(الصفحة 112)
لمخالفة تكليف منجّز ، وحينئذ فلا مانع من جريانه في المقام ، ومقتضاه لزوم العود لتدارك التشّهد فقط ، لعدم التجاوز عن محلّه السهوي بخلاف السجود ، فإنّه محكوم بعدم الإتيان بحكم الاستصحاب ولا يجوز العود لتداركه بعد التجاوز عن محلّه السهوي كما هو المفروض ، بل مقتضى أصالة عدم الإتيان به وجوب تداركه بعد الفراغ مع سجود السهو .
وبالجملة:
فلا يرى وجه للإعادة في المسألة أصلا .
الثامنة عشر:
إذا علم أنه ترك سجدة إمّا من الركعة السابقة أو من هذه الركعة ، فإن كان قبل الدخول في التشهّد أو قبل النهوض إلى القيام أو في أثناء النهوض قبل الدخول فيه ، وجب عليه العود إليها ، لبقاء المحلّ بالنسبة إليها ، وكون الشكّ بالنسبة إلى السجدة من الركعة السابقة بعد التجاوز ، وإن كان بعد الدخول في التشّهد أو في القيام ، فالحكم كما مرّ في المسألة المتقدّمة ، فيجب العود لتدارك السجدة من هذه الركعة والإتمام وقضاء السجدة من الركعة السابقة مع سجود السهو ، ولا تجب عليه الإعادة أصلا(1) كما عرفت .
التاسعة عشر:
إذا علم أنه إما ترك جزءً من الأجزاء المستحبة ، أو جزءً واجباً ، ركناً كان أو غيره ، كان من الأجزاء التي لها قضاء كالسجدة أو التشهّد ، أو من الأجزاء التي يوجب نقصها سجود السهو ، صحّت الصلاة(2); فيما لو كان الشكّ عارضاً بعد الفراغ أو بعد التجاوز عن محلّ الجزء الواجب .
وأمّا لو كان قبل التجاوز عن محلّه فيجب العود لتداركه لعدم جريان قاعدة
- (1) العروة الوثقى 1: 695 ، المسألة العشرون .
- (2) العروة الوثقى 1: 696 ، المسألة الحادية والعشرون .
(الصفحة 113)
التجاوز بالنسبة إليه ، كما أنه لو كان قبل التجاوز عن محلّ الجزء المستحبّ يترجّح الإتيان به ، لعدم جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إليه ، كما لو علم إجمالا في حال القيام قبل أن يدخل في الركوع بأنّه إمّا ترك سجدة واحدة من الركعة السابقة أو القنوت ، فإنّه حينئذ تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجود ولا تجري بالنسبة إلى القنوت ، بل إستحباب الإتيان به بحاله بعد كون مقتضى الأصل عدم الإتيان به ، وهذا ممّا لا خفاء فيه .
كما أنه لا إشكال فيما إذا تجاوز عن محلّ كلا الجزئين ـ الواجب والمستحب ـ ولكن لم يكن للمستحب على تقدير عدم الإتيان به في محلّه أثر أصلا ، فإنّه حينئذ لا أثر للعلم الإجمالي لعدم ترتّب أثر على ترك المستحبّ في محلّه ، فيكون الشكّ بالنسبة إلى الجزء الواجب بحكم الشكّ البدوي ، فتجري فيه قاعدة التجاوز .
ونظير ذلك يتصوّر بالنسبة إلى بعض الاُمور الواجبة كالجهر والإخفات في موضعهما ، حيث إنّه لا يترتّب على تركهما في محلّهما نسياناً أثر أصلا ، فإذا علم إجمالا بأنه إمّا ترك الجهر أو الاخفات في موضعهما ، أو بعض الأفعال الواجبة المذكورة صحّت صلاته ، ولا شيء عليه لعدم ترتّب أثر على ترك الجهر والاخفات ، فيكون الشكّ بالنسبة إلى الطرف الآخر بحكم الشكّ البدوي .
