(الصفحة 180)
وغير ذلك من الأخبار .
وأمّا الطائفة الثانية التي تدلّ على تعيّن الإتيان بهما بعد الفجر :
فمنها : رواية عبدالرحمن بن الحجّاج قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «صلّهما بعدما يطلع الفجر»(1) .
ومنها : رواية يعقوب بن سالم البزّاز قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «صلّهما بعد الفجر واقرأ فيهما في الاُولى قل يا أيّها الكافرون ، وفي الثانية قل هو الله أحد»(2) .
ومنها : رواية إسحاق بن عمّار عمّن أخبره عنه(عليه السلام) قال : «صل الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك ، فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر»(3) .
ودلالتها على تعيّن الإتيان بهما بعد الفجر ممنوعة ، فإنّ المراد من كون الضوء حذاء رأسك هو الفجر الكاذب ، لما عرفت من أنّه يطلع على شكل عموديّ ; وتوهّم أنّ المراد به الإسفرار مدفوع بأنّ الضوء حينئذ يحيط بجميع الأطراف ولا خصوصية لحذاء الرأس . إلى غير ذلك من الأخبار .
وأمّاالطائفة الثالثة التي تدلّ على التخيير بين الإتيان به قبل الفجرأومعه أو بعده:
فمنها : رواية ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن ركعتي الفجر متى اُصليهما؟ فقال : «قبل الفجر ومعه وبعده»(4) .
ومنها : رواية إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الركعتين اللتين قبل الفجر؟ قال : «قبيل الفجر ومعه وبعده . . .»(5) .
- (1) التهذيب 2 : 134 ح523 ; الاستبصار 1 : 284 ح1040 ; الوسائل 4 : 267 . أبواب المواقيت ب51 ح5 .
- (2) التهذيب 2 : 134 ح521 ، الإستبصار 1 : 284 ح1038 ، الوسائل 4 : 267 . أبواب المواقيت ب51 ح 6 .
- (3) التهذيب 2 : 134 ح524 ، الإستبصار 1 : 284 ح1041 ، الوسائل 4 : 267 . أبواب المواقيت ب51 ح 7 .
- (4) التهذيب 2 : 134 ح519 ; الاستبصار 1 : 284 ح1036 ; الوسائل 4 : 268 . أبواب المواقيت ب52 ح2 .
- (5) التهذيب 2 : 340 ح1408 ، الوسائل 4 : 269 . أبواب المواقيت ب52 ح 5 .
(الصفحة 181)
ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال الصادق(عليه السلام) : «صلّ ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعده ، تقرأ في الاُولى الحمد ، وقل يا أيّها الكافرون ، وفي الثانية الحمد ، وقل هو الله أحد»(1) .
وهذه الطائفة شاهدة للجمع بين الطائفتين المتقدّمتين بالحمل على التخيير ، لكونها نصّاً في مضمونها ، وهما ظاهرتان في وجوب التقديم أو التأخير ، مضافاً إلى أنّ الأمر في الطائفة الاُولى غير ظاهر في الوجوب ، لوروده في مقام توهم الحظر ، لأنّ بناء العامّة كان على الإتيان بهما بعد الفجر ، تبعاً لعمل النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وحينئذ فربّما يتوهّم من هذا البناء لزوم التأخير عنه ، والروايات الدالة على الإتيان بهما قبل الفجر إنّما كانت بصدد دفع هذا التوهّم ، فلا يستفاد منها أزيد من مجرّد الجواز ، وعليه فالأمر بالإتيان بهما بعد الفجر كما في الطائفة الثانية يمكن أن يكن للتقية ، لما عرفت من إستمرار عمل العامّة عليه ، ويدلّ على ذلك رواية أبي بصير المتقدّمة(2)الدالة على أنّ الإفتاء بالإتيان بهما بعد الفجر إنّما هو للتقية .
وربّما يقال في وجه الجمع بأنّ المراد من الفجر في الطائفة الثانية هو الفجر الكاذب ، فلا تنافي الطائفة الاُولى الدالّة على لزوم الإتيان بهما قبل الفجر ، والإحشاء بهما في صلاة الليل ، لأنّ المراد بالفجر فيها هو الفجر الصادق ، لإستمرار وقت صلاة الليل إليه وعدم انقطاع الليل بدخوله ، ولكن فيه : أنّ المتبادر من الفجر في كلتا الطائفتين هو الفجر الصادق ، لما عرفت من أنّ الفجر الكاذب لا عبرة به حتّى عند علماء العامّة ; فالوجه في الجمع ما ذكرنا .
