(الصفحة 374)
القول بخروج الجميع لتوصيف الحرير في بعض الروايات بكونه محضاً أو مبهماً(1)أو نظائرهما بناءً على أن لا يكون الوصف مقابلا لخصوص ما إذا كان منسوجاً من الأبريسم مخلوطاً بغيره كالقطن مثلا ، بأن كان سداه منه ولحمته من غيره أو بالعكس .
وأمّا بناءً على أن يكون مقابلا لخصوص الصورة المذكورة وشمول النهي عن الصلاة في الحرير المحض، أو عن لبسه لما إذا كانت ظهارته بسداه ولحمته منه وبطانته من غيره أو بالعكس ، ولما إذا كان بعض الثوب بأجمعه من الأبريسم وبعضه الآخر من غيره، ولغيرهما من الصور ، فالخروج عن عموم النهي يحتاج إلى مخصّص .
فالذي يبتني عليه الحكم في الصور المذكورة بعد صدق الصلاة في الحرير على كل واحد منها ، هو أنّ التقييد بالمحضية والمبهمية ونظائرهما على اختلاف ألسنة الروايات هل يوجب خروج الجميع واختصاص مورد النهي بما إذا كان الثوب بجميع أجزائه بسداه ولحمته من الأبريسم ـ نعم لا إعتبار بما إذا كان ما يعدّ خارجاً من الثوب وزائداً عليه من غيره ، كما إذا كان علمه أو كفّه من غير الأبريسم ـ أو يوجب خروج ما إذا كان نسج الثوب من الأبريسم مخلوطاً بغيره ، ويبقى بقية الصور تحته؟
ظاهر الجواهر والمصباح(2) أنّ الوصف يوجب خروج ما إذا كان بعض الثوب سداه ولحمته من الأبريسم ، وبعضه من غيره كالمنسوج على الطرائق ، وإذا لم تكن هذه الصورة مشمولة للنهي ، فعدم شموله لما إذا كان علمه أو كفه من الأبريسم
- (1) التهذيب 2: 367 و208 ح1524 و817 ; الاستبصار 1: 386 ح1467 و1468; الوسائل 4: 374 ـ 375. أبواب لباس المصلّي ب13 ح5 و6.
- (2) جواهر الكلام 8 : 137 ; مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 143 .
(الصفحة 375)
بطريق أولى .
نعم لو كان بعضه المنسوج من الأبريسم بمقدار يصلح لأن يكون تمام الثوب ، كما إذا كانت ظهارته أو بطانته أو حشوه من الأبريسم ، فيشكل الحكم بعدم التحريم . واستندا ـ أي صاحبي الجواهر والمصباح ـ في ذلك إلى أنّ بعض الثوب لا يكون ثوباً بل جزء منه ، وهو يشعر بعدم صدق الصلاة في الحرير مع قطع النظر عن قيده على ما إذا كان بعض الثوب من الأبريسم .
ولا يخفى منعه ، لما عرفت في الأمر الثاني من الاُمور المعتبرة في لباس المصلّي ، من صدق الظرفية في الشعرات الملقاه على المصلّي من غير المأكول . هذا ، مضافاً إلى عدم صحة الاستدلال من رأس ، لأنّ بعض الثوب يصدق عليه الثوب كما يظهر من ملاحظة موارد اطلاقاته .
هذا ، ويظهر من الفقهاء الوجه الثاني(1) ، حيث إنّهم اختلفوا فيما إذا كان علم الثوب أو كفه من الأبريسم ، ومنشأ الاختلاف وجود رواية تدلّ على الجواز في هذه الصورة(2) ، فبعضهم استند إليها مع كونها عامية وبعضهم أعرض عنها لذلك ، فإنّ هذا يدلّ على أنّ شمول النهي وعمومه لهذه الصوره كان مسلّماً بينهم ، غاية الأمر ثبوت الاختلاف في وجود المخصّص الذي يمكن التمسّك به وعدمه .
ومن هنا ينقدح أنّ الظاهر هو هذا الوجه تبعاً للأكثر ، لأنّ الشمول كان متسالماً بين الأصحاب ، بل بين العامة أيضاً(3) بالنسبة إلى الحرمة التكليفية ، ومن الواضح أنّه لا يجوز التعدي عمّا يكون متبادراً عندهم بعد كونهم أعرف بمفاهيم
- (1) المقنعة: 150; الخلاف 1: 505 مسألة 246; الغنية: 66; تذكرة الفقهاء 2: 474; الكافي في الفقه: 140; مدارك الأحكام 3: 180; مستند الشيعة 4: 350; المهذّب 1: 75.
- (2) سنن النسائي 8: 213 ـ 214 ح5322 و5323; صحيح البخاري 7: 56 ح5828 و5829; سنن أبي داود 4: 49 ح4055.
- (3) المجموع 4: 436; تذكرة الفقهاء 2: 474 .
(الصفحة 376)
ألفاظ العرب .
والاستدلال على عدم الشمول بأنّ المتبادر من لفظ الثوب هو جميعه وبعض الثوب لا يكون ثوباً كما تقدّم ، يدفعه مضافاً إلى انّه لم يرد لفظ الثوب في متعلّق النهي ، لما عرفت من أنّ الثوب في لغة العرب عبارة عن الشيء المنسوج وليس مساوقاً للقميص وأمثاله من الألبسة ، ويدلّ عليه ملاحظة موارد إطلاقه ، كما يقال في كفن الميت: إنّه عبارة عن ثلاثة أثواب، وغيره من الموارد .
هذا ، ولو قلنا بذلك كما عرفت من الجواهر والمصباح ، فلا وجه للحكم بحرمة ما إذا كانت ظهارة الثوب أو بطانته أو حشوه من الأبريسم ، وكذا ما إذا كان بعض الثوب المنسوج منه بمقدار يصلح لأن يكون تمام الثوب ، كما تقدّم منهما ، إذ المفروض كونه بالفعل بعض الثوب وجزء منه ، وصلاحيته لأن يصير تمام الثوب لا يوجب خروجه عن الحكم الثابت له بالفعل باعتبار كونه جزء منه .
ويؤيّد ما ذكرنا من شمول النهي لغير صورة واحدة ، وهي ما إذا كان الثوب سداه من الأبريسم ولحمته من غيره أو بالعكس ما يظهر منهم من استثناء لبس الحرير في حال الحرب والحكم بجوازه لكونه موجباً لتقوية القلب وتسكينه(1) ، فإنّه لولا شمول النهي لما إذا كان بعض الثوب حريراً ممتازاً عن بعضه الآخر لما احتاجوا إلى الاستثناء ، إذ يكفي في تقوية القلب كون ما يحاذيه من الثوب حريراً فتأمّل .
ثمّ إنّ الجواز بقسميه : التكليفي والوضعي في الصورة المتقدّمة ، وهي ما إذا كان الثوب منسوجاً من الأبريسم وغيره على وجه لا يتميّز ، لا ينحصر بما إذا كان مقدار الأبريسم مساوياً لمقدار غيره أو أنقص ، بل يشمل ما إذا كان أزيد منه .
- (1) النهاية : 96; الوسيلة: 89 ; المراسم: 64; المعتبر 2: 88 ; المنتهى 1: 228; تذكرة الفقهاء 2 : 471; مستند الشيعة 4 : 339; كشف اللثام 3 : 219 ; الذكرى 3: 40; روض الجنان: 207 .
(الصفحة 377)
نعم فيما إذا كان غيره مستهلكاً بحيث يصدق أنّه صلّى في الحرير المحض ، لا يبعد القول بالمنع .
فانقدح من جميع ما ذكرنا ثبوت التحريم مطلقاً إلاّ في صورة واحدة ، ويشمل ما إذا كان علم الثوب أو كفه أو لبنته من الأبريسم ، لما عرفت من أنّ الدليل على الجواز في خصوص هذه الصورة رواية ضعيفة غير قابلة للاعتماد والاستناد .
