(الصفحة 41)
فريضة العصر ، وأربع ركعات بعد المغرب ، وركعتان من جلوس بعد العتمة ، تعدّان بركعة ، وثمان ركعات في السحر ، والشفع والوتر ثلاث ركعات ، تسلم بعد الركعتين ، وركعتا الفجر»(1) .
وبإزاء هذه الأخبار ، بعض الأخبار الاُخر ، كرواية أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن التطوّع بالليل والنهار؟ فقال : «الذي يستحبّ أن لا يقصر عنه ثمان ركعات عند زوال الشمس ، وبعد الظهر ركعتان ، وقبل العصر ركعتان ، وبعد المغرب ركعتان ، وقبل العتمة ركعتان ، ومن السحر ثمان ركعات ، ثم يوتر ، والوتر ثلاث ركعات مفصولة ، ثم ركعتان قبل صلاة الفجر ، وأحبّ صلاة الليل إليهم آخر الليل»(2) .
وظاهرها أنّ مجموع الفرائض والنوافل يبلغ ستّاً وأربعين ركعة ، ورواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) الدالّة على أنّ المجموع أربع وأربعون ركعة(3) ، وكذا روايته عن الصادق(عليه السلام)(4) .
وقد عمل بعض الأصحاب بهذه الروايات ، ولذا كانوا مختلفين قبل زمن الرضا(عليه السلام) ، ومنشأ اختلافهم هي الروايات المختلفة ، وقد أُشير إلى ذلك في رواية البزنطي المتقدّمة ، وفي زمنه(عليه السلام) قد ارتفع الاختلاف بينهم ، لأجل السؤال عنه ، وتعيينه لما هو الحقّ من تلك الروايات ، ولذا صار ذلك مورداً لتسالم الأصحاب بعده(عليه السلام) .
هذا كلّه بناء على عدم إمكان الجمع بين تلك الأخبار المختلفة ، ويمكن الجمع
- (1) عيون اخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 123 ح1 ; تحف العقول : 417 ; الوسائل 4 : 54 . أبواب اعداد الفرائض ب13 ح23 .
- (2) التهذيب 2 : 6 ح11 ; الاستبصار 1 : 219 ح777 ; الوسائل 4 : 59 أبواب اعداد الفرائض ب14 ح2 .
- (3) التهذيب 2 : 7 ح13 ; الوسائل 4 : 59 . أبواب أعداد الفرائض ب14 ح1 .
- (4) التهذيب 2 : 7 ح12 ; الوسائل 4 : 59 . أبواب أعداد الفرائض ب14 ح3 .
(الصفحة 42)
بينها بأن يقال : إنّ الاختلاف بينها في نافلة العصر والمغرب محمول على اختلاف مراتب الاستحباب ، فالإتيان بأربع ركعات في نافلة العصر ، يشترك مع الإتيان فيها بثمان ركعات في أصل فضيلة نافلة العصر ، ولكنّه واقع في المرتبة الدانية ، وذاك في المرتبة العالية ; وهكذا في نافلة المغرب .
هذا ، ولكن هذا الجمع لا يتمّ بالنسبة إلى نافلة العشاء ، لعدم التعرّض لها في بعض الأخبار ، وبعبارة أُخرى : هي لا تكون أزيد من ركعتين حتّى يختلف فيها المراتب بالقلّة والكثرة ، فاختلاف الأخبار حينئذ يرجع إلى المشروعيّة وعدمها كما لا يخفى . نعم يمكن الجمع حينئذ بأن يقال : إنّ عدم ذكرها في بعض الأخبار يحتمل أن يكون لأجل التقيّة ، لترك بعض العامّة لها ، ويحتمل أن يكون من جهة أنّ المقصود هو بيان ما ثبت استحبابه أوّلا وبالذّات ، ونافلة العشاء لا تكون كذلك ، لأنّها مشروعة لصيرورة عدد النافلة ضعف الفريضة ، أو لكونها عوضاً عن الوتر لو ترك ، كما في بعض الأخبار(1) ، فلا تكون من النوافل الثابتة بالأصالة .
