(الصفحة 197)المبحث الأول :
حكم صلاة الجماعة من حيث الوجوب والاستحباب
لا إشكال ولا خلاف عندنا «معاشر الإمامية» في عدم وجوب الجماعة في الصلوات الخمس اليومية ، وكذا في غيرها من الصلوات الواجبة والمندوبة ، نعم تجب في خصوص صلاة الجمعة عند اجتماع شرائط وجوبها(1) ، كما انّه قد تجب في غيرها بالنذر وشبهه وضيق الوقت عن الإتيان بها فرادى ، لأجل بطء المأموم في قراءَته وسرعة الامام فيها .
فإنّه يجب في هذه الموارد أن يصلّي جماعة ، فإن خالف ولم يصلّ كذلك ، فإن كانت مخالفته في حال السهو عن تعلّق النذر مثلا بالإتيان بها جماعة ، فالظاهر صحة صلاته ، وإن كانت مخالفته عن عمد والتفات ، فتارة: يكون متعلّق نذره شاملا للصلاة المعادة جماعة بحيث كان غرضه متعلقاً بأصل الإتيان بالصلاة في جماعة ، واُخرى: لا يكون متعلّق نذره شاملا لها ، بل كان منذوره هو الإتيان بفريضته في الجماعة .
فعلى الأول تصحّ صلاته فرادى ، لتمكّنه من الإتيان بمنذوره ، وعلى الثاني
- (1) الخلاف 1: 541 مسألة 279 وص593 مسألة 355; المعتبر2: 414; المنتهى 1: 363; تذكرة الفقهاء 4: 228 مسألة 528; مدارك الأحكام 4: 310 ـ 314; جامع المقاصد 2: 501 ـ 502; مفاتيح الشرائع1 : 158ـ 159 مستند الشيعة 8: 13; جواهر الكلام 13: 134 ـ 140 .
(الصفحة 198)
تبطل ، لأنّ صلاته انفراداً صارت موجبة لزوال القدرة بالنسبة إلى متعلّق النذر وما يوجب ذلك حرام شرعاً فصلاته كذلك محرّمة ، ومع اتّصافها بالتحريم لا يعقل وقوعها صحيحة كما هو غير خفيّ .
(الصفحة 199)المبحث الثاني : موارد مشروعيّة الجماعة
لا خفاء في مشروعية صلاة الجماعة في الصلوات الخمس اليوميّة من الصلوات المفروضة ، كما أنّه لا إشكال في مشروعيتها في صلاة الجمعة وصلاة العيدين وصلاة الآيات وصلاة الجنازة ، وفي مشروعيتها في صلاة الطواف في الحجّ أو العمرة ـ مع أنه لم ينقل عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) الإتيان بها جماعة ولو مرّة ، وهذا يكشف عن عدم ثبوته ، ضرورة أنه لو كان لنقل ـ إشكال .
وربّما استدلّ على المشروعية بما رواه زرارة والفضيل قالا: قلنا له: الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال: «الصلوات فريضة ، وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها ، ولكنّها سنّة . . .»(1) . والظاهر أنّه لا دلالة لهذه الرواية على ذلك ، لأنّ المراد بقوله: «الصلوات فريضة» إن كان هو جميع الصلوات ، فمن الواضح أنـّها لا تكون بأجمعها فريضة ، وإن كان المراد هو خصوص المفروض منها ، يلزم أن تكون القضية ضرورية بشرط المحمول ، وهو بعيد جدّاً .
فاللازم أن يقال: إنّ المراد هو الصلوات التي كانت الجماعة فيها معهودة متعارفة ، وعليه فمرجع السؤال إلى أنّ الجماعة في تلك الصلوات التي كان المتعارف بين الناس الإتيان بها جماعة هل تكون فريضة أم لا؟ ، ومحصّل الجواب أنّ أصل تلك الصلوات بما أنها صلاة مفروضة ، والجماعة ليست مفروضة في جميعها ، وهو
- (1) الكافي 3: 372 ح6; التهذيب 3: 24 ح83; الوسائل 8: 285; أبواب صلاة الجماعة ب1 ح2 .
(الصفحة 200)
إشارة إلى وجوبها في بعضها كالجمعة ، وليس في الرواية دلالة على كون الاجتماع سنّة في جميع الصلوات حتّى يستدلّ بعمومها على استحبابه في صلاة الطواف أيضاً . هذا بالنسبة إلى الصلوات المفروضة .
وأمّا الصلوات المندوبة ، فلا إشكال في عدم مشروعية الجماعة في جميعها(1)لاستمرار فعل النبيّ(صلى الله عليه وآله) مع شدّة اهتمامه بالجماعة وكثرة ما يترتّب عليها من الفضائل والمثوبات على الإتيان بها فرادى ، ضرورة أنه كان يصلّي النوافل اليومية في منزله غالباً ، وهذا يدلّ قطعاً على عدم استحبابها فيها .
نعم،لاينبغي الارتياب في مشروعيتهافي صلاة الاستسقاء(2)، وقدوردت رواية دالّة على جوازهافي صلاة الغدير(3)، لكنّهالم يعلم جواز العمل بها لاحتمال الإعراض.
وأمّا نوافل شهر رمضان فهي أيضاً كسائر النوافل غير المشروعة فيها الجماعة ، ولكن قد جوّزها فيها الثاني من الخلفاء ، وهو مع اعترافه بكونه بدعة استحسن بدعته(4)! ، واستمرّ العمل بعده على ذلك من العامّة; وكيف كان ، فلا إشكال عندنا في عدم مشروعيّتها فيها .
- (1) و (2) المعتبر 2: 415; تذكرة الفقهاء 4 : 235; المنتهى 1: 364; كنز العرفان 1: 194; مدارك الأحكام 4 : 314; جواهر الكلام 13 : 140 ـ 145; مستند الشيعة 8: 14.
- (3) مصباح المتهجد: 696 و702 ـ 703; الوسائل 10: 444 . أبواب الصوم المندوب ب14 ح11 .
- (4) صحيح البخاري 2 : 308 ح2010 .
(الصفحة 201)المبحث الثالث: الجماعة من العناوين القصديّة
قد عرفت أنّ الجماعة من العناوين القصدية التي لا تكاد تتحقق بدون القصد ، فلا يترتّب على صلاة جماعة الفضيلة المترتّبة شرعاً على صلاة الجماعة ، إلاّ مع نية المأمومين الاقتداء والائتمام ، ولا يكفي مجرّد المتابعة في الأفعال والحركات من دون نية الاقتداء ، وجعل الامام متبوعاً في مقام العبادة والخضوع والخشوع في مقابل المولى جلّ شأنه .
وأمّا الإمام فقد عرفت أنّه لا يحتاج إلى قصد الإمامة خلافاً لبعض العامّة(1) ، ولولا اتفاق أصحابنا الإمامية رضوان الله تعالى عليهم(2) الكاشف عن موافقة المعصوم(عليه السلام) ، لكان مقتضى الأصل عدم ترتّب فضيلة الجماعة وأحكامها إلاّ مع نية الإمام الإمامة أيضاً كما لا يخفى .
ثمّ إنّه استدلّ بعض الأعاظم من المعاصرين على وجوب نية الائتمام على المأموم وجوباً شرطياً بقوله(صلى الله عليه وآله) : «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به . . .»(3) ،(4) . نظراً إلى أنّ الائتمام لا يتحقّق بدون القصد .
- (1) و (2) راجع 3 : 195 .
- (3) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 447 .
- (4) صحيح البخاري 1: 190 ح688 و689; سنن ابن ماجة 1: 392 ب144; صحيح مسلم 4: 113 ح89; سنن أبي داود 1 : كتاب الصلاة: 164 ـ 165; ح603 ـ 605; سنن النسائي 2: 90 ح790; سنن الترمذي 1 : 376 ب150 .