حكم ما لا تتمّ الصلاة فيه ، إن كان حريراً خالصاً
قد عرفت(1) أنّ بطلان الصلاة في الحرير المحض مورد لاتّفاق الإماميّة في الجملة ، وذلك في الثوب الذي يجوز فيه الصلاة منفرداً ، وأمّا ما لا تتمّ فيه الصلاة وحده ففي بطلان الصلاة فيه إذا كان حريراً محضاً وعدمه ، نظير ما إذا كان متنجّساً ، فإنّ الظاهر أنّ جواز الصلاة فيه محلّ وفاق بين الأصحاب . وجهان بل قولان ، فالمحكيّ عن جماعة منهم: المفيد والشيخ(قدس سرهما) هو الجواز(2) وظاهر بعضهم المنع كما هو المشهور بين المتأخّرين(3) .
ثمّ إنّ القائلين بالصحة بين من يظهر منه الكراهة(4) وبين من لا يظهر منه إلاّ الجواز بالمعنى الأعمّ(5) ، ويظهر من بعض التوقف والتردّد في أصل المسألة(6) ،
- (1) تقدّم في الأمر الثالث ص370 .
- (2) المقنعة: 150; النهاية: 96 و98; الكافي في الفقه: 140; المعتبر 2: 89 ; إرشاد الأذهان 1: 246; الدروس 1: 150; الروضة البهيّة 1: 206; التنقيح الرائع 1: 180.
- (3) الفقيه 1: 172; المراسم: 63 ـ 64; الوسيلة: 88 ; المنتهى 1: 229; البيان: 120; مجمع الفائدة والبرهان 2: 84 ; الذخيرة: 227; بحار الأنوار 80 : 241; مدارك الأحكام 3: 179.
- (4) النهاية: 98; المبسوط 1 : 84 ; السرائر 1 : 269 .
- (5) مستند الشيعة 4 : 346; المختصر النافع : 24 .
- (6) مسالك الافهام 1 : 164; مدارك الاحكام 3 : 178 .
(الصفحة 378)
ومنشأ الخلاف اختلاف ما يظهر من الأخبار الواردة في هذا الباب ، فمقتضى قول الإمام(عليه السلام) في رواية الحلبي المتقدّمة(1) هو الجواز ، ومقتضى مكاتبتي محمد بن عبدالجبار المتقدّمتين هو المنع(2) .
فإنّ الجواب فيهما وإن كان عامّاً شاملا لحكم الصلاة فيما تتمّ وغيره ، فتكون رواية الحلبي مخصّصة لهما ، إلاّ أنّه باعتبار كونه وارداً في مقام الجواب عن خصوص ما لا تتمّ يكون نصّاً في الشمول لمورده ، فيتحقّق التعارض بينهما .
والمناقشة في سند رواية الحلبي باعتبار اشتماله على أحمد بن هلال الذي ورد في مذمّته التوقيع عن العسكري(عليه السلام) المتضمّن لقوله(عليه السلام) : «احذروا الصوفي المتصنّع» على ما رواه الكشي(3) ، مندفعة بما حكي عن ابن الغضائري ـ مع كونه مسارعاً في التضعيف ـ من أنّه لم يتوقف في حديثه عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب ، لأنّه قد سمع كتابيهما جلّ أصحاب الحديث واعتمدوا فيها(4) .
هذا ، ولا يخفى أنّ ما حكي عن ابن الغضائري لا يفيد ـ بالنسبة إلينا ، حيث لم يحضرنا كتاباهما ، فالمناقشة لا تندفع بهذا الوجه ، بل انّما هي مندفعة مضافاً إلى عدم حجّية ما نقله الكشي في مذمّته بعد كونه ذا روايات كثيرة في أبواب الفقه ، خصوصاً بعد نقل الأجلاّء من أصحاب الحديث عنه ، كموسى بن الحسن الذي نقل عنه في هذه الرواية ـ باعتماد الطرفين عليها ، لأنّ القائل بالمنع إنّما يرجّح دليله عليها ، لا أن يقول بعدم حجّيتها ، وبعبارة اُخرى لا تكون حجّة عنده في مقام
- (1) الوسائل 4 : 376. أبواب لباس المصلّي ب14 ح2 .
- (2) الوسائل 4: 376 و 377. أبواب لباس المصلّي ب14 ح1 و4.
- (3) اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشي) : 535 ، ح1020 .
- (4) خلاصة الأقوال: 320 رقم 1256; جواهر الكلام 8 : 123 .