(الصفحة 481)
الاجماع على عدم الفرق بينه وبين الإقامة في الحكم .
ثمّ إنّه قد يقال: بأنّ المراد من السنّة في الرواية هو ما ثبت مطلوبيته من فعل النبي(صلى الله عليه وآله)أو قوله ، وصلاحية الجملة الأخيرة للتعليل كصلاحية نظيرها للتعليل ، لعدم وجوب الإعادة في الخلل الواقعة في الصلاة نسياناً كما في الأخبار الكثيرة الواردة في نسيان بعض أفعال الصلاة كالتشهّد وأمثاله(1) ، فإنّه علّل فيها عدم وجوب الإعادة ، بكون الأفعال المنسية سنة ، مع أنّ من الواضح إنّه ليس المراد بالسنة فيها الاستحباب .
هذا ، ولكن يرد عليه إنّه إن كان المراد بالسنة ما لم يكن فرضاً من الله تعالى مأموراً به في الكتاب العزيز ، فالأذان والإقامة وإن لم يكن شيء منهما مأموراً به في الكتاب ، إلاّ أنّ أكثر الفروض والواجبات الشرعية تكون كذلك ، وإن كان المراد بها ما لم يكن فرضاً من الله تعالى بل من الرسول(صلى الله عليه وآله) .
غاية الأمر إنّه كان مورداً لإمضاء الله تعالى ، فيرده أنّ الأذان والإقامة لا يكون شيء منهما كذلك ، كما تدل عليه الأخبار الكثيرة المستفيضة ، بل المتواترة الواردة في مقام التعريض على العامة ، الزاعمين أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) أخذ الأذان من رؤيا عبدالله بن زيد في منامه بقوله : «ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون أنّه أخذ الأذان من عبدالله بن زيد(2)؟!»
وقد روي عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال : «لمّا أُسري برسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى السماء فبلغ البيت المعمور، وحضرت الصلاة، فأذّن جبرئيل(عليه السلام) وأقام، فتقدّم رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وصفّ الملائكة والنبيّون خلف محمّد(صلى الله عليه وآله)»(3) .
- (1) راجع الوسائل 6: 401 ب7 وص405 ب9 من أبواب التشهّد.
- (2) الذكرى 3: 195; الوسائل 5: 370. أبواب الأذان والإقامة ب1 ح3.
- (3) الكافي 3: 302 ح1; الوسائل 5: 369. أبواب الأذان والإقامة ب1 ح1.
(الصفحة 482)
وقد روي أيضاً عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «لمّا هبط جبرئيل(عليه السلام) بالأذان على رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان رأسه في حجر عليّ(عليه السلام)، فأذّن جبرئيل وأقام، فلمّا انتبه رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : يا عليّ سمعت؟ قال : نعم ، قال : حفظت؟ قال : نعم ، قال : «أُدع بلالا فعلّمه، فدعا عليّ(عليه السلام) بلالاً فعلّمه»(1) .
وبالجملة: فالظاهر أنّ الأذان ثبت مطلوبيته من الله تعالى بالوحي على الرسول(صلى الله عليه وآله) ، كما عرفت أنّه مدلول الرواية ، وقد انقدح من جميع ما ذكرنا إنّه لا دليل على وجوب الأذان ، مضافاً إلى ما تقدّم من وجود الدليل على عدم الوجوب .
ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا من أنّ تشريع الأذان في الابتداء كان لدعوة الناس إلى إقامة الصلاة ، غاية الأمر إنّه قد شرع للمنفرد أيضاً ، لأن تصير صلاته جماعة ، إنّه لا دليل على مشروعية الأذان لمجرّد الإعلام بدخول الوقت ، كما يظهر من جماعة من الفقهاء(2) ، فإذا لم تكن في البين صلاة فالأذان لغيرها لم يعلم من الأدلة كونه مشروعاً ، بل الظاهر إنّه مجعول لدعوة الناس إلى إقامة الصلاة ، كما تدلّ عليه الآيتان المتقدمتان .
هذا، مضافاً إلى أنّ فصوله الأخيرة التي تعرف حقيقتها وماهيتها كالحيعلات ، شاهدة على ما ذكرنا ، من أنّ المقصود منه دعوة الناس إلى الصلاة ، غاية الأمر إنّه يدعوهم إلى الصلاة ابتداءً ثم يدعوهم إلى الفلاح الذي هوعبارة عن الصلاة، للإشعار بأنّها هو ما يكون مطلوباً عندهم ، ثم يدعوهم إلى خير الأعمال الذي هو عبارة
- (1) الكافي 3: 302 ح2; الفقيه 1: 183 ح865; التهذيب 2: 277 ح1099; الوسائل 5: 369. أبواب الأذان والإقامة ب1 ح2.
- (2) السرائر 1: 21; كشف اللثام 3: 362; الحدائق 7: 395; جامع المقاصد 2: 167; جواهر الكلام 9: 3; الدرّة النجفيّة : 113.
(الصفحة 483)
عنها أيضاً ، واختلاف التعبير لما ذكرنا من الإشعار بأنّ الصلاة هي ما توجهت إليه النفوس واشتاقت للوصول إليه من الفلاح والسعادة وخير الأعمال والأفعال .
ومن المعلوم أنّ هذا النحو من التعبير أوقع في النفس ، وأحسن في تشويق النفوس إلى الصلاة ، من تكرار لفظها مرّتين أو مرّات كما لا يخفى .
وبالجملة: فلا دليل على مشروعية الأذان لغير الصلاة ، بل لمجرّد الاعلام بدخول الوقت ، وقد يتوهّم(1) ذلك لجريان السيرة عليه ، وفيه: مضافاً إلى منع الصغرى أنّ الكبرى ممنوعة أيضاً .
ثمّ إنّه لا تنحصر مشروعية الأذان والإقامة بخصوص الرجال ، بل الظاهر التعميم للنساء أيضاً ، كما صرّح به في الروايات الكثيرة الدالة على استحباب الأذان والإقامة لهنّ(2) ، وإنهنّ لو لم يفعلن يجزي التكبير والشهادتان ، غاية الأمر إنّ الأوّل أفضل واستحبابه آكد .
ثمّ إنّ صاحب الحدائق(3) ذكر في أواخر مسألة اشتراط الذكورية في المؤذن ما حاصله : إنّه لا يشترط الذكورية في أذان الصلاة لإطلاق أدلته ، وخصوص بعض الروايات الدالة على مشروعيته للنساء ، وأمّا أذان الإعلام فثبت مشروعيته بالسيرة ، ولا إطلاق لها ، فالواجب الاقتصار على القدر المتيقن وهو كون المؤذن رجلا لا امرأة .
والأذان على قسمين : أذان الإعلام ، وأذان الصلاة ، وهو الذي اختاره تلميذه العلاّمة الطباطبائي في منظومته(4) حيث قال :
- (1) المتوهّم هو صاحب الحدائق : 7 / 335 .
- (2) الوسائل 5 : 405 ـ 406. أبواب الاذان والاقامة ب14 ح1 و2 و5 .
- (3) الحدائق : 7 / 335 .
- (4) الدرّة النجفية : ص113 .
(الصفحة 484)
- وما له الأذان في الأصل وسم
وما له الأذان في الأصل وسم
-
شيئان إعلام وفرض قد علم
شيئان إعلام وفرض قد علم
ثم بيّن افتراقهما في الأحكام إلى أن قال :
- فافترق الأمران في الأحكام
فافترق الأمران في الأحكام
-
فرقاً خلا عن وصمة الابهام
فرقاً خلا عن وصمة الابهام
واستدلّ صاحب الجواهر(1) لمشروعية أذان الاعلام بما ذكره صاحب الحدائق ، من جريان السيرة القطعية به ، وباستفادتها من النصوص المستفيضة ، كصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنّة»(2) . وغيره من الأخبار الواردة في مدح المؤذّنين(3) .
