(الصفحة 16)
منه لم يكن مخالفاً لما يجب أن يصدر منه لكونه حين العمل أذكر منه حين يشكّ.
وليس في المقام شكّ في صحة ما صدر منه ، لأنّ عمله الواقع صحيح على التقديرين ، سواء كان البناء على الأربع من باب الظنّ أو من باب كونها هو الأكثر . غاية الأمر أنّ صحته على الأول صحة فعلية وعلى الثاني صحة تأهلية يتوقّف فعليتها على الإتيان بصلاة الإحتياط ، فليس الشكّ في صحة العمل الذي صدر منه حتّى تجري في حقّه قاعدة الفراغ ، وإنّما الشكّ في الاحتياج إلى الإحتياط وعدمه ، للشكّ في التمامية وعدمها ، فلا معارض لقاعدة الاشتغال المقتضية للزوم الإتيان بصلاة الإحتياط ، لعدم حصول العلم بالفراغ إلاّ به ، واحتمال كون البناء على الأربع من باب حصول الظنّ الذي هو أمارة شرعية لا يصلح للمعارضة ، لأنّ احتمال وجود الامارة مع عدم إحرازها ممّا لا يجدي أصلا .
ثمّ إنّه لا فرق في الحكم المذكور ـ لزوم الإتيان بصلاة الإحتياط ـ بين الفرع المذكور ، وبين ما إذا شكّ بعد العلم بأنّه طرأ له حالة ترديد شكّي في تبدّلها إلى الظنّ أو بقاء الشكّ على حاله ، لو لم نقل بأنّ وجوب الإحتياط في الفرع الثاني ثابت على طريق الأولوية، نظراً إلى استصحاب بقاءالشكّ وعدم التبدّل إلى الظنّ كما هو ظاهر.
الفرع الثاني: الشك في صلاة الاحتياط
الشكّ في صلاة الإحتياط لا في عدد ركعاتها بل في افعالها ، والظاهر عدم شمول هذه العبارة أعني قوله(عليه السلام) : «لا سهو في سهو»(1) لهذا الفرع ، بعدما استظهرنا منها من أنّ المراد بالسهو في الموضع الثاني هي صلاة الإحتياط ، نظراً إلى أنّها بعينها هي الركعة أو الركعتان التي وقع السهو عنها إحتمالا .
والمراد أنه لا يترتّب عليها حكم مبدلهامن الإتيان بصلاة الإحتياط بعد البناء
- (1) الوسائل 8 : 243 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب25 .
(الصفحة 17)
على الأكثر والفراغ منها ، وأما عدم ترتّب حكم على الشكّ في أفعالها أيضاً فيما إذا كان في المحلّ ولم يتجاوز عنه بعد ، فلا يستفاد منه بحسب الظاهر ، فاللازم الإتيان بالفعل المشكوك .
وإن شئت قلت : إنّ ظاهر العبارة نفي الحكم المترتّب على الشكّ بلسان نفي الموضوع ، ولزوم الإتيان بالفعل المشكوك فيما إذا لم يتجاوز عن محلّه ليس أثراً للشكّ ، بل إنّما هو بمقتضى قاعدة الاشتغال واستصحاب عدم الإتيان به ، اللذين خرج عنهما الشكّ بعد التجاوز عن محلّ المشكوك وبقي الشكّ قبله .
الفرع الثالث: الشك في سجود السهو
الشكّ في سجود السهو المسبب عن الشكّ في عدد الركعات ، كما إذا شكّ بين الأربع والخمس الذي قد عرفت أنّ حكمه البناء على الأربع ، وإتمام الصلاة ، ثمّ الإتيان بالسجدتين للسهو ، والظاهر أيضاً خروج هذه الصورة عن تلك العبارة بملاحظة ما هو المختار في تفسيرها من أنّ المراد بالسهو في الموضع الثاني هي صلاة الإحتياط ، خصوصاً بعد عدم كون السجدتين في هذا المورد جبراناً للزيادة المحتملة ، بل هما جبران لنفس وقوع السهو والذهول ، ولذا قد عرفت أنّ تركهما عصياناً أو نسياناً لا يضرّ بصحّة الصلاة أصلا .
نعم الظاهر عدم ايجاب السهو فيهما لسجود سهو آخر ، وأمّا عدم ترتّب حكم على الشكّ في عددهما أوفي بعض أفعالهما نظراً إلى العبارة فمحلّ إشكال; وأشكل من هذا الفرع مالو كان سجود السهو مسبّباً لا عن الشكّ في أعداد الركعات ،بل عن السهو بالمعنى المصطلح الموجب لترك شيء ممّا اعتبر وجوده ، أو إيجاد شيء ممّا اعتبر عدمه فتدبّر .
(الصفحة 18)
كيفيّة صلاة الإحتياط وأحكامها
لا ينبغي الإشكال في اعتبار تكبيرة الإحرام في صلاة الإحتياط ، وإن كانت النصوص الواردة فيها خالية عن التصريح بها ، إلاّ أنه باعتبار كونها من مصاديق طبيعة الصلاة ـ كما يدلّ عليه كثير من الروايات المتقدّمة الواردة في الشكوك ـ تحتاج إلى تكبيرة الإحرام ، لوضوح أنّ الصلاة لا تفتتح عند المتشرّعة إلاّ بها ، ويدلّ عليه قوله(عليه السلام): «إفتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم»(1) .
فالمناقشة في ذلك بعد وضوح كونها صلاة وأنّ تحريم الصلاة التكبير ، ممّا لا يصغى إليها .