إنّما الإشكال فيما إذا تجاوز عن محلّ كلا الجزئين ، ولكن كان للجزء المستحبّ على تقدير تركه في محلّه أثر فعليّ ، كما إذا تذكّر بعد الركوع أنه ترك القنوت في محلّه ، فإنّه قد ورد النصّ فيه بأنه يؤتى به بعده(1) ، وحينئذ فإذا علم إجمالا بأنه إمّا ترك القراءة مثلا أو القنوت بعدما دخل في الركوع ، فهل يكون هذا نظير ما لو علم إجمالا بترك واحد من الجزئين الواجبين ، فلا تجري قاعدة التجاوز هنا بالنسبة إلى الجزء الواجب كما لا تجري هناك ، أو أنه حيث يكون الطرف الآخر هو الجزء
- (1) الوسائل 6 : 287 ـ 288 . أبواب القنوت ب18 ح1 ـ 3 .
(الصفحة 114)
المستحبّ ـ وهو ممّا يجوز تركه إختياراً ، ولا يترتّب عليه أثر من البطلان والعقوبة ـ يكون الشكّ بالنسبة إلى الجزء الواجب بحكم الشكّ البدوي الذي تجري فيه قاعدة التجاوز ، فتصح الصلاة في المثال ، ولا تجب سجدتا السهو لأجل ترك القراءة الذي هو أحد طرفي العلم الإجمالي بالترك؟ . وجهان:
والحقّ أن يقال: إنّه كان المناط في عدم جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي هو لزوم التناقض في أدلّة الاُصول صدراً وذيلا لو قيل بالجريان ، فاللازم في المقام اختيار الوجه الأول ، نظراً إلى أنه لا يجتمع العلم الإجمالي بترك واحد من الجزئين ، مع إجراء قاعدة التجاوز بالنسبة إليهما الحاكمة بلزوم المضيّ وعدم الاعتناء باحتمال تحقق الترك في محلّه .
وأمّا لو قلنا بما هو الحق من أنّ المناط في عدم جريانه هو استلزام الجريان لمخالفة تكليف منجّز ، وحيث أنـّها قبيحة عقلا فلا يجوز أن يتعلّق الجعل بما يستلزمها ، لأنّ مرجعه إلى تجويزها وهو قبيح على الحكيم ، فلا مانع من جريان القاعدة في المثال بالنسبة إلى كلا الجزئين ، لعدم استلزامها مخالفة عمليّة لتكليف منجّز ، حيث إنّ ترك المستحبّ لا يكون معصية ، وترك الجزء الواجب مشكوك بالشكّ البدوي ، فتجري فيه قاعدة التجاوز .
فالعلم الإجمالي لا يكون له أثر التنجيز في المقام ، كما في سائر الموارد التي يشكّ في تحقق بعض الأجزاء أو الشرائط أو طروّ بعض الموانع ، فإنّ الجميع موارد لجريان القواعد الظاهرية المجعولة للشاك تسهيلا لأمر المكلّفين .
ضرورة أنه لو كان ما اعتبر في المأمور به وجوداً أو عدماً مطلوباً مطلقاً حتّى عند طروّ الشكّ ، لكان ذلك مستتبعاً للحرج الشديد والعسر الأكيد ، ولذا تصدّى الشارع لرفع حكمه عند الشكّ ، ومرجع الرفع إلى إجزاء المأتيّ به المستلزم لترتّب المصلحة على عمل الشاكّ العامل بالوظائف الظاهرية ، كترتبها على عمل العامل
(الصفحة 115)
على طبق الواقع .
وبالجملة:
لا مجال للاشكال في جريان القاعدة في المقام ، ولذا لم يحتمل البطلان في العروة أصلا .
العشرون:
إذا علم أنه إمّا ترك سجدة أو زاد ركوعاً ، قال في العروة: الأحوط قضاء السجدة وسجدتا السهو ، ثمّ إعادة الصلاة . ولكن لا يبعد جواز الاكتفاء بالقضاء وسجدتا السهو ، عملا بأصالة عدم الإتيان بالسجدة ، وعدم زيادة الركوع(1) ، إنتهى .
