(الصفحة 459)
فهذه الرواية ربما تؤكد ما ذكرنا ، لا أنّها تنافيه ، لأنّ المراد خبره الآخر الوارد في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين الذي جعله في الكافي(1) ذيلا للخبر الأوّل ، فكذلك أيضاً لا ينافي ما ذكرنا ، لأنّ السؤال فيه عن صحة صلاتهما معاً وأنّه هل يتحقق الفراغ عن التكليف إذا صلّيا معاً مقارناً ، أو مع التقدّم والتأخر؟
وظاهر الجواب عدم إمكان صحة صلاتهما ، فلا ينافي ذلك صحة صلاة المتقدّم فقط ، لأنّك عرفت أنّ بطلان صلاة المتأخر ممّا لا إشكال فيه . ومن هنا يظهر ما في استظهار ذلك من خبر أبي بصير المماثل مع هذا الخبر سؤالا وجواباً من الضعف كما عرفت ، وأمّا خبر ابن أبي يعفور فلا دلالة فيه أصلا بل ولا إشعار كما لايخفى .
ثمّ إنّه حكى في الجواهر عن جامع المقاصد(2) أنّه احتمل أن لا يكون المدار في الكراهة أو المنع هي صحة الصلاتين لولا المحاذاة ، بل كان المدار على صدق اسم الصلاة عليهما ، سواء كانتا فاسدتين من غير جهة المحاذاة أيضاً أو صحيحتين من غير تلك الجهة .
لأنّ الصلاة تطلق على الصور غالباً ، ولامتناع تحقّق الشرط على ما هو المفروض ، ولا ينفع التخصيص بقيد لولاه ، إذ المراد بالصلاة الواردة في تلك الأخبار إمّا الصلاة الصحيحة ، وإمّا الفاسدة ، والأوّل قد عرفت امتناع تحققها لفقد شرطها ، والثاني لا فرق فيه بين أن تكون فاسدة من جهة المحاذاة ، أو من غيرها .
وعليه فلو صلّى الرجل والمرأة بحذاء الآخر ، وكانت صلاة أحدهما فاسدة لفقد الطهارة مثلا ، تبطل صلاة الآخر ، بناءً على القول بالمنع ، وقد أيّد ذلك بأنّ المأخوذ في الأخبار هو عنوان الصلاة فقط من دون أخذ قيد الصحة حتّى يقال
- (1) الكافي 3 : 298 ح4 ; التهذيب 2: 230 ح905; الوسائل 5: 123. أبواب مكان المصلّي ب5 ح1 .
- (2) جامع المقاصد 2 : 123 .
(الصفحة 460)
الصحة المطلقة ممتنعة ، فوجب تقييدها بقيد لولا المحاذاة ، وعنوان الصلاة إمّا أن يطلق على الصحيح المطلق الموجب لفراغ الذمة ، وقد عرفت امتناع تحققها في المقام ، فلم يبق إلاّ أن يكون المراد بها الأعم ، وهي صورة الصلاة سواء كانت صحيحة من غير هذه الجهة ، أو فاسدة كذلك أيضاً .
ومن هنا قد يخدش في الحكم بالتحريم في أصل المسألة ، لأنّه بعد فرض امتناع أن يكون المراد هي الصلاة الصحيحة ، فلابدّ أن يكون هي الفاسدة ، ومن البعيد جعل الشارع إيّاها موجبة لبطلان اُخرى مع عدم اعتباره لها كما لا يخفى .
وتنظر في الجواهر في هذا الكلام الذي حكاه عن جامع المقاصد، بأنّ المراد هي الصلاة الصحيحة ، ويكون مدلول الأخبار بطلان صلاة كل من الرجل والمرأة بحذاء الآخر ، أو تقدّمها عليه بعد انعقادهما صحيحة ، ومن المعلوم أنّ هذا يختصّ بما إذا وقعتا صحيحتين من غير جهة المحاذاة ، لأنّ الفاسدة من غير تلك الجهة لا تنعقد من رأس حتّى تبطل بالمحاذاة(1) .