وأمّا الفاتحة فالظاهر تعيّنها كما هو المشهور(2) ، لظاهر الأمر بها فيها ، ولأنها
- (1) الفقيه 1 : 23 ح68; الكافي 3: 69 ح2; الوسائل 6: 11 . أبواب تكبيرة الإحرام والإفتتاح ب1 ح10 .
- (2) جامع المقاصد 2 : 491; كشف اللثام 4: 435; كفاية الأحكام: 26; بحار الأنوار 85 : 211; الحدائق 9: 307; رياض المسائل 4 : 246 .
(الصفحة 19)
صلاة منفردة بمقتضى ظواهر الأدلّة الدالّة على أنّها شرّعت لتدارك النقص المحتمل ، ومن المعلوم أنّه لا صلاة إلاّ بها ، مضافاً إلى أنّ مقتضى كونها متمّمة للفريضة على تقدير النقص ، ونافلة على تقدير التمامية ، صلاحيّتها لوقوعها متتمّة ونافلة ، وهي لا تتحقّق إلاّ بعد قراءة خصوص الفاتحة فيها .
ومنه يظهر فساد ما حكي عن الحلّي من التخيير فيها بين الفاتحة والتسبيح(1) ، لعدم زيادة حكمها عن حكم مبدلها ، وهي الركعتان الأخيرتان أو واحدة منهما ، فإذا كانت الفاتحة واجبة فيه تخييراً ففيها أيضاً كذلك .
وجه الفساد ما عرفت من ظهور الأخبار في تعيينها ، كما أنّ ظاهرها عدم الاحتياج إلى السورة بعد قراءة الفاتحة ، وإن كان يمكن أن يقال : إنّ إيجاب الفاتحة إنما هو في قبال التسبيح ، ولا دلالة له فيه على عدم وجوب السورة إلاّ أنّ الظاهر إستفادته أيضاً ، خصوصاً بملاحظة عدم وجوبها في مبدلها على تقدير إختيار الفاتحة على التسبيح .
وهل يتعيّن فيها إلاّ الإخفات كما هي في مبدلها أو يتخيّر بينه وبين الجهر؟ .
ظاهر الأخبار باعتبار عدم التعرّض لهذه الجهة وإن كان هو عدم التعيّن ، فيصير مقتضى القاعدة التخيير ، إلاّ أنّ الأحوط الإخفات . وأمّا القنوت فالظاهر أنه لا دليل على استحبابه في صلاة الإحتياط . هذا ما يتعلّق بكيفية صلاة الإحتياط .
وأمّا أحكامها ، عدا ما تقدّم من عدم كون الشكّ في عدد ركعاتها موجبا لصلاة إحتياط اُخرى ، واعتبار الشكّ في أفعالها قبل تجاوز المحلّ ، ووجوب الإتيان بها إذا شكّ بعد الفراغ في وجوبها ، من جهة كون الشكّ في أنّ الحالة الطارية عليه في الأثناء هل كانت الشكّ أو الظنّ؟ ، وغير ذلك ممّا تقدّم؟
- (1) السرائر 1 : 254 ; والمفيد أيضاً في المقنعة : 146 .
(الصفحة 20)
فمن تلك الأحكام:
إنّه لا يضرّ تخلّل المنافي بينها وبين الفريضة على اختلاف بين الفقهاء ، وليعلم أنه ليس في كتب القدماء من التعرّض لحكم تخلّل المنافي بين صلاة الإحتياط وبين الفريضة عين ولا أثر ، بل الذي يظهر من تلك الكتب إنّما هو وجوب المبادرة إلى إتيان صلاة الإحتياط(1) .
نعم قد وقع التعرّض له بين المتأخّرين عنهم من الأصحاب ، ونسب إلى الأكثر بل المشهور القول ببطلان الصلاة وسقوط الإحتياط(2) . وحكي عن الحلّي والفاضل في بعض كتبه والشهيدين وجماعة من متأخري المتأخّرين القول بعدم البطلان(3) .
وكيف كان ، فنقول : بعد بيان أنّ المنافي تارة يكون منافياً مطلقاً عمداً وسهواً ، كالحدث والاستدبار ، واُخرى يكون منافياً لخصوص صورة العمد : الظاهر هو القول بالبطلان فيما لو تخلّل مثل الحدث ، لأنّ مقتضى الأخبار الواردة في الشكوك أنّ صلاة الإحتياط تتمّة للفريضة على تقدير النقص(4) .
فكأنّ الحدث المتخلّل بينهما إنّما حصل في الأثناء فتبطل . وكونه مسبوقاً بالتسليم غير مجد ، لوقوعه في غير محلّه ، فيكون ملحقاً بالسهو ، وإلاّ لكان مانعاً عن إنضمام اللاحق بسابقه .
وبالجملة:
لا يبقى للسامع ـ لكون الحدث مبطلا إذا وقع في الأثناء ، وأنّ صلاة
- (1) المقنعة: 146; المبسوط 1: 123; الانتصار: 156; المراسم: 89 ; المهذّب 1: 155; الغنية: 112; الوسيلة: 102; السرائر 1: 254 ; شرائع الإسلام 1 : 108 .
- (2) الذكرى 4 : 82 ; جامع المقاصد 2: 492; رياض المسائل 4: 246; كشف اللثام 4: 435; مختلف الشيعة 2: 415; ونقله عن المفيد أيضاً في رسالة العزية .
- (3) السرائر 1: 256; قواعد الأحكام 1: 306; الدروس1 : 205; روض الجنان: 353; مجمع الفائدة والبرهان 3: 194; مدارك الأحكام 4: 267; الحدائق الناضرة 9: 305 .
- (4) الوسائل 8 : 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح1 ، 3 ، 4 .