(الصفحة 466)
هنا فروع :
الفرع الأوّل : في جواز السجود على مطلق الأرض
إنّه يجوز السجود على كل ما يصدق عليه عنوان الأرض ، سواء كان تراباً أو حجراً أو غيرهما ، ولا فرق في التراب بين أن يكون تراباً خالصاً ، أو تراباً معدنياً مشتملا على ذرّات الذهب ، أو الفضّة ، أو غيرهما من المعدنيات ، لعدم خروجه عن صدق التراب ، وإن خرج بعض أجزائه عن صدقه بعد التصفية والتجزية .
كما أنّه لا فرق في الحجر بين أنواعه ، فيجوز السجود على حجر الجصّ ، وكذا حجر النورة ، فيما إذا لم يكونا مطبوخين ، وأمّا بعد الطبخ فلا يبعد أن يقال أيضاً بعدم خروجهما عن صدق الأرض ، مضافاً إلى استصحاب جواز السجود عليهما الثابت قبل الطبخ ، وأمّا استصحاب الأرضية فيمكن أن يخدش في جريانه ، بعدم كون الشك في بقاء أمر خارجيّ ، بل الشك في مفهوم لفظ الأرض فتأمّل .
ويدل على الجواز أيضاً صحيحة الحسن بن محبوب قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليّ بخطه : «إنّ الماء والنار قد طهّراه»(1) .
فإنّ ظاهره أنّ الإشكال المتوهّم في جواز السجود عليه إنّما هو من حيث كونه نجساً،وأمّامع فرض الطهارة فظاهرالجوابوالسؤال كون الجوازمفروغاًعنه حينئذ.
وأمّا الزجاج فلا يجوز السجود عليه ، لعدم صدق الأرض عليه ، مضافاً إلى صحيحة محمد بن الحسين قال : إنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي(عليه السلام)
- (1) الكافي: 3 / 330 ح3; الفقيه : 1 / 175 ح829; التهذيب : 2 / 235 / 928; الوسائل : 5 / 358 أبواب ما يسجد عليه ب10 ح1 .
(الصفحة 467)
يسأله عن الصلاة على الزجاج قال : فلمّا نفذ كتابي إليه تفكّرت وقلت: هو ممّا أنبتت الأرض وما كان لي أن أسأل عنه. قال : فكتب إليّ : «لا تصلِّ على الزجاج وإن حدّثتك نفسك أنّه ممّاأنبتت الأرضولكنّه من الملح والرمل وهما ممسوخان»(1).
والمراد من قوله : «وهما ممسوخان» أنّ الرمل والملح في حال صيرورتهما زجاجاً غير باقيين على حقيقتهما ، وليس المراد أنّهما ممسوخان حتى في حال كونهما رملا وملحاً حتّى يناقش بأنّ الملح وإن لم يكن باقياً على وصف الأرضية وقد تبدّل عنه إلى صورة الملحية ، إلاّ أنّ الرمل لا يكون ممسوخاً أصلا .
الفرع الثاني: في جواز السجود على كلّ ما أنبتته الأرض
يجوز السجود على كل ما أنبتته الأرض إلاّ المأكول والملبوس ، والمراد بنبات الأرض كما هو المتبادر منه بنظر العرف ، هو ما ينبت من الأرض وله حياة نباتيّ الذي يكون مرجعه إلى التغذّي بقوى الأرض ، والاستفادة منها لإبقاء الحياة ، وإن زال عنه الروح النباتي فعلا ، لأجل اليبوسة أو الانفصال من الأرض .
وليس المراد هو ما يخرج من الأرض أو يصنع من أجزائها ولو لم يكن نباتاً عرفاً ، فلا يجوز السجود على القير وإن ورد في بعض الروايات جواز السجود عليه . معلّلا بأنّه من نبات الأرض(2) ، ولكنّها معرض عنها ، مضافاً إلى معارضتها بما يدل على المنع(3) .
- (1) الكافي : 3 / 332 ح14 .وفيه : ان أسأله عنه; التهذيب : 2 / 304 ح1231; الوسائل : 5 / 360 . أبواب ما يسجد عليه ب12 ح1.
- (2) الفقيه 1: 292 ح1325; الوسائل 5: 355. أبواب ما يسجد عليه ب6 ح8 .
- (3) الكافي 3: 331 ح6; التهذيب 2 : 304 ح1228; الوسائل 5 : 353 ـ 354. أبواب ما يسجد عليه ب6 ح1 و 3 .
(الصفحة 468)
ثمّ إنّ المشهور بينهم بل كان مفروغاً عنه عندهم ظاهراً أنّه لا يجوز السجود على الرماد ولا على الفحم(1) ، ولكن يمكن المناقشة في ذلك بأنّ الفحم إنّما هو من نبات الأرض ويشترك مع الخشب في بقاء الجسم النباتي فيه ، وزوال الحياة النباتية عنه ، نعم يفترق معه في كونه مطبوخاً ، وقد عرفت أنّ المطبوخ من الأرض لا يخرج بذلك عن حقيقتها ، فكذا المطبوخ من النبات ، وأمّا الرماد فهو وإن خرج عن صدق النبات ، لعدم بقاء الجسم النباتي معه أيضاً إلاّ أنّه يمكن أن يقال بصدق اسم الأرض عليه ، نظير التراب الذي كان في الأصل إنساناً ، فالجواز إنّما هو من هذه الجهة ، لا من جهة كونه نباتاً ، ولكن الظاهر ما ذكروه من عدم الجواز ، كما أنّ مقتضى الاحتياط أيضاً ذلك .
