(الصفحة 159)
الذراع والذراعان في كتاب علي(عليه السلام)»(1) . والمراد أنّه قد فسّرت القامة بالذراع في كتابه(عليه السلام) ، أو أنّ المذكور فيه بدل القامة الذراع .
إلى غير ذلك ممّا يستفاد منه عدم تأخير العصر إلى المثل ، وأنّ النبي(صلى الله عليه وآله)كان يصلّيها قبله ، وحينئذ فلا ينبغي الارتياب بمقتضى أصول المذهب في بطلان ما عليه العامّة ، لحجّية أقوال العترة الطاهرة في حقّنا ، بل في حقّ من لم يقل بإمامتهم أيضاً ، فإنّهم أحد الثقلين(2) اللذين تركهما النبيّ(صلى الله عليه وآله) في الاُمة في عرض الثقل الآخر الذي هو الكتاب العزيز ، ويستفاد من ذلك أنه كما يجب التمسك بالكتاب لأجل فهم الأحكام الشرعية ، كذلك يجب الاعتصام بحبلهم لإستفادة ما لم يكن مبيّناً في الكتاب من الأحكام والشرائع ، فلا عذر في طرد قولهم والاستغناء عنهم بالكتاب.
هذا كلّه بالنسبة إلى صلاة العصر .
وأمّا صلاة العشاء فاستفادة استحباب تأخيرها إلى زوال الشفق من مجرّد تأخير النبيّ(صلى الله عليه وآله) إليه على فرض ثبوته مشكل ، إذ لعلّ تأخيره لم يكن لأجل كونه أفضل ، بل كان لجهات خارجية كتعشي الناس واستراحتهم مثلا ، حيث كان أكثرهم في النهار مشتغلين بتحصيل المعاش وتحمل المشقة ، فلم يقدروا في الليل على الإتيان بالصلاتين متعاقبة .
وبالجملة : فمجرّد الفعل من دون وضوح وجهه لا يدلّ على الاستحباب أصلا وتسالم العامّة على ذلك قولا وفعلا لا يدلّ على ذلك ، خصوصاً بعدما ظهر فساد أكثر ما تسالموا عليه ، كما عرفت في صلاة العصر ، مضافاً إلى وضوح أنّ بنائهم في ذلك على اُمور لا اعتبار بها أصلا كالاعتماد على قول صحابيّ ، ولو كان مثل أبي هريرة الذي روى عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ما يزيد عن خمسة آلاف حديث مع قلّة
- (1) التهذيب 2 : 23 ح64 ، الوسائل 4 : 144 . أبواب المواقيت ب8 ح14 .
- (2) المراجعات : 27 ، المراجعة 8 ; وفي ذيلها ذكر موارد نقل الحديث في كتب العامة .
(الصفحة 160)
صحبته له(صلى الله عليه وآله) ، وعدم كونه ممّن يصلح لأخذ الرواية ، كما يشهد به التواريخ ، فاتفاقهم على شيء لا يجدي لنا أصلا .
نعم ورد في المقام من طرق الإمامية روايات ظاهرة في أفضلية التأخير إلى زوال الشفق(1) ، وحينئذ فيكون للعشاء وقت فضيلة ووقتا إجزاء ، وللعصر وقتان كما عرفت(2) ; لأنّه ظهر أنّ تأخيرها إلى الذراعين لمكان النافلة ، لا لإدراك الفضيلة .