والتحقيق أنّ للمسألة صوراً ، لأنه إمّا أن يتذكّر ذلك بعدما تجاوز محلّ السجود مطلقاً ـ السهوي والشكّي ـ وإمّا أن يتذكّر بعد تجاوز خصوص محلّه الشكّي دون محلّه السهوي ، كما إذا لم يدخل في ركوع الركعة اللاحقة بعد ، وإمّا أن يتذكّر قبل تجاوز المحلّ الشكّي أيضاً .
وفي الصورة الاُولى ـ التي كان تذكّره بعد تجاوز المحلّين ـ تارة يكون تذكّره بعد الركوع في حال الاشتغال بالصلاة ، واُخرى يكون ذلك بعد الفراغ منها ، فهنا صور أربع ، ولكن حكم الأخيرتين واحد ، وليس في المسألة نصّ يرجع إليه ، ولم تكن معنونة بين الفقهاء حتّى ينقل فيها أقوالهم ، بل إنّما هي مسألة مفروضة لابدّ من الرجوع في حكمها إلى القواعد الكليّة واستنباطه منها ، فنقول:
أمّا الصورة التي كان التذكّر بعد تجاوز المحلّ مطلقاً ففيها وجوه:
أحدها:
ما أحتمله سيّد الأساطين في العروة سابقاً ، فإنّه يحتمل أن يكون قد زاد ركوعاً ، فذمّته مشغولة بالصلاة بعد ، ويحتمل أن يكون قد نقص سجدة
- (1) العروة الوثقى 1: 707 ، المسألة الخمسون .
(الصفحة 116)
واحدة ، فلا يجب عليه إلاّ قضاؤها مع سجدتي السهو ، فهو يعلم إجمالا بأنه إمّا أبطل صلاته بزيادة الركوع ، فيكون عليه الإعادة ، أو ترك سجدة فعليه قضاؤها مع السجدتين ، فيحتاط بالقضاء وسجدتي السهو وإعادة نفس الصلاة .
ثانيها:
وجوب إعادة الصلاة فقط ، لأنّ قضاء السجدة المنسية مع سجدتي السهو فرع صحة الصلاة ، والمفروض أنه بعد في شكّ منها فلا مجال له ، ولم يذكر هذا الاحتمال في العروة مع أنه ذكره في نظائر المسألة .
ثالثها:
ما نفى عنه البعد في العروة من جواز الإكتفاء بقضاء السجدة والإتيان بسجود السهو ، مستدلا بأنّ الأصل عدم زيادة الركوع ، فلم تبطل صلاته ، وعدم الإتيان بالسجود ، فلا بدّ من قضائه .
ويدفع هذا الوجه أنّ استصحاب عدم زيادة الركوع وإن كان مقبولا لا مانع منه ، إلاّ أنه لا مجال لاستصحاب عدم الإتيان بالسجود بعد تجاوز المحلّ كما هو المفروض ، لحكومة قاعدة التجاوز الجارية فيه عليه ، وليس الأمر كذلك بالاضافة إلى أصالة عدم زيادة الركوع ، لأنّ مجرى تلك القاعدة هو ما إذا احتمل الإخلال بالجزء في محلّه ، والزائد المحتمل هنا ليس بجزء .
والقول بوقوع المعارضة بين الاستصحاب الجاري في الركوع النافي لزيادته ، وبين قاعدة التجاوز الجارية في السجود الحاكمة بالإتيان به في محلّه ، وأثر التعارض التساقط ، فيرجع في السجود إلى استصحاب عدمه لخلّوه عن الحاكم بعد التساقط ، يلزمه عدم وجود محرز يحرز به عدم زيادة الركوع ، لأنّ المفروض سقوط الاستصحاب في جانبه بسبب التعارض مع القاعدة الجارية في السجود فتدبر .
ثمّ لا يخفى أنّ جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي قد وقع مورداً للخلاف من الجهتين: