(الصفحة 189)
المطلب السادس
في
صلاة الجماعة
(الصفحة 190)
(الصفحة 191)
توضيح حول صلاة الجماعة
لا ريب في أنّ صلاة الجماعة أفضل من الصلاة منفرداً ، لما رواه الفريقان عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ممّا يدلّ على أفضليتها عنها بأربع وعشرين ، أو بخمس وعشرين درجة(1) ، كما لا ريب في شرعيّتها في الصلوات في الجملة ، وأنّ تعليم أصل الصلاة وقع بفعل الصلاة جماعة ، لأنّه(صلى الله عليه وآله) بعد مهاجرته من مكّة المعظّمة وقدومه بقبا التي كانت من حوالي المدينة المنوّرة ، أقام بها الصلاة جماعة في المدّة التي كان بها(2) . كما أنّ الأمر في المدينة كان على هذا المنوال .
وبالجملة:
فالمناقشة فيها ـ بعد كون تعليم أصل الصلاة عملا واقعاً بها ـ ممّا لا ينبغي الإصغاء إليها .
ثمّ إنّ هذا العنوان ينادي بكون تحقّقه يتوقّف على وجود أزيد من شخص
- (1) الوسائل 8 : 285 . أبواب صلاة الجماعة ب1; صحيح البخاري 1 : 179 ب30; سنن الترمذي 1: 255 ب47; سنن ابن ماجة 1 : 258 ب16 .
- (2) بل قبل الهجرة أيضاً كان (صلى الله عليه وآله) يصلّي جماعة ، الوسائل 8 : 288 . أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح12 .
(الصفحة 192)
واحد ، وأنّه لا يعقل صدقه على صلاة شخص واحد ، فصلاة كلّ واحد منهم وإن كانت مصداقاً لعنوان الصلاة مستقلةً ، إلاّ أنّها جزء من عنوان صلاة الجماعة ، لكونها عبارة عن الصلوات المتعدّدة الواقعة من أشخاص متعدّدة مع ارتباط ووحدة بينها .
وإن شئت قلت: إنّ صلاة كلّ واحد من المأمومين متّصفة بكونها الصلاة في جماعة ، وأمّا عنوان صلاة الجماعة فمعنونها هي صلاة المجموع من حيث هو مجموع ، كما أنّ هذا العنوان يتقوّم بمقارنة صلاة كلّ واحد من هؤلاء الجماعة مع الباقين ، مقارنة زمانية قطعاً .
ضرورة أنّه مع اختلاف الأزمان لا يصدق هذا العنوان ، ومقارنة مكانية ، إتفاقاً من الإمامية رضوان الله عليهم(1) وخلافاً لغيرهم حيث لا يعتبرونها ، نعم حكي عن الشافعي أنّه اعتبر عدم كون الفصل بين الإمام والمأمومين ، وكذا بين بعضهم بالنسبة إلى بعض زائداً على ثلاثمائة ذراع(2) ، وسيأتي البحث في هذه الجهة إن شاء الله تعالى .
وكيف كان ، فلا خفاء في أنّ هذا العنوان إنّما هو مع وحدة عرفية ومعية عقلائية وارتباط بين صلوات هؤلاء الجماعة ، ومجرّد المقارنة من حيث الزمان والمكان لا تكفي في صدقه ، بل لابدّ له من وحدة ، وهي لا تتحقّق بدون حافظ وناظم ، ضرورة أنّه بدونه لا يكاد يوجد الائتلاف والاتّحاد كما هو الشأن في سائر الأمور الاجتماعية التي لابدّ لحفظ وحدتها من رئيس وقائد .
فتحقّق الجماعة يتوقّف على وجود إمام يأتمّون به ويتابعون له ، وإليه ينظر ما رواه العامّة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) وتلقّاه الخاصّة بالقبول حيث يستدلّون به ، ومضمونه أنّه
- (1) تذكرة الفقهاء 4 : 251 . الشرط الثالث ; مدارك الأحكام 4 : 322; ذخيرة المعاد: 394; مستند الشيعة 8 : 66 .
- (2) المجموع 4 : 303 ـ 304 و 307; تذكرة الفقهاء 4 : 252 مسألة 551 .
(الصفحة 193)
«إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به ، فإذا كبّر فكبِّروا ، وإذا ركع فاركعوا»(1) ، ومن الواضح أنّ ذكر التكبير والركوع إنّما هو من باب المثال ، والمقصود افتقار الجماعة إلى الإمام الذي يأتمّ به المأمومون في أفعالهم وأقوالهم ، فهذه الجهة أيضاً لا ينبغي الإشكال فيها .
إنّما الإشكال في أنّ الاحتياج إلى الإمام هل هو في جميع حالات الصلاة ، بحيث لو فرض خلوّ لحظة منها من الإمام لأجل عروض عارض عليه ، لا تكون الصلاة في تلك اللحظة متّصفة بوصف كونها في جماعة ، أو أنّه ليس كذلك؟ .
وعلى هذا يترتّب مسألة الاستخلاف المفروضة فيما لو عرض للإمام عارض من موت وحدث ونحوهما ، حيث يستخلف إماماً آخر أو يستخلفه المأمومون ويتمّون به صلاتهم .
فإن قلنا بالأوّل الذي مرجعه إلى تقوّم الجماعة في جميع الآنات واللحظات بوجود الإمام ، فلابدّ من الالتزام في تلك المسألة بصيرورة الصلاة فرادى ثمّ جماعة ، وإن لم نقل بذلك فصلاتهم باقية على وصف الجماعة ولم تصر فرادى حتّى تصير جماعة ثانياً .
والوجه الأول هو الذي يظهر من الشيخ في الخلاف ، حيث عنون مسألة وتعرّض فيها لثلاث مسائل: مسألة الاستخلاف ، ومسألة العدول من الجماعة إلى الانفراد ، ومسألة العدول منه إليها ، واستدلّ(رحمه الله) لجميعها بالاجماع والأخبار ، وقال بعد ذلك: وقد ذكرناها ـ أي الأخبار ـ في الكتاب الكبير(2) ، مع أنّه(قدس سره) لم يذكر نصّاً على المسألتين الأخيرتين ، بل الظاهر أنّه استفاد حكمهما من النصوص الواردة في
- (1) صحيح البخاري 1: 190 ح688 و689; سنن ابن ماجة 1: 392 ب144; سنن النسائي 2: 90 ح790; الخلاف 1: 425 مسألة 172; المعتبر 2: 421 .
- (2) الخلاف 1: 551 مسألة 293; التهذيب 3: 283 ح 842 ـ 844 .