(الصفحة 60)
آية قائماً أو قاعداً ، والقيام أفضل ، ولا تعدّهما من الخمسين . . .» الحديث(1) .
وقد يجمع بين هاتين الروايتين وبين الروايات الكثيرة المتقدّمة بالتخيير ، ولكن لا يخفى أنّ الفتوى بجواز القيام في غاية الإشكال لأن الأخبار الكثيرة تدلّ على الجلوس ، وأنّهما تعدّان بركعة من قيام ; مضافاً إلى ذلك ، فقد ذكرها القدماء في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المتلقّاة عن الأئمّة(عليهم السلام)(2) ، ودلالة الأخبار المتقدّمة الواردة في بيان مجموع الفرائض والنوافل ، وأنّه إحدى وخمسون ركعة ، معلّلا بأنّ ركعتين بعد العشاء تعدّان بركعة من قيام ، ومن الواضح أنّ عدّهما كذلك إنّما يتمّ مع ثبوت خصوص الجلوس فيهما ، لأنّه لا معنى لعدّ الركعتين من قيام بركعة منه .
وأمّا الروايتان الواردتان في القيام فهما كانتا متروكتين ، ولم يعمل بهما أحد من الأصحاب ، قبل الشهيد الأوّل ; نعم هو أفتى بذلك في الدورس واللمعة ، وتبعه الشهيد والمحقّق الثانيان(3) ، وقد اشتهر الفتوى بذلك بعدهم ، ولكنّه منهم خرق لإجماع المتقدّمين المطّلعين على فتاوى الأئمّة(عليهم السلام) حيث انّهم تلقّوا الفتاوى والأحكام الفقهيّة يداً بيد وخلفاً عن سلف ، ولم يقع في البين فترة أصلا إلى أن وصلت بيد المشايخ العظام ، والأساطين الكرام ، كالشيخ الطوسي(قدس سره) والمتأخّرين عنه ، فلا يجوز الغضّ عمّا هو المتسالم عليه بينهم ، مع كون هاتين الروايتين بمرئى ومسمع منهم .
فالأولى حملهما على التقيّة ، لما عرفت سابقاً من أنّ الركعتين بعد العتمة جالساً
- (1) التهذيب 2 : 5 ح8 ; الوسائل 4 : 51 . أبواب اعداد الفرائض ب13 ح16 .
- (2) راجع ص54 التعليقة رقم 1 .
- (3) الدروس 1 : 136 ; اللمعة الدمشقية 1 : 169 ; مسالك الافهام 1 : 137 ; الروضة البهيّة 1 : 169 ; جامع المقاصد 2 : 9 .
(الصفحة 61)
ممّا لم يقل به أحد من العامّة ، بل قال أبو حنيفة بأنّهما ثمان ركعات ، أربع قبل الفريضة ، وأربع بعدها ; ومنهم من قال بأنّها ركعتان من قيام(1) . ولعلّه لما ذكرنا قال الشهيد الثاني في الروضة بعد الفتوى بجواز القيام : إنّ الأصل فيهما الجلوس(2) .
ثمّ إنّه وقع الاختلاف بين القائلين بجواز القيام ، في أنّ ركعتي القيام هل تعدّان أيضاً بركعة أم لا؟ واعترض عليهم كاشف اللّثام(3) بأنّه لا معنى لعدّ الركعتين من قيام بركعة منه ; وهو إشكال جيّد . وحينئذ فيتحقّق التنافي بينه وبين الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ مجموع الفرائض والنوافل إحدى وخمسون ركعة ، وقد عرفت تسالم الأصحاب على مضمونها من زمان الإمام الرضا(عليه السلام) ، فلا محيص عمّا ذكرناه .
الأمر الرابع : سقوط الوتيرة في السفر
لا إشكال ولا خلاف في سقوط نافلة الظهرين في السفر ، وعدم سقوط نافلة الصبح والمغرب(4) ، وإنّما الإشكال والخلاف في نافلة العشاء ، أعني الوتيرة ، وأنّه هل تسقط في السفر أم لا؟ المشهور بين الإماميّة سقوطها(5) ، بل ادّعى في السرائر
- (1) فتح العزيز 4 : 217 ; المغني لابن قدامة 1 : 798 ; المجموع 4 : 8 ; المعتبر 2 : 12 ; تذكرة الفقهاء 2 : 262 مسألة 3 .
- (2) الروضة البهيّة 1 : 169 .
- (3) كشف اللثام 3 : 13 .
- (4) مفتاح الكرامة 2 : 10 ; جواهر الكلام 7 : 44 ـ 45 ; كشف اللثام 3 : 15 ; مستند الشيعة 5 : 433 .
- (5) المقنعة : 91 ; المبسوط 1 : 71 ; المعتبر 2 : 15 ; تذكرة الفقهاء 2 : 272 ; مفتاح الكرامة 2 : 10 ; كشف اللثام 3 : 15 ; جواهر الكلام 7 : 44 ; مستند الشيعة 5 : 433 .
(الصفحة 62)
والغنية الإجماع(1) ، وقال الشيخ(قدس سره) وبعض آخر بالثبوت(2) ، ومنشأ الخلاف ، اختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب ، ويدلّ على السقوط روايات كثيرة .
منها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلاّ المغرب ثلاث»(3) . فإنّها تدلّ بإطلاقها على سقوط الوتيرة أيضاً .
ومنها : رواية حذيفة بن منصور عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام) أنّهما قالا : «الصلاة في السفر ركعتان ; ليس قبلهما ولا بعدهما شيء»(4) ، ورواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلاّ المغرب ، فإنّ بعدها أربع ركعات ، لا تدعهنّ في سفر ولا حضر ، وليس عليك قضاء صلاة النهار ، وصلّ صلاة الليل واقضه»(5) .
