(الصفحة 315)
المجموع قابل للاستناد إليه ، خصوصاً بعد ملاحظة الشهرة والاجماعات المنقولة .
ثمّ إنّ مقتضى اطلاق موثقة ابن بكير المتقدّمة وغيرها عدم الفرق في المنع عن الصلاة في أجزاء غير المأكول بين كون ما يصلّى فيه ممّا تتمّ فيه الصلاة منفرداً ، وبين غيره كالقلنسوة والجورب وغيرهما ممّا لا تتمّ فيه الصلاة وحده ، خلافاً لما حكي عن الشيخ في المبسوط حيث خصّ فيه المنع بالأوّل بعد اختياره في النهاية التعميم(1) على ما هو ظاهر كلامه بل صريحه .
ونقل العلامة في محكيّ المختلف عن الشيخ إنّه استدل على الجواز في الثاني بأنه قد ثبت للتكّة والقلنسوة حكم مغاير لحكم الثوب من جواز الصلاة فيهما ، وإن كانا نجسين أو من حرير محض ، فكذا يجوز لو كانا من وبر الأرانب وغيره(2) . انتهى .
وظاهر كلامه وإن كان هو الاستدلال بالقياس الذي أجمعت الإمامية على عدم حجيته ، إلاّ أنّه يمكن أن يكون مراده الاستدلال بما ورد في الحرير الفارق بينهما في الحكم الشامل بعمومه للمقام ، وهو ما رواه في التهذيب عن كتاب سعد بن عبدالله الأشعري، عن موسى بن الحسن ـ الذي هو من أكابر الطبقة الثامنة ـ عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد ، عن الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكّة الأبريسم والقلنسوة والخفّ والزنار يكون في السراويل ويصلّى فيه»(3) .
بناءً على أن يكون قوله : «مثل التكّة الأبريسم . . .» ، بياناً لما هو المانع من صحة الصلاة فيما تتمّ فيه الصلاة وحده ومثالا له ، ولم يكن مراده الاختصاص بالابريسم بل كان ذكره كذكر التكّة والقلنسوة من باب المثال ، ففي الحقيقة يكون
- (1) المبسوط 1 : 82 ـ 83 ; النهاية : 96 .
- (2) مختلف الشيعة 2 : 80 .
- (3) التهذيب 2 : 357 ح1478; الوسائل 4 : 376 . أبواب لباس المصلّي ب14 ح2 .
(الصفحة 316)
المراد أنّ كل ما يكون مانعاً من الصلاة فيما تتمّ الصلاة فيه من كونه نجساً أو حريراً محضاً أو من أجزاء غير المأكول فهو لا يكون مانعاً بالنسبة إلى ما لا تتمّ الصلاة فيه وحده ، فتجوز الصلاة فيه وإن كان واجداً لشيء من الموانع أو لجميعها .
فالرواية بعمومها تدلّ على ما ذكره الشيخ(رحمه الله) من الفرق بينهما في المقام أيضاً ، ويمكن أن يكون مراده الاستدلال بالاستقراء ، بتقريب أنّ مراجعة الأدلة المانعة عن الصلاة في النجس وفي الحرير المحض الشاملة باطلاقها لجميع الموارد بعد قيام القرينة المنفصلة على التقييد بالصورة الاُولى ، تقتضي الحكم بأنّ مراد الشارع من المطلقات الواردة في غير النجس والحرير هو المقيّد ، فلا دلالة لها على المنع في غير تلك الصورة .
هذا ، وفي كل منهما نظر :
أمّا الأوّل : فلضعف سند الرواية لتضعيف كثير من علماء الرجال لأحمد بن هلال ، مضافاً إلى ما نقل من التوقيع عن الناحية المقدّسة الوارد في مذمته بقوله(عليه السلام) : «إحذروا الصوفي المتصنع . . .»(1) .
