(الصفحة 73)
يقول : «بسم الله وبالله والسلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» ، ورواه الشيخ في التهذيب مع اختلاف يسير ، وهو إعادة الجار مع قوله : آل محمد وعطف جملة «السلام عليك» بالواو(1) .
هذا ، والظاهر أنّ المراد بقول الراوي : وسمعته مرّة اُخرى يقول : ليس هو أنه سمعه في مقام الإتيان بسجدتي السهو يقول كذلك ، كيف وهو مضافاً إلى مخالفته لأصول المذهب مردود لصحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على أنه لا يسجدهما فقيه(2) ، بل المراد أنه سمعته يقول على وجه الفتوى والتعليم .
وكيف كان ، فيستفاد من الرواية التخيير في الذكر بين الكيفيتين ، بل الظاهر التخيير في مقام الصلاة على النبيّ وآله بين الإتيان بالجملة الخبرية أو الإنشائية ، وإن كان الصادر من الامام(عليه السلام) واحداً منهما ، وذلك لأجل عدم تفاوت في المضمون . ومنه يظهر ثبوت التخيير بين الإتيان بالجار وعدمه ، وبين العطف في قوله : السلام عليك وعدمه ، كما هو ظاهر .
هل يتعدّد السجود بتعدّد الموجب أم يتداخل الأسباب؟
هل يتعدّد السجود عند تعدّد الموجب مطلقاً ، أم يتداخل مطلقاً ، أو يفصل بين ماإذا كان الموجب من سنخ واحد ، كما إذا تحقّق الكلام السهوي متعدّداً فيتداخل ، وبين ما إذا لم يكن كذلك فيتعدّد؟ وجوه وأقوال ، ذهب إلى الأول جمع كثير كالعلاّمة والشهيد والمحقّق الكركي وغيرهم بل هو المشهور(3) ، وإلى الثاني
- (1) الفقيه 1: 226 ح997; الكافي 3: 356 ح5; التهذيب 2: 196 ح773 ; الوسائل 8 : 234 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب20 ح 1 .
- (2) الوسائل 8: 202 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3 ح13 .
- (3) التحرير 1: 50; نهاية الأحكام 1: 549; تذكرة الفقهاء 3: 365; الذكرى 4 : 90; جامع المقاصد 2: 493; الموجز الحاوي (رسائل العشر): 108; مجمع الفائدة والبرهان 3: 198; ونسب في مفتاح الكرامة 3: 376 ، إلى كشف الالتباس; والجعفريّة والغريّة وشرح الألفيّة وارشاد الجعفريّة; مستند الشيعة 7 : 247 .
(الصفحة 74)
الشيخ في المبسوط والمحقّق السبزواري في الذخيرة والكفاية وبعض آخر(1) ، وإلى الثالث ابن إدريس في السرائر ، وحكي عنه أنه نفى الخلاف عن عدم التداخل عند الاختلاف(2) ، وحيث أنه لا خصوصيّة للمقام بل هو من صغريات مسألة التداخل المعنونة في الأصول ، فلا بأس بالاشارة إلى تلك المسألة والتعرّض لها بنحو الاجمال ، فنقول وعلى الله الإتكال :
إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء كقوله : «إذا بلت فتوضّأ» و«إذا نمت فتوضأ» ، فهل اللازم الإتيان بالجزاء متعدّداً حسب تعدّد الشرط أم يتداخل فلا يجب إلاّ إتيانه ، فتعدّد دفعة واحدة ، أم يفصل بين ما إذا اتّحد جنس الشرط فيتداخل وما إذا تعدّد فيتعدّد؟ وجوه وأقوال ، نسب الأول إلى المشهور . والثاني إلى المحقّق السبزواري وجماعة . والثالث إلى الحلّي في السرائر(3) .
ونحن نقول : لا إشكال ولاخلاف في أنّ طبيعة واحدة وماهيّة فاردة لا يعقل أن يتعلّق بها أزيد من أمر واحد بالنسبة إلى آمر واحد ومأمور كذلك ، ضرورة أنّ التخصّص بخصوصيتين أو أزيد ، لابدّ وأن يكون ناشئاً من اختلاف الخصوصيات وتعدد المميزات ، وإلاّ فصرف الشيء لا يتثنّى ولا يتكرّر .
