(الصفحة 479)
إذ القول بالوجوب حينئذ مساوق للقول بوجوب الجماعة ، مع أنّها فضيلة للصلاة ، كما هو المرتكز والمعروف بين الناس من زمان النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام)إلى يومنا هذا ، مضافاً إلى إجماع الفقهاء على عدم وجوب الجماعة(1) ، غاية الأمر تأكّد استحبابها هذا ، مضافاً إلى ما ورد في بعض الأخبار من التحريض والترغيب إلى فعلهما بالنسبة إلى المنفرد ، معلّلا بأنّ الصلاة مع الأذان والإقامة أو مع أحدهما سبب لائتمام الملائكة به(2) ، فتصير صلاة المنفرد بذلك جماعة .
غاية الأمر إنّ الصلاة مع أحدهما يوجب ائتمام صف واحد من الملائكة ، طوله ما بين المشرق والمغرب ، ومعهما يوجب ائتمام صفّين منهم ، طول كل واحد منهما كذلك ، فالمصلحة الموجبة لمطلوبيتهما هي صيرورة صلاة المنفرد بهما أو بأحدهما جماعة ، وبعدما كانت الجماعة فضيلة للصلاة لا واجبة ، لا وجه لوجوبهما كما لا يخفى .
هذا كلّه مضافاً إلى أنّه لو كانا واجبين لزم أن يكون وجوبهما ضرورياً ، كوجوب أصل الصلاة لاشتراكهما معها في عموم البلوى ، وأن لا يكون وجوبهما مشكوكاً مورداً للاختلاف بين المسلمين ، بل اللاّزم وضوحه بحيث يعرفه الناس في زمان النبي(صلى الله عليه وآله) .
وبالجملة: فكثرة الابتلاءبهماكمقدار الابتلاء بالصلاة، وعدم التفات البعض أو الكثير أو الأكثر إلى فعلهما ، كما يستفاد من الأخبار الكثيرة الدالة على التحريص والترغيب إلى فعلهما(3) ، تدلّ قطعاً على عدم وجوبهما ، وقد عرفت أنّ التعبير عنهما
- (1) الخلاف : 1 / 541 مسألة 279; المعتبر 2: 414; تذكرة الفقهاء 4: 228 مسألة 528; كشف اللثام : 4 / 442; مستند الشيعة : 8 / 11; جواهر الكلام : 13 / 134 .
- (2) أمالي الطوسي 2: 147; الوسائل 5: 383. أبواب الاذان والإقامة ب4 ح9; وروايات اُخر في الباب.
- (3) راجع الوسائل : 5 / 381. أبواب الاذان والاقامة ب4 .
(الصفحة 480)
بالنداء كما في الآيتين والرواية التي أشرنا إليها ، يدفع الوجوب الشرطي للجماعة أو لأصل الصلاة، لأنّ النداءإلى الشيءيغاير نفس ذلك الشيء ، ولا يكون ممّا يتقوّم به.
فالأقوى عدم وجوبهما ، وكونهما سنّتين مؤكّدتين ، كما هو المشهور بين الإمامية(1) ، ويدل على عدم الوجوب أيضاً ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتّى دخل في الصلاة؟ قال : «فليمض في صلاته فإنّما الأذان سنّة»(2) .
إذ الظاهر أنّ المراد بالسنّة الاستحباب مقابل الوجوب ، لا ما ثبت مطلوبيته من قول النبي(صلى الله عليه وآله) أو فعله ، مقابل ما ثبت بالكتاب العزيز ، وإلاّ لم تصلح أن تكون الجملة الأخيرة تعليلا للمضي كما لا يخفى ، مضافاً إلى أنّ الأذان ثبت مشروعيّته ومطلوبيته بالكتاب ، كما عرفت من دلالة الآيتين عليه .
