(الصفحة 386)
فالأولى ـ كما في الجواهر(1)ـ الاستدلال للبطلان بالأخبار الواردة في الباب ، مثل ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار بن موسى، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : «لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه، لأنّه من لباس أهل الجنّة»(2) .
وما رواه أيضاً عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن رجل، عن الحسن بن علي، عن أبيه، عن علي بن عقبة، عن موسى بن أكيل النميري، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الحديد: إنّه حلية أهل النار، والذهب إنّه حلية أهل الجنّة، وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه»(3) . فإنّ ظاهرهما تعلّق النهي بالصلاة في الذهب بعنوانها لا بما هي مشتملة على لبسه .
وحينئذ فإن قلنا: بأنّ النهي عنها للإرشاد إلى فسادها فيه كما هو الظاهر ، لأنّ الغرض نوعاً بيان عدم حصول ما يأتي به المكلّف بداعي الامتثال والموافقة ، والتقدير إنّه لا يأت بذلك لأنّه لا يحصل مطلوبه الذي هو الامتثال ، فلا إشكال في دلالته على الفساد في المقام ، وإن لم نقل بذلك بل قلنا بأنّ النهي ظاهر في التحريم المولوي فيدلّ على الفساد أيضاً ، لأنّ المبغوض لا يكاد يكون مقرّباً فلا تصحّ العبادة، لأنّ صلاحيّتها للتقرّب معتبرة في صحّتها .
إن قلت : إنّ الأمر قد تعلّق بطبيعة الصلاة مجرّدة عن ملاحظة تحيّثها بحيثيّات مختلفة ، وتخصّصها بخصوصيّات متشتّتة ، والنهي تعلّق بإيجادها في الذهب وإيقاعها فيه، وحينئذ فيتحقّق التغاير بين متعلّقيهما، فلا وجه للحكم بالفساد .
قلت : قد حقّقنا في الاُصول أنّ مثل هذا أيضاً داخل في مورد النزاع في مسألة
- (1) جواهر الكلام 8 : 111 .
- (2) التهذيب 2 : 372 ح1548 ; الوسائل 4 : 413 . أبواب لباس المصلّي ب30 ح4 .
- (3) التهذيب 2: 227 ح894 ; الوسائل 4: 414 . أبواب لباس المصلّي ب30 ح5.
(الصفحة 387)
اجتماع الأمر والنهي ، ونحن وإن اخترنا الجواز في تلك المسألة; إلاّ أنّه قلنا ببطلان العبادة فيما إذا اجتمع الأمر والنهي فيهما، كما تقدّمت إليه الإشارة ، وبالجملة فيستفاد من الروايتين بطلان الصلاة في الذهب سواء كان النهي إرشاديّاً أو مولويّاً .
هذا ، ويدلّ على البطلان أيضاً خبر جابر الجعفي المرويّ في الخصال عن أبي جعفر(عليه السلام) حيث قال : «يجوز للمرأة لبس الديباج ـ إلى أن قال ـ : ويجوز أن تتختّم بالذهب وتصلّي فيه، وحرّم ذلك على الرجال إلاّ في الجهاد»(1) . هذا ، ولا يخفى أنّ احتمال كون النهي فيه للارشاد في غاية البعد كما يظهر وجهه بالتأمّل .
تنبيه : وجه حرمة التختّم بالذهب
قد عرفت في صدر المسألة أنّ حرمة التختّم بالذهب للرجال ممّا اتفق عليها المسلمون ، وأخبار الفريقين تدلّ على ذلك ، ولعلّه لذلك ـ أي لكونه مجمعاً عليه بحيث لم يخالف فيه أحد ـ لم يتعرّض له كثير من فقهاء الإماميّة في كتبهم ، وقد عرفت أيضاً عدم اختصاص الحرمة بخصوص الخاتم ، بل يعمّ لباس الذهب مطلقاً .
ولكن يقع الكلام هنا في أنّ حرمة التختّم بالذهب هل هي لكون الخاتم من أفراد الألبسة ، فيحرم لبس الذهب ولو مع عدم التزيّن به ، أو أنّ حرمته إنّما هي لتحقّق التزيّن به، فيعمّ التحريم للتزين بغير الخاتم ولو لم يكن لباساً؟ فيه وجهان .
والأخبار الواردة في هذا الباب ليس لها ظهور في خصوص أحد الوجهين،
- (1) الخصال : 558 ح12; الوسائل 4 : 380 . أبواب لباس المصلّي ب16 ح6 .
(الصفحة 388)
وإن كان يمكن أن يقال بأنّ في رواية النميري المتقدّمة إشعاراً بالوجه الثاني حيث قال فيها : «وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرّم على الرجال لبسه . . .» ، فإنّ ذكر الزينة يشعر بأنّ المراد باللبس أيضاً ذلك ، لكنّه مندفع مضافاً إلى احتمال العكس بما ورد في تفسير قوله تعالى :
{خذوا زينتكم عند كل مسجد(1)} من أنّ المراد بالزينة هي اللباس(2) .
وحينئذ فإن قلنا: بأنّ الحرمة راجعة إلى لبس الذهب فاختيار الجواز وعدم المنع في الأسنان المشدودة بالذهب يكون على وفق القاعدة من دون أن يحتاج في إثباته إلى دليل مخصّص لعموم التحريم ، ولو قلنا بأنّ الحرمة متعلّقة بالتزين بالذهب ولو من غير لبس فالخروج عن عموم الدليل يحتاج إلى مخصّص ، وقد قام في ا لأسنان المشدودة بالذهب أو المشبكّة به لدلالة بعض الأخبار عليه(3) .