إنّما الإشكال فيما إذا تعدّدت الأسباب ، وأنّ كلّ سبب هل يوثِّر في حصول الأمر مستقلاًّ أو لا ، بل التأثير مستند إلى السابق منها وعند الاجتماع إلى مجموعها ، نظير توارد العلل التامّة على معلول واحد في الاُمور الخارجية؟ ، ونقول : حيث إنّ
- (1) المبسوط 1: 123; المعتبر 2: 402; الذخيرة: 382; كفاية الأحكام : 27; بحار الأنوار 85: 227; الحدائق 9: 341; مفتاح الكرامة 3: 376 .
- (2) السرائر 1: 258 .
- (3) نهاية الاصول : 305 .
(الصفحة 75)
متعلّق الأمرين أو الأوامر في الجزاء طبيعة واحدة وهي التوضّأ في المثال ، وظاهر القضية عدم كونها مقيّدة بشيء آخر ، وأنّ الطبيعة باطلاقها متعلّقة للأمر .
وقد عرفت أنّ الطبيعة الواحدة التي لم يلحظ فيها جهة الكثرة أصلا يستحيل أن يتعلّق بها أزيد من طلب واحد ، لانّ التكثّر لابدّ وأن يكون مسبّباً إما عن الآمر وإمّا عن المأمور ، وإمّا عن المأمور به ، المفروض إتّحاد الاُمور الثلاثة في المقام ، فلا بدّ أن يقال بتداخل الأسباب وعدم تأثيرها إلاّ في مسبّب واحد ، وإلاّ يلزم تعلّق أمرين أو أزيد بأمر واحد وشيء فارد .
وهذا لا فرق فيه بين أن تكون الأسباب والعلل الشرعية مؤثرات تامة أو غير تامة ، أو معرفات لا يكون لها تأثير أصلا ، فانّ امتناع التكثّر إنّما هو من جهة استحالة اتّصاف طبيعة واحدة بكونها مأموراً بها بأمرين أو أزيد ، فاللازم على القائل بعدم التداخل من الالتزام بأحد الأمرين على سبيل منع الخلوّ ، إمّا القول بكون متعلّق الوجوب في كليهما هي الطبيعة المقيدة ، وإمّا القول بالاطلاق في أحدهما والتقييد في الآخر .
وهذا الالتزام وإن كان يمكن أن يستند إلى ظهور الشرطية في السببية التامة وترجيحه على ظهور الجزاء في اطلاق متعلّقه ـ حيث إنّه مقدّمات الحكمة ولا مجال لها مع ظهور الشرطية في السببية التامّة ـ إلاّ أنه يقع مورداً للإشكال ، من جهة أن القيد الذي يقيّد به أحد المتعلّقين أو كلاهما ماهو؟ وأنّ المتعلّق هل يكون قابلا للتقييد أم لا؟ .
ضرورة أنّ القيد المتصوّر هنا هو عنوان الغيرية ، بأن يكون متعلّق الوجوب في قوله : «إذا بلت فتوضّأ» هو الوضوء الموصوف بكونه مغايراً للوضوء الذي تعلّق به الوجوب في قوله : «إذا نمت فتوضّأ» وكذا العكس ، ومن الواضح عدم استقامة هذا ، لانّ تحقّق عنوان الغيرية متقوّم بأن يكون الأمر الذي هذا مغايراً له
(الصفحة 76)
متميزاً ومتعيناً ، والمفروض أنّ تميّزه أيضاً إنّما هو بكونه مغايراً لهذا الأمر ، فكون هذا الأمر مغايراً له يتوقّف على تعيّنه ، فاذا توقّف تعيّنه على كونه مغايراً لهذا الأمر يلزم الدور كما هو واضح .
ودعوى أنّ القيد لا ينحصر في عنوان الغيرية ، بل يمكن تقييد المتعلّق في كليهما بخصوصية سبب الأمر الذي تعلّق به ، بأن يكون الواجب في قوله : «إذا بلت فتوضّأ» هو الوضوء الجائي من قبل البول ، وفي قوله : «إذا نمت فتوضّأ» هو الوضوء الجائي من قبل النوم .