ثمّ إنّه عبّر بعض المتأخّرين عن عنوان المسألة ، بأنه هل الجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت أفضل ، أو التفريق بينهما؟ ولا يخفى أنّه لا وجه لهذا التعبير أصلا ، فإنّه ليس لهذين العنوانين ـ من حيث هما ـ خصوصيّة أصلا ، بل هما من العناوين المنطبقة على الفعل قهراً ، ضرورة أنّ تأخير العصر مثلا إلى أن يصير ظلّ الشاخص مثله ـ عند من يقول بأنّه هو وقت فضيلتها ـ إنّما يترتّب عليه المزية لأجل وقوع العصر في وقت فضيلتها ، لا لحصول التفريق بينها وبين صلاة الظهر ، كما أنّ الإتيان بصلاة العصر بمجرّد الفراغ من الظهر ونافلة العصر إنّما يكون راجحاً ذا مزية عند من يقول بأنّ وقت فضيلتها هو أوّل الوقت من جهة وقوعها في وقت فضيلتها ، لا من جهة حصول الجمع بينها وبين صاحبتها ، فليس لعنواني الجمع والتفريق بذاتهما مزية ورجحان أصلا كما هو واضح ، نعم قد يكون عنوان الجمع بذاته موضوعاً لحكم من الأحكام كسقوط الأذان مثلا ، وحينئذ يصح التعبير به والتكلم في خصوصياته من حيث أنّ الفصل بالنافلة مضرّ بصدقه أم لا؟ ولكنها مسألة اُخرى غير مربوطة بالمقام تأتي في محلّها إن شاء الله تعالى .
- (1) الوسائل 4 : 156 ـ 158 . أبواب المواقيت ب 10 .
- (2) تقدّم : ص154 .
(الصفحة 161)
أوقات النوافل
ونتكلّم فيها ضمن مسائل
المسألة الاُولى : وقت نافلة الظهرين
فنقول : الأقوال فيها ثلاثة :
أحدها : هو امتداد وقتها بامتداد وقت الفريضة التي تكون هي نافلة لها ، فيصح الإتيان بها بعد الفريضة إلى آخر وقتها ، ولا تكون قضاءً(1) . والقائل بهذا القول قليل ، والظاهر أنّ مستنده إطلاقات أدلة النوافل(2) بعد عدم ظهور ما دل على الذراع والذراعين في التوقيت .
ثانيها : القول بامتداد وقتها إلى الذراع في نافلة الظهر ، وإلى الذراعين في نافلة العصر ، أو إلى القدمين أو أربعة أقدام على اختلاف التعبير ، لأنّ القدم سبع القامة
- (1) المبسوط 1 : 76 ; الكافي في الفقه : 158 ; الدروس 1 : 140 ; البيان : 109 ; مجمع الفائدة والبرهان 2 : 16 .
- (2) الوسائل 4 : 226 . أبواب المواقيت ب35 ح1 ; وص231 ب37 .
(الصفحة 162)
والذراع سبعاها(1) .
ثالثها : القول بامتداد وقت نافلة الظهر إلى المثل ، ونافلة العصر إلى المثلين(2) ; ومستند هذا القول أيضاً إطلاقات أدلّة النوافل بعد جعل المثل والمثلين آخر وقت الفريضة بالنسبة إلى المختار(3) ; وأمّا مستند القول الثاني فعدّة من الروايات :
1 ـ رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) المتقدّمة في المسألة السابقة المشتملة على قوله(عليه السلام) مخاطباً لزرارة : «أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟» قلت : لِمَ جعل ذلك؟ قال : «لمكان النافلة ، لك أن تنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع ، فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة»(4) ، والاحتمالات في معنى الرواية كثيرة .
منها : أن يكون المراد بقوله : «أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان» أنّه أتدري لِمَ جعل وقت فريضة الظهر بعد الذراع والعصر بعد الذراعين ، وحينئذ فالمراد من قوله ; «لمكان النافلة» أنّ ما قبل الذراع والذراعين وقت يختصّ بالنافلة ، فيستفاد من الرواية حينئذ تباين وقتي فريضة الظهر ونافلتها ، وكذا العصر ونافلتها ، لأنّ مفادها أنّ من أوّل الزوال إلى الذراع وقتاً إختصاصياً لنافلة الظهر ، ووقت الفريضة إنّما هو بعده ، وكذا بالنسبة إلى نافلة العصر .
