(الصفحة 156)
كانت مرجعاً عند إعواز النصوص(1) وقد صرّح السيّد المرتضى(قدس سره) بجواز العمل بها في جواب المسائل الرسية(2) .
وأمّا ما يدلّ على عدم وجوب العدول فهو ما حكاه ابن طاووس عن الواسطي ـ الذي كان من مشايخ الكراجكي ـ في كتاب النقض على من أظهر الخلاف لأهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) ما هذا لفظه: مسألة ، من ذكر صلاة وهو في اُخرى . قال أهل البيت(عليهم السلام) يتمّم التي هو فيها ، ويقضي ما فاته ، وبه قال الشافعي .
قال السيّد: ثمّ ذكر خلاف الفقهاء المخالفين لأهل البيت ، ثمّ ذكر في أواخر مجلّده مسألة اُخرى ، فقال ما هذا لفظه: مسألة اُخرى: من ذكر صلاة وهو في اُخرى ، إن سئل سائل فقال: أخبرونا عمّن ذكر صلاة وهو في اُخرى ما الذي يجب عليه؟ قيل له: يتمّم التي هو فيها ، ويقضي ما فاته ، وبه قال الشافعي ، ثم ذكر خلاف المخالفين ، وقال: دليلنا على ذلك ما روي عن الصادق جعفر بن محمد(عليهما السلام)أنّه قال: «من كان في صلاة ثمّ ذكر صلاة اُخرى فاتته أتمّ التي هو فيها ، ثمّ يقضي ما فاته»(3) ، انتهى .
هذه هي مجموع ما ورد ممّا ظاهره المواسعة ، وقد عرفت أنّ جملة منها تدلّ على عدم لزوم المبادرة والفورية ، وجملة اُخرى على عدم ترتّب الفائتة على الحاضرة ، وبعضها على عدم وجوب العدول ، بل ظاهره عدم الجواز .
أمّا ما يدلّ على عدم وجوب المبادرة ، فجملة منها ترجع إلى ما رواه العامّة من قصّة التعريس(4) ، وهذه القصّة تدلّ دلالة واضحة على أنّ الأمر بالإتيان
- (1) الفقيه 1 : 232 ح1029 وص315 ح1428; وحكاه عن والده في مختلف الشيعة 3: 5; ومفتاح الكرامة 3: 389 .
- (2) المسائل الرسية (رسائل المرتضى) 3: 364 ـ 365 .
- (3) رسالة عدم المضايقة المطبوع في مجلة تراثنا 7: 343 ـ 344; بحار الأنوار 85 : 330 .
- (4) صحيح البخاري 1: 166 ب35 ـ 36 .
(الصفحة 157)
بالقضاء متى ما ذكر لا يكون مفاده إيجاب القضاء عند حدوث الذكر بحيث كان حدوثه وقتاً له ، أو كان وجوبه عنده من باب وجوب المبادرة والمسارعة ، بل مفاده مجرّد لزوم الإتيان به في حالة الذكر وعند وجوده .
وجملة منها كأخبار الأمالي(1) وعمّار وإسماعيل بن جابر(2) ، تدلّ على مضمون واحد ، وهو الإتيان بفائتة واحدة عند كلّ صلاة فريضة .
وأمّا ما يدلّ على عدم الترتيب ، فبعضها وارد في مورد النسيان عن العشائين وأنه لا تكون الغداة مترتّبة عليهما ، بل يجوز تأخيرهما إلى بعد شعاع الشمس .
وبعضها وارد في مورد نسيان الظهرين والمغرب وأنه لا تكون العشاء مترتّبة عليها ، بل يجب الابتداء بالوقت الذي هو فيه ، ومن المعلوم أنه بالنسبة إلى المغرب لا يكون معمولا به ، إلاّ إذا فرض كون المراد بالوقت هو الوقت الاختصاصي للعشاء الآخرة .
وبعضها وارد في مورد نسيان خصوص العصر وأنه لا تكون العشاء مترتّبة عليها ، وبعضها الآخر وارد في مورد نسيان المغرب حتّى دخل وقت العشاء ، ونسيان الفجر حتّى حضرت الظهر ، وهذا أيضاً بالنسبة إلى الفرض الأول لا يكون معمولا به ، وقد عرفت أنه مضافاً إلى هذه الروايات يكون هنا فتاوى ظاهرة في كون مضمونها مرويّاً عن الأئمة(عليهم السلام) ، كفتوى الصدوقين والجعفي وعبارة فقه الرضا(3) .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لم يظهر من ابن طاووس القائل بالمواسعة والجامع للأخبار الدالّة عليها ، أنه هل طرح الأخبار الظاهرة في المضايقة رأساً ، أو أنه
- (1) المراد به أمالي السيّد أبي طالب عليّ بن الحسين الحسني في المواسعة .