ثمّ انّه ورد في بعض الروايات ، ما يدلّ بظاهره على أنّ نافلة الظهر أربع ركعات ، وهو ما رواه الحميري في قرب الإسناد ، عن الحسن بن ظريف ، عن الحسين بن علوان ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام) ، أنّه كان يقول : «إذا زالت الشمس عن كبد السماء ، فمن صلّى تلك الساعة أربع ركعات فقد وافق صلاة الأوّابين ، وذلك بعد نصف النهار»(2) . ولكنّها مضافاً إلى عدم صحّة سندها ، لأن حسين بن علوان من الزيديّة ، أنّها لم تكن مذكورة إلاّ في كتاب قرب الإسناد ، وهو وإن كان مؤلّفه من الإماميّة إلاّ أنّ بناءه في ذلك الكتاب ذكر الأخبار الضعيفة أيضاً ، أضف إلى ذلك كلّه أنّ هذه الرواية محمولة على التقيّة ، من جهة موافقتها
- (1) الكافي 1 : 208 ح4 ; الوسائل 4 : 45 . أبواب أعداد الفرائض ب13 ح2 .
- (2) قرب الاسناد : 109 ح390 ; الوسائل 4 : 94 . أبواب أعداد الفرائض ب28 ح4 .
(الصفحة 43)
لمذهب الحنفيّة ، ويؤيّده أنّ فقه الزيديّة موافق لفقه الحنفيّة .
وكيف كان فالرواية غير قابلة للاستناد خصوصاً مع معارضتها للأخبار الكثيرة المستفيضة ، بل المتواترة ; نعم قد عرفت الاختلاف بين الروايات في نافلة العصر والمغرب ، وعرفت أيضاً أنّ طريق الجمع بينها هو الحمل على مراتب الفضيلة .
ثمّ إنّه قد ورد في الأخبار الكثيرة التي تقدّم بعضها ، أنّ نافلة العشاء ركعتان من جلوس ، تعدّان بركعة من قيام(1) ، وهي بهذه الكيفيّة من متفرّدات الإماميّة ولم يقل به أحد من العامّة ، لأنّهم بين من ينكرها رأساً ، ويذهب إلى عدم مشروعيّتها ، وبين من يقول بأنّها ركعتان من قيام ، وبين قائل بأنّها ثمان ركعات ، أربع منها قبل فريضتها ، وأربع بعدها كأبي حنيفة ومن تبعه(2) .
* * *
ينبغي التنبيه على أُمور :
الأمر الأوّل : نافلة كلّ فريضة عبادة مستقلّة
لا ريب في أنّ نافلة كلّ فريضة عبادة مستقلّة ، وعمل واحد ، لا ارتباط لها بنافلة فريضة أُخرى ، فيجوز الإتيان بها وإن ترك غيرها من النوافل ، فيجوز لمن أراد الإتيان بالظهرين أن يأتي بنافلة الظهر دون العصر أو العكس ، وهذا ممّا لا خفاء فيه ولا إشكال ، إنّما الإشكال في أنّ النوافل التي تكون أزيد من صلاة واحدة ـ مثل نافلة المغرب المركّبة من صلاتين ، ونافلة الظهر أو العصر المركّبة من
- (1) الوسائل 4 : 45 ـ 57 ، أبواب أعداد الفرائض ب13 ح2 ، 3 ، 7 ، 23 ، 25 .
- (2) فتح العزيز 4 : 217 ; المغني 1 : 798 ; المجموع 4 : 8 ; المعتبر 2 : 12 ; تذكرة الفقهاء 2 : 262 مسألة 3 .
(الصفحة 44)
أربع صلوات ، كلّ واحدة منها ركعتان ، كما أنّها تكون متعدّدة بما أنّها مصداق لعنوان الصلاة بلا ريب ، ـ هل تكون أيضاً متعدّدة بعنوان أنفسها أم لا؟
وبعبارة أُخرى ، كما أنّ لنافلة الظهر ـ مثلا ـ المركّبة من أربع صلوات ، مصاديق متعدّدة لحقيقة الصلاة ـ لأنّ كل واحدة من تلك الصلوات الأربع صلاة مستقلّة بحيالها ، ولذا لا يضرّ وقوع الحدث بينها ، ولا يوجب بطلان المأتي به منها ، ـ فهل تكون بعنوان أنّها نافلة متعدّدة أيضاً حتّى تكون مركّبة من أربع نوافل مستقلّة تعلّق بكلّ واحدة منها أمر مستقلّ لا ارتباط له بالأمر المتعلّق بالاُخرى ، أو أنّها بهذا العنوان لا تكون إلاّ نافلة واحدة تعلّق بها أمر واحد ، ويكون كلّ ركعتين منها جزء للمستحبّ المركّب من أربع ، مشتمل كلّ واحدة منها على ركعتين ، نظير صلاة جعفر(عليه السلام) ، فإنّها وإن كانت صلاتين ، للتسليم في كلّ ركعتين منها ، إلاّ أنّها من حيث كونها معنونة بهذا العنوان صلاة واحدة ، متعلّقة لأمر واحد ، ولا يترتّب عليه الآثار المترقّبة ، إلاّ بالإتيان بالمجموع؟
وجهان ; والثمرة بينهما إنّما تظهر في جواز التفكيك بينهما في مقام الإتيان ، فعلى الأوّل : يجوز التفكيك ، ويحصل الامتثال بالنسبة إلى الأمر الذي أتى بمتعلّقه ، فلو أتى في نافلة الظهر بأربع ركعات مفصولة ، يكون ممتثلا للأمرين اللذين تعلّق كلّ واحد منهما بصلاة واحدة ، مشتملة على ركعتين ، وهكذا . وعلى الثاني : لا يحصل الامتثال إلاّ بالإتيان بالمجموع ، لأنّه ليس في البين إلاّ أمر واحد متعلّق بالمجموع ، وهو لا يقبل التجزية من حيث الامتثال كما هو واضح .
والذي يظهر من أخبار الباب(1) ، هو كون المجموع المركّب من صلاتين أو أربع صلوات ، نافلة واحدة متعلّقة لأمر استحبابي واحد ، وإن كانت بما هي
- (1) الوسائل 4 : 45 . أبواب أعداد الفرائض ب13 .
(الصفحة 45)
صلوات متعدّدة . ولكنّ المستفاد من صاحب الجواهر هو الوجه الأوّل الذي مرجعه إلى استقلال كلّ ركعتين ، في كونه مأموراً به ، ونسب ذلك إلى العلاّمة الطباطبائي(1) ، ولعلّه ذهب إليه في كتاب المصابيح ، إذ لم نجد ذلك في كتاب الدرّة .
وكيف كان فقد استدلّ على ذلك في الجواهر بوجوه أربعة منها : الأصل . ومنها : تحقّق الفصل ، وهو يقتضي التعدّد . ومنها : عدم وجوب إكمالها بالشروع فيها . ومنها : أنّها مشروعة لتكميل الفرائض ، فيكون لكلّ بعض منها قسط منه .
ولكنّها كلّها مخدوشة ،
أمّا الأصل ، فلأنّ اعتباره إنّما هو فيما إذا لم يكن في مقابله دليل اجتهاديّ ، وقد عرفت أنّ المستفاد من ظواهر النصوص والفتاوى هو كون المجموع نافلة واحدة متعلّقة لأمر واحد ، فصلاة الليل المركّبة من أربع صلوات بما أنّها صلاة الليل نافلة واحدة لا تصدق على أربع ركعات منها ، ولا يترتّب عليها الآثار إلاّ بعد الإتيان بمجموع الثمان ، نظير صلاة جعفر(عليه السلام) على ما عرفت ، هذا مضافاً إلى أنّه لا أصل في المسألة إلاّ استصحاب عدم الاشتراط الثابت قبل الشرع ، والمدّعى هو ارتباط الأجزاء بعضها ببعض ، والارتباط يغاير الاشتراط ، بداهة أنّه ليس معنى الارتباط إلاّ مجرّد كون المجموع المركّب من الأجزاء متعلّقاً لأمر واحد وطلب فارد . غاية الأمر إنّ ذلك الأمر مع كونه واحداً حقيقة له أبعاض متعدّدة حسب تعدّد أبعاض متعلّقه ، ويتعلّق كلّ بعض من الأمر ببعض المتعلّق كما حقّقناه في الاُصول(2) ، وهذا لا ارتباط له باعتبار اشتراط بعض الأجزاء ببعض ، كما هو واضح .
وأمّا الوجه الثاني : فيرد عليه أنّ مقتضاه تعدّدها ، بما أنّها صلاة ومصداق لطبيعتها ، لا بما أنّها نافلة الظهر مثلا ، والأمر المتعلّق بها إنّما تعلّق بها بعنوانها
- (1) جواهر الكلام 7 : 29 .
- (2) نهاية الأصول ، الصحيح والأعم : 49 .