هذا ، ولا يخفى أنّ هذا الاحتمال مخالف للاجماع ، لأنه يجوز الإتيان بالفريضة
- (1) النهاية : 60 ; مصباح المتهجّد : 24 ; الوسيلة : 83 ; شرائع الاسلام 1 : 62 ; المختصر النافع : 22 ; القواعد 1 : 247 ; المنتهى 1 : 207 ; رياض المسائل 3 : 45 ـ 46 .
- (2) المهذّب 1 : 70 ; السرائر 1 : 199 ; المعتبر 2 : 48 ; التحرير 1 : 27 ; تذكرة الفقهاء 2 : 316 مسألة 37 ; نهاية الأحكام 1 : 311 ; الجامع للشرائع : 62 .
- (3) الوسائل 4 : 144 . أبواب المواقيت ب8 ح13 وص149 ح33 .
- (4) الفقيه 1 : 140 ح653 ; الوسائل 4 : 141 . أبواب المواقيت ب8 ح3 و 4 .
(الصفحة 163)
من أوّل الزوال إتفاقاً(1) .
ومنها : أن المراد من قوله(عليه السلام) «أتدري» باعتبار وقوعه عقيب حكاية فعل النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه أتدري وجه عمل النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وأنّه(صلى الله عليه وآله) لِمَ كان يؤخّر فريضة الظهر إلى الذراع والعصر إلى الذراعين؟ وحينئذ فليس المراد من الجعل هو الجعل التشريعي ، بل المراد منه هو جعل النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، عمله كذلك ، وقوله(عليه السلام) لمكان النافلة يحتمل حينئذ أن يكون المراد به أنّ وجه تأخير النبيّ(صلى الله عليه وآله) إنّما هو لإرادته مضيّ وقت النافلة بالذراع والذراعين ، حتى يقطع بفراغ الناس من نوافلهم ، لخروج وقتها بذلك ، وعليه فيستفاد من الرواية أيضاً توقيت النافلة بالذراع والذراعين .
ويحتمل أن يكون المراد منه أنّ الوجه في تأخيره إنّما هو مراعاة حال المتنفّلين المشتغلين بالنافلة في ذلك الوقت غالباً ، من دون نظر إلى التوقيت ، فمعنى الرواية حينئذ أنّه أتدري لِمَ كان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يؤخّر الفريضة إلى الذراع مع كون الصلاة في أوّل الوقت أفضل ، ثمّ بيّن(عليه السلام) وجهه بأنّ نظره(صلى الله عليه وآله) كان مراعاة من أراد من الناس الإتيان بالنافلة ، ثمّ الحضور للجماعة وإدراك الفضيلة .
وحينئذ فلا يستفاد من الرواية توقيت أصلا ، ومن المعلوم أنه لا مرجح للاحتمال الأول ، والاستدلال إنما هو مبني عليه .
لا يقال : يمكن أن يستفاد التوقيت من قوله(عليه السلام) في ذيل الرواية : «ولك أن تنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع . . .» ، فإنّ ظاهره باعتبار جعل مضيّ الذراع غاية للتنفّل والحكم بترك النافلة إذا بلغ الفيء الذراع هو خروج وقتها بذلك .
لأنّا نقول : لا ينحصر وجه ترك النافلة ، بعد بلوغ الفيء الذراع في خروج وقتها
- (1) المجموع 3 : 18 ; المغني لابن قدامة 1 : 371 ; أحكام القرآن للجصّاص 2 : 286 ; الهداية : 127 ; المقنعة : 92 ; الغنية : 69 ; الوسيلة : 82 ; المراسم : 62 ; الكافي في الفقه : 137 ; المهذّب 1 : 69 ; الخلاف 1 : 256 مسألة 3 ; مختلف الشيعة 2 : 6 ; المعتبر 2 : 27 ; تذكرة الفقهاء 2 : 300 .