(الصفحة 95)
إنّما هو كناية عن الإتيان بالظهر؟ وجهان ، والحق هو الوجه الثاني الذي مرجعه إلى أنّ الاعتبار بمقدار أداء الظهر بحسب الوظيفة الفعلية لهذا المكلّف ، ولو كان ركعتين أو أقلّ منهما ، كما إذا وقعت الظهر ببعض أجزائها في الوقت ، فإنّه يجوز له حينئذ الإتيان بالعصر بعدها ، والدليل على ما ذكرنا مضافاً إلى أنّ لفظة أربع في الرواية واردة مورد الغالب ، وظاهرة فيه . والمراد بها هو الإتيان بالظهر فكني بها عنه ; قوله(عليه السلام) : «إنّه ليس بين الظهر والعصر حدّ معروف» ، كما في بعض الروايات(1)ويؤيّده بل يدلّ عليه أيضاً قوله(عليه السلام) : «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين» . بناء على ما ذكرنا في معناه من أنّ المتبادر منه مجرّد جواز الشروع في العصر بعد الفراغ من الظهر بلا فصل ، فإنّ مقتضاه دخول وقت العصر بعد الفراغ من الظهر فوراً ، بلا تفاوت بين كونها تماماً أو قصراً ، لعدم الفصل بينهما .
وبتقريب آخر ، إنّ رواية ابن فرقد الدالّة على الاختصاص وإن كانت من حيث الدلالة عليه أظهر من هذه الروايات ، إلاّ أنّ ظهور أخبار الاشتراك ودلالتها على جواز الإتيان بالعصر بعد الفراغ من الظهر أقوى وأسدّ من ظهور رواية ابن فرقد ، في كون الأربع لها موضوعية ، وإن كانت صلاة الظهر قصراً ، ومن المعلوم أنّه لا مانع من العمل بما هو الأظهر منهما في ذلك ، وإن كان الآخر أظهر من جهة اُخرى ، وهي الدلالة على الاختصاص .
وبالجملة : لا يجوز رفع اليد عن ظهور قوله(عليه السلام) : «إذا زالت الشمس . . .» الحديث . في جواز الشروع في العصر ، بمجرّد الفراغ من الظهر ، وإن كان الجمود على ظاهر لفظة الأربع الواردة في رواية ابن فرقد يقتضي القول بها مطلقاً ، لكن الذوق السليم يأبى عن ذلك ، فلابدّ من حملها على الغالب كما عرفت . وممّا ذكرنا
- (1) التهذيب 2: 255 ح1013; الوسائل 4: 126. أبواب المواقيت ب4 ح4.
(الصفحة 96)
يظهر صحّة ما حكي عن المحقّق حيث حكم فيمن شرع في صلاة الظهر قبل دخول وقتها الذي هو الزوال ، بزعم الدخول ، ثم انكشف وقوع لحظة منها في الوقت ، بأنّ الوقت الاختصاصي بالنسبة إلى هذا الشخص عبارة عن هذه اللحظة ، فيجوز له الشروع في صلاة العصر بلا فصل(1) ، وجه الصحة ما عرفت من أنّ مقتضى الأخبار جواز الشروع في العصر بمجرّد الفراغ من الظهر ، لدخول وقتها بعد الفراغ منها ، وحينئذ فلا وجه للاشكال عليه أصلا كما لا يخفى .
تتمّة في بيان معنى الاختصاص
الظاهر أنّ معناه هو عدم دخول وقت الشريكة ، ما لم يمض المقدار المعيّن ، وحينئذ فنسبة صلاة العصر إلى الوقت الذي هو قبل المضيّ ، كنسبة صلاة الظهر إلى ما قبل الزوال ، فلا يصحّ إتيان العصر ما لم يمض ذلك المقدار ، ولا يلزم منه عدم صحّة سائر الصلوات ، سواء كانت مستحبّة أو واجبة ، كقضاء الفرائض الفائتة في ذلك الوقت المختص بالظهر ، وليس المراد بالاختصاص عدم صحّة وقوع صلاة العصر في ذلك الوقت ، ولو كانت لليوم السابق مثلا ، فما ذكره صاحب الجواهر(قدس سره)في رسالة نجاة العباد(2) ، ممّا حاصله أنّ المراد بالاختصاص عدم صحّة الشريكة فيه مطلقاً أداءً وقضاءً ، عمداً وسهواً ، مع عدم اداء صاحبة الوقت ممّا لا وجه له ، إذ ليس لنا في المقام لفظ الاختصاص ، ولم يقع ذلك في حديث حتّى يفسّر بذلك ، لوضوح أنّ مدرك المسألة ، إنّما هي رواية ابن فرقد ; ومقتضاها ليس إلاّ ما ذكرنا . من أنّ دخول وقت العصر مشروط بمضيّ مقدار معلوم ، وأنّ نسبة العصر إلى ذلك المقدار كنسبة الظهر إلى قبل الزوال ، ولازم ذلك بطلان العصر لو وقعت بتمامها قبل
- (1) المعتبر 2 : 35 ; شرائع الاسلام 1 : 54 .
