(الصفحة 83)
المعتبر فيها ، لا من جهة وقوعها في غير وقتها ، وتظهر الثمرة بين القولين فيما إذا صلّى العصر في وقت الظهر نسياناً ، فعلى قول المشهور يجب عليه الإعادة لوقوعها في غير الوقت ، وعلى قول الصدوق تصحّ ولا تجب عليه الإعادة ، لأنّ المفروض وقوعها في وقتها ، والاخلال بالترتيب لا يضرّ ، لأنّه شرط في حال الذكر فقط . هذا والأقوى في المسألة ما اختاره المشهور .
ولا يخفى أنّ كلام الصدوق لا يأبى عن الحمل على ذلك ، فإنّ مجرّد الفتوى على طبق أخبار الاشتراك لا ينافي القول بالاختصاص ، ألا ترى أنّ السيّد المرتضى(1)(رحمه الله) ـ مع أنّه أسند إلى الأصحاب ما يدلّ عليه أخبار الاشتراك ـ ذهب إلى الاختصاص وشرع في بيانه . ولو سلم التنافي فهو بدوي يرتفع بملاحظة جميع الأخبار ، ومن هنا يظهر أنّ القائلين بالاختصاص لم يطرحوا أخبار الاشتراك بل أفتوا بمضمونها ، والسرّ في ذلك ما سيجيء من أنّ النظر فيها إنّما هو إلى ردّ المخالفين القائلين بتباين الوقتين ، فهي بصدد بيان الاشتراك في الجملة ، ولا منافاة بينها وبين ما يدلّ على اختصاص مقدار أداء الظهر من أوّل الوقت به . والأولى نقل أخبار المسألة فنقول : الأخبار الواردة في هذا الباب على قسمين : قسم منها ظاهر في الاشتراك وقسم آخر منها يدلّ على الاختصاص .
أمّا القسم الأوّل : فكثيرة :
منها : رواية زرارة المتقدّمة في المسألة الاُولى(2) ،
ومنها : روايتا عبيد بن زرارة المتقدّمتان في المسألة الاُولى(3) أيضاً .
ومنها : رواية ثالثة لعبيد بن زرارة ، وهي ما رواه عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا زالت الشمس فقد
- (1) المسائل الناصريّات : 189 .
- (2) الفقيه 1 : 140 ح648 ; الوسائل 4 : 125 . أبواب المواقيت ب4 ح1 .
- (3) الوسائل 4 : 157 . أبواب المواقيت ب10 ح4 وص126 ب4 ح5 .
(الصفحة 84)
دخل وقت الصلاتين إلاّ أنّ هذه قبل هذه»(1) .
ومنها : رواية الصباح بن سيّابة عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين»(2) .
ومنها : رواية سفيان بن السمط عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين»(3) .
ومنها : رواية مالك الجهني قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن وقت الظهر؟ فقال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين»(4) .
ومنها : رواية منصور بن يونس عن العبد الصالح(عليه السلام)قال : سمعته يقول : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين»(5) .
ومنها : رواية إسماعيل بن مهران قال : كتبت إلى الرضا(عليه السلام) : ذكر بعض أصحابنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة ، إلاّ أنّ هذه قبل هذه في السفر والحضر ، وإنّ وقت المغرب إلى ربع الليل ; فكتب(عليه السلام) : «كذلك الوقت غير أنّ وقت المغرب ضيّق . . .» الحديث(6) . وغير ذلك ممّا هو ظاهر في الاشتراك .
وأمّا القسم الثاني : فروايتان ،
إحداهما : رواية داود بن أبي يزيد المتقدّمة(7) وهي وإن كانت مرسلة بإبهام الواسطة ، إلاّ أنّ ذلك لا يضرّ بحجّيتها بعد انجبارها بعمل الأصحاب .
ثانيتهما : رواية الحلبي المتقدّمة(8) أيضاً .
- (1) الكافي 3 : 276 ح5 ، التهذيب 2 : 26 ح73 ; الوسائل 4 : 130 . أبواب المواقيت ب4 ح21 .
- (2) التهذيب 2 : 243 ح964 ; الاستبصار 1 : 245 ح874 ; الوسائل 4 : 127 . أبواب المواقيت ب4 ح8 .
- (3) التهذيب 2 : 244 ح965 ، الإستبصار 1 : 246 ح875 ، الوسائل 4 : 127 أبواب المواقيت ب4 ح9 .
