(الصفحة 32)الإخلال بصلاة الاحتياط
ومن أحكام صلاة الإحتياط انه لو زاد فيها ركعة أو ركناً أو نقص كذلك بحيث لا يقبل التدارك فلا إشكال في بطلانها ، وأمّا بطلان الصلاة في هذه الصورة وكذا فيما لونسي الإحتياط ودخل في فريضة اُخرى ، وذكر بعد ما كان ما أتى به نسياناً منافياً للفورية ، فيبتني على ملاحظة الأدلّة .
فإن قلنا: باستفادة اعتبار الفوريّة منها ، كما ربما يدّعى أنّها ظاهرها ، فمقتضى ذلك بطلان الصلاة السابقة ، وعدم كون نقصها المحتمل قابلا للتدارك ، وإن قلنا: بعدم ظهور الأدلّة في اعتبار الفوريّة ، بل غاية ما يقال: إنّ القدر المتيقّن من مفادها كون ما يوتى به عقيب السلام من دون فصل معتدّ به جابراً(1) ، فالأدلة وإن لم يكن لها اطلاق يدلّ على جواز التراخي ، ولكن لا دلالة لها أيضاً على منع الفصل من صحة صلاة الإحتياط ووقوعها جابرة للنقص; ومع هذا الحال يجب الإحتياط بالجمع بين صلاة الإحتياط والاستئناف ، إلاّ أن يكون هنا أصل شرعيّ يوجب جواز الاكتفاء بصلاة الإحتياط .
ثمّ إنّ المحقّق الحائري(قدس سره) بعدما عقد للمقام مسألتين ، إحداهما : مسألة إبطال صلاة الإحتياط ، والاُخرى : مسألة نسيانها والدخول في فريضة اُخرى مرتّبة أو غير مرتبة ، قد قرّر الأصل المحتمل في المسألة الاُولى من وجوه تأتي ، وأشار في المسألة الثانية إليها .
ويرد عليه اتّحاد ملاك المسألتين والدليل فيهما ، لأنّ الاخلال في كلتيهما إنّما وقع بالفورية التي يحتمل اعتبارها ، غاية الأمر أنّ الإخلال بها في المسألة الاُولى من حيث الابطال ، وفي المسألة الثانية من حيث الدخول في فريضة اُخرى .
وأمّا الاُصول التي قرّرها :
- (1) الوسائل 8: 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح3 ، 4 وص 217 ب10 ح4 ـ 6 .
(الصفحة 33)
فمنها:
استصحاب وجوب صلاة الإحتياط ، وقد استشكل عليه بأنّ إجراء الحكم المعلّق بالمفاهيم المقيّدة على غيرها لا يمكن بالاستصحاب ، لتعدّد الموضوع حتّى بنظر العرف ، نعم لو كان الحكم يسري إلى الوجودات الخارجية المتصفة بالقيد ، يمكن استصحابه بعد زوال قيده ، ألا ترى أنّ حكم الماء المتغيّر بنحو الكلّي لا يمكن إجراؤه على الماء غير المتغيّر ، ولكن لو تحقّق الماء المتغيّر في الخارج وصار محكوماً بالنجاسة بواسطة انطباق ذلك المفهوم على الفرد الخارجيّ الشخصي ثمّ زال تغيّره من قبل نفسه يصحّ استصحاب نجاسته ، فإنّ معروض النجاسة كان ذلك الشخص الخارجي عرفاً ، والحكم المتعلّق بأفعال المكلّفين ممّا لا يسري إلى الخارج ، بل الموجود الخارجي منها يوجب سقوط الحكم .
ومنها:
استصحاب كون صلاة الإحتياط موجبة لتدارك الركعة المنسيّة ، فإنّها كانت كذلك قبل ذلك . وأورد عليه بأنّ إيجابه للتدارك إنّما كان بوجودها الخارجي لا بالوجود اللحاظيّ الذي كان مورداً للأمر ، والمفروض عدم تحقّقها في الخارج قبل ذلك .
ومنها :
الاستصحاب التعليقي ، وقد بيّنه من وجهين:
أحدهما :
إنّ صلاة الإحتياط قد جعل الشارع وجودها الخارجي موجباً لتدارك النقص المحتمل ، فيقال : إنّ الركعتين بعد التسليم فيما إذا شكّ المصلّي بين الثنتين والأربع ، كانتا بحيث لو وجدتا في الخارج حصل بهما تدارك النقص المحتمل في الفريضة شرعاً ، وفي الزمن اللاّحق يشكّ في ارتفاع هذا الأثر الشرعيّ المعلّق على الوجود الخارجي ، فيستصحب كاستصحاب النجاسة المعلّقة على الغليان الخارجي .
(الصفحة 34)
وأورد عليه: بأنّ تدارك النقص المحتمل ليس ممّا جعله الشارع ، بل هو من فوائدها الواقعية صار موجباً لجعل الشارع صلاة الإحتياط . وبعبارة اُخرى بناء الشاك بين الثنتين والأربع على الأكثر ، ثمّ اتيان مقدار الناقص المحتمل بعد السلام مفصولة مشتمل على مصلحة موجبة لتدارك ما فات من المصلّي ، ولأجل ذلك أمر الشارع بذلك ، لا أنّ الشارع أمر بذلك وجعل وجود الركعتين موجباً للتدارك بجعل آخر .
ثانيهما :
استصحاب كون الإحتياط على تقدير وجوده قبل ذلك متداركاً للنقص المحتمل ، فإنّه كان كذلك من قبل ، فإنّ التدارك وإن قلنا: بأنّه ليس بمجعول شرعيّ وليس له أثر شرعيّ أيضاً ، ولكن تناله يد الجعل بتقبّل ما يأتي به في حال عدم الفورية مصداقاً للمأمور به ، نظير استصحاب الطهارة حال الصلاة بعدما كان فارغاً منها ، فإنّ مصحّح الاستصحاب ليس إلاّ تقبّل الشارع ما أتى به مصداقاً للمأمور به(1) ، انتهى .
والتحقيق في هذا المقام أن يقال : إنّ الشكّ في وجوب صلاة الإحتياط ، وكذا في كونها موجبة لتدارك النقيصة المحتملة ، مسبّب عن الشكّ في اعتبار الفورية وعدمه ، أو الشكّ في مانعية الفصل وعدمها ، ومع جريان البراءة في مثل الشكّ في الشرطيّة أو المانعيّة ـ كما هو الحق وقد حقق في محله ـ لا يبقى مجال للشكّ في وجوب صلاة الإحتياط ، وكذا في كونها موجبة لتدارك الركعة الناقصة المحتملة; مضافاً إلى انّ استصحاب وجوب صلاة الإحتياط ممّا لا مانع منه على الظاهر ، وكذا استصحاب كونها موجبة للتدارك .
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 386 ـ 389 .
(الصفحة 35)
حكم صور الانقلاب
وتفصيل الصور أنّ الشكّ الصحيح قد ينقلب إلى الظنّ وقد ينقلب إلى شكّ آخر صحيح أو مبطل ، كما أنّ الظنّ قد ينقلب إلى ظنّ آخر وقد ينقلب إلى شكّ صحيح أو مبطل .
لا ريب في وجوب العمل على طبق الحالة الثانية فيما لو انقلب ظنّه إلى حالة ظنية اُخرى ، أو إلى حالة شكّ ، كما أنه لا ريب في وجوب العمل على طبق الحالة الثانية أيضاً ، فيما لو انقلب شكّه الصحيح إلى الظنّ أو إلى شكّ آخر قبل الفراغ من الصلاة ، فيعمل على طبق ظنّه أو شكّه ، صحيحاً كان أو مبطلا ، كان حكمه مع الصحّة البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الإحتياط ، كما هو حكم أكثر الشكوك الصحيحة ، أو البناء على الأقلّ والإتيان بسجدتي السهو ، كما هو حكم الشكّ بين الأربع والخمس على ما عرفت .
إنّما الكلام فيما لو حصل الانقلاب إلى شكّ آخر بعد الفراغ من الصلاة ، وله أيضاً صورتان : فإنّه تارة ينقلب إلى ما يعلم معه بالنقيصة ، وعليه فلامحالة وقع
(الصفحة 36)
التسليم في غير محلّه ، كما إذا شكّ بين الإثنتين والأربع مثلا ، ثمّ بعد الصلاة انقلب شكّه إلى الإثنتين والثلاث .
وأُخرى لايكون كذلك ، كما إذا شكّ بين الإثنتين والأربع ، ثمّ بعد الصلاة انقلب إلى الثلاث والأربع . ففي الصورة الاُولى لابدّ من أن يعمل عمل الشكّ المنقلب إليه الحاصل بعد الصلاة ، لانّ المفروض أنه تبيّن كونه في الصلاة ، وأنّ السلام وقع في غير محلّه ، ففي المثال المفروض أنه يبني على الثلاث ويتمّ بإضافة ركعة اُخرى ويحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ، ويسجد سجدتي السهو للسلام في غير محلّه .
وأمّا الصورة الثانية فقد يقال فيها بصحّة الصلاة وعدم وجوب التدارك ، لانّ المفروض أنّ الشكّ الموجب للتدارك قد زال ، والشكّ الحادث إنّما وقع بعد الفراغ فلا اعتبار به .
وقد استشكل فيه بعض الاعاظم من المعاصرين في كتاب صلاته بما ملخّصه : عدم شمول قاعدة الشكّ بعد الفراغ لهذا المورد ، لأنّ الفراغ في مورد الفرض إنّما هو من جهة تخيّل بقاء الشكّ السابق ، فبنى على الأكثر وسلّم بزعم أنه محكوم بذلك ، ودليل الشكّ بعد الفراغ منصرف إلى الفراغ بعنوان آخر الركعات واقعاً ، وليس المراد هو الفراغ الواقعي من الصلاة ، لأنّه يوجب أن يكون الشكّ بين النقيصة والتمام بعد السلام من الشبهة المصداقية ، لعدم إحراز أنه بعد الفراغ أو قبله ، بل المراد أنّ مورد الدليل أن يأتي المصلّي بالجزء الأخير ، بتخيّل أنه الجزء الأخير ، لا بناءً بواسطة تخيّل الأمر ، كما أنّ الشكّ المفروض في المقام ليس داخلا في الشكّ قبل الفراغ حتّى يترتّب عليه حكم الشكّ في حال الصلاة ، ولايكون من الشبهة المصداقية للشكّ قبل الفراغ .
أما الأول:
فواضح ،
وأمّا الثاني:
فللزوم أن يكون الشكّ بين النقص والتمام بعد