مدفوعة بأنّ لازم ذلك وجوب تقييد المنويّ ذلك أيضاً ، بأن يكون اللازم عند التوضي عقيب البول قصد الوضوء المتّصف بذلك ، مع أنه لا يلتزم به أحد .
وبالجملة:
العمدة في هذا الباب تصوير القيد الذي يوجب تعدّد المتعلّقين لأحدهما أو كليهما ، ومع عدمه لا مجال لدعوى عدم التداخل بعد كون المتعلّق في كليهما هو نفس الحيثية المطلقة وصرف وجود الطبيعة .
وليس المراد بصرف الوجود ما لا ينطبق إلاّ على أوّل الأفراد حتّى يمنع كون متعلّق الأوامر ذلك ، نظراً إلى أنّ ما يدلّ العقل على دخله في متعلّق الطلب زائداً على مدلول اللفظ ، انّما هو مطلق الوجود لا عنوان الصرفية والناقضية للعدم ، بل المراد به هوالوجود الصرف الذي لا يكون مقيداً بقيد ، وليس مبنى القول بالتداخل هو القول بصرف الوجود بذلك المعنى ، بل على تقدير تعلّق الأوامر بمطلق وجود الطبيعة أيضاً ، يستحيل تعلّق أمرين أو أزيد بطبيعة واحدة وحقيقة فاردة .
ضرورة أنّ مطلق وجود الطبيعة وإن كان يصدق على المصاديق الطولية كصدقه على المصاديق العرضية ، لا بمعنى كون المتعدّد منها فرداً واحداً ، بل بمعنى كون كلّ واحد فرداًمستقلاّ، إلاّ أنه يكفي في تحقّق الامتثال وحصول الغرض الإتيان بفرد واحد ووجود فارد ، فاطلاق متعلّق الجزاء لا يقتضي لزوم الإتيان بأزيد منه .
(الصفحة 77)
فعلى تقدير القول بتعلّق الأوامر بمطلق وجود الطبيعة أيضاً ، لابدّ من الالتزام بالتداخل ، لما عرفت من أنّ وجود الطبيعة وإن كان متكثّراً صادقاً على كلّ واحد من الأفراد ، من دون فرق بين الأفراد التدريجية والدفعية ، إلاّ أن الفرد الأول كاف في تحقّق الطبيعة وحصول الامتثال ، فاطلاق متعلّق الجزاء في كلتا الشرطيّتين يقتضي الاجتزاء بأوّل وجود الطبيعة لتحقّقها به ، فلا وجه لعدم التداخل .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ مقتضى الأصل التداخل ، ولكنّ الظاهر أنّ العرف ربّما يساعد القول بالعدم ، ويفهم من القضايا الشرطية التي تعدد الشرط فيها واتحد الجزاء تكرار متعلّق الجزاء حسب تعدد الأسباب وتكرّرها ، مضافاً إلى أنّ المستفاد من بعض الروايات الواردة في المقام ـ أعني سجود السهو ـ من طرق العامّة(1) وطريق الخاصّة وجوب تكراره حسب تعدد الموجب ، فإنّ قوله(عليه السلام) في المرسلة المتقدّمة : «تسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان»(2)ظاهر في ايجاب كلّ زيادة وكذا نقيصة للسجدتين مستقلاًّ ، فلا ينبغي ترك الإحتياط وتكراره حسب تكرار الموجب ، نعم لايجب التكرار حسب تعدد أجزاء كلّ زيادة ، بل اللازم ملاحظة الزيادة الواقعة وأنه هل تعدّ شيئاً واحداً أم أشياء متعدّدة ، فالتكلّم سهواً بمقدار جملة أو أزيد متّصلا ، لا يوجب إلاّ الإتيان بالسجدتين مرّة واحدة .
ثمّ إنّه على تقدير تعدد الموجب لا يجب تعيينه قصداً عند الإتيان بهما ، بل يكفي الإتيان به على حسب تعدد الموجب وإن لم يعيّن قصداً ، وذلك لعدم الدليل على
- (1) سنن أبي داود 1 : 272 ح1038; سنن ابن ماجة 1: 385 .
- (2) التهذيب 2: 155 ح608; الاستبصار 1: 361 ح1367; الوسائل 8: 251; أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب32 ح3 .