- (2) نجاة العباد : 81 .
(الصفحة 97)
وقتها . نعم قد عرفت أنّه لو وقعت لحظة منها في وقتها لكانت صحيحة ، وليس للاختصاص المذكور في كلمات الأعلام معنى سوى ما ذكرناه ، فتدبّر .
لو ظنّ ضيق الوقت فصلّى العصر فانكشف الخلاف
قد عرفت اختصاص العصر بمقدار أدائها من آخر الوقت ، وحينئذ فلو ظنّ ضيق الوقت فصلّى العصر ، ثم انكشف بعد الفراغ بقاء الوقت بمقدار صلاة اُخرى ، ففي المسألة وجوه أربعة :
أحدها : وجوب إعادة العصر ، لأنّ الوقت الذي صلّى فيه العصر كان مختصّاً بالظهر ; فإتيانها فيه إتيان في غير الوقت . وبعبارة أخرى إنّ للظهر وقتين اختصاصيين : أحدهما : مقدار أدائها من أوّل الزوال ; وثانيهما : مقدار أدائها قبل الوقت المختصّ بالعصر متّصلا به ، وحينئذ فيتّضح بطلان العصر ، لوقوعها في الوقت المختص بالظهر مضافاً إلى عدم مراعاة الترتيب المعتبر في صحّة صلاة العصر . وحديث «لا تعاد»(1) وإن كان مقتضاه عدم وجوب الإعادة إلاّ من ناحية الخمسة المذكورة فيه ، إلاّ أنّه من الواضح اختصاصه بصورة السهو والنسيان ; والمفروض في المقام الاخلال به عمداً .
ثانيها : وجوب الإتيان بالظهر أداءً لانصراف الأدلّة التي تدلّ على اختصاص آخر الوقت بالعصر إلى صورة عدم الإتيان بها ، وأمّا إذا أتى بها قبلا فلا يستفاد منها الاختصاص ; ولو سلّم الاطلاق ومنع الانصراف نقول : إنّ ظاهر الروايات الدالّة على الاشتراك أقوى من حيث الشمول لهذا الفرض من رواية ابن فرقد وغيرها ، وإن كانت هي أقوى منها في الدلالة على أصل الاختصاص .
- (1) الفقيه 1 : 181 ح857 ; التهذيب 2 : 152 ح597 ; الوسائل 4 : 312 . أبواب القبلة ب9 ح1 .
(الصفحة 98)
ثالثها : وجوب الإتيان بالظهر قضاء ، لخروج وقت الظهر حينئذ أخذاً بإطلاق الأدلّة التي تدلّ على اختصاص الآخر بالعصر ، ومنع دعوى الانصراف إلى صورة عدم الإتيان بها ، وحينئذ فيجوز الإتيان بالظهر قضاءً ، بل يجب فوراً بناء على المضايقة في قضاء الفوائت .
رابعها : عدم وجوب إعادة العصر ، وعدم جواز الإتيان بالظهر في ذلك الوقت لا أداءً ، ولا قضاءً ، واختار هذا الوجه صاحب الجواهر(1) مستنداً في ذلك إلى ما زعم من معنى الاختصاص ، من أنّ المراد به عدم جواز الشريكة لا أداءً ولا قضاءً .
وفي المسألة وجه خامس منقول عن الشهيد(2) ، حيث يقول بتعارض وقتي الصلاتين . هذا ويرد على الوجه الأوّل ، أنّ ما ذكره بأنّ للظهر وقتين اختصاصيين ، فهو ممّا لم يدلّ عليه دليل ، لأنّ العمدة في هذا الباب هي رواية ابن فرقد ، وهي لا تدلّ إلاّ على اختصاص مقدار أربع ركعات من أوّل الزوال بالظهر فقط ، بل يمكن أن يستفاد منها خلاف ذلك ، لأنّ ظاهرها اشتراكهما في الوقت بعد مضيّ مقدار أداء الظهر من أوّل الوقت إلى أن يبقى إلى الغروب هذا المقدار ، وأمّا ما ذكره من عدم جريان حديث «لا تعاد» في المقام فممنوع ، لأنّه لم يقدم العصر عمداً بل إنّما عمل بظنّه الذي انكشف خلافه ، ويأتي ذلك في محلّه إن شاء الله تعالى .
وأمّا الوجه الرابع : ففيه ما عرفت من أنّه ليس لنا في المقام لفظ الاختصاص ، ولم يقع ذلك في رواية حتّى يفسّر بما ذكر ، بل إنّما حدث هذا اللفظ ، وشاع في ألسنة الفقهاء ، وليس مرادهم بذلك إلاّ ما تدلّ عليه رواية ابن فرقد ، من عدم دخول وقت العصر قبل مضيّ مقدار أداء الظهر من أوّل الوقت ، وخروج وقت الظهر إذا
- (1) جواهر الكلام 7 : 93 .
- (2) الدروس الشرعية 1 : 138 .
(الصفحة 99)
بقي من آخر الوقت مقدار أربع ركعات ، ولازم ذلك أنّه إذا وقعت الظهر قبل الغروب في ذلك الوقت ، وقعت قضاء ، كما أنّ العصر لو وقعت بتمامها في الوقت الاختصاصي للظهر لوقعت قبل الوقت ، كوقوع الظهر قبل الزوال ، وليس معنى الاختصاص بطلان صلاة القضاء أيضاً في الوقت المختصّ كما عرفت .
وأمّا الوجه الخامس : فهو يشبه قول العامة ، من أن كلاًّ من الظهر والعصر قد يكون ضيقاً للآخر ، كما إذا أتى بالظهر بعد المثل ، أو بالعصر قبله ، وعلى ذلك حملوا ما ورد من أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهرين من غير خوف ولا علّة(1) . وحينئذ فيدور الأمر بين الوجه الثاني والثالث ، فإن ثبت الانصراف فالأقوى هو الثاني ، وإن لم يثبت ذلك ، بل قلنا إنّ اطلاق الأدلّة شامل لما إذا أتى بالعصر أيضاً ، فيجوز الإتيان بالظهر قضاءً بل يتعيّن بناء على المضايقة ، وهذا الوجه لا يخلو من قوّة ، لعدم ثبوت الانصراف ، وإن كان الأحوط الاتيان بالظهر بقصد ما في الذمّة من غير نيّة الأداء ولا القضاء فتدبّر .
ثمّ إنّه ظهر من جميع ما ذكرنا أنّه يجب الإتيان بالصلاتين معاً إذا بقي إلى الغروب مقدار إتيان خمس ركعات أو أزيد ، فإنّ وقت الظهر حينئذ باق ولو بمقدار ركعة ، فيشملها عموم قوله من أدرك(2) . هذا ومن عبّر في المسألة بلفظ الاختصاص وفسّره بعدم صحّة الشريكة ، ذكر في وجه صحّة صلاة الظهر في مفروض المسألة ، أنّ المراد بعدم صحّة الشريكة عدم صحّتها ، إذا وقعت بتمامها في الوقت المختص بالاُخرى ، وأمّا إذا وقعت ببعضها فيه فلا يكون ذلك منافياً للاختصاص ، وأمّا نحن فلا نحتاج إلى هذا الكلام بل نقول :
إنّه لو فرض في المقام وجود لفظ الاختصاص لوجب الأخذ بظاهره ، والحكم
- (1) المعجم الكبير للطبراني 12 : 68 ح12558 و ص92 ح12644; الموطّأ : 91 ح4 .
- (2) الذكرى 2 : 352 ; الوسائل 4 : 218 . أبواب المواقيت ب30 ح4 و 5 .