(الصفحة 116)
واحدة ، فلا يجب عليه إلاّ قضاؤها مع سجدتي السهو ، فهو يعلم إجمالا بأنه إمّا أبطل صلاته بزيادة الركوع ، فيكون عليه الإعادة ، أو ترك سجدة فعليه قضاؤها مع السجدتين ، فيحتاط بالقضاء وسجدتي السهو وإعادة نفس الصلاة .
ثانيها:
وجوب إعادة الصلاة فقط ، لأنّ قضاء السجدة المنسية مع سجدتي السهو فرع صحة الصلاة ، والمفروض أنه بعد في شكّ منها فلا مجال له ، ولم يذكر هذا الاحتمال في العروة مع أنه ذكره في نظائر المسألة .
ثالثها:
ما نفى عنه البعد في العروة من جواز الإكتفاء بقضاء السجدة والإتيان بسجود السهو ، مستدلا بأنّ الأصل عدم زيادة الركوع ، فلم تبطل صلاته ، وعدم الإتيان بالسجود ، فلا بدّ من قضائه .
ويدفع هذا الوجه أنّ استصحاب عدم زيادة الركوع وإن كان مقبولا لا مانع منه ، إلاّ أنه لا مجال لاستصحاب عدم الإتيان بالسجود بعد تجاوز المحلّ كما هو المفروض ، لحكومة قاعدة التجاوز الجارية فيه عليه ، وليس الأمر كذلك بالاضافة إلى أصالة عدم زيادة الركوع ، لأنّ مجرى تلك القاعدة هو ما إذا احتمل الإخلال بالجزء في محلّه ، والزائد المحتمل هنا ليس بجزء .
والقول بوقوع المعارضة بين الاستصحاب الجاري في الركوع النافي لزيادته ، وبين قاعدة التجاوز الجارية في السجود الحاكمة بالإتيان به في محلّه ، وأثر التعارض التساقط ، فيرجع في السجود إلى استصحاب عدمه لخلّوه عن الحاكم بعد التساقط ، يلزمه عدم وجود محرز يحرز به عدم زيادة الركوع ، لأنّ المفروض سقوط الاستصحاب في جانبه بسبب التعارض مع القاعدة الجارية في السجود فتدبر .
ثمّ لا يخفى أنّ جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي قد وقع مورداً للخلاف من الجهتين:
(الصفحة 117)
الجهة الاُولى:
فيما إذا كان مورد بعض الأصول الجارية في أطرافه متقدّماً على مورد بعض آخر ، كما إذا كان بعض أطراف العلم هو احتمال صحة الصلاة ، والبعض الآخر هو احتمال الإتيان بما يوجب سجدتي السهو ، أو احتمال الاخلال بالجزء غير الركني مع عدم تجاوز المحلّ ، ومقتضاه لزوم الرجوع والتدارك .
ففي مثل هذه الموارد التي لو لم يكن في البين علم إجمالي كان الأصل المتقدّم والمتأخّر جاريين معاً ، فهل وقوع الاحتمال طرفاً للعلم الإجمالي يمنع عن جريان الأصل في أطرافه مطلقاً؟ كما إذا كانت الاطراف متساوية من حيث الرتبة ، أو أنّ وقوعه كذلك في المقام لا يمنع إلاّ عن جريان الأصل المتأخّر رتبة من حيث المورد؟ وأمّا الأصل المتقدّم فيجري كما كان يجري فيما لو لم يكن في البين علم إجمالي ، فإذا علم أنه صدر منه إمّا ما يوجب بطلان الصلاة وإمّا ما يوجب سجدتي السهو ، فهل هذا العلم يمنع عن جريان كلا الأصلين ، أو لا يمنع إلاّ عن خصوص الأصل الجاري في موجب السجود؟ ، الظاهر المنع مطلقاً وعدم الفرق بين صورتي اختلاف الرتبة وتساويها في عدم جريان شيء من الأصلين ، لأنّ مفاد كلّ منهما ينفي مفاد الآخر ، وجريانهما معاً يستلزم مخالفة ما علمه إجمالا ، فهما من هذه الجهة مشتركتان .
الجهة الثانية:
في مانعية العلم الإجمالي عن جريان الأصل مطلقاً وعدمها ، فنقول: قال الشيخ(قدس سره) في الرسائل في مبحث القطع والاشتغال ما ملخّصه: إنّه إذا علم بالتكليف علماً إجمالياً فلا تجوز مخالفته القطعية ، بأن يأخذ بالأصل في جميع الأطراف ويعمل به ، وأمّا المخالفة الاحتمالية فيجوز الإذن فيها(1) .
