(الصفحة 151)
حضر حتّى تبيّنه ، فإنّ الله تبارك وتعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا ، فقال :
{كلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}(1) ، فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم ، وكذلك هو الذي يوجب به الصلاة»(2) .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصلّي ركعتي الصبح ـ وهي الفجر ـ إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً»(3) .
ومنها: رواية هشام بن الهذيل عن أبي الحسن الماضي(عليه السلام) قال : سألته عن وقت صلاة الفجر فقال : «حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء»(4) . إلى غير ذلك ممّا يدل على أنّ وقت الصبح إنّما يدخل إذا طلع الفجر الثاني المسمّى بالفجر الصادق.
والفرق بينه وبين الفجر الكاذب من وجوه :
الأوّل: إنّ الفجرالكاذب منفصل عن الاُفق بخلاف الفجر الصادق، فإنّه متصل به .
الثاني : إنّ الأوّل يكون عموديّاً والثاني اُفقيّاً .
الثالث : إنّ الأوّل يكون عند حدوثه أشدّ ضوءً لأنّه يزول تدريجاً ، والثاني بخلاف ذلك ، فإنّه ينتشر قليلا قليلا ، ويشتدّ ضوءه تدريجاً . هذا كلّه في أوّل وقت صلاة الصبح .
وأمّا آخر وقتها فلا خلاف بين المسلمين في امتداده إلى طلوع الشمس إجمالا ، وإن وقع الخلاف بينهم في كونه آخر وقت الإجزاء ، أو آخر الوقت
- (1) سورة البقرة : 187 .
- (2) الكافي 3 : 282; التهذيب 2 : 36 ، ح115; الاستبصار 1 : 274 ، ح996; الوسائل 4 : 210 ، أبواب المواقيت : ب17 ، ح4 .
- (3) التهذيب 2 : 36 ح111 ; الاستبصار 1 : 273 ح990 ، الوسائل 4 : 211 . أبواب المواقيت ب27 ح5 .
- (4) التهذيب 2 : 37 ح117 ، الإستبصار 1 : 275 ح996 ، الوسائل 4 : 212 . أبواب المواقيت ب27 ح6 .
(الصفحة 152)
للمضطرّ ، وأنّ آخره للمختار هو طلوع الحمرة المشرقية ، فذهب إلى الأوّل أبو حنيفة(1) وهو الأقوى ، بناء على ما اخترناه من أنّ الافتراق بين الوقتين إنّما هو بالفضيلة والإجزاء ، وحكي الثاني عن الشيخ(قدس سره) ، بناء على مااختاره من جعل الافتراق بينهما بالاختيار والاضطرار ، وبه قال الشافعي ، وأحمد(2) .
ويدلّ على ما ذكرنا مضافاً إلى الاجماع أخبار كثيرة :
منها : ما رواه الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ، ولكنّه وقت لمن شغل أو نسي أو نام»(3) والتعبير بلفظ «لا ينبغي» ظاهر في تأكّد الاستحباب ، ودلالة الرواية على ما اخترناه من كون افتراق الوقتين بالفضيلة والإجزاء أوضح من دلالتها على مختار الشيخ(رحمه الله) كما لا يخفى .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لكلّ صلاة وقتان ، وأوّل الوقتين أفضلهما ، ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ، ولكنّه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام . . .»(4) ، الحديث .
ولا يخفى ما في كلمة ينشق و يتجلل في الروايتين من الاستعارة التخييلية ، حيث شبّه الفجر بشيء ينشق كالحجر مثلا، والصبح بلباس يستر البدن، ثم ذكر المشبه، أعني الفجر والصبح وأسند إليه بعض خواص المشبّه به، وهو
- (1) المجموع 3 : 43 ; الام 1 : 74 ; أحكام القرآن للجصّاص 2 : 268 ; بداية المجتهد 1 : 145 ـ 146; الخلاف 1 : 267 مسألة 10 .
- (2) الخلاف 1 : 267 مسألة 10; الاُم 1 : 74 ; المجموع 3 : 43 .