ويمكن أن يقال بترجيح الوجه الأوّل ، لأنّ المأخوذ في الأخبار العامة كالروايتين المتقدّمتين(4) هو اللبس لا ا لتزيّن . وحينئذ فيحمل الأخبار الكثيرة الواردة في حرمة التختّم بالذهب على أنّ ذلك لأجل كون الخاتم لباساً لا لحصول التزيّن به .
فرع : الظاهر ثبوت التحريم مطلقاً وضعاً وتكليفاً فيما إذا كان مذهَّباً أو مموّهاً بالذهب ، لصدق لبس الذهب والصلاة فيه عرفاً ، فالخاتم الذي باطنه من الحديد وظاهره من الذهب يكون محرّماً ، وقد تقدّم ذلك من العلاّمة في التذكرة(5) خلافاً لما يظهر من بعضهم .
- (1) الأعراف : 31 .
- (2) مجمع البيان 2: 412; الوسائل 4: 455. أبواب لباس المصلّي ب54 ح5.
- (3) الكافي 6: 482 ح3; مكارم الأخلاق: 95; الوسائل 4 : 416. أبواب لباس المصلي ب31 ح1 و2 .
- (4) وهما روايتا عمار والنميري .
- (5) تذكرة الفقهاء 2 : 476 .
(الصفحة 389)
تتمّة :
قد ظهر لك أنّ حرمة لبس الذهب وكذا بطلان الصلاة فيه عند من يقول به إنّما هو بالنسبة إلى الرجال ، وهكذا الحرير على ما هو المشهور بين الأصحاب خلافاً للصدوق ، حيث يظهر منه أنّه لا يختصّ بطلان الصلاة في الحرير بالرجال ، بل يعمّ النساء استناداً إلى رواية(1) لابدّ من التصرّف فيها بالتأويل .
وحينئذ فيشكل الأمر في الخنثى المشكل بناءً على عدم كونه طبيعة ثالثة في أنّه هل يحرم عليه لبس الذهب والحرير وكذا الصلاة فيهما أم لا؟ ظاهر المحكي عن الشهيد في الألفية هو وجوب الاحتياط عليه(2) ، وظاهر المصباح خلافه(3) وإنّه تجري البراءة في حقّه ، والأقوى الأوّل ، لأنّه عالم إجمالا بثبوت واحد من التكاليف المختصّة بالرجال أو النساء في حقّه .
وحينئذ فيعلم إجمالا إنّه إمّا يجب عليه الستر وضعاً وتكليفاً وإمّا يحرم عليه الحرير والذهب مطلقاً، فيجب الاحتياط بحكم العقل ، لأنّه من موارد العلم الاجمالي ، إذ لا ينحصر مورده بما إذا كان الترديد من حيث المكلّف به ، وكذا لا يختصّ بما إذا كان الحكم الخاصّ مردّداً بين شيئين أو أشياء ، فالمقام نظير ما إذا علم إجمالا بغصبيّة هذا الماء أو بنجاسة ذلك الماء الواقع في إناء آخر .
وتوهّم خروج أحد الطرفين فيما نحن فيه عن مورد الابتلاء يدفعه أنّ مناط الخروج عن مورده هو قبح التكليف بالنسبة إليه ، ومن الواضح عدم تحققه في المقام أصلا . هذا ، مضافاً إلى ما عرفت من عدم جريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية مطلقاً، كما تقدّم في حكم الصلاة في اللباس المشكوك .
- (1) الفقيه 1: 171 ذ ح 807 .
- (2) الألفيّة : 41 .
- (3) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 139 .
(الصفحة 390)
الأمر الخامس : شرطيّة الإباحة في لباس المصلّي
من الأمور المعتبرة في لباس المصلّي سواء كان ساتراً أم لم يكن كذلك أن يكون مملوكاً للمصلّي عيناً أو منفعة، أو كان مأذوناً من قبل المالك في التصرّف فيه ، فالصلاة في الثوب المغصوب وكذا في الثوب الذي يحرم على المصلّي التصرّف فيه، لكونه تصرّفاً في مال الغير بغير إذنه، ولو لم يكن مغصوباً فاسدة .
ولا يخفى أنّ عباراتهم في مقام بيان هذا الأمر لا تشمل الصورة الثانية لأنّهم ذكروا أنّه يعتبر في لباسه أن لا يكون مغصوباً(1) ، ومن الواضح أنّ الغصب عبارة عن الاستيلاء على مال الغير عدواناً ولو لم يكن متصرّفاً فيه ، وأنّ التصرّف في مال الغير بدون إذنه حرام، ولو لم يكن غصباً لأجل عدم التسلّط عليه ، ووجه الشمول الاشتراك في الدليل الدالّ على البطلان كما سيظهر إن شاء الله تعالى .
- (1) المسائل الناصريّات: 205; الغنية: 66; المعتبر 2: 92; المنتهى 1: 229; تذكرة الفقهاء 2: 476; التحرير 1: 30; نهاية الأحكام 1: 378; جامع المقاصد 2: 87 ; الذكرى 3: 48; روض الجنان: 204; جواهر الكلام 8 : 141; مستند الشيعة 4: 360; كشف اللثام 3: 223.