أقول:
التكليف إذا كان متعلقاً للعلم الجزمي واليقين الذي لا يشوبه شكّ وريب ، فلا يجوز مخالفته أصلا ، ولو كان العلم المتعلّق به إجمالياً ، لأنّ تعلّق العلم به
- (1) فرائد الاُصول كتاب القطع : 21 ـ 22 .
(الصفحة 118)
أوجب تنجّزه على كلّ حال ، ومرجع ذلك إلى استحقاق العقوبة على ارتكاب الخمر الموجود في البين ، وأنّ عدم تميّزه تفصيلا لا يمنع عن جواز المؤاخذة عليه .
وفي هذه الصورة لا يصحّ الإذن ، ولو في ارتكاب بعض الأطراف ، لعدم اجتماع الإذن كذلك مع تنجّز التكليف على كلّ حال ، وأمّا لو لم يكن التكليف معلوماً ، بل قامت حجة إجمالية على ثبوته مثل قوله تعالى:
{إنّما الخمر . . .}(1) ، فإنّ غاية أمره أن يكون له ظهور في حرمة جميع أفراد الخمر ، مشكوكاً كان أو معلوماً ، والمعلوم مجملا كان أو مفصّلا .
ففي هذه الصورة لا مانع من ترك هذا الظهور بسبب ظهور آخر حاكم عليه ، مثل قوله عليه السلام: «كلّ شيء لك حلال . . .(2)» ، الظاهر في أنه لا يريد إلاّ ترك الحرام الذي عرف بعينه وتميّز بشخصه ، ومقتضى ذلك عدم تنجّز التكليف إلاّ إذا كان معلوماً تفصيلا . ولا يخفى أنّ الأصحاب أبوا أن يتمسّكوا به في الشبهة المحصورة ، لما ورد فيها من طائفتين من الأخبار:
إحداهما:
في السمن والجبن وأنه لا ينبغي أن يجتنب من أجل إدخال الميتة في سمن وجبن واحد(3) .
ثانيتهما:
في الماء النجس المشتبه بين الإنائين ، وقد أمر بإهراقهما والتيمم(4) ، فعلموا من ذلك خروج الشبهة المحصورة عن عموم مثل: «كلّ شيء لك حلال» واختصاصه بمثل الجبن الواحد المشتبه بين كثير .
وحاصل الكلام أنه مع العلم بالتكليف لا مجال لجريان الأصل أصلا ومع
- (1) المائدة : 90 .
- (2) الوسائل 17: 89 . أبواب ما يكتسب به ب4 ح 4 .
- (3) الوسائل 24: 235 . أبواب الأطعمة المحرّمة ب64 ح1 .
- (4) الوسائل 1 : 151 . أبواب الماء المطلق ب8 ح2 .
(الصفحة 119)
الحجة الاجمالية لا مانع منه ، وقد أطلق عليها العلم مجازاً كما لايخفى .
الحادية والعشرون:
لو علم أنه إمّا ترك سجدة أو تشهّداً . قال في العروة: وجب الإتيان بقضائهما وسجدة السهو مرّة(1) .
أقول:
فيما إذا لم يجز المحلّ يأتي بالتشهّد ويحتاط بعد الفراغ بقضاء السجدة ، ولكنّ الظاهر عدم لزوم هذا الإحتياط ، لعدم تجاوز الفرض عن الاحتمال ، فلا مانع عن جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجود ، وإذا جاز خصوص محلّه الشكّي دون السهوي ، فلا مجال حينئذ لجريان القاعدة للمعارضة ، ومقتضاها التساقط ، فلابدّ من الرجوع إلى استصحاب العدم ، فيرجع ويتدارك التشهّد ويقضي السجدة بعد الفراغ .
ومثله في عدم جريان القاعدة ما إذا جاز المحلّين ودخل في ركوع الركعة اللاحقة ، فإنّ مقتضى استصحاب عدم الإتيان بشي منهما لزوم تداركهما ، غاية الأمر إنّه يتداركهما بعد الفراغ ، ويسجد سجدتي السهو بقصد ما في الذمّة .
الثانية والعشرون:
إذا علم أنه إمّا ترك سجدة من هذه ، أو من السابقة ، ففي صورة تجاوز المحلّين يتمّ صلاته ويقضي سجدة بعد الفراغ . ويأتي بسجدتي السهو ، ومع عدم تجاوز المحلّ الشكّي يرجع فيتدارك ، وله أن يحتاط بعد الفراغ بقضاء السجدة ، ومع تجاوز المحلّ الشكّي دون السهوي يكون الكلام فيه مثل ماتقدّم .
- (1) العروة الوثقى 1: 708 ، المسألة الثانية والخمسون .
(الصفحة 120)