- (3) الكافي 3 : 283 ح5 ; التهذيب 2 : 38 ح121 ، الاستبصار 1 : 276 ح1001 ; الوسائل 4 : 207 . أبواب المواقيت ب26 ح1 .
- (4) التهذيب 2 : 39 ح123 ; الإستبصار 1 : 276 ح1003 ; الوسائل 4 : 208 . أبواب المواقيت ب26 ح5 .
(الصفحة 153)
الانشقاق والتجلل.
ومنها : رواية يزيد بن خليفة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «وقت الفجر حين يبدو حتّى يضيء»(1) .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس»(2) .
ومنها : رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا تفوت صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس»(3) . إلى غير ذلك ممّا يدلّ عليه .
ثمّ إنّ المشهور جعلوا آخر وقت الفضيلة هو طلوع الحمرة المشرقية(4) ، مع أنّه ليس منه ذكر في النصوص والأخبار ، ولا ملازمة بين الإضاءة والتجلّل المذكورين في الروايات المتقدّمة وبين طلوع الحمرة كما هو واضح . وحينئذ فاللازم أن يقال بأنّ الشهرة تكشف عن وجود نصّ معتبر ، غاية الأمر أنّه لم يصل إلينا ، كما هو الشأن في جميع الفتاوى المشهورة الخالية عن الدليل الظاهر .
ثمّ إنّه قد وقع الخلاف بين العامّة في أنّ التغليس بصلاة الصبح أفضل ، أو أنّ الأفضل الاسفار بها؟ والمراد بالأوّل هو الإتيان بها في الغلس محرّكة وهي الظلمة ، وبالثاني الإتيان بهابعدالإضاءة، فذهب بعضهم إلى الأوّل ، إستناداً إلى فعل عليّ(عليه السلام)
- (1) الكافي 3 : 283 ح4 ; التهذيب 2 : 36 ح112 ; الإستبصار 1 : 274 ح991 ; الوسائل 4 : 207 . أبواب المواقيت ب26 ح3 .
- (2) التهذيب 2 : 36 ح114 ، الإستبصار 1 : 275 ح998 ، الوسائل 4 : 208 . أبواب المواقيت ب26 ح6 .
- (3) التهذيب 2 : 256 ح1015 ، الإستبصار 1 : 260 ح933 ، السرائر 3 : 602 ، الوسائل 4 : 159 . أبواب المواقيت ب10 ح9 .
- (4) الوسيلة : 83 ، ونقله عن ابن أبي عقيل في مختلف الشيعة 2 : 31 ; نهاية الأحكام 1 : 311 ; قواعد الأحكام 1 : 247 ; جامع المقاصد 2 : 19 ; روض الجنان : 180 ، كشف الغطاء : 222 ; كشف اللثام 3 : 49 ; مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 42 ، كتاب الصلاة (تقريرات بحث المحقّق النائيني (رحمه الله)) 1 : 38 .
(الصفحة 154)
وبعضهم إلى الثاني، إستناداً إلى عمل بعض الخلفاء(1). هذا، ولاريب عند الإمامية في أنّ الأول أفضل للأخبارالصادرة عن أئمتهم المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين(2).
وقت فضيلة العصر والعشاء
مسألة: قد عرفت أنّ لكل صلاة وقتينوأنّ افتراقهماإنماهوبالفضيلة والإجزاء، وأنّ أول الوقت هو وقت الفضيلة، وحينئذ فلاإشكال في أنّ الإتيان بالظهر والمغرب والصبح في أوّل أوقاتها أفضل من التأخير عنه ، نعم وردت في الظهر روايات تدلّ بظاهرها على تأخيرها إلى القدم ، أو القدمين ، أو نحوهما(3) . ولكن قد عرفت فيما تقدّم أنّ ذلك إنّما هو لأجل النافلة(4) ، فلا يستفاد منها التأخير حتى بالنسبة إلى من لم يكن مريداً للإتيان بالنافلة ، أو لم تكن مشروعة في حقّه ، أو نحوهما كما هو واضح . فالأفضل في حق مثل هؤلاء التعجيل والإتيان بالفريضة في أوّل الوقت .