أقول : أمّا السيرة فقد عرفت ما فيها ، وأمّا النصوص فلا تنافي كون الأذان فيها لإعلام الناس إلى إقامة الجماعة ، لأنّه حيث يكون الأذان كذلك متوقفاً على الصوت البليغ الذي يسمعه الناس ، كما يدل عليه التعبير عنه في الآيتين بالنداء ، ومن المعلوم أنّ الصوت كذلك يأبى عنه بعض الناس بل أكثرهم ، لمنع صفة التكبّر الموجودة فيهم عنه ترتّبت عليه تلك المثوبات العظيمة والفوائد الخطيرة .
وبالجملة : فلا يستفاد من النصوص الواردة في هذا الباب مشروعية الأذان ، لمجرّدالإعلام بدخول الوقت، نعم لابأس بالإتيان به رجاءًكسائرمالم يثبت استحبابه، لوجود القول بالاستحباب بين الفقهاء(4) ، وصدق البلوغ بذلك(5) كما هو واضح .
- (1) جواهر الكلام : 9 / 4 .
- (2) التهذيب : 2 / 283 ح1126; الفقيه 1: 185 ح881 ; الوسائل : 5 / 371. أبواب الاذان والاقامة ب2 ح1 .
- (3) راجع الوسائل 5: 371; ب2 من هذه الأبواب.
- (4) السرائر 1: 208; كشف اللثام 3: 362; جواهر الكلام 9: 3; الحدائق 7: 395.
- (5) أي يشمله اخبار من بلغ . راجع الوسائل 1: 80 . أبواب مقدّمة العبادات ب18.
(الصفحة 485)
كيفية الأذان والإقامة
اعلم أنّ المشهور بين الإمامية في كيفية الأذان ، أنّه عبارة عن التكبير أربع مرات ، والشهادة بالتوحيد مرتين ، والشهادة بالرسالة مرّتين ، والدعاء إلى الصلاة مرتين ، والدعوة إلى الفلاح كذلك ، والدعاء إلى خير العمل كذلك ، والتكبير مرّتين ، والتهليل مرتين ، فيكون مجموع الأذان ثماني عشرة كلمة(1) .
ويظهر من بعض أصحابنا القول بكون التكبير في آخره أربع مرّات كالتكبير في أوّله(2) ، وعليه فيكون عشرين كلمة ، وخالف جميع العامة في قول «حيّ على خير العمل» بعد قول «حيّ على الفلاح»(3) على ما تشهد به سيرتهم المستمرة ، ولا ريب في أنّه كان هذا القول من فصول الأذان في زمان النبي(صلى الله عليه وآله) .
غاية الأمر إنّه لا يعلم لِمَ أُسقط ومن أسقطه بعد النبي(صلى الله عليه وآله)؟! قد يقال كما قيل : بأنّه أُسقط في زمان عمر، وكان وجه إسقاطه إيّاه ، توهّمه أنّه لو علم الناس بكون الصلاة خير الأعمال لم يرغبوا في الجهاد وتسامحوا فيه .
وبالجملة : فلم يعلم تحقيقاً أنّه في أيّ زمان اُسقط ، ومن كان مسقطاً له ، وما وجه إسقاطه إيّاه؟ وإنّما المعلوم كون ذلك مورداً لاختلاف المسلمين ، ومميّزاً للتشيّع عن التسنّن ، بحيث يرتفع به صوت الشيعة عند القيام على العامة ، كما يظهر من بعض التواريخ ، وعليه فيسقط من فصول الأذان عندهم إثنتا كلمة ، وقال
- (1) الخلاف : 1 / 278 مسألة 19; تذكرة الفقهاء : 3 / 41 مسألة 156; مفتاح الكرامة : 2 / 280; جواهر الكلام : 9 /81; كشف اللثام : 3 / 374; مستند الشيعة : 4 / 478 .
- (2) الهداية : 131 ، ب42 .
- (3) راجع الخلاف : 1 / 278 مسألة 19; تذكرة الفقهاء : 3 / 42; بداية المجتهد : 1 / 154 ـ 155 .