- (4) التهذيب 2 : 244 ح967 ، الاستبصار 1 : 246 ح877 ، الوسائل 4 : 128 . أبواب المواقيت ب4 ح11 .
- (5) التهذيب 2 : 244 ح966 ; الاستبصار 1 : 246 ح876 ; الوسائل 4 : 127 . أبواب المواقيت ب4 ح10 .
- (6) الكافي 3 : 281 ح16 ; التهذيب 2 : 260 ح1037 ; الاستبصار 1 : 270 ح976 ; الوسائل 4 : 130 . أبواب المواقيت ب4 ح20 .
- (7) التهذيب 2 : 25 ح70 ; الاستبصار 1 : 261 ح936 ; الوسائل 4 : 127 . أبواب المواقيت ب4 ح7 .
- (8) التهذيب 2 : 269 ح1074 ، الإستبصار 1 : 287 ح1052 ، الوسائل 4 : 129 . أبواب المواقيت ب4 ح18 .
(الصفحة 85)
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه لا مجال للإشكال في أخبار الاشتراك والاعتراض عليها من حيث السند ، فإنّها مع كثرتها لا يمكن انكار صدورها ، مضافاً إلى ذلك انّك عرفت أنّ القائلين بالاختصاص لم يطرحوا أخبار الاشتراك أيضاً .
ثمّ إنّ عبارة السيّد في هذا المقام تدلّ على صدور أخبار الاشتراك أيضاً ، قال في الناصريّات : والذي نذهب إليه أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر بلا خلاف ، ثمّ يختصّ أصحابنا بأنّهم يقولون : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر معاً ، إلاّ أنّ الظهر قبل العصر ، وتحقيق هذا الموضوع ، انّه إذا زالت فقد دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدِّي أربع ركعات فإذا خرج هذا المقدار من الوقت اشترك الوقتان(1) . انتهى موضع الحاجة .
وصرّح المحقّق أيضاً بصدور أخبار الاشتراك عنهم(عليهم السلام) حيث قال في المعتبر ما لفظه : واعترض بعض المتأخّرين على قول أصحابنا : «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين» . وزعم أنّ الحذاق وأصحاب البحث ينكرون هذا اللفظ ، من حيث أنّ الظهر يختصّ بمقدار أربع ركعات فلا يشترك الوقتان إلاّ بعد قدر إيقاع الظهر ، لأنّه ما درى أنّه نصّ من الأئمّة(عليهم السلام) ، أو درى وأقدم ، وقد رواه زرارة وعبيد والصباح بن سيّابة ومالك الجهني ، ويونس من العبد الصالح عن أبي عبدالله(عليه السلام)ومع تحقّق كلامهم يجب الاعشاء بالتأويل لا الإقدام بالطعن(2) . انتهى موضع الحاجة .
وبالجملة : فالإشكال في صدور أخبار الاشتراك ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه ، فالواجب الجمع بينها وبين ما يدلّ على الاختصاص بالجمع الدلالي . ولكن يمكن أن يقال بأنّ رواية داود بن فرقد أظهر في الدلالة على الاختصاص من دلالة أخبار
- (1) المسائل الناصريّات : 189 .
- (2) المعتبر 2 : 34 .
(الصفحة 86)
الاشتراك على الاشتراك المطلق ، بل ليس لها في ذلك إلاّ ظهور بدويّ يرفع اليد عنه بسببها ، لأنّ قوله(عليه السلام) :ـ «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً ، إلاّ أنّ هذه قبل هذه» إنّما يدلّ على دخول وقت مجموع الصلاتين من حيث المجموع ، لا وقت كل واحد منهما ، ولو سلم ظهوره في ذلك فالاستثناء يوجب رفع اليد عن ظهور الصدر ، لأن الظاهر أنّ المراد بالقبليّة ، القبليّة بحسب الوقت ، لأنّ الترتيب بين الصلاتين ممّا لم يكن محتاجاً إلى البيان ، بعد كونه ضروريّاً عند المسلمين جميعاً ، وحينئذ فقوله : «إلاّ أنّ هذه قبل هذه» لم يكن مسبوقاً لبيان اعتبار الترتيب ، بل المقصود به أنّ وقت صلاة الظهر يدخل قبل دخول وقت صلاة العصر . فتكون هذه الجملة بمنزلة الاستثناء للصدر .