وأمّا العصر والعشاء فحيث يكون وقت كل واحد منهما مبائناً لوقت صاحبه من الظهر والمغرب عند الجمهور ، لأنه لا يدخل وقت العصر عندهم إلاّ بعد مضيّ مقدار المثل(5) ، والعشاء إلا بعد زوال الشفق(6) فالأفضل عندهم هو الإتيان بهما في
- (1) بداية المجتهد 1 : 145 . المسألة الخامسة ; الاُم 1 : 74 ; المجموع 3 : 43 ; سنن ابن ماجة 1 : 221 ح671 ; سنن الترمذي 1 : 204 ح153 .
- (2) راجع الوسائل 4 : 207 . أبواب المواقيت ب26 .
- (3) الوسائل 4 : 140 . أبواب المواقيت ب8 .
- (4) في المسألة الاولى في وقت الظهرين : ص64 و 65 . من هذا الكتاب .
- (5) المجموع 3 : 21 و 25 ; الاُم 1 : 72 ـ 73 ; المغني لابن قدامة 1 : 417 ; الشرح الكبير 1 : 469 ; بداية المجتهد 1 : 140 ـ 141 ; الخلاف 1 : 259 مسألة 5 ; تذكرة الفقهاء 2 : 306 مسألة 28 .
- (6) المجموع 3 : 38 ; المغني لابن قدامة 1 : 426 ; الشرح الكبير 1 : 474 ; بداية المجتهد 1 : 143 ; تذكرة الفقهاء 2 : 312 مسألة 32 ; الخلاف 1 : 262 مسألة 7 .
(الصفحة 155)
أوّل وقتهما . وأمّا نحن فقد عرفت أنّ مختارنا هو دخول وقت العصر بمجرّد الزوال بعد مضيّ مقدار أداء الظهر(1) ودخول وقت العشاء بالغروب بعد مضيّ أداء المغرب(2) وحينئذ فهل الأفضل الإتيان بهما في أوّل وقتهما كسائر الفرائض ، أو أنّ الأفضل تأخير العصر إلى المثل والعشاء إلى زوال الشفق ، أو يفصل بينهما بكون العصر كسائر الفرائض ، فالأفضل الإتيان بها في أوّل وقتها دون العشاء ; فإنّ تأخيرها إلى زوال الشفق أفضل؟ وجوه واحتمالات .
ولا يخفى أنّه بناء على الوجه الأوّل لا يكون للعصر والعشاء إلاّ وقتان : وقت فضيلة ووقت إجزاء ، وأمّا بناء على الوجه الثاني يصير لهما ثلاثة أوقات : وقت فضيلة ، ووقتا إجزاء ، كما أنّه بناء على الوجه الأخير يكون للعصر وقتان ، وللعشاء ثلاثة أوقات .
ويدل على الوجه الأول ، العمومات الدالّة على أنّ أول الوقت أفضل(3) ، وعلى الوجه الثاني ، الأخبار الدالّة على إتيان جبرئيل بأوقات الصلاة المروية بطرق الفريقين وقد تقدّمت ; وكذلك ما نقل بطريق الفريقين أيضاً من أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)كان يفرّق بين الظهر والعصر وكذا بين المغرب والعشاء(4) ، ومن المعلوم أنّ ذلك لم يكن إلاّ لإدراك الفضيلة ، لما سيأتي من عدم خصوصية للتفريق بما هو تفريق ، بل هو إنّما كان لأجل إدراك الفضيلة .
وبالجملة : فلا إشكال في أنّ العمل المستمر من النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان هو التفريق بين
- (1) ذكرنا المختار في المسألة الاُولى في بيان أوّل وقت الظهرين .
- (2) المسألة الخامسة في أوّل وقت العشاء ص105 من هذا الكتاب .
- (3) الوسائل 4 : 118 . أبواب المواقيت ب3 .
- (4) الوسائل 4 : 157 ـ 158 . أبواب المواقيت ب10 ح5 ـ 8 و ص220 ب31 ح7 ، سنن الترمذي 1 : 200 ، ح149 ; سنن أبي داود 1 : 107 ح393 ; سنن ابن ماجة 1 : 219 ح667 ; سنن البيهقي 1 : 364 ; سنن النسائي 1 : 283 ح498 .