(الصفحة 452)
فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت»(1) .
ومنهم : إدريس بن عبدالله القمّي، فروى في الكافي عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن حمّاد بن عثمان، عن إدريس بن عبدالله القمّي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يصلّي وبحياله امرأة قائمة على فراشها جنبته؟ فقال : «إن كانت قاعدة فلا يضرّك وإن كانت تصلّي فلا»(2) . وليس المراد بقوله : «قاعدة» الجلوس في مقابل القيام ، بل المراد عدم الاشتغال بالصلاة والقعود عنها ، بقرينة قوله : «وإن كانت تصلّي» .
ومنهم : عبدالرحمن بن أبي عبدالله، فروى في الكافي عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يصلّي والمرأة بحذاه عن يمينه أو عن يساره؟ فقال : «لابأس به إذا كانت لا تصلّي»(3) .
ومنهم : عبدالله بن أبي يعفور، فروى الشيخ بإسناده عن سعد، عن سندي بن محمّد البزّاز، عن أبان بن عثمان، عن عبدالله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : أُصلّي والمرأة إلى جنبي وهي تصلّي؟ قال : «لا إلاّ أن تتقدّم هي أو أنت ولا بأس أن تصلّي وهي بحذاك جالسة أو قائمة»(4) .
ومنهم : معاوية بن وهب، فروى الصدوق عنه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سأله
- (1) التهذيب 2 : 231 ح911; الاستبصار 1 : 399 ح1526; الوسائل 5 : 128 . أبواب مكان المصلّي ب7 ح1 .
- (2) الكافي 3 : 298 ح5; التهذيب 2: 231 ح910; الوسائل 5 : 121 . أبواب مكان المصلّي ب4 ح1; وفيه: «جنبه» .
- (3) الكافي 3 : 298 ح2; الوسائل 5 : 121 . أبواب مكان المصلّي ب4 ح2 .
- (4) التهذيب 2 : 231 ح909; الوسائل 5 : 124. أبواب مكان المصلّي ب5 ح5 .
(الصفحة 453)
عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد؟ قال : «إذا كان بينهما قدر شبر صلّت بحذاه وحدها وهو وحده لا بأس»(1) .
ومنهم : هشام بن سالم; فروى الصدوق عنه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : «الرجل إذا أمَّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه»(2) .
ومنهم : ابن بكير، وقد تقدّم نقل روايته في ضمن الروايات المتقدّمة التي رواها جميل .
ومنهم : محمّد الحلبي ، وقد تقدّم نقل روايته أيضاً في ضمن ما رواه محمّد بن مسلم .
ومنهم : حريز بن عبدالله، فروى في الكافي عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في المرأة تصلّي إلى جنب الرجل قريباً منه، فقال : «إذا كان بينهما موضع رحل فلا بأس»(3) .
ومنهم : الفضيل، فروى الصدوق في العلل عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن فضالة، عن أبان، عن الفضيل، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «إنّما سمّيت مكّة بكّة لأنّه يبكّ فيها الرجال والنساء والمرأة تصلّي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك، إنّما يكره في سائر البلدان»(4) .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ عمدة أدلّة الجواز هي إحدى روايات جميل المتقدّمة وهي ما تدلّ على جواز صلاة الرجل والمرأة تصلّي بحذاه على الاطلاق ، ويؤيّدها
- (1) الفقيه 1 : 159 ح747 ; الوسائل 5 : 125 . أبواب مكان المصلّي ب5 ح7.
- (2) الفقيه 1: 259 ح1178; الوسائل 5: 125. أبواب مكان المصلّي ب5 ح9.
- (3) الكافي 3 : 298 ح1; الوسائل 5 : 126 . أبواب مكان المصلّي ب5 ح11 .
- (4) علل الشرائع: 397 ب137 ح4، الوسائل 5: 126. أبواب مكان المصلّي ب5 ح10.
(الصفحة 454)
خبر عيسى بن عبدالله القمي حيث إنّه سأل الصادق(عليه السلام) عن امرأة صلّت مع الرجال وخلفها صفوف وقدّامها صفوف؟ قال(عليه السلام) : «مضت صلاتها ولم تفسد على أحد ولا تعيد» .
هذا ، ولكنّك عرفت فيما تقدّم أنّه ليس للجميل روايات متعدّدة ، بل الظاهر أنّ هذا الخبر الذي يدل على الجواز بنحو الإطلاق هو ما يدل على الجواز ، مقيداً بأن يكون سجودها مع ركوعه ، لترجيح احتمال النقيصة السهوية على احتمال الزيادة السهوية عند العرف ، فالواجب الأخذ بما يدل على الجواز مقيداً بذلك القيد المذكور ، وقد عرفت أيضاً إنّه لو قلنا بتعدّدهما فالواجب أيضاً تقييد اطلاقها بالصورة المذكورة ، ولا وجه لحمل الآخر على الاستحباب .
وأمّا خبر عيسى بن عبدالله ، فليس بمنقول في الكتب المعدّة لجمع الأخبار الواردة عن النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) ، إذ كل ما تتبعنا في مظانه لم نظفر به ، نعم هو مذكور في بعض الكتب الفقهية(1) ، فلا يصلح شيء من هاتين الروايتين للاستناد إليه للقول بالجواز .
والرواية الأخيرة من روايات جميل وإن كان ظاهرها الجواز بنحو الاطلاق ، إلاّ أنّك عرفت الإشكال فيها من حيث اشتمالها على التعليل المذكور ، وحينئذ فلم تبق في المسألة إلاّ طائفتان من الأخبار ، فطائفة تدلّ على المنع مطلقاً ، مثل رواية إدريس بن عبدالله ، ورواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله المتقدمتين ، وغيرهما ممّا تقدّم . وطائفة تدلّ على التفصيل على اختلافها كأكثر الروايات المتقدمة .
ثمّ لا يخفى أنّ ما يدل منها على اعتبار الحاجز بينهما كأكثر ما رواه محمّد بن مسلم ، وبعض روايات عليّ بن جعفر ، ورواية الحلبي ، لا يصادم الإطلاقات
- (1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 179; جواهر الكلام 8 : 306; كشف اللثام 3 : 280; رياض المسائل 3 : 259 .
(الصفحة 455)
المانعة ، لأنّها مفروضة فيما إذا لم يكن بينهما حاجز ، أو ستر ، أو جدار ، فمدلولها من حيث إطلاق المنع واحد، وحينئذ فيدور الأمر بين حمل النهي في الطائفة الاُولى على الكراهة ، لصراحة الطائفة الثانية في الحكم بالجواز وعدم التحريم مقيداً بالقيود المذكورة فيها ، وظهور الاُولى في الحكم بالتحريم على الاطلاق ، فتحمل على الكراهة ، ويقال: بكراهة الصلاة فيما إذا كان بينهما شبر ، أو ذراع ، أو موضع رحل ، أو أكثر من عشرة أذرع .
ويحمل اختلاف القيود على اختلاف مراتب الكراهة ، ففيما إذا كان بينهما أكثر من عشرة أذرع، تكون الصلاة واجدة لمنقصة ضعيفة، وحزازة قليلة بخلاف ما إذا كان بينهما موضع رحل ، أو ذراع ، فالكراهة فيها أشدّ ، والمنقصة والحزازة أزيد ، وتشتدّ وتزيد إلى أن تبلغ إلى مقدار شبر ، وبين إبقائها على حالها من اطلاق النهي .
والحكم بأنّ المراد ممّا ورد من التفاصيل في الطائفة الثانية هو أن يكون الرجل متقدّماً على المرأة بذلك المقدار المذكور فيها ، لا أن يكون الفاصل بينهما فيما إذا كانا متحاذيين ، هو ذلك المقدار ، إمّا بحمل السؤال عن صلاة الرجل بحذاء المرأة ، أو يمينها ، أو يسارها على الحذاء العرفي ، واليمين واليسار العرفيين ، وإمّا بحمل الاستثناء في الجواب على الاستثناء المنقطع .
وبالجملة: الأمر دائر بين ترجيح أحد الظهورين على الآخر ، إمّا ترجيح ظهور الطائفة الثانية في أنّ المراد من التفاصيل هو أن يكون الفاصل بينهما فيما إذا كانا متحاذيين ذلك المقدار ، وإمّا ترجيح ظهور الطائفة الاُولى في اطلاق النهي ، ومع عدم الدليل على الترجيح بنحو الجمع العرفي ، بحيث يخرج عن كونهما متعارضين .
فالظاهر وجوب الأخذ بالاطلاقات المانعة ، والقول بتقدمها على أدلة الجواز ، لتأييدها بالشهرة الفتوائية المحققة بين قدماء الأصحاب ، كالمفيد ، والشيخ ،
(الصفحة 456)
ومن تبعهما(1) ، مضافاً إلى كونها أشهر من حيث الرواية أيضاً ، وإلى كونها مخالفة للعامة ، حيث إنّ ظاهرهم الجواز كما يشهد به عدم تعرضهم للمسألة ، وإن تعرضوا لحكم ما إذا خالف سنة الموقف في الجماعة .
هذا ويؤيّد ترجيح ظهور الطائفة الاُولى في إطلاق المنع روايتا محمّد بن مسلم(2) وأبي بصير(3) الواردتان في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين ، وأنّه يجب أن يصلّي الرجل أولا فإذا فرغ صلّت المرأة ، فإنّ هذا لا يناسب القول بالكراهة ، مع أنّ في السفر يرخص ما لا يرخص في غيره ، كقصر الصلاة وترك الأذان والإقامة ، بناءً على القول بوجوبهما في غير السفر .
كما أنّه ربما يؤيّد ترجيح ظهور الطائفة الثانية والحكم بالكراهة ، بعض الروايات المتقدمة الذي يدل بالصراحة على الجواز ، وعدم البأس فيما إذا كان بينهما شبر أو ذراع(4) ، كما هو المتحقّق غالباً بين الرجل والمرأة المتزاملين ، فإنّ الظاهر ثبوت هذا المقدار بين طرفي المحمل ، خصوصاً في الأزمنة السابقة .
وبعبارة اُخرى ، مدلول بعض الروايات المتقدمة هو الجواز في مورد الروايتين الواردتين في حكم تزامل الرجل والمرأة ، فيجب حمل النهي فيهما على الكراهة ، لصراحته في الجواز .
وربما يؤيّد الأوّل أيضاً ما تقدم من إحدى روايات زرارة ، المشتملة على استثناء ما إذا كان الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره(5) ، فإنّ الظاهر أنّ
- (1) راجع ص444.
- (2) التهذيب 2 : 231 ح907; الاستبصار 1 : 399 ح1522; الوسائل 5 : 124 . أبواب مكان المصلّي ب5 ح2 .
- (3) التهذيب 5 : 403 ح1404; الوسائل 5 : 132 . أبواب مكان المصلّي ب10 ح2 .
- (4) الوسائل 5: 124. أبواب مكان المصلّي ب5 ح3 و 4 .
- (5) الوسائل 5: 127. أبواب مكان المصلّي ب6 ح2.