(الصفحة 359)
كذلك ، لا تدلّ على الملازمة بين جواز الصلاة في الوبر وجوازها في الجلد كما هو واضح ، ويدلّ على أنّ السؤال إنّما هو عن جواز اللبس مضافاً إلى ما ذكرنا ، أنّ مورد الشبهة في أذهان الناس إنّما هو جواز لبسه ، خصوصاً مع علمهم بما روي عن النبي(صلى الله عليه وآله)من النهي عن ركوب الخزّ والجلوس عليه ، كما تقدّم في محكيّ كلام ابن المنظور(1) ، وخصوصاً مع كون ثوب الخزّ كثير القيمة شائع الاستعمال بين المترفين والمتنعّمين .
ويدلّ على ذلك ما روي من أنّ علي بن الحسين(عليهما السلام) كان بعدما اشترى جبّة الخزّ بخمسمائة درهم ومطرفه أيضاً بخمسين ديناراً يقول :
{قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده . . .}(2)،(3) ، فإنّ استشهاده بهذه الآية يشعر بعدم كون جواز لبس الخزّ ممّا يعرفه الناس ، بل كان مورداً لشكّهم ، وبالجملة فالرواية أجنبيّة عن المقام .
نعم قد يتوهّم دلالة الخبر الأوّل من الباب الثامن وأمثاله على جواز الصلاة في جلده أيضاً ، وهو ما رواه الصدوق عن سليمان بن جعفر الجعفري أنّه قال : «رأيت الرضا(عليه السلام) يصلّي في جبّة خز»(4) ، وأنت خبير بأنّ هذه الرواية وأمثالها إنّما تكون حاكية للفعل ، ومن الواضح أنّ الفعل لا اطلاق له ، فلعلّ ذلك الخزّ كان منسوجاً من الوبر، فلا دلالة لها على جواز الصلاة في جلده كما لا يخفى .
ثمّ إنّ ظاهر عبارة القدماء من الأصحاب استثناء الخزّ الخالص دون
- (1) تقدّم في ص352.
- (2) الأعراف : 32 .
- (3) الكافي 6: 451 ح4; قرب الإسناد: 286 ح1296; الوسائل 4: 364 و 365. أبواب لباس المصلّي ب10 ح6 و 10.
- (4) الفقيه 1 : 170 ح802 ; التهذيب 2: 212 ح832 ; الوسائل 4 : 359. أبواب لباس المصلّي ب8 ح1 .
(الصفحة 360)
المغشوش بوبر الأرانب والثعالب(1) ، ولا يخفى أنّ ما يتصوّر فيه الخالصيّة والمغشوشية إنّما هو وبر الخزّ دون جلده ، فيعلم أنّ المراد من المستثنى إنّما هو الوبر دون لجلد ، فلا يستفاد من كلماتهم جواز الصلاة في جلد الخزّ، واحتمال أن يكون المستثنى شاملا للجلد أيضاً .
غاية الأمر أنّ التقييد بالخلوص إنّما يكون في الوبر فقط خلاف الظاهر . هذا ، وعبارة المحقّق في الشرائع إنّما تكون كعبارة القدماء في عدم استفادة الجواز منها(2) ، وأمّا في المعتبر فقد استقرب الجواز بعد أن تردّد في المسألة(3) ، وأمّا العلاّمة فالمحكيّ عن كلامه في التحرير والمنتهى هو المنع والتفصيل بين الوبر والجلد(4) ، خلافاً لما يظهر من سائر كتبه من تعميم الجواز(5) كما هو المعروف بين المتأخرين(6) .
وتحقيق المسألة وتقريب القول بالجواز أو العدم فيها مبني على اُمور :
أحدها : إنّه هل يكون الخزّ من الحيوانات التي يحلّ أكل لحمها أو ممّا يحرم؟ الظاهر هو الثاني لقيام الاجماع على حرمة الحيوانات المائية عدى السمك الذي له فلس(7) ، ومخالفة صاحب الحدائق(8) وأمثاله لا يضرّ بتحققه .
- (1) المقنعة: 150; المبسوط 1: 82; النهاية: 97; الإستبصار1: 135; الكافي في الفقه: 140; المهذّب 1: 74; الغنية: 66; السرائر 1: 262; مستند الشيعة 4 : 320 ـ 322; تذكرة الفقهاء 2 : 468; كشف اللثام 3 : 190 ـ 193 .
- (2) شرائع الإسلام 1 : 59 .
- (3) المعتبر 2 : 85 .
- (4) تحرير الاحكام 1 : 30; ; المنتهى 1 : 231 .
- (5) نهاية الأحكام 1: 374 ـ 375; تذكرة الفقهاء 3: 468 ـ 469 مسألة: 122; قواعد الأحكام 1: 255.
- (6) المعتبر 2: 84 ـ 85 ; جامع المقاصد 2: 78 ; الذكرى 3: 35 ـ 36; مسالك الأفهام 1: 163; مجمع الفائدة والبرهان 2: 82 ; مدارك الأحكام 3: 168 ـ 169; رياض المسائل 3: 163 ـ 164; جواهر الكلام 8 : 86 ـ 87 .
- (7) المقنعة: 576; الخلاف 6: 29 مسألة 31; الغنية: 394; السرائر 3: 90; المعتبر 1: 102; وج2: 84 ; الذكرى 3: 36; جواهر الكلام 36: 241.
- (8) الحدائق الناضرة 5 : 71 .