وحينئذ فيجوز الإتيان بركعتي الفجر قبله ومعه وبعده ، ولكن يقع الإشكال
- (1) الفقيه 1 : 313 ح 1422 ، الوسائل 4 : 269 . أبواب المواقيت ب52 ح 6 .
- (2) الوسائل 4: 264. أبواب المواقيت ب50 ح2.
(الصفحة 182)
في تحديد القبلية ، فذهب جماعة منهم المحقّق إلى أنّ أوّل وقتها طلوع الفجر الأوّل(1) ، وعن جماعة أنّ أوّل وقتها الفراغ من صلاة الليل(2) ، ومستند هذا القول الأخبار الدالة على الإحشاء بهما في صلاة الليل(3) .
أمّا القول الأوّل فذكره الأصحاب في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المتلقّاة عن الأئمّة(عليهم السلام)(4) ، وقد عرفت أنّ الذكر في هذه الكتب يكشف عن وجود نصّ معتبر ، غاية الأمر إنّه لم يصل إلينا ، نعم ورد في رواية محمد بن مسلم المتقدّمة الواردة في تعيين أوّل وقت ركعتي الفجر التعيين بسدس الليل الباقي(5) ، فإن طابق السدس مع الفجر الكاذب يحصل التوافق ، وإلاّ فيحصل التعارض بينها وبين النصّ المكشوف بالفتاوى ، والترجيح معه لموافقته لفتوى المشهور ، هذا .
ويمكن أن يكون مستندهم رواية أبي بكر الحضرمي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام)فقلت : متى اُصلّي ركعتي الفجر؟ فقال : «حين يعترض الفجر ، وهو الذي يسمّيه العرب : الصديع»(6) . فإنّ الصديع بحسب اللغة وإن كان معناه الصبح(7) ، والمتبادر منه الفجر الثاني ، ولكن يمكن أن يقال : بأنّ معناه هنا هو الفجر الكاذب لأنّ أصله هو الانشقاق مع عدم الانفصال ، وحينئذ فينطبق على الفجر الكاذب ، لأنّه يكون على شكل عموديّ ، وخطّ واقع بين الظلمة يوجب انصداعها ،
- (1) المبسوط 1 : 76 ; المراسم : 63 ; المختصر النافع : 22 ; المعتبر 2 : 55 ; شرائع الاسلام 1 : 63 .
- (2) النهاية : 61 ; المهذّب 1 : 70 ; المقنعة : 91 ; الغنية : 72 ، الوسيلة : 83 ; السرائر 1 : 203 ; مختلف الشيعة 2 : 37 .
- (3) الوسائل 4 : 263 ـ 265 . أبواب المواقيت ب50 ح1 و6 و8 .
- (4) المبسوط 1 : 76 ; المراسم : 63 ; المعتبر 2 : 55 ; شرائع الاسلام 1 : 63 ; المختصر النافع : 22 .
- (5) الوسائل 4 : 265 . أبواب المواقيت ب50 ح5 .
- (6) التهذيب 2 : 133 ح517 ; الوسائل 4 : 268 . أبواب المواقيت ب51 ح10 .
- (7) لسان العرب 7 : 303 .
(الصفحة 183)
ولا ينافي ذلك التعبير بقوله «يعترض» لأنّه بمعنى يظهر .
ويؤيّد ما ذكرنا أنّ الفجر باعتبار وضوح كونه هو الفجر الثاني لا يفتقر إلى التفسير ، فتفسيره(عليه السلام) قرينة على عدم كون المراد به هو المعنى المتبادر منه ، كما لايخفى .
ويمكن أن يقال بانطباق كلمة قبيل الواردة في رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة على الفجر الأوّل ، بل لعلّه المتبادر من كلمة القبل في بعض الروايات ، لأنّ الظاهر أنّ المراد به القبل القريب ، وحينئذ فينطبق عليه . وكيف كان فالخطب سهل بعدما عرفت من كونه مذكوراً في الكتب التي يكشف الذكر فيها عن وجود نصّ مذكور في الجوامع الأوّلية ، فلا يبعد الذهاب إلى هذا القول .
ثمّ إنّه قد ورد في كثير من الروايات المتقدّمة الإحشاء بهما في صلاة الليل ، ومقتضى إطلاقه جواز الإتيان بهما بعدها ولو اشتغل بها في أول النصف ، ولم يدخل الفجر الأوّل بعد الفارغ عنها ، بل يشمل إطلاقه ما إذا قدّم صلاة الليل لمرض أو سفر أو نحوهما ، فيجوز عليه الإتيان بركعتي الفجر بعدها بلا فصل ، كما يدلّ عليه أيضاً رواية أبي جرير بن إدريس عن أبي الحسن موسى بن جعفر(عليهما السلام)قال : «صلّ صلاة الليل في السفر من أوّل الليل في المحمل والوتر وركعتي الفجر»(1) .
وبالجملة : فلا إشكال في جواز تقديم ركعتي الفجر على الفجر الأوّل والإحشاء بهما في صلاة الليل وإن وقعت قبله ، وأفتى بهذا حتى من ذهب إلى أنّ أوّل وقتهما هو الفجر الأوّل كالمحقّق(2) ، إنّما الإشكال في تقديمهما عليه في صورة الإنفراد ، وعدم ضمّهما إليها ، وأنّه هل تكون مثل صورة الإنضمام ، أو أنّ التقديم على الفجر يختصّ بهذه الصورة وجهان ، من أنّ مقتضى كون ركعتي الفجر مستحبّاً
- (1) الفقيه 1 : 302 ح1384 ; الوسائل 4 : 251 . أبواب المواقيت ب44 ح6 .
- (2) المعتبر 2 : 56 ; شرائع الاسلام 1 : 63 .
(الصفحة 184)
مستقلاًّ وعنواناً ، في قبال عنوان صلاة الليل والوتر ، بضميمة ما يدلّ على جواز الإحشاء بهما في صلاة الليل ، جواز تقديمهما على الفجر الأوّل مطلقاً ، ومن أنّ القدر المتيقّن من ذلك هي صورة ضمهما إلى صلاة اللّيل ، وحئنذ فلا يشرع إتيانهما قبل الفجر منفرداً ، بعدما عرفت من أنّ أول وقتهما هو الفجر الأول(1) ، فتدبّر .
كما أنّه على الوجه الأول الذي قد يستفاد من عبارة المحقّق في الشرائع يشكل الأمر بمنافاته لتحديد أوّل وقتهما بالفجر كما لا يخفى .
ثمّ إنّه حكي عن جماعة منهم المحقّق في الشرائع القول باستحباب إعادتهما لو أتى بهما قبل الفجر الأوّل(2) ، واستدلّ على ذلك برواية زرارة قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : «إنّي لاُصلّي صلاة الليل وأفرغ من صلاتي ، واُصلّي الركعتين فأنام ما شاء الله قبل أن يطلع الفجر ، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما»(3) .
ورواية حمّاد بن عثمان قال : قال لي أبو عبدالله(عليه السلام) : «ربّما صلّيتهما وعليّ ليل ، فإن قمت ولم يطلع الفجر أعدتهما»(4) . وفي بعض النسخ بدل «قمت» ، «نمت» ، هذا .
ولا يخفى أنّه لا دليل على كون المراد بالركعتين في الرواية الاُولى وبمرجع الضمير في الثانية هي ركعتي الفجر ، مضافاً إلى أنّ المتبادر من الفجر في الروايتين هو الفجر الثاني ، والمدّعى استحباب إعادتهما بعد الفجر الأوّل ، فلا ينطبق الدليل على المدعى ومع الغضّ عن ذلك فغاية مدلول الروايتين إستحباب الإعادة فيما إذا حصل الفصل بينهما وبين فريضة الصبح بالنوم لا مطلقاً ، فلعلّه كان للنوم مدخليّة في انحطاط مقدار من تأثيرهما كما لا يخفى .
- (1) راجع ص178 .
- (2) شرائع الاسلام 1 : 63 .
- (3) التهذيب 2 : 135 ح 528 ; الاستبصار 1 : 285 ح 1045 ; الوسائل 4 : 267 . أبواب المواقيت ب51 ح9 .
- (4) التهذيب 2 : 135 ح527 ، الإستبصار 1 : 285 ح1044 ، الوسائل 4 : 267 . أبواب المواقيت ب51 ح8 .