(الصفحة 470)
فأمّا الطائفة الاُولى، فمنها : ما رواه داود الصرمي قال : «سألت أبا الحسن الثالث(عليه السلام): هل يجوز السجودعلى القطن والكتّان من غيرتقية؟ فقال(عليه السلام) : «جائز»(1).
ومنها : خبر الحسين بن عليّ بن كيسان الصنعاني قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث(عليه السلام) أسأله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة؟ فكتب إليّ : «ذلك جائز»(2) .
ومنها : رواية منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال : «لا ، ولكن اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً أو كتاناً»(3) .
ومنها : رواية ياسر الخادم قال : مرّ بي أبو الحسن(عليه السلام) وأنا أُصلّي على الطبري وقد ألقيت عليه شيئاً أسجد عليه فقال لي : «مالكَ لا تسجد عليه؟ أليس هو من نبات الأرض؟»(4) . ودلالة هذه الرواية على الجواز مبنية على أن يكون الطبري شيئاً معهوداً متخذاً من القطن والكتان .
وأمّا الطائفة الثانية ، فمنها : خبر الأعمش المروي في الخصال عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام)في حديث شرايع الدين قال : «لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتان»(5) .
ومنها : خبر أبي العبّاس الفضل بن عبدالملك قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) :
- (1) التهذيب : 2 / 307 ح1246 ; الاستبصار : 1 / 332 ح1246 ; الوسائل : 5 / 348. أبواب ما يسجد عليه ب2 ح6.
- (2) التهذيب 2: 308 ح1248; الإستبصار 1: 333 ح1253; الوسائل 5: 348. أبواب ما يسجد عليه ب2 ح7.
- (3) التهذيب : 2 / 308 ح1247 ; الاستبصار : 1 / 332 ح 1247; الوسائل : 5 / 351. أبواب ما يسجد عليه ب4 ح7 .
- (4) التهذيب 2: 308 ح1249; الإستبصار 1: 331 ح1243; الوسائل 5: 348. أبواب ما يسجد عليه ب2 ح5.
- (5) الخصال : 604 ح9; الوسائل : 5 / 344. أبواب ما يسجد عليه ب1 ح3 .
(الصفحة 471)
«لايسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ القطن والكتّان»(1) .
وقد جمع بين الطائفتين بوجوه .
منها : حمل الطائفة الاُولى على الجواز ، والثانية على الكراهة(2) .
ومنها : حمل الطائفة الاُولى على حال الضرورة أو التقية ، والثانية على حال الاختيار(3) .
ومنها : حمل الطائفة الاُولى على ما قبل النسج ، والثانية على ما بعده(4) .
ولا يخفى ما في هذه الوجوه من الاستبعاد ، لأنّ حمل الثانية على الكراهة لا يناسب عطفهما على المأكول ، كما في حديث شرايع الدين ، وكذا حمل الطائفة الاُولى على الضرورة أو التقية ينافي مع تقييد السائل بعدم ثبوتهما .
وأمّا حملها على ما قبل النسج فهو وإن كان أنسب بمعنى القطن والكتان، لأنّ المنسوج منهما إنّما يطلق عليه الثوب ونحوه ، إلاّ أنّ حمل الطائفة الثانية على ما بعد النسج بعيد ، لأنّ المفروض أنّ المأخوذ فيها أيضاً إنّما هو القطن والكتان .
هذا ، ويظهر من بعض المحققين من المعاصرين إنّه أفاد في كتاب صلاته في وجه الجمع بينهما ما ملخّصه :
إنّه يمكن أن يقال : إنّ القطن والكتان ليسا ممّا يطلق عليه الملبوس بقول مطلق ، فإنّ الظاهر من الملبوس في الأخبار المتضمّنة لمنع السجود عليه ، هو ما أُعدّ للبس ، ومجرّد قابلية الشيء لأن يكون ملبوساً لا يوجب صدق عنوان الملبوس
- (1) الكافي 3: 330 ح1; الوسائل 5: 344. أبواب ما يسجد عليه ب1 ح6.
- (2) كما في المعتبر 2 : 119 ورسائل الشريف المرتضى 1: 174.
- (3) كما في التهذيب 2: 308 وتذكرة الفقهاء : 2 / 437; كشف اللثام : 3 / 343 وجواهر الكلام : 8 / 425 والحدائق 7: 251 .
- (4) كما في كشف اللثام : 3 / 343 .
(الصفحة 472)
عليه ، فعلى هذا يكون كل من القطن والكتان على قسمين : قسم يكون معدّاً للّبس ، وقسم يكون معدّاً للافتراش ونحوه .
وحينئذ فنقول : إنّ الأخبار المجوّزة للسجود على مطلق القطن والكتان ، تخصّص بالأخبار المانعة عن السجود على الملبوس ، فإنّ اخراج الملبوس من خصوص القطن والكتان عن تحت أدلّة المنع يوجب تقييد موردها بالفرد النادر ، وهو الملبوس من غيرهما من جنس النباتات ، بل لعلّه لم يكن موجوداً في زمن صدور الأدلة ، فلابدّ من حفظ الملبوس من جنسهما تحت أدلّة المنع ، وتقييد مورد أدلة الجواز بغير ما يكون معدّاً للبس كالفراش ونحوه .
