(الصفحة 147)
وبيّنهنّ ووقّتهنّ ، وغسق الليل إنتصافه . . .»(1) الحديث .
ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال الصادق(عليه السلام) : «إذا غابت الشمس فقد حلّ الافطار ووجبت الصلاة ، وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل»(2) .
ومنها : رواية داود بن فرقد المشتملة على قوله(عليه السلام) : «إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل»(3) .
ومنها : رواية معلّى بن خنيس عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «آخر وقت العتمة نصف الليل»(4) . وغير ذلك من الأخبار الظاهرة في امتداد وقت العشاء إلى الانتصاف .
هذا والجمع بين هذه الأخبار والأخبار الدالّة على الثلث ، هو حمل الثانية على الفضيلة والاُولى على الإجزاء ، لما عرفت من أنّ لكلّ صلاة وقتين وأنّ اختلافهما إنّما هو بالفضيلة والاجزاء . نعم من قال بأنّ اختلافهما إنّما هو بالنسبة إلى حالتي الاختيار والاضطرار ، كما ذهب إليه جماعة(5) ، يكون المتعيّن عنده هو حمل الثانية
- (1) الكافي 3 : 271 ح1 ; تفسير العياشي 1 : 127 ح416 ; الفقيه 1 : 124 ح1 ; علل الشرائع : 354 ح1 ; التهذيب 2 : 241 ح954 ; معاني الأخبار : 332 ; الوسائل 4 : 10 . أبواب اعداد الفرائض ب2 ح1 .
- (2) الفقيه 1 : 142 ح662 ; الوسائل 4 : 184 . أبواب المواقيت ب 17 ح2 .
- (3) التهذيب 2 : 28 ح82 ; الاستبصار 1 : 263 ح945 ; الوسائل 4 : 184 . أبواب المواقيت ب17 ح4 .
- (4) التهذيب 2 : 262 ح1042 ، الإستبصار 1 : 273 ح987 ، الوسائل 4 : 185 . أبواب المواقيت ب17 ح8 .
- (5) المقنعة : 94 ; المبسوط 1 : 72 . الخلاف 1 : 271 مسألة 13 ; الكافي في الفقه : 138 ; الوسيلة : 81 ; المهذّب 1 : 71 .
(الصفحة 148)
على صورة الاختيار ، والاُولى على صورة الاضطرار ، ولكنّه خلاف ما يستفاد من الأخبار الدالّة على أنّ لكل صلاة وقتين كما مرّ سابقاً .
المسألة السابعة : وقت صلاة الفجر أوّلا وآخراً
فنقول : اتّفق المسلمون كافّة على أنّ أوّل وقت صلاة الفجر هو طلوع الفجر الصادق(1) ، كما أنّه أوّل وقت الصوم أيضاً . نعم حكي عن الأعمش أنّه قال : أوّل وقت الصوم هو طلوع الشمس(2) ، ولكنّه مردود بالاجماع ، ولا عبرة بالفجر الأول المسمّى بالفجر الكاذب ، لا عندنا ولا عند المخالفين ; وما حكي من اعتماد عوامهم على الفجر الكاذب فهو على فرض صحّة الحكاية سيرة مستمرّة بين العوام ، ولا يقول به أحد من علمائهم ، كما يظهر بمراجعة الفتاوى .
ويدلّ على ما ذكرنا مضافاً إلى الاجماع ، الآية الشريفة ، والروايات الكثيرة ، قال الله تعالى :
{كلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}(3) ، والتعبير عن البياض بالخيط إنّما هو لكونه في أوّل حدوثه دقيقاً ، والتعبير عن الليل بالخيط أيضاً مع كونه محيطاً لجميع السماء والأرض إنّما هو من باب المشاكلة ، والتعبير عن الشيء بلفظ مصاحبه ، فمعنى الآية :
{كلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط} الذي هو أمارة على النهار ، عن الخيط الذي هو عبارة عن ظلمة الليل ، وليس المراد التبيّن لكل واحد واحد من آحاد الناس باختلاف حالاتهم ، أو حالات الليل ، من كونه مقمراً ، أو غيره ، أو حالات الهواء من كونها
- (1) الخلاف 1 : 267 مسألة 10 ، المعتبر 2 : 44 ; تذكرة الفقهاء 2 : 316 مسألة 35 .
- (2) المجموع 3 : 45 ; الخلاف 1 : 266 . ذيل مسألة 9 .
- (3) البقرة : 187 .
(الصفحة 149)
مغيمة ، أو صحواً ، بل المراد هو التبيّن والتميّز النوعي مع قطع النظر عن الموانع ، لأنّ النهار إنّما يتحقق بقرب الشمس في حركتها إلى الاُفق ، بحيث يمكن رؤية ضوئها لو لم يكن في البين مانع ، ولا يختلف حسب اختلاف حالات الناظرين ، أو غيرها كما هو واضح .
ثمّ اعلم أنّ سبب نزول الآية كما يستفاد من الروايات(1) ، أنّه كان في صدر الإسلام الأكل والنكاح محرّمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم ، بل كان النكاح محرّماً فيه مطلقاً ، فوقع الناس من أجل ذلك في شدّة ومشقّة ، الشيوخ من ناحية الأول والشبان من جهة الثاني فمنّ الله عليهم بأن وضع عنهم هذا التكليف ، وقد حكي أنّ بعض الصحابة(2) بعد سماعه للآية فسّرها بصيرورة العالم مضيئاً بحيث يمكن تمييز الحبل الأسود من الحبل الأبيض ، فقال ذلك للنبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فقال(صلى الله عليه وآله) : «إنّك لعريض القفاء» .