ويؤيّده عدم نقل هذه الرواية من تلامذة ابن أبي عمير غيره، فهي ساقطة عن درجة الاعتبار ولا يجوز الاعتماد عليها ، مضافاً إلى أنّ الموثقة المتقدمة تدلّ بالصراحة على المنع عن الصلاة فيما إذا كان مع المصلّي بول غير المأكول أو روثه .
والقول بالمنع فيه والجواز فيما إذا كان ما يصلّى فيه ممّا لا تتمّ الصلاة فيه وحده من أجزائه ممّا لا يحتمله أحد .
فالاستناد إلى الرواية في مقابل الموثقة ممّا لا يصح ، وكذا الاستناد إلى ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عبدالجبار قال : كتبت إلى أبي محمّد(عليه السلام)أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه ، أو تكّة حرير
- (1) الإحتجاج للطبرسي 2 : 290 .
(الصفحة 317)
محض ، أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب(عليه السلام) : «لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصلاة فيه إن شاء الله تعالى»(1) .
لأنّ الجمع بينها وبين الموثقة غير ممكن ووجوب الرجوع إلى المرجحات يقتضي الأخذ بالموثقة ، لمخالفتها للعامّة وموافقتها لفتوى المشهور دونها .
مضافاً إلى كونها مؤيّدة بما رواه الشيخ عن عليّ بن مهزيار قال : كتب إليه إبراهيم بن عقبة : عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب : «لا تجوز الصلاة فيها»(2) .
وأمّا الثاني : فلعدم مساعدة العرف عليه ، مضافاً إلى أنّ المنع في الحرير مطلق كما تدلّ عليه رواية محمّد بن عبدالجبار المتقدّمة وسيجيء .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّه لا فرق في المنع بين اللباس وغيره ، وفي اللباس بين ما تتمّ الصلاة فيه وحده وغيره .
ثمّ لا يبعد أن يقال: بانصراف الأدلة المانعة عن الصلاة في أجزاء غير المأكول عن أجزاء الإنسان ، فلا تبطل الصلاة إذا كان مع المصلّي شعره أو ظفره وإن كان غيره .
وعلى تقدير الشمول فيجب تخصيصها بما رواه الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب، عن علي بن الريان بن الصلت قال : كتبت إلى أبي الحسن(عليه السلام) : هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الانسان وأظفاره من قبل أن ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقّع(عليه السلام) : «يجوز»(3) ، وما رواه الصدوق عن عليّ بن الريّان أنّه سأل أبا الحسن الثالث(عليه السلام) عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره ثمّ يقوم إلى الصلاة من غير
- (1) التهذيب 2 : 207 ح810 ; الإستبصار 1: 383 ح1453; الوسائل 4 : 377. أبواب لباس المصلّي ب14 ح4 .
- (2) التهذيب 2: 206 ح805 و 806 ; الوسائل 4: 377. أبواب لباس المصلّي ب14 ح3 .
- (3) التهذيب 2 : 367 ح1526 ; الوسائل 4 : 382. أبواب لباس المصلّي ب18 ح2.
(الصفحة 318)
أن ينفضه من ثوبه؟ فقال : «لا بأس»(1) .
والظاهر أنّهما رواية واحدة والاختلاف في الألفاظ نشأ من اختلاف نقل الراوي كما لا يخفى .
وحينئذ فيشكل التعميم لما إذا كان مع المصلّي شعر غيره من أفراد الإنسان ، إذ لا يعلم أنّ الحكم بالجواز كان جواباً عن السؤال بالنحو الأوّل ، لأنّه يحتمل أن يكون جواباً عن السؤال بالنحو الثاني المتضمّن للمسألة عن حكم ما إذا كان مع المصلّي شعر نفسه أو ظفره ، فيكون الجواز مختصّاً به . هذا ، ولكنّ الظاهر ما عرفت من الانصراف ، فيعمّ الجواز كلتا الصورتين .