وحينئذ فلو قلنا بأنّ العام المخصّص بالتخصيص المنفصل في حكم الخاص ، يخصّص بأدلّة الجواز عموم الأخبار الناهية عن السجود على القطن والكتان ، ويقيد موردها بما يكون ملبوساً . انتهى موضع الحاجة من ملخص كلامه(قدس سره)(1) .
وأنت خبير بأنّه قد قرّر في محلّه أنّ العام المخصّص بالتخصيص المنفصل لا يصير في حكم الخاص ، بل يبقى على عمومه ، بمعنى أنّ حال العامّ مع عامّ آخر قبل خروج فرد من أحدهما وبعده سواء ، لا فرق بينهما أصلا ، فيصير التعارض بين أدلتي المنع والجواز من قبيل التعارض على نحو التباين .
ولابدّ في هذا القسم من التعارض ، من الرجوع إلى المرجحات ، والظاهر أنّ أدلة المنع أشهر من حيث الفتوى كما ذكره المحقق في الشرائع(2) ، فالترجيح معها بناءً على ما هو الحق من أوّل المرجحات هي الشهرة في الفتوى، كما مرّ مراراً .
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري (رحمه الله) :473 100.
- (2) شرائع الإسلام : 1 / 63 .
(الصفحة 473)
الفرع الخامس : في جواز السجود على القرطاس
يجوز السجدة على القرطاس ولا خلاف فيه في الجملة(1) ، ويدل عليه مضافاً إلى ذلك صحيحة عليّ بن مهزيار قال : سأل داود بن فرقد أبا الحسن(عليه السلام)عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز السجود عليهما أم لا؟ فكتب : «يجوز»(2) .
وصحيحة صفوان الجمال قال : رأيت أبا عبدالله(عليه السلام) في المحمل يسجد على القرطاس وأكثر ذلك يؤمي إيماء»(3) .
ويدل عليه أيضاً صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة(4) .
وبالجملة: فلا إشكال في جواز السجود عليه في الجملة ، وإنما الإشكال في أنه هل يجوز السجود عليه مطلقاً(5) وإن لم يكن متخذاً مما يصح السجود عليه ، أو يختص الجواز بما إذا كان متخذاً من خصوص ما يصح عليه ؟ الظاهر هو الوجه الثاني(6) ، وذلك لأنّ القراطيس المتعارفة في تلك الأزمنة في المدينة وغيرها كانت
- (1) المبسوط 1 : 90; النهاية: 102; تذكرة الفقهاء 2: 437; الحدائق 7: 247; كشف اللثام 3: 347; جواهر الكلام 8 : 430 .
- (2) الاستبصار : 1 / 334 / 1257 ; التهذيب : 2 / 309 و235 ح1250 و929; الفقيه 1: 176 ح830; الوسائل 5 : 355. أبواب ما يسجد عليه ب7 ح2.
- (3) التهذيب 2: 309 ح1251; الاستبصار 1 : 334 ح1258; المحاسن 2: 123 ح1343; الوسائل 5 : 355. أبواب ما يسجد عليه ب7 ح1.
- (4) الكافي 3: 332 ح12، التهذيب 2: 304 ح1232; الاستبصار 1 : 334 ح1256; الوسائل 5 : 356. أبواب ما يسجد عليه ب7 ح3.
- (5) كما في جواهر الكلام 8 : 430 .
- (6) كشف اللثام 3 : 347 .
(الصفحة 474)
مصنوعة من الخشب وشيء من النورة ، لأنها كانت هي القراطيس المصنوعة في مصر المحمولة منه إليها.
بل الظاهر ـ كما يشهد به التاريخ ـ إنّ القراطيس المعمولة في الصين ـ الذي كان أهله متقدّماً في هذه الصنعة على سائر أهل البلاد ـ كان أصلها من الخشب ، وحينئذ فكيف يمكن أن يقال بثبوت الإطلاق للأدلة المجوزة؟ وكونها مقيدة للأدلّة العامة الدالة على أنّه لا يجوز السجود على القرطاس المتخذ من غير ما يصح السجود عليه، كما أنّ الأحوط أيضاً ذلك .
الفرع السادس : السجود على الثوب وظهر الكفّ في حال الاضطرار
قد ذكرنا في صدر المسألة أنّ وجوب السجود على الأرض أو نباتها إنما هو في حال الاختيار والتمكن ، وأمّا إذا لم يتمكن من السجود على شيء منهما لحرّ أو برد أو غيرهما ، فيجب عليه السجود على ثوبه إن أمكن ، وإلاّ فعلى ظهر كفّه(1) ، ويدل على ذلك الأخبار الواردة في هذا المقام .
منها : ما رواه عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟ قال : «تسجد على بعض ثوبك»، قلت : ليس عليّ ثوب يمكن أن يسجد على طرفه ولا ذيله قال : «أُسجد على ظهر كفّك فانّها أحد المساجد»(2) .
- (1) كما في تذكرة الفقهاء 2: 438 مسألة 103; وكشف اللثام : 3 / 345; وجواهر الكلام : 8 / 438.
- (2) التهذيب 2 : 306 ح1240; الاستبصار 1 : 333 ح1249; الوسائل 5 : 351. أبواب ما يسجد عليه ب4 ح 5 .