- (2) الوسائل 1: 127 . أبواب مقدّمة العبادات ب31 ح4 ، وج8 : 267 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح15 .
- (3) راجع 3 : 155 .
(الصفحة 158)
رجّح أخبار المواسعة عليها؟ مع أنّ الانصاف أنه لو وصلت النوبة إلى إعمال المرجحات لما كان محيص عن الأخذ بأخبار المضايقة بعد كونها مشهورة بين القدماء ، كما عرفت عند نقل الأقوال في صدر المسألة .
وبعد كون الشهرة في الفتوى هي أوّل المرجحات على ما اخترناه وحقّقناه . هذا ، ولكن يمكن الجمع بينهما بأن يقال ـ بعدما ما عرفت من عدم دلالة الأخبار التي استدلّ بها على الفورية على وجوبها ، لأنّ مفادها مجرّد وجوب الإتيان بالفائتة عند وجود الذكر لا عند حدوثه بنحو التوقيت ، أو مجرّد الفورية والمبادرة ـ : إنّ الأخبار التي تمسّك بها على وجوب مراعاة الترتيب وشرطيّة الإتيان بالفائتة لصحّة الحاضرة ، لا دلالة لها عليه .
لأنّه يحتمل قويّاً أن يكون المراد بالإتيان بالفائتة عند دخول الوقت الحاضرة عدم كون دخول وقتها مانعاً عن الإتيان بها ، لا عدم جواز الإتيان بالحاضرة قبلها ، ومرجع ذلك إلى جواز الإتيان بالفائتة متى شاء ولو كان ذلك عند دخول وقت الفريضة ، كما أنّ مرجع الأخبار التي استند إليها للفورية إلى جواز الإتيان بالفائتة عند حدوث الذكر ، ولو كان زمان حدوثه مصادفاً لبعض الأزمنة التي يكره التطوّع فيها .
فمرجع الطائفتين إلى جواز الإتيان بالفائتة في جميع أوقات الليل والنهار ، وربّما يشهد لهذا الجمع ما رواه ابن أبي عمير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر(عليه السلام)(1) ، وقد تقدّم حيث أنّ ظاهرها جواز الإتيان بالفائتة متى ما ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ، وإن دخل وقت صلاة الفريضة فإنّه يجوز الإتيان بها حينئذ أيضاً ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت وقتها .
- (1) الوسائل 8 : 256 . أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 3 .
(الصفحة 159)
وإن شئت قلت: إنّ الأمر بالابتداء بالفائتة عند دخول وقت الفريضة وقع في مقام توهّم الحظر ، لأنّه حيث كان الإتيان بالفريضة في أوّل وقتها معمولا بين المسلمين ومورداً لاهتمامهم ، بحيث لم يكونوا يؤخّرونها عن أوّل وقتها مع عدم العذر والضرورة .
فلذا ربما يتوهّم ترجيح الحاضرة على الفائتة ، وأنه لا مجال للإتيان بالفائتة مع حضور الحاضرة ، وأنّ الأخبار الدالّة على الإتيان بالفائتة في حال وجود الذكر لا تشمل الإتيان بها مع دخول وقت الفريضة الحاضرة التي كان بناؤهم على الإتيان بها في أوّل وقتها ، والأمر بالابتداء بالفائتة إنّما وقع لدفع هذا التوهم ، وأنّ دخول وقت الحاضرة لا يمنع من الإتيان بالفائتة أصلا ، فلا دلالة له على الوجوب حتّى يستفاد منه الشرطية والترتّب كما لا يخفى .
والظاهر أنّ الجمع بالنحو الذي ذكرنا أولى من الجمع بين الطائفتين ، بحمل الوقت على وقت الفضيلة لا الإجزاء ، لأنّ تقييد الابتداء بالعصر في صحيحة زرارة الطويلة بعدم الخوف عن وقت المغرب ، مع أنّ المفروض التذكّر أوّل دخول الوقت دليل عليه ، لعدم امكان أن تكون صلاة العصر موجبة لفوات وقت الإجزاء للمغرب ، فيكون دليلا على جواز الإتيان بالمغرب ، بل على رجحانه لو تضيّق وقت الفضيلة لها ، وإن كان في سعة من وقت الإجزاء .
وحيث إنّ اتيان المغرب في وقت الفضيلة لا يكون واجباً قطعاً ، فالأمر بإتيان المنسي في صورