(الصفحة 326)
على الثاني فلما عرفت من أنّ المتابعة إنّما هي معتبرة في الأجزاء دون مقدّماتها ، وأنّ الاخلال بها فيها لا يقدح بصحّة الصلاة ولا بالقدوة أصلا .
الفرع الثاني: سبق المأموم إلى الركوع
ما لو سبق الإمام إلى الركوع ، وليعلم أنّه لم يتعرّض لهذا الفرع أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم أجمعين إلى زمان المحقّق ، نعم أورد الشيخ(رحمه الله) في زيادات التهذيب الرواية الدالّة عليه ، وهي رواية ابن فضال المتقدّمة(1) ، ولكنّه اقتصر على مجرّد نقل الرواية من غير إشعار بالعمل بها ، ولم يتعرّض له في كتبه الفقهية . وأمّا المحقّق فقد عنون في الشرائع مسألة رفع الرأس من الركوع أو السجود قبل الإمام وقال بعد ذلك: وكذا إذا سبق الإمام فيه(2) .
ويستفاد من ذلك أنّه استنبط حكم السبق من الرفع ، وأنه لا يكون له دليل مستقل ، ولعلّه كان لأجل عدم صلاحية الرواية الواردة فيه للاعتماد عليها ، وكيف كان، فهذه المسألة أيضاً له صورتان:
1 ـ
السبق إليه عمداً .
2 ـ
السبق إليه سهواً .
أمّا في صورة العمد فربّما يقال ببطلان الصلاة فيها نظراً إلى أنّ الفعل قد وقع منهيّاً عنه ، فلا يمكن أن يقع جزءً من العبادة(3) ، ولا يمكن تداركه لاستلزامه الزيادة المبطلة ، وقد اُجيب عنه بأنّ اتّصاف الفعل بوقوعه منهيّاً عنه مبنيّ على اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ الخاصّ ، وقد حقّق في محلّه خلافه .
- (1) التهذيب 3: 277 ح811 .
- (2) شرائع الإسلام 1: 113 .
- (3) مستند الشيعة 8 : 98 .
(الصفحة 327)
ودعوى أنّ البطلان لا يتوقّف على كون الفعل منهيّاً عنه بل يكفي فيه عدم كونه مأموراً به ، فهو ثابت بلا إشكال ، لأنّ الأمر بالشيء وإن كان لا يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ ، إلاّ أنّه يوجب خلوّه عن الأمر وهو يكفي في البطلان وعدم إمكان الوقوع جزءً من العبادة .
مدفوعة بأنّه لا يحتاج في الصحّة إلى الأمر الفعلي ، بل تكفي المحبوبية الذاتية والرجحان في نفسه، مع قطع النظر عن المانع الخارجي .
هذا ، ولكنّ التحقيق أنّ الأمر بالشيء وإن كان لا يقتضي النهي عن الضدّ ، إلاّ أنّه فيما إذا لم يكن الضدّان ممّا لا ثالث لهما ، وإلاّ فالضدّ بعينه منهيّ عنه ، لكونه مخالفة للأمر بالضدّ الآخر ، فإنّ عصيان الأمر بالسكون يتحقّق بمجرّد الحركة ، وعصيان الأمر بالحركة لا يتحقّق إلاّ بالسكون .
وكذا في المقام ، فإنّ عصيان وجوب المتابعة لا يتحقّق في نفس الأمر إلاّ بالسبق إلى الركوع ولا واقعية له غير ذلك ، فلا محيص عن الالتزام بكونه منهيّاً عنه .
سلّمنا عدم تعلّق النهي به لأجل عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ مطلقاً ، لكن نقول: إنّ الوجود الذي يكون عصياناً للمولى ولا يقع إلاّ مبغوضاً صرفاً ، كيف يمكن أن يقع جزءً من العبادة ويصلح لأن يتقرّب به وبسائر الأجزاء؟! هذا كلّه في العمد .
وأمّا في صورة السهو فالحكم يدور مدار العمل بالرواية الواردة فيه ، فإن قلنا بأنّ عدم عمل الأصحاب بها إلى زمان المحقّق ، والدليل عليه عدم تعرّضهم لهذا الفرع يوجب الإعراض ، وهو قادح في الأخذ بها، فلابدّ من الحكم فيه على
(الصفحة 328)
القاعدة(1) ، وإن لم نقل بذلك فلا مانع من الفتوى على طبق الرواية والحكم بجواز المتابعة كما لا يخفى .
لو سبق المأموم الإمام ولم يستكشف من الدليل أن وجوب المتابعة يكون نفسيّاً أو غيريّاً فما الحكم؟
ثمّ إنّه لو لم يستكشف من الدليل أنّ وجوب المتابعة هل يكون وجوباً نفسيّاً لا يترتّب على مخالفته سوى الإثم واستحقاق العقوبة ، أو وجوباً شرطيّاً يكون متعلقه دخيلا في القدوة بحيث لا يمكن تحقّقها بدونه؟ ففيما إذا أخلّ بالمتابعة وسبق إلى الركوع أو السجود عمداً لابدّ من البحث فيه تارة في أنّ مراعاة الإحتياط المساوق للعلم بحصول الواقع بماذا يحصل ، واُخرى في أنّ مقتضى العلم الإجمالي أعني الحجّة الاجمالية على التكليف المردّد بين النفسي والغيري ماذا؟.
أمّا الأول:
فطريق الاحيتاط لمن لم يراع التكليف المتعلّق بالمتابعة بل أخلّ به عمداً بالسبق إلى الركوع مثلا أن يراعي المتابعة فيما بعد ولم يخلّ بها ثانياً; ويصلّي صلاة كانت صحيحة على التقديرين «جماعة وفرادى» بأن كان الاخلال بالمتابعة في الركعة الثانية أو بعدها .
لأنّه لو كان في الركعة الاُولى لا يمكن له ذلك من جهة القراءة في الركعة الثانية ، لأنّه يدور أمره بين لزوم ترك القراءة لو كانت صلاته جماعة ، ولزوم الإتيان بها لو كانت صلاته فرادى ، فلا يمكن له مراعاة ذلك بحيث تصحّ صلاته على كلا التقديرين ، ولم يحصل له فيما بعد ما هو من وظيفة الجماعة خاصّة ، بحيث لو كانت
- (1) ومحصّلها ما أفاده سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (أدام الله ظلّه على رؤوس الأنام) في حاشية العروة الوثقى (ص61) من الإشكال في وجوب المتابعة ولزوم مراعاة الإحتياط مع المتابعة بالإعادة بعد الاتمام . «المقرّر».
(الصفحة 329)
صلاته فرادى لبطلت ، كما في موارد الرجوع إلى حفظ الإمام مع كون حكم الشكّ مع قطع النظر عن الرجوع إليه البطلان ، فعند اجتماع القيود الثلاثة ـ وهي عدم الاخلال بالمتابعة فيما بعد من الأفعال والركعات ، وعدم الابتلاء بالقراءة فيما بعد حتّى يدور أمره بين المحذورين ، وعدم الابتلاء بالرجوع إلى حفظ الإمام فيما لو كان الحكم مع قطع النظر عن الرجوع البطلان ولزوم الاستئناف ـ يتمّ صلاته القابلة للوقوع جماعة وفرادى ، وبعد ذلك يستأنفها أيضاً .
وذلك إنّما هو لأجل احتمال البطلان بمجرّد السبق إلى الركوع المحتمل لأن يكون محرماً ، لاحتمال كون التكليف المتعلّق بالمتابعة نفسيّاً ، فيصير الركوع محرّماً ، والمحرّم لا يصلح لأن يكون مقرّباً .
