّ على أنّ الفرض هو ما إذا وقعت الصلاة أو بعض أجزائها مسبوقة بالعلم بالنجاسة ، كما يؤيّده أيضاً قوله : «فعليك إعادة الصلاة» كما لا يخفى .
ثمّ إنّه قد يتوهّم أيضاً دلالة رواية اُخرى لمحمّد بن مسلم على التفصيل المتقدّم الذي دلّت عليه صحيحة زرارة المتقدّمة ، وهي ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن محمّد بن مسلم قال : قلت له : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة، قال : «إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء رأيته قبل أو لم تره، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه»(1) .
وعن التهذيب زيادة لفظة «و» قبل قوله «ما لم يزد» واسقاط قوله «وما كان أقل»، وعليه تكون جملة «مالم يزد . . .» ، جملة مستأنفة خبرها قوله : «فليس بشيء» .
وحيث إنّ الشيخ رواها في التهذيب عن كتاب الكافي ، فيدلّ ذلك على أنّ النسخة الموجودة عنده منه مطابقة لما في التهذيب ، فلا مجال للقول بأنّ ما في الكافي
- (1) الكافي 3 : 59 ح3; الفقيه 1 : 161 ح758; التهذيب 1 : 254 ح736; الإستبصار 1: 175 ح609; الوسائل 3 : 431 . أبواب النجاسات ب20 ح6 .