(الصفحة 12)
كذلك حتّى يقطع بالفراغ، مدفوعة بحصول القطع مع صلاة الإحتياط ، لأنّ أمر شكّه دائربين العروض في الأثناءوالحدوث بعد الفراغ، فلوكان عارضاًفي الأثناء لا محيص عن صلاة الإحتياط ، كما أنّه لو كان حادثاً بعد الفراغ لم يحتج إليها ، لعدم اعتباره شرعاً على ماهوقضية الشكّ بعد الفراغ ، فالقطع بحصول البراءة شرعا يحصل معها.
ثمّ إنّه يمكن أن يستند لوجوب صلاة الإحتياط في مورد عدم جريان قاعدة الشكّ بعد الفراغ ، بالنصوص الواردة في الشكوك ، الدالّة على البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الإحتياط جبراً للنقص المحتمل(1) ، نظراً إلى أنّ موردها وإن كان خصوص ما إذا كان ظرف الشكّ حال الاشتغال بالصلاة .
وبعبارة أُخرى ، خصوص صورة عروض الشكّ في الأثناء ، إلاّ أنه لا يستفاد منها انحصار الحكم المذكور فيها بخصوص موردها ، بل ربما يستفاد منها بملاحظة التعليل الوارد في بعضها ـ وهوكون صلاة الإحتياط متمّمة على تقدير نقص الفريضة، ونافلة على تقدير عدمه(2) ـ أنّ الجابر للنقص المحتمل هو الإتيان بصلاة الإحتياط ، وهذا لا فرق فيه بين أن يكون الاحتمال عارضاً في الأثناء أو بعد الفراغ .
ولذلك لو لم تكن قاعدة الفراغ لقلنا بلزوم الإتيان بصلاة الإحتياط على من احتمل نقص الفريضة بعد الفراغ منها .
وبالجملة:
يستفاد من تلك النصوص لزوم الإتيان بصلاة الإحتياط في مورد عدم جريان قاعدة الفراغ .
أللهم إلاّ أن يقال : إنّ التمسك بتلك النصوص للزوم الإتيان بصلاة الإحتياط مع احتمال كون الشكّ حادثاً بعد الفراغ يصير من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص ، وذلك لأنّ الأدلّة الدالّة على اعتبار قاعدة الفراغ الجارية في
- (1) الوسائل 8 : 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح3 و 4 .
- (2) الوسائل 8 : 219 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح1 و 2 .
(الصفحة 13)
موارد حدوث الشكّ بعد الفراغ ، بمنزلة المخصص للنصوص الواردة في الشكوك الدالّة على لزوم جبران النقص المحتمل بعد البناء على الأكثر بصلاة الإحتياط ، التي قد عرفت أنّ متقضى التعليل الوارد في بعضها أنه لا فرق بين عروض احتمال النقص في الأثناء أو حدوثه بعد الفراغ .
فأدلّة قاعدة الفراغ تخصّصها بخصوص الفرض الأول ، وهو ماإذا عرض الاحتمال قبل تمامية العمل ، ويبقى الفرض الثاني محكوماً عليه بعدم الاعتناء ولزوم المضيّ كما هو القاعدة ، وحينئذ فمع الشكّ في حدوث الشكّ بعد الفراغ أو في الأثناء كما في المقام ، لامجال للتمسك بتلك النصوص التي نزلت منزلة العام ، بعدما حقّقنا في الاصول من عدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص(1); فينحصر الوجه للزوم الإتيان بصلاة الإحتياط هنا في قاعدة الاشتغال .
ودعوى أنّ مقتضى استصحاب عدم تحقّق ما يوجب صلاة الإحتياط في الأثناء إلى زمان الفراغ ، عدم تحقّق الموجب ، فلا وجه لوجوبها ، مدفوعة بعد توضيحها بأنّ المراد بالموجب ليس هو مفهومه وما يحمل عليه هذا العنوان بالحمل الأوّلي ، بل المراد به مصداقه وما يحمل عليه هذا العنوان بالحمل الشائع ، بأنّ الاستصحاب لا يدفع احتمال النقص ولا يثبت تمامية الصلاة ، ضرورة أنـه يبقى بعد الفراغ محتملا للنقص ، والمفروض عدم جريان قاعدة الفراغ للشكّ في تحقّق مجراه الذي هو الشكّ الحادث بعد الفراغ ، ولا دافع لهذا الاحتمال إلاّ الإتيان بصلاة الإحتياط على ما عرفت .
