(الصفحة 367)
جوازها في غير السنجاب(1) . هذا ، مضافاً إلى أنّ العموم الوارد في مقام المنع عن الصلاة في غير المأكول قد ورد في مورده خصوص السنجاب وغيره كما في موثقة ابن بكير المتقدّمة(2) .
فإنّ الجواب فيها بالمنع عن الصلاة في غير المأكول كما في كتاب زعم أنّه إملاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأراد بعد سؤال الراوي ـ وهو زرارة ـ عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ، فتخصيص هذا العموم الوارد في مورده السنجاب بهذه الأخبار الدالة على جواز الصلاة فيه تخصيص مستهجن كما لا يخفى ، مضافاً إلى وجود المعارض لها وهي الروايات الدالة بالصراحة على المنع في السنجاب وأمثاله .
وقد يجاب عن الإشكال الثاني بأنّ التخصيص المستهجن إنّما هو فيما إذا اُريد إخراج جميع الأسباب الخاصة الواردة في موردها العموم عن تحته ، كما إذا كان السبب واحداً واُريد إخراجه عن تحت العام ، أو أزيد من واحد وأريد إخراج الجميع ، وأمّا إذا أريد إخراج بعضه كما في مثل المقام ، فلا نسلّم استهجان التخصيص . هذا، وفيه تأمّل .
والإنصاف أن يقال: إنّه لو قلنا بكون ورود بعض الأفراد في مورد العموم يوجب أن يكون العام شاملا له ودالاًّ عليه بالنصوصية ، سواء كان الفرد واحداً أو أزيد ، أريد إخراج البعض أو الجميع كما يظهر من صاحب الجواهر(رحمه الله)(3) ، فاللاّزم
- (1) المقنعة: 150; المعتبر 2: 85 ـ 86 ; تذكرة الفقهاء 2: 467 مسألة 120; وص470 مسألة 123; الدروس 1: 150; البيان: 120; مدارك الأحكام 3: 173; مستند الشيعة 4: 331 ـ 333; كشف اللثام 3: 199; جواهر الكلام 8 : 103 ـ 107.
- (2) الوسائل 4 : 345 . أبواب لباس المصلّي ب2 ح1 .
- (3) جواهر الكلام 8 : 100 .
(الصفحة 368)
أن يعامل معه ومع الدليل الدالّ على التخصيص معاملة المتعارضين .
وأمّا لو سلّمنا ذلك في خصوص ما إذا كان الفرد واحداً أو أزيد ، وأُريد إخراج الجميع وقلنا بأنّه لا فرق بينه وبين سائر الموارد في أنّ الإرادة الاستعمالية تعلّقت بجميع أفراد العام ، والدليل على التخصيص يدل على تعلق الإرادة الجدّية بما عدى الفرد المخصّص ، فاللازم أن يعامل معهما معاملة العموم والخصوص وتخصيص منع الصلاة في أجزاء غير المأكول فيما نحن فيه بما عدى السنجاب .
فمقتضى هذا الوجه جواز الصلاة فيه ، ولا يعارضه بعض الروايات الدالة على المنع في خصوص السنجاب وأشباهه ، لأنّها مردودة بالارسال وغيره .
وأمّا بناءً على الوجه الأوّل الذي يجب الرجوع معه إلى المرجحات فجواز الصلاة في السنجاب غير خال عن الإشكال ، لأنّ أوّل المرجحات هي الشهرة في الفتوى على ما هو مقتضى التحقيق ، ومن المعلوم عدم تحققها هنا، كما يظهر لمن راجع فتاواهم . وثانيها : هي مخالفة العامة ، وهي إن كانت متحققة في موثقة ابن بكير وأمثالها ممّا يدل على عموم المنع للسنجاب وغيره، إلاّ أنّ في الروايات الدالة على الجواز جهة لا يمكن حملها معها على التقية، وهي اشتمال كثير منها على المنع عن الصلاة في الثعالب وغيرها ممّا يجوز الصلاة فيها عندهم، فيجب الرجوع إلى سائر المرجحات .
والحقّ أن يقال: بأنّ ورود العام في مورد بعض الأفراد لا يوجب شموله له بالنصوصية في مثل المقام ، لأنّ غرض الإمام(عليه السلام) في مقام الجواب عن سؤال الراوي إنّما هو بيان أصل الحكم ، والفرق بين الحيوانات التي يحلّ أكلها وغيرها في مقابل العامة القائلين بصحّة الصلاة في أجزاء جميع الحيوانات ، ولذا أخرج لبيانه كتاباً زعم أنّه إملاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) للاستشهاد عليه .
مضافاً إلى أنّ غرض السائل أيضاً لم يكن السؤال عن حكم الأفراد الخاصة ،
(الصفحة 369)
بل مقصوده هو السؤال عن حكم الحيوانات التي لم يكن أخذ الثوب منها متعارفاً ومعمولا ، كالغنم والإبل وغيرهما ممّا تعارف أخذ اللباس منه ، ولأجله كان حكمها معلوماً لكلّ أحد من زمان النبي(صلى الله عليه وآله) .
وبالجملة: لمّا كان التفصيل بين الحيوانات في جواز الصلاة في أجزائها وعدمه والحكم بالفرق بينها غير معلوم للناس قبل ذلك ، أراد الإمام(عليه السلام) في مقام الجواب أن يبينه بقانون كلّي ، وهو لا ينافي خروج بعض الأفراد الوارد في مورد ذلك الحكم الكلّي عن تحته ، كما لا ينافي خروج بعض الأفراد غير الوارد في مورد العام .
فظهر أنّ التعارض بين موثّقة ابن بكير وبين الروايات الدالة على جواز الصلاة في السنجاب ليس تعارض الدليلين المتبائنين ، بل تعارض العموم والخصوص ، فيجب تخصيصها بها والحكم بجوازها فيه ، واشتمال كثير من الأخبار الدالة على الجواز على غير السنجاب من الفنك أو غيره ، مع أنّه خلاف ما هو المفتى به عند الأصحاب لا يوجب طرحها بالنسبة إلى السنجاب أيضاً ، كما أنّه لا وجه لطرحها من حيث السند مع كثرتها وتأيّد بعضها ببعض، مضافاً إلى عدم كون جميعها كذلك ، فلا يبعد القول بالجواز . هذا ، والمسألة بعد غير خالية عن الإشكال فتدبّر .
(الصفحة 370)
الأمر الثالث : أن لا يكون لباس المصلّي حريراً
ويقع الكلام فيه في مقامين :
الأوّل : في التكليف النفسي المتعلّق به مطلقاً .
الثاني : في مانعيته للصلاة .
أمّا الكلام في المقام الأوّل فنقول : لا إشكال ولا خلاف بين العامة(1)والخاصة(2) نصّاً وفتوى في حرمة لبس الحرير على الرجال مطلقاً إلاّ في بعض الموارد كالحرب وغيره ، ولا يحرم ذلك على النساء ، وحيث أنّ المقصود في هذا المقام هو البحث عن الجهة الثانية ، فتفصيل الكلام في الجهة الاُولى موكول إلى محلّه فنقول :
- (1) الاُمّ 1: 91; المجموع 3: 180; بداية المجتهد 1: 169; سنن النسائي 8: 212 ح5318 و 5319; سنن ابن ماجة 2: 1187 ح3588 ـ 3590 وص1189 ح3595; سنن الترمذي 3: 278 ح1726.
- (2) الخلاف 1 : 504 مسألة 245; المقنعة: 150; الإنتصار: 37; المعتبر 2: 87 ; المنتهى 1: 228; تذكرة الفقهاء 2: 470 مسألة 124; مدارك الأحكام 3: 173; بحار الأنوار 80: 239; كشف اللثام 3 : 215; الوسائل 4: 367. أبواب لباس المصلّي ب11 .
(الصفحة 371)
لا إشكال ولا خلاف بين الإمامية في مانعية الحرير ، وبطلان الصلاة فيه بالنسبة إلى الرجال ، كما يظهر لمن راجع فتاواهم . وأمّا النساء فيظهر من الصدوق أنّها كالرجال(1) ، إستناداً إلى أنّ الأخبار الدالة على الجواز إنّما هي متضمنة للحكم النفسي المتعلق بلبسه ، لا لجواز الصلاة فيه أيضاً . وأمّا الأكثر فقد ذهبوا إلى اختصاص ذلك بالرجال ، والمسألة خلافية بين العامة أيضاً ، فبعضهم ذهب إلى الجواز وبعض آخر إلى المنع(2) ، والظاهر أنّه لا مستند لهم من النصوص ، حيث إنّ المسألة مبتنية عندهم على أنّ النهي عن لبس الحرير هل يستلزم فساد الصلاة الواقعة فيه أم لا؟
وكيف كان فالأخبار الواردة في هذا الباب من طرق الخاصة كثيرة :
منها : ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن سعد الأحوص ـ في حديث ـ قال : سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) هل يصلّي الرجل في ثوب أبريسم؟ قال(عليه السلام) : «لا»(3) .
ومنها : ما رواه الشيخ عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد، عن عدّة من أصحابنا، عن عليّ بن أسباط، عن أبي الحارث قال : سألت الرضا(عليه السلام)هل يصلّي الرجل في ثوب أبريسم؟ قال(عليه السلام) : «لا»(4) . ويحتمل قويّاً أن تكونا رواية واحدة باعتبار عدم اختلاف مضمونهما، وأن يكون أبو الحارث كنية لإسماعيل بن سعد .
- (1) الفقيه 1 : 171 ح807 .
- (2) المغني لابن قدامة 1: 661; المجموع 3: 18; بداية المجتهد 1: 169.
- (3) الكافي 3 : 400 ح 12; التهذيب 2 : 205 ح801 وص207 ح813 ; الإستبصار 1 : 385 ح1463; الوسائل 4 : 367 . أبواب لباس المصلّي ب11 ح1 .
- (4) التهذيب 2: 208 ح814 ; الإستبصار 1: 386 ح1464; الوسائل 4: 369. أبواب لباس المصلّي ب11 ح7.