وإن شئت قلت : إنّ رواية ابن فرقد بمنزلة الاستثناء لهذه الروايات ، فيصير مفاد المجموع هو اشتراك الصلاتين إذا زالت الشمس ومضى مقدار أربع ركعات ، فإنّه يختصّ بالظهر فقط . هذا ولا يمكن أن تجعل أخبار الاشتراك قرينة على توجيه هذه الرواية ، لعدم كونها قابلة للتوجيه ، بعد صراحتها في أنّ لكلّ من الصلاتين وقتين ، وقت اختصاصي ، ووقت يشتركان فيه ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ التفصيل في الرواية إنّما هو لبيان اعتبار الترتيب بين الصلاتين في الجملة حتّى لا ينافي اختصاص اعتباره بحال الذكر ، فتخصيص أوّل الوقت بالظهر ليس لأجل اختصاصه بها ، بل لكون ترتّب العصر عليها مقتضياً للإتيان بها قبل العصر ، ولو في الوقت المشترك ، لعدم التمكّن من الإتيان بها قبلها في أوّل الوقت ، وحينئذ فمقصود الرواية ليس بيان الوقت من حيث الاختصاص وعدمه ، بل مقصودها انّ اعتبار الترتيب اقتضى وقوع الظهر في أوّل الوقت قهراً .
هذا ولكن لا يخفى أنّ هذا التوجيه ـ مضافاً إلى كونه بعيداً عن مساق الرواية ، وإلى أن اعتبار الترتيب أمر بديهيّ لا يحتاج إلى البيان فتدبّر ـ لا يجري في ذيل
(الصفحة 87)
الرواية ، إذ لو كان الغرض بيان الترتيب ، لكان اللاّزم فيمن لم يأت بشيء من الصلاتين إلى أن بقي من مجموع الوقت مقدار أربع ركعات ، أن يأتي بالظهر فقط مراعياً للترتيب ، فلا وجه لتقديم العصر حينئذ إلاّ أن يكون الوقت مختصّاً بها ، وبالجملة سقوط التكليف بالظهر في ذلك الفرض ووجوب الإتيان بالعصر فقط ممّا يدلّ قطعاً على اختصاص الوقت بها ، فالرواية حيث تكون متعرّضة للحكم المذكور فلابدّ من أن يكون المقصود بها هو بيان الوقت الاختصاصي وغيره .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ وقت الظهر مبائن لوقت العصر عند العامّة ، وكذا وقت المغرب والعشاء ، فعند بعضهم يكون أوّل الزوال إلى المثل وقتاً للظهر ، ثمّ يخرج وقتها ويدخل وقت العصر ، وعند بعضهم الآخر ، يكون أوّل الزوال إلى المثلين وقتاً للظهر ، ثمّ يخرج وقتها ويدخل وقت العصر(1) . نعم حكي عن ربيعة ، القول بدخول الوقتين بمجرّد الزوال(2) ، ولكن هذا القول شاذّ عندهم .
وكيف كان فالسيرة المستمرّة فيهم إلى زماننا هذا ، هو إتيان العصر بعد مدة طويلة من إتيان الظهر ، فكانوا يصلّون الظهر ثمّ يتفرّقون إلى مشاغلهم ، إلى أن يصير ظل الشاخص مثله أو مثليه ، ثمّ يعودون للإتيان بالعصر ، وكان الجمع بين الصلاتين والإتيان بهما معاً متّصلا بلا انقطاع أمراً منكراً عندهم ، ولذلك تعجّب أبو أمامة من فعل أنس فيما رواه البخاري عنه حيث روى عنه أنّه قال : صلّينا مع عمر بن عبدالعزيز الظهر ثمّ خرجنا حتّى دخلنا على أنس بن مالك ، فوجدناه يصلّي العصر ، فقلت : ما هذه الصلاة؟ فقال : العصر وهذه صلاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)التي
- (1) المغني لابن قدامة 1 : 416 ; المجموع 3 : 21 ; الشرح الكبير 1 : 465 ; الخلاف 1 : 257 مسألة 4 ; تذكرة الفقهاء 2 : 302 مسألة 26 و ص306 مسألة 28 .
- (2) المغني 1 : 418 ; الشرح الكبير 1 : 469 ; تذكرة الفقهاء 2 : 308 .