(الصفحة 361)
ثانيها : إنّه هل الأدلة المانعة عن الصلاة في جلد الميتة منصرفة عن الميتة الطاهرة وهي ميتة غير ذي النفس ، أو باقية على ظاهرها من العموم والشمول؟
ثالثها : انّه على فرض الانصراف هل تكون الحيوانات المائية لها نفس سائلة أم لا؟
رابعها : إنّه هل تكون التذكية ثابتة فيما عدى السمك من الحيوانات المائيّة أو تختصّ به؟
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لو قيل بحلية أكل لحم الخزّ أو بحرمته ، ولكن ادّعي انصراف الأدلة المانعة عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه عن الحيوانات المائية ، فلازمه القول بصحّة الصلاة في وبر الخزّ ، وكذا في جلده من حيث مانعية غير المأكول .
وأمّا من حيث مانعية الميتة فجواز الصلاة فيه مبنيّ على القول بخروج الخزّ عن تحت الأدلة المانعة عن الصلاة في الميتة، إمّا موضوعاً بدعوى وقوع التذكية عليه ، وإمّا حكماً بدعوى انصرافها عن الميتة الطاهرة واختصاص المانعية بالميتة النجسة مع ادّعاء كون الحيوانات المائيّة أو خصوص الخزّ منها ليس لها نفس سائلة حتّى تكون ميتتها طاهرة ، فلا تدخل في تلك الأدلة ، وحينئذ ينتهي القول بجواز الصلاة في جلد الخزّ على وفق القاعدة ، ولا حاجة في إثباته إلى دليل كما هو واضح .
وأمّا لو قلنا بحرمة أكل لحم الخزّ ، كما عرفت أنّه معقد اجماع الأصحاب ، ولم نقل بانصراف الأدلة المانعة عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه عن الحيوانات المائية ، فلازمه القول ببطلان الصلاة في جلد الخزّ وكذا في وبره ، إلاّ أن يدلّ دليل على خلاف ذلك ، وقد عرفت في صدر المسألة إنّه قام الدليل على الجواز في الوبر والاشكال إنّما هو في الجلد خاصّة .
والذي ينبغي أن يقال في المقام: إنّه لو كان وجه المانعية وبطلان الصلاة في جلد
(الصفحة 362)
الخزّ منحصراً في كونه من أجزاء غير المأكول ، فلا يبعد أن يقال باستثناء جلد الخزّ وصحة الصلاة فيه كالوبر ، لأنّه بعد نهوض الدليل من النصّ والاجماع على استثناء الوبر ، تكون خصوصية الوبرية ملغاة بنظر العرف ، لأنّ الظاهر أنّ أهل العرف لا يفهمون من استثناء الوبر إلاّ استثناء الحيوان المسمّى بالخزّ ، وصحة الصلاة في أجزائه وبراً كان أو غيره كما لا يخفى .
وأمّا مع احتمال كون الخزّ ميتة لاحتمال عدم كونه كالسمك ، في أنّ خروجه من الماء كان علّة لموته ، كما يظهر من بعض الروايات ، حيث إنّ الإمام(عليه السلام)أجاب فيه عن السؤال عن الخزّ بأنّه سبع يرعى في البرّ ويأوي الماء(1) ، فالحكم بجواز الصلاة في جلده محلّ إشكال ، إذ لو كان إخراجه من الماء مستلزماً لقتله لعدم تعيّشه في خارج الماء لأمكن أن يقال بحصول التذكية له بذلك كالسمك .
وأمّا مع تعيّشه في خارج الماء أيضاً بمعنى عدم كون إخراجه من الماء إماتة له لبقاء حياته بعد الخروج ولو ساعة ، فلا يمكن القول بثبوت التذكية له ، كما يظهر ذلك من فتاوى الأصحاب في نظائر المسألة ، حيث إنّهم يقولون: بأنّ حصول التذكية للحيوان الذي أصابه سهم ، أوجرحه كلب معلّم ، ومات بسببه قبل بلوغ الصيّاد إليه ، إنّما هو بذلك ـ أي بإصابة السهم أو جرح كلب معلّم ـ وأمّا إذا كانت حياته باقية بعد بلوغه إليه ، فتحقّق التذكية إنّما هو بفري الأوداج ، ولا تكفي الإصابة أو الجرح .
هذا ، ولا يجوز أن يتمسّك للجواز باطلاق رواية معمر بن خلاّد عن الرضا(عليه السلام)المتقدّمة(2) ، لأنّ النسبة بينها وبين ما يدلّ على المنع عن الصلاة في الميتة
- (1) التهذيب 9: 49 ذ ح205 ; الوسائل 24: 191. أبواب الأطعمة المحرمة ب39 ح2.
- (2) الوسائل 4 : 360 . أبواب لباس المصلّي ب8 ح5 .
(الصفحة 363)
عموم من وجه . ولا دليل على ترجيح الاُولى في مورد الاجتماع ، وهي الصلاة في جلد الخزّ .
وأمّا رواية ابن أبي يعفور(1) ، فهي وإن كان موردها الصلاة في جلد الخزّ كما عرفت; إلاّ أنّ الاعتماد على مثلها مع وضوح حال سندها لا ينبغي من الفقيه ، وما ذكرنا من اتحادها مع رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّمة(2) ، فإنّما هو مبنيّ على الحدس ولا يجوز الاستناد إليه في مقام الفتوى . هذا ، والمسألة بعد تحتاج إلى مزيد تتبّع وتأمّل والاحتياط ممّا لا يخفى .
- (1) الوسائل 4 : 359 . أبواب لباس المصلّي ب8 ح4 .
- (2) الوسائل 4: 362. أبواب لباس المصلّي ب10 ح1 .