ثمّ لا يخفى عدم اختصاص ما ذكرنا من مانعية أجزاء غير المأكول بالحيوان الذي كان له جميع المذكورات في الموثقة ابن بكير من الشعر والوبر وغيرهما ، بحيث لو لم يكن لبعض الحيوانات غير المأكول وبر مثلا لم يكن هنا مانع من الصلاة في أجزائه ، ضرورة أنّه لا دلالة لذكرها في الموثقة على انحصار الحكم بذلك الحيوان ، مضافاً إلى وضوح عدم الاختصاص بذلك كما يظهر بمراجعة العرف الذي هو الحاكم في الخطابات الشرعية .
وكذا لا يختص المنع بالحيوان الذي له لحم ، كما ربّما يتوهّم من قول الإمام(عليه السلام)في الموثقة بعد نقله ما في كتاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «فان كان ممّا يؤكل لحمه» ، بتقريب أنّ قرينة المقابلة تقتضي أن يكون المراد بقوله : «وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله» ، هو ما كان أكل لحمه حراماً ومنهيّاً عنه وذلك ـ أي وجه عدم الاختصاص بما ذكر ـ إطلاق كلام النبي(صلى الله عليه وآله) على ما نقله الإمام(عليه السلام)عن كتابه(صلى الله عليه وآله)وهو قوله : «إنّ الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله . . .» .
حيث إنّه يدلّ على أنّ المناط حرمة أكل الحيوان سواء كان ذا لحم أم لم يكن
- (1) الفقيه 1 : 172 ح812 ; الوسائل 4: 382. أبواب لباس المصلّي ب18 ح1.
(الصفحة 319)
ولا وجه لتقييده بالأوّل بعد تعارف أكل الثاني أيضاً كما في الجراد وغيره ، وتقييد الإمام(عليه السلام) إنّما هو بملاحظة أنّ المتعارف غالباً هو أكل الحيوان الذي له لحم والتغذي به لا بغيره .
وكذا لا يختصّ المنع بالحيوان الذي قد يزهق روحه بالتذكية وقد يزهق بغيرها ، كما ربّما يتوهّم من قول الإمام(عليه السلام) في الموثقة : «إذا علمت أنّه ذكي ذكاه الذبح» ، وذلك لأنّ ذكر هذا الكلام إنّما هو لبيان أنّ مجرّد كون الحيوان مأكول اللحم لا يوجب صحة الصلاة في أجزائه ، بل له شرط آخر وهو وقوع التذكية عليه ، ولايخفى أنّ هذا الشرط إنّما هو بالنسبة إلى استعمال جلده لا سائر أجزائه من الوبر والشعر وغيرهما ، لأنّه تصحّ الصلاة فيها ولو قطعت عنه في حال الحياة .
فظهر أنّه لا يختصّ المنع بذلك ، بل يشمل الحيوانات التي لا تقبل التذكية الموجبة للطهارة والحلية أصلا ، كما أنّه لا وجه للاختصاص بالحيوان الذي يذكّى بالذبح لا بالنحر وغيره ، كما ربّما يتوهّم من كلام الإمام(عليه السلام) ، وذلك لأنّ التعبير به إنّما هو بملاحظة أنّ الغالب هو كون التذكية بالذبح لا بغيره ، وذلك لا يوجب الاختصاص كما هو واضح .
ثمّ إنّه لا فرق بين كون الحيوان له نفس سائلة وبين غيره ، لعدم دلالة شيء من الأخبار الواردة في الباب عليه ولو بالإشعار ، كما يظهر لمن راجعها ، ولا وجه لاحتماله في المقام ، واحتمال الفرق بينهما في مسألة الميتة إنّما هو لأجل احتمال أنّ مانعية الميتة إنّما هي لأجل كونها نجسة لا لموضوعيتها .
وعليه فلا يشمل دليل المنع ميتة غير ذي النفس لعدم نجاستها ، وهذا بخلاف المقام ، لأنّه لا وجه لاحتمال الاختصاص بالاُولى كما عرفت . نعم لو استندنا في المسألة إلى الشهرة والاجماعات المنقولة ولم نعتمد على الموثقة لاحتمل الاختصاص بما هو القدر المتيقّن منها ، إذ حينئذ لا دليل على الإطلاق كما لايخفى .