ووجه حمله الآية على ذلك ، تخيله بأنّ المراد بالخيط معناه الحقيقي ، مع أنّه كما عرفت إنّما هو من باب الاستعارة ، وتشبيه البياض المعترض في أفق المشرق بالخيط الأبيض في الدّقة ، لأنّ المراد إنّما هو حين حدوثه ، وهو في هذا الحال دقيق كما مرّ ; والتعبير عن السواد بالخيط إنّما من باب المشاكلة .
ثمّ لا يخفى أنّه يمكن أن يستفاد كون المراد بالفجر هو الفجر الثاني المسمّى بالفجر الصادق من قوله تعالى :
{اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}(3) بضميمة قوله تعالى :
{ثمّ أتموا الصيام إلى الليل}(4) ، فإنّ المستفاد من مجموعهما
- (1) تفسير القمّي 1 : 66 ، مجمع البيان 2 : 280 ; نور الثقلين 1 : 68 ; الصافي 1 : 224 ; تفسير القرطبي 2 : 314 ; التفسير الكبير 2 : 267 .
- (2) وهو عديّ بن حاتم الطائي : التفسير الكبير 2 : 273 .
- (3) و (4) سورة البقرة : 187.
(الصفحة 150)
أنّ وقت الإمساك عبارة عن مجموع النهار ، ولا إشكال في أنّ مبدأ النهار عند عرف العرب هو الفجر الثاني لا الأوّل .
وأمّا الأخبار الدالّة على ذلك فكثيرة :
منها : رواية أبي بصير ليث المرادي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) فقلت : متى يحرم الطعام على الصائم وتحلّ الصلاة صلاة الفجر؟ فقال : «إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء(1) ، فثمّ يحرم الطعام على الصائم وتحلّ الصلاة صلاة الفجر» قلت : أفلسنا في وقت إلى أن يطلع شعاع الشمس؟ فقال : هيهات أين يذهب بك ، تلك صلاة الصبيان»(2) .
ومنها : رواية عليّ بن عطية عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «الصبح هو الذي إذا رأيته كان معترضاً كأنه بياض نهر سوراء»(3) .
ومنها : مكاتبة أبي الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) : جعلت فداك قد اختلف موالوك في صلاة الفجر ، فمنهم من يصلّي إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السماء ، ومنهم من يصلّي إذا اعترض في أسفل الاُفق واستبان ، ولست أعرف أفضل الوقتين فأُصلّي فيه ، فإن رأيت أن تعلّمني أفضل الوقتين وتحدّه لي ، وكيف أصنع مع القمر والفجر لا يتبيّن معه حتّى يحمرّ ويصبح؟ ، وكيف أصنع مع الغيم وما حدّ ذلك في السفر والحضر؟ فعلت إن شاء الله . فكتب(عليه السلام)بخطّه : الفجر يرحمك الله هو الخيط الأبيض المعترض ، وليس هو الأبيض صعداً ، فلا تصلِّ في سفر ولا
- (1) القبطيّة : ثياب بيض رقاق يؤتى بها من مصر ، (لسان العرب 7 : 373) .
- (2) الفقيه 2 : 81 ح361 ; التهذيب 4 : 185 ح514 ; الوسائل 4 : 209 . أبواب المواقيت ب27 ح1 .
- (3) الفقيه 1 : 317 ح1440 ، الكافي 3 : 283 ح3 ، وج4 : 98 ح2 ، التهذيب 2 : 37 ح118 وص185 ح515 ، الإستبصار 1 : 275 ح997 ، الوسائل 4 : 210 . أبواب المواقيت ب27 ح2 .
- وسوراء موضع في العراق في أرض بابل ، معجم البلدان 3 : 378 .
(الصفحة 151)
حضر حتّى تبيّنه ، فإنّ الله تبارك وتعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا ، فقال :
{كلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}(1) ، فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم ، وكذلك هو الذي يوجب به الصلاة»(2) .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصلّي ركعتي الصبح ـ وهي الفجر ـ إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً»(3) .
ومنها: رواية هشام بن الهذيل عن أبي الحسن الماضي(عليه السلام) قال : سألته عن وقت صلاة الفجر فقال : «حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء»(4) . إلى غير ذلك ممّا يدل على أنّ وقت الصبح إنّما يدخل إذا طلع الفجر الثاني المسمّى بالفجر الصادق.
والفرق بينه وبين الفجر الكاذب من وجوه :
الأوّل: إنّ الفجرالكاذب منفصل عن الاُفق بخلاف الفجر الصادق، فإنّه متصل به .
الثاني : إنّ الأوّل يكون عموديّاً والثاني اُفقيّاً .
الثالث : إنّ الأوّل يكون عند حدوثه أشدّ ضوءً لأنّه يزول تدريجاً ، والثاني بخلاف ذلك ، فإنّه ينتشر قليلا قليلا ، ويشتدّ ضوءه تدريجاً . هذا كلّه في أوّل وقت صلاة الصبح .
وأمّا آخر وقتها فلا خلاف بين المسلمين في امتداده إلى طلوع الشمس إجمالا ، وإن وقع الخلاف بينهم في كونه آخر وقت الإجزاء ، أو آخر الوقت
- (1) سورة البقرة : 187 .
- (2) الكافي 3 : 282; التهذيب 2 : 36 ، ح115; الاستبصار 1 : 274 ، ح996; الوسائل 4 : 210 ، أبواب المواقيت : ب17 ، ح4 .
- (3) التهذيب 2 : 36 ح111 ; الاستبصار 1 : 273 ح990 ، الوسائل 4 : 211 . أبواب المواقيت ب27 ح5 .
- (4) التهذيب 2 : 37 ح117 ، الإستبصار 1 : 275 ح996 ، الوسائل 4 : 212 . أبواب المواقيت ب27 ح6 .