ومنها : رواية أبي يحيى الحنّاط قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر؟ فقال : «يا بنيّ! لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة»(6) . وموردها وإن كان خصوص صلاة النافلة بالنهار إلاّ أن عموم التعليل الواقع في الجواب يقتضي سقوط نافلة العشاء أيضاً كما هو واضح .
وأمّا ما يدلّ على عدم السقوط ، فرواية الفضل بن شاذان عن الرضا(عليه السلام) في
- (1) السرائر 1 : 194 ; الغنية : 106 ـ 107 .
- (2) النهاية : 57 ; المهذّب 1 : 68 ; الذكرى 2 : 298 ; الروضة البهيّة 1 : 171 .
- (3) التهذيب 2 : 13 ح31 ; الاستبصار 1 : 220 ح778 ; الوسائل 8 : 505 . أبواب صلاة المسافر ب16 ح2 .
- (4) التهذيب 2 : 14 ح34 ; المحاسن : 371 ح128 ; الوسائل 8 / 504 . أبواب صلاة المسافر ب16 ح1 .
- (5) الكافي 3 : 439 ح3 ; التهذيب 2 : 14 ح36 ; الوسائل 4 : 83 . أبواب أعداد الفرائض ب21 ح7 .
- (6) الفقيه 1 : 285 ح293 ; التهذيب 2 : 16 ح44 ; الإستبصار 1 : 221 ح780 ; الوسائل 4 : 82 . أبواب أعداد الفرائض ب21 ح4 .
(الصفحة 63)
حديث قال : «وإنّما صارت العتمة مقصورة ، وليس نترك ركعتيها ، لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين ، وإنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعاً ، ليتمّ بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع»(1) ; ويشعر بذلك رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام)قال : سألته عن الصلاة تطوّعاً في السفر؟ قال : «لا تصلِّ قبل الركعتين ولا بعدهما شيئاً نهاراً»(2) .
ولا يخفى أنّ هاتين الروايتين أخصّ من الروايات الدالّة بعمومها على السقوط ، فاللاّزم تخصيصها بهما والقول بسقوط نافلة الصلوات المقصورة في السفر إلاّ الوتيرة ; إلاّ أنّه وقع في طريق رواية فضل بن شاذان ، عبدالواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري ، وعلي بن محمّد بن قتيبة ، ولم يثبت وثاقتهما ، قال المحقّق الأردبيلي : لو لم يكن في المسألة إجماع على السقوط لعملنا على طبق رواية الفضل(3) ، وقال صاحب المدارك : لو لم يكن خلل في سند الحديث لعملنا به(4) .
أقول : لو لم يكن إجماع ولم يكن ضعف في الحديث لكنّا نعمل به ، ثمّ لا يخفى أنّ ضعف الحديث إنّما هو من جهة الواسطتين الموجودتين بين الفضل والصدوق ، وأمّا الفضل فهو من ثقاة الأصحاب وبقي إلى زمان العسكري(عليه السلام) ومات قبل وفاته بسنتين ، وبقائه إلى ذلك الزمان لا يوجب خللا فيما يرويه عن الرضا(عليه السلام) ، لجواز أن يكون قد طال عمره كما لا يخفى .
ثمّ إنّه عدّ في مفتاح الكرامة(5) من جملة الروايات الدالّة على عدم السقوط ما
- (1) الفقيه 1 : 290 ح1320 ; علل الشرائع : 267 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 113 ، الوسائل 4 : 95 . أبواب أعداد الفرائض ب29 ح3 .
- (2) التهذيب 2 : 14 ح32 ; الوسائل 4 : 81 . أبواب أعداد الفرائض ب21 ح1 .
- (3) مجمع الفائدة والبرهان 2 : 8 .
- (4) مدارك الاحكام 3 : 27 .
- (5) مفتاح الكرامة 2 : 11 .
(الصفحة 64)
رواه الصدوق في العيون عن رجاء بن أبي الضحاك الذي صاحب مع الرضا(عليه السلام) من المدينة إلى خراسان ; وقال : إنّ الرواية تدلّ على أنّ الرضا(عليه السلام) كان يصلّي الوتيرة في السفر . وهذا منه عجيب ، لأنّه ليس في الرواية إلاّ أنّه(عليه السلام) كان يأتي بنافلة الظهرين ويصلّي العشاء الآخرة أربع ركعات ويترك الوتيرة(1) . ومن الواضح أن الإتيان بنافلة الظهرين وصلاة العشاء أربع ركعات إنّما هو في موارد قصد الإقامة ، كما هو واضح . فالرواية تدلّ على أنّه كان يترك الوتيرة ولو مع الإتيان بالعشاء أربع ركعات ، وليس فيها من صلاة الوتيرة ـ وأنّه كان يفعلها ـ عين ولا أثر .
الأمر الخامس : هل تسقط الأربع ركعات المزيدة في يوم الجمعة على نافلتها في السفر أم لا؟ فيه وجهان ، الظاهر هو الوجه الأوّل وإن كان يظهر من بعضهم الترديد . والوجه في ذلك أنّها من النوافل الراتبة ، غاية الأمر ثبوتها في خصوص يوم الجمعة ، فيشملها الأخبار الدالّة على سقوط مطلق التطوّع في السفر ، بعد حملها على خصوص الرواتب ، لعدم سقوط غيرها ضرورة .
- (1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 181 ح180 ; الوسائل 4 : 55 . أبواب أعداد الفرائض ب13 ح24 .