نعم، وجوب الاستئناف إنّما هو بناءً على عدم جواز قصد العدول من الائتمام إلى الانفراد ، لأنّه بناءً على الجواز يقصد الإنفراد بعد الاخلال بالمتابعة ويتمّ صلاته فرادى ، وبذلك يحصل له العلم بفراغ الذمّة عن التكليف المتعلّق بالصلاة ، وذلك لأنّ المفروض أنّ المتابعة على تقدير كونها واجبة شرطاً لا تكون شرطاً لصحّة أصل الصلاة حتّى يكون الاخلال بها موجباً لاحتمال البطلان من رأس ، بل طرف العلم الإجمالي هي الشرطية للقدوة فقط .
وبالجملة:
فبناءً على جواز العدول لا مجال لوجوب الاستئناف .
وأمّا الثاني:
فالظاهر أنّ هذا العلم الإجمالي أعني الحجة الاجمالية لا يؤثر في تنجّز التكليف على تقدير ثبوته ، لأنّه مع مخالفته لا يحصل العلم بالمخالفة لتكليف أصلا ، لأنّ المفروض أنّ أحد طرفيه هو التكليف النفسيّ ، والطرف الآخر هو الوجوب الشرطيّ الذي لا يترتّب على مخالفته سوى انهدام القدوة وبطلان الاقتداء ، فلا يحصل مع عدم رعاية المتابعة بالسبق إلى الركوع أو السجود العلم بمخالفة تكليف منجّز على المكلّف .
(الصفحة 330)
نعم، مع اختلال شيء من القيود الثلاثة المتقدّمة لا يحصل له العلم بفراغ الذمّة عن التكليف بالصلاة ، لأنه يحتمل معه البطلان ولكن ذلك التكليف خارج عن طرفي العلم الإجماليّ ، لأنّه تكليف معلوم بالتفصيل ، والغرض هو التكلّم في ما يقتضيه العلم الإجماليّ الموجود في البين وطرفاه هما التكليف النفسيّ المتعلّق بالمتابعة ووجوبها الشرطي وأمّا أصل التكليف بالصلاة فهو خارج عن الطرفية للعلم الإجمالي .
وبالجملة:
العلم الإجمالي هنا لا يؤثّر في تنجّز التكليف على تقدير ثبوته ، لأنّه لا يترتّب على مخالفة بعض أطرافه على تقدير ثبوته إلاّ بطلان القدوة فقط لا أصل الصلاة .
نعم قد عرفت أنه مع اختلال شيء من القيود المتقدّمة لا يحصل له العلم بالفراغ ، كما أنه مع عدم اختلاله أيضاً لا يحصل ، لأنّ مقتضى احتمال كون وجوب المتابعة نفسيّاً حرمة مخالفته المتحقّقة بالركوع الذي سبق فيه ، ومع اتّصاف الركوع بالحرمة وكونه مبغوضاً لا يعقل أن يكون مقرّباً ، فمقتضاه بطلان أصل الصلاة حينئذ .
ثمّ إنّه ذكر بعض الأعاظم من المعاصرين كلاماً في مقام الشكّ ، في أنّ المتابعة هل تكون واجبة نفساً أو شرطاً؟، ولا بأس بذكره ، فنقول:
قال: لو كانت المتابعة في كلّ فعل واجبة إجمالا ، ولم نعلم كونها من قبيل الوجوب النفسي أو الشرطي ، فاللازم مراعاة كليهما ، بمعنى أنّه لو خالف وكان وجوب المتابعة نفسيّاً لصحّت العقوبة وإن صحت صلاته ، لكون الوجوب النفسي طرفاً للعلم الإجمالي ، إلاّ أن يقال: إنّ العلم الإجمالي إنّما ينجّز الواقع إن كان الأخذ بالأصول في أطرافه موجباً للمخالفة القطعية ، وليس ما نحن فيه من ذلك .
فإنّ المفروض أنّ الشكّ في الشرطية في باب الجماعة يقتضي مراعاتها لا