أقول : لا يخفى أنّ ما ذكره صاحب الجواهر من الانعقاد ثم البطلان خلاف ما يستفاد من ظاهر الأخبار ، لأنّ مدلولها عدم إمكان اجتماع صلاة الرجل والمرأة بحذاء الآخر ، ومعناه أنّهما لا تنعقدان معاً ، فتدلّ على اعتبار أن لا يكون الرجل محاذياً للمرأة وهي تصلّي ، وكذا العكس ، فهذه الأدلة نظير سائر الأدلة الدالة على اعتبار وجود الشروط أو عدم الموانع في الصلاة ، لأنّ مقتضى كل منهما عدم انطباق عنوان الصلاة على الصلاة الفاقدة لبعض الشروط ، أو الواجدة لبعض الموانع ، ومنه يظهر الجواب عن كلام جامع المقاصد فتدبّر .
ثمّ إنّه لو وجدت الصلاة منهما مقارنة لوجودها من الآخر ، فالواجب كما عرفت الحكم ببطلانهما ، لأنّه بعد فرض عدم إمكان اجتماعهما يحصل التزاحم بين
- (1) جواهر الكلام 8 : 313 .
(الصفحة 461)
علتيهما ، لأنّ المفروض إنّه لا يكون في البين ما يدل على التعيين ، فلا يؤثّر واحد منهما في حصول معلوله .
وأمّا لو وجدت الصلاة من أحدهما واجدة لشرطها ، وهو عدم المحاذاة مع الآخر ، ثم شرع الآخر في الصلاة ، فالظاهر بطلان صلاة المتأخر فقط ، لأنّه بعد وقوع الاُولى وتحققها يمتنع تحقّق الاُخرى ، إذ هما متضادّتان ، والاُخرى لا تصلح لأن تقاوم الاُولى ، لأنّها بوجودها توجب بطلانها ، وقد عرفت امتناع تحققها مع وجود الاُولى .
وهذا بخلاف ما إذا حدثت الصلاة من كل واحد منهما مقارنة لحدوثها من الآخر أو تحققت المحاذاة الموجبة للبطلان في أثناء صلاتهما ، فإنّه وإن لم يكن للحدوث بما هو حدوث ، وكذا للبقاء بما هو بقاء مدخلية في البطلان ، بل المناط تحقق الصلاة منهما ، إلاّ انّك عرفت إنّه تتزاحم العلتان في مقام الثبوت ، وهو يوجب البطلان ، فإنّه كما تكون المبائنة ثابتة بين معلوليهما ، كذلك تسري إلى علّتيهما ، فكلّ منهما موجب لعدم الآخر ومضادّ له .
بخلاف هذه الصورة ، فإنّه قد تحققت علّة أحدهما بلا مزاحمة ، والآخر يمتنع تحققه للمضادة ، فهي الفاسدة غير المفسدة .
هذا ، ويمكن أن يقال ببطلان صلاة المتقدم أيضاً ، بتقريب أنّه إذا فرض أنّ مدلول الأخبار ليس امتناع حدوث الصلاتين بما هو حدوث ، لما عرفت من شمولها لما إذا تحققت المحاذاة بينهما في أثناء صلاتهما ، فالمناط هو تحقّق المحاذاة ولو في بعض أجزاء الصلاة .
ففيما إذا حدثت الصلاة من أحدهما متقدّماً على الآخر ، فالجزء المقارن لحدوثها من الآخر لا ترجيح بينه وبين ما يحدث من الآخر من حيث الصحة أو البطلان ، والصحة مخالفة لما هو المفروض من امتناع الاجتماع ، فوجب أن لا يقع
(الصفحة 462)
شيء منهما صحيحة . هذا ، ولكن الظاهر هو الأول لما عرفت في وجهه .
بقي الكلام فيما يرتفع به الحرمة أو الكراهة ، وهي أمور :
الأوّل : وجود الحائل بينهما ، ويدل عليه أكثر روايات محمّد بن مسلم ، بناءً على أن يكون الشبر تصحيفاً للستر كما عرفت ، ورواية محمّد بن عليّ الحلبي المتقدمة ، وبعض ما رواه عليّ بن جعفر ممّا تقدّم(1) .
ومقتضى هذا البعض عدم الفرق بين كون الحائل مشبكاً أو غيره ، وبين كون الحائط قصيراً أو طويلا . نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يخرج عن صدق الحائط ، ولو لم يكن حائلا في بعض حالات الصلاة .
نعم لو حملت روايتي أبي بصير المتقدمة(2) الدالة على اعتبار أن يكون بينهما شبر أو ذراع ، على وجود حائل بينهما بذلك المقدار بقرينة ذيلها ، لكان الأمر أوسع ، ولكنّه بعيد كما لا يخفى .
الثاني : تأخّر المرأة عن الرجل في الجملة ، وإليه ينظر كثير من الأخبار المفصّلة المتقدمة ، ولكن مقتضاها من حيث اعتبار مقدار التأخر مختلف ، فمقتضى رواية جميل أن يكون سجودها مع ركوعه(3) ، وقد تقدّم الاحتمالان في معنى هذا القيد .
ومقتضى بعض ما رواه محمّد بن مسلم اعتبار أن يكون بينهما شبر(4) ، بمعنى كون الرجل متقدّماً على المرأة بذلك المقدار ، وهو مطابق للاحتمال الأوّل المتقدّم في معنى رواية جميل ، وهو أن يكون المراد بكون سجودها مع ركوعه كون رأس المرأة
- (1) الوسائل 5: 123. أبواب مكان المصلّي ب5 ح1; وص129، 130 ح1 و3.
- (2) الوسائل 5: 124. أبواب مكان المصلّي ب5 ح3 و 4 .
- (3) الوسائل 5: 127. أبواب مكان المصلّي ب6 ح3 .
- (4) الوسائل 5: 123. أبواب مكان المصلّي ب5 ح1 .
(الصفحة 463)
في حال السجود محاذياً لرأس الرجل في حال الركوع ، وقد تقدّم استظهار أن يكون الشبر تصحيفاً للستر .
ومقتضى بعض ما رواه زرارة ، كفاية كون الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره(1) ، كما أنّ مقتضى بعضه الآخر بناءً على حمل الحذاء واليمين واليسار على العرفي منها ، الشامل لتأخر المرأة عن الرجل في الجملة أيضاً ، كما يؤيده الاستثناء الوارد في روايته الاُخرى الدالة على كفاية تقدّم الرجل ولو بصدره ، كفاية تأخّر المرأة عن الرجل بمقدار موضع الرحل ، أو قدر عظم الذراع ، أو كان بينه وبينها قدر ما لا يتخطّى(2) .
هذا ، وقد تقدّم احتمال أن تكون الروايات محمولة على ظاهرها ، وهو أن يكون المراد بالحذاء والحيال والقبال ، الحقيقي منها الآبي من الشمول ، لما إذا تأخّرت المرأة عن الرجل ولو بقليل ، وقد تقدّم أيضاً الجمع بينها وبين ما يدل على اعتبار أن يكون الفاصل بينهما فيما إذا كانت متقدّمة على الرجل ، أو محاذية منه عشرة أذرع ، أو أكثر فراجع .
ومقتضى رواية عمّار المتقدمة كفاية كون المرأة خلف الرجل ، وإن كانت تصيب ثوبه(3) والمراد بكونه مصيبة ثوب الرجل يحتمل أن يكون اخصابتها ثوب الرجل ولو في حال القيام ، فيقرب مع ما دلّ على كفاية كون الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره كما لا يخفى .
ويحتمل أن يكون المراد إصابتها ثوبه في حال الجلوس ، أو السجود المنفصل
- (1) الوسائل 5: 127. أبواب مكان المصلّي ب6 ح2.
- (2) الوسائل 5: 126. أبواب مكان المصلّي ب5 ح12 و 13 .
- (3) الوسائل 5: 127 . أبواب مكان المصلّي ب6 ح4 .