والمراد بالأذان في قوله(عليه السلام) : «فإنّما الأذان سنّة» ، ليس خصوص الأذان المقابل للإقامة ، وإلاّ لم يكن وجه لتعليل المضي في الصلاة ، ولو مع نسيان الإقامة ، كما هو مورد الرواية بكون الأذان سنّة ، إذ لعلّ الإقامة كانت واجبة ، فوجوب الإعادة كان ثابتاً من أجل تركها لا ترك الأذان ، فالمراد بالأذان في الرواية الأعم من الإقامة ، والمصحّح لهذا الاستعمال ما عرفت من أنّ الإقامة أيضاً ايذان وتنبيه ، غاية الأمر إنّها إعلام للقريب ، والأذان إعلام للبعيد .
ومنه يظهر أنّ الرواية بنفسها تدلّ على عدم وجوب الإقامة أيضاً ، فلا يحتاج في اثبات عدم وجوبهما إلى ضمّ الاجماع المركّب إليها ، كما فعله العلاّمة في المختلف(3) ، حيث استدلّ بهذه الرواية على عدم وجوب الأذان فقط ، ثم ادّعى
- (1) رياض المسائل 2 : 235 .
- (2) التهذيب 2: 285 ح1139; الاستبصار 1: 304/1130; الوسائل: 5/434; أبواب الاذان والاقامة، ب29 ح1.
- (3) مختلف الشيعة : 2 / 122 .
(الصفحة 481)
الاجماع على عدم الفرق بينه وبين الإقامة في الحكم .
ثمّ إنّه قد يقال: بأنّ المراد من السنّة في الرواية هو ما ثبت مطلوبيته من فعل النبي(صلى الله عليه وآله)أو قوله ، وصلاحية الجملة الأخيرة للتعليل كصلاحية نظيرها للتعليل ، لعدم وجوب الإعادة في الخلل الواقعة في الصلاة نسياناً كما في الأخبار الكثيرة الواردة في نسيان بعض أفعال الصلاة كالتشهّد وأمثاله(1) ، فإنّه علّل فيها عدم وجوب الإعادة ، بكون الأفعال المنسية سنة ، مع أنّ من الواضح إنّه ليس المراد بالسنة فيها الاستحباب .
هذا ، ولكن يرد عليه إنّه إن كان المراد بالسنة ما لم يكن فرضاً من الله تعالى مأموراً به في الكتاب العزيز ، فالأذان والإقامة وإن لم يكن شيء منهما مأموراً به في الكتاب ، إلاّ أنّ أكثر الفروض والواجبات الشرعية تكون كذلك ، وإن كان المراد بها ما لم يكن فرضاً من الله تعالى بل من الرسول(صلى الله عليه وآله) .
غاية الأمر إنّه كان مورداً لإمضاء الله تعالى ، فيرده أنّ الأذان والإقامة لا يكون شيء منهما كذلك ، كما تدل عليه الأخبار الكثيرة المستفيضة ، بل المتواترة الواردة في مقام التعريض على العامة ، الزاعمين أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) أخذ الأذان من رؤيا عبدالله بن زيد في منامه بقوله : «ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون أنّه أخذ الأذان من عبدالله بن زيد(2)؟!»
وقد روي عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال : «لمّا أُسري برسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى السماء فبلغ البيت المعمور، وحضرت الصلاة، فأذّن جبرئيل(عليه السلام) وأقام، فتقدّم رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وصفّ الملائكة والنبيّون خلف محمّد(صلى الله عليه وآله)»(3) .
- (1) راجع الوسائل 6: 401 ب7 وص405 ب9 من أبواب التشهّد.
- (2) الذكرى 3: 195; الوسائل 5: 370. أبواب الأذان والإقامة ب1 ح3.
- (3) الكافي 3: 302 ح1; الوسائل 5: 369. أبواب الأذان والإقامة ب1 ح1.
(الصفحة 482)
وقد روي أيضاً عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «لمّا هبط جبرئيل(عليه السلام) بالأذان على رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان رأسه في حجر عليّ(عليه السلام)، فأذّن جبرئيل وأقام، فلمّا انتبه رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : يا عليّ سمعت؟ قال : نعم ، قال : حفظت؟ قال : نعم ، قال : «أُدع بلالا فعلّمه، فدعا عليّ(عليه السلام) بلالاً فعلّمه»(1) .