ومن جميع ما ذكرنا ظهر أنه لابدّ في المسألة من ملاحظة شقوقها ، وأنّ الشكّ هل عرض بعد الفراغ أو في الأثناء؟ وفي القسم الأول من ملاحظة الصورتين
(الصفحة 14)
المتقدمتين ، فما صنع بعض الأعاظم من المعاصرين في كتاب صلاته لا يخلو عن إجمال واضطراب حيث قال :لو شكّ في أنه هل شكّ شكّاً يوجب الإحتياط أم لا؟ فإن كانت حالته الفعلية القطع بتمامية الصلاة فلا إشكال ، وإن رأى نفسه شاكّاً فقد يقال بعدم وجوب الإحتياط عليه ، لاصالة عدم تحقّق موجبه .
ولا يعارضها أصالة عدم تحقّق الشكّ بعد الفراغ ، لأنّه لا يترتّب عليها إلاّ عدم كون الصلاة محكومة بالتمامية من حيث الشكّ بعد الفراغ ، ولا ينافي كونها محكومة بها من حيث آخر ، والمفروض تحقّق أصل الصلاة ، ولا نشكّ في صحتها إلاّ من جهة احتمال احتياجها إلى الإحتياط ، وقد فرضنا أنّ مقتضى الأصل عدم وجوبه ، وبعبارة اُخرى نقص الصلاة من جهة الاحتياج إلى الإحتياط مأمون بالأصل ، ومن جهة اُخرى غير محتمل .
وفيه:
أنّ الأصل المذكور لا يحرز تمامية الصلاة ولا قطع لنا بها واقعاً ولا ظاهراً ، أمّا الأول فظاهر ، وأما الثاني فلأنّ المحرز للبراءة إمّا الإحتياط لو كان شاكاً في الأثناء، وإمّا قاعدة الشكّ بعدالفراغ لو حدث شكّه بعد الصلاة ، والمفروض أنّ كلاًّ منهما على خلاف الأصل ، فلم يبق ما يكون حجّة للعبد على فرض نقص صلاته في الواقع ، مع اشتغال ذمّته بإتيان أربع كعات ، فمقتضى الإحتياط الإتيان بصلاة الإحتياط . للقطع بفراغ الذمّة في مرحلة الظاهر فتدبر(1) ، انتهى .
تتمة
لو علم بعد الفراغ من الصلاة بأنّه طرأ له حالة تردّد بين الثلاث والأربع مثلا ، وأنه بنى على الأربع ، لكن شكّ في أنّه حصل له الظنّ بها وكان البناء على الأربع من
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 388 .
(الصفحة 15)
جهة كونها راجحة في احتماله ، أو كان البناء عليها من باب البناء على الأكثر الذي موضوعه الشكّ وعدم رجحان أحد الطرفين ، ويستلزم الإحتياط بعد الفراغ .
فقد يقال كما قال السيّد (قدس سره) في العروة: بعدم وجوب الإحتياط عليه بعد الفراغ(1) ، ومنشأه الشكّ في وجوب الإحتياط بعده ، نظراً إلى أنّ وجوبها متوقّف على أن تكون الحالة الطارية في الأثناء هي حالة شكّ وترديد من غير رجحان لأحد الطرفين وهو غير محرز ، فالشكّ في خصوصية تلك الحالة يوجب الشكّ في وجوب الإحتياط ، وهو مجرى أصالة البراءة ، إذ لا ينحصر جريانها بما إذا شكّ في وجوب شيء مستقلّ ، كما قد حقّق في محلّه .