الفرع الثالث : في عدم جواز السجود على المأكول والملبوس
لا يجوز السجود على المأكول والملبوس ، وليس المراد منهما خصوص ما يكون صالحاً للأكل واللبس فعلا ، كالخبز والقميص ، بل يعمّ ذلك ، وما يكون صالحاً للأكل واللّبس ولو بعلاج كالحنطة والشعير والقطن والكتان ، لأنّها بنظر العرف تعدّ من المأكولات والملبوسات ، وإن توقّف أكل الأولين نوعاً على الطحن ، ثم الطبخ ، وليس الأخيرين على النسج ثم الخياطة .
ثمّ إنّ الشيء قد يكون مأكولا في جميع الأمكنة وفي جميع حالاته وفي جميع الأحوال أي أحوال الناس،ولاإشكال حينئذ في عدم جوازالسجودعليه، وقد يكون مأكولا في بعض البلاد دون بعض ، أو في بعض حالاته دون بعض ، أو في بعض
- (1) المبسوط 1 : 89 ; السرائر 1: 268; المعتبر 2: 120; تذكرة الفقهاء 2: 439; كشف اللثام 3: 344; جواهر الكلام 8 : 416; مستند الشيعة 5: 252.
(الصفحة 469)
الأحوال دون بعض ، وعلى الأوّل فقد تكون العلّة في عدم كونه مأكولا في بعض البلاد هي فقده وإعوازه فيه ، بحيث لو وجد فيه لكان مأكولا فيه أيضاً فلا إشكال حينئذ في عدم الجواز ، وقد لا تكون العلّة ذلك ، فيشكل الحكم بعدم الجواز.
وفي الفرض الثاني يمكن أن يقال بعدم خروجه عن صدق عنوان المأكول بذلك ، فلا يجوز السجود عليه ، وأولى منه القسم الثالث كالأدوية ، فإنّ الظاهر عند العرف كونها مأكولة كما لا يخفى .
ثمّ إنّه قد يقال بجواز السجود على قراب السيف والخنجر إذا كان من الخشب ، وإن كانا ملبوسين ، لعدم كونهما من الملابس المتعارفة(1) ، ولكن يمكن أن يقال بعدم الجواز في حالة كونهما ملبوسين .
نعم ، لا بأس بجواز السجود على الخشب وإن كان صالحاً لأن يصنع منه القراب ، كما أنّه يجوز على ما أعدّ منه له ، للفرق بينه وبين القطن والكتان اللذين لا يجوز السجود عليهما ولو قبل النسج والخياطة عند العرف ، فإنّه لا يطلق على الخشب أنّه ملبوس وإن كان معدّاً للقراب ، بخلافهما .
الفرع الرابع : السجود على القطن والكتان
في جواز السجود على القطن والكتّان خلاف(2) ، وقد ورد فيه صنفان من الروايات ، فطائفة منها تدلّ على الجواز ، والاُخرى تدلّ على المنع .
- (1) جواهر الكلام 8 : 423 .
- (2) رسائل الشريف المرتضى 1: 147; الخلاف 1: 357 مسألة 112; المعتبر 2: 118; تذكرة الفقهاء 2: 436; مختلف الشيعة 2: 115; الحدائق 7: 249; مستند الشيعة 5: 253; جواهر الكلام 8 : 423; كتاب الصلاة للمحقّق النائيني 1: 361.
(الصفحة 470)
فأمّا الطائفة الاُولى، فمنها : ما رواه داود الصرمي قال : «سألت أبا الحسن الثالث(عليه السلام): هل يجوز السجودعلى القطن والكتّان من غيرتقية؟ فقال(عليه السلام) : «جائز»(1).
ومنها : خبر الحسين بن عليّ بن كيسان الصنعاني قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث(عليه السلام) أسأله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة؟ فكتب إليّ : «ذلك جائز»(2) .
ومنها : رواية منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال : «لا ، ولكن اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً أو كتاناً»(3) .
ومنها : رواية ياسر الخادم قال : مرّ بي أبو الحسن(عليه السلام) وأنا أُصلّي على الطبري وقد ألقيت عليه شيئاً أسجد عليه فقال لي : «مالكَ لا تسجد عليه؟ أليس هو من نبات الأرض؟»(4) . ودلالة هذه الرواية على الجواز مبنية على أن يكون الطبري شيئاً معهوداً متخذاً من القطن والكتان .
وأمّا الطائفة الثانية ، فمنها : خبر الأعمش المروي في الخصال عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام)في حديث شرايع الدين قال : «لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتان»(5) .
ومنها : خبر أبي العبّاس الفضل بن عبدالملك قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) :
- (1) التهذيب : 2 / 307 ح1246 ; الاستبصار : 1 / 332 ح1246 ; الوسائل : 5 / 348. أبواب ما يسجد عليه ب2 ح6.
- (2) التهذيب 2: 308 ح1248; الإستبصار 1: 333 ح1253; الوسائل 5: 348. أبواب ما يسجد عليه ب2 ح7.
- (3) التهذيب : 2 / 308 ح1247 ; الاستبصار : 1 / 332 ح 1247; الوسائل : 5 / 351. أبواب ما يسجد عليه ب4 ح7 .
- (4) التهذيب 2: 308 ح1249; الإستبصار 1: 331 ح1243; الوسائل 5: 348. أبواب ما يسجد عليه ب2 ح5.
- (5) الخصال : 604 ح9; الوسائل : 5 / 344. أبواب ما يسجد عليه ب1 ح3 .