وبالجملة: فالظاهر أنّ الأذان ثبت مطلوبيته من الله تعالى بالوحي على الرسول(صلى الله عليه وآله) ، كما عرفت أنّه مدلول الرواية ، وقد انقدح من جميع ما ذكرنا إنّه لا دليل على وجوب الأذان ، مضافاً إلى ما تقدّم من وجود الدليل على عدم الوجوب .
ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا من أنّ تشريع الأذان في الابتداء كان لدعوة الناس إلى إقامة الصلاة ، غاية الأمر إنّه قد شرع للمنفرد أيضاً ، لأن تصير صلاته جماعة ، إنّه لا دليل على مشروعية الأذان لمجرّد الإعلام بدخول الوقت ، كما يظهر من جماعة من الفقهاء(2) ، فإذا لم تكن في البين صلاة فالأذان لغيرها لم يعلم من الأدلة كونه مشروعاً ، بل الظاهر إنّه مجعول لدعوة الناس إلى إقامة الصلاة ، كما تدلّ عليه الآيتان المتقدمتان .
هذا، مضافاً إلى أنّ فصوله الأخيرة التي تعرف حقيقتها وماهيتها كالحيعلات ، شاهدة على ما ذكرنا ، من أنّ المقصود منه دعوة الناس إلى الصلاة ، غاية الأمر إنّه يدعوهم إلى الصلاة ابتداءً ثم يدعوهم إلى الفلاح الذي هوعبارة عن الصلاة، للإشعار بأنّها هو ما يكون مطلوباً عندهم ، ثم يدعوهم إلى خير الأعمال الذي هو عبارة
- (1) الكافي 3: 302 ح2; الفقيه 1: 183 ح865; التهذيب 2: 277 ح1099; الوسائل 5: 369. أبواب الأذان والإقامة ب1 ح2.
- (2) السرائر 1: 21; كشف اللثام 3: 362; الحدائق 7: 395; جامع المقاصد 2: 167; جواهر الكلام 9: 3; الدرّة النجفيّة : 113.
(الصفحة 483)
عنها أيضاً ، واختلاف التعبير لما ذكرنا من الإشعار بأنّ الصلاة هي ما توجهت إليه النفوس واشتاقت للوصول إليه من الفلاح والسعادة وخير الأعمال والأفعال .
ومن المعلوم أنّ هذا النحو من التعبير أوقع في النفس ، وأحسن في تشويق النفوس إلى الصلاة ، من تكرار لفظها مرّتين أو مرّات كما لا يخفى .
وبالجملة: فلا دليل على مشروعية الأذان لغير الصلاة ، بل لمجرّد الاعلام بدخول الوقت ، وقد يتوهّم(1) ذلك لجريان السيرة عليه ، وفيه: مضافاً إلى منع الصغرى أنّ الكبرى ممنوعة أيضاً .
ثمّ إنّه لا تنحصر مشروعية الأذان والإقامة بخصوص الرجال ، بل الظاهر التعميم للنساء أيضاً ، كما صرّح به في الروايات الكثيرة الدالة على استحباب الأذان والإقامة لهنّ(2) ، وإنهنّ لو لم يفعلن يجزي التكبير والشهادتان ، غاية الأمر إنّ الأوّل أفضل واستحبابه آكد .
ثمّ إنّ صاحب الحدائق(3) ذكر في أواخر مسألة اشتراط الذكورية في المؤذن ما حاصله : إنّه لا يشترط الذكورية في أذان الصلاة لإطلاق أدلته ، وخصوص بعض الروايات الدالة على مشروعيته للنساء ، وأمّا أذان الإعلام فثبت مشروعيته بالسيرة ، ولا إطلاق لها ، فالواجب الاقتصار على القدر المتيقن وهو كون المؤذن رجلا لا امرأة .
والأذان على قسمين : أذان الإعلام ، وأذان الصلاة ، وهو الذي اختاره تلميذه العلاّمة الطباطبائي في منظومته(4) حيث قال :
- (1) المتوهّم هو صاحب الحدائق : 7 / 335 .
- (2) الوسائل 5 : 405 ـ 406. أبواب الاذان والاقامة ب14 ح1 و2 و5 .
- (3) الحدائق : 7 / 335 .
- (4) الدرّة النجفية : ص113 .