ولكنّ الظاهر أن القول بوجوب الإحتياط قويّ جدّاً ، لأنّه بعد الفراغ من الصلاة لا يعلم بتماميتها ، وأنّها أربع ركعات حتّى يتحقّق فراغ ذمّته ممّا اشتغلت به يقيناً ، ضرورة أنه يحتمل أن تكون حالة الترديد متخصصة بخصوصية الشكّ ، وهو يستلزم صلاة الإحتياط .
فمع هذا الإحتمال يكون شاكّاً في تمامية صلاته ونقصانها ، ولا محرز له في البين ، لعدم جريان قاعدة الفراغ هنا ، لأنّ موردها ما إذا أحرز كون الشكّ حادثاً بعد الفراغ ، وهو هنا غير معلوم بالنسبة إلى الجهة الراجعة إلى جريان قاعدة الفراغ هنا ، وهو الشكّ في عدد الركعات ، ضرورة أنه يمكن أن تكون الحالة السابقة شكّاً وقد بقي إلى ما بعد الفراغ .
نعم هذا الشكّ من حيث تعلّقه بأنّ الحالة السابقة ـ سواء كانت شكّاً أو ظنّاً ـ شكّ حادث ، لكن من هذه الحيثية لا تجري قاعدة الفراغ أصلا كما هو أوضح من أن يخفى . هذا ، مضافاً إلى أنّ جريانها من الحيثية الأولى ممنوعة أيضاً ، ولو فرض حدوث الشكّ بعد الفراغ، لأنّ قاعدة الفراغ إنّماتكون ناظرة إلى أنّ العمل الذي صدر
- (1) العروة الوثقى 1: 657 مسألة 9 .
(الصفحة 16)
منه لم يكن مخالفاً لما يجب أن يصدر منه لكونه حين العمل أذكر منه حين يشكّ.
وليس في المقام شكّ في صحة ما صدر منه ، لأنّ عمله الواقع صحيح على التقديرين ، سواء كان البناء على الأربع من باب الظنّ أو من باب كونها هو الأكثر . غاية الأمر أنّ صحته على الأول صحة فعلية وعلى الثاني صحة تأهلية يتوقّف فعليتها على الإتيان بصلاة الإحتياط ، فليس الشكّ في صحة العمل الذي صدر منه حتّى تجري في حقّه قاعدة الفراغ ، وإنّما الشكّ في الاحتياج إلى الإحتياط وعدمه ، للشكّ في التمامية وعدمها ، فلا معارض لقاعدة الاشتغال المقتضية للزوم الإتيان بصلاة الإحتياط ، لعدم حصول العلم بالفراغ إلاّ به ، واحتمال كون البناء على الأربع من باب حصول الظنّ الذي هو أمارة شرعية لا يصلح للمعارضة ، لأنّ احتمال وجود الامارة مع عدم إحرازها ممّا لا يجدي أصلا .
ثمّ إنّه لا فرق في الحكم المذكور ـ لزوم الإتيان بصلاة الإحتياط ـ بين الفرع المذكور ، وبين ما إذا شكّ بعد العلم بأنّه طرأ له حالة ترديد شكّي في تبدّلها إلى الظنّ أو بقاء الشكّ على حاله ، لو لم نقل بأنّ وجوب الإحتياط في الفرع الثاني ثابت على طريق الأولوية، نظراً إلى استصحاب بقاءالشكّ وعدم التبدّل إلى الظنّ كما هو ظاهر.
الفرع الثاني: الشك في صلاة الاحتياط
الشكّ في صلاة الإحتياط لا في عدد ركعاتها بل في افعالها ، والظاهر عدم شمول هذه العبارة أعني قوله(عليه السلام) : «لا سهو في سهو»(1) لهذا الفرع ، بعدما استظهرنا منها من أنّ المراد بالسهو في الموضع الثاني هي صلاة الإحتياط ، نظراً إلى أنّها بعينها هي الركعة أو الركعتان التي وقع السهو عنها إحتمالا .
والمراد أنه لا يترتّب عليها حكم مبدلهامن الإتيان بصلاة الإحتياط بعد البناء
- (1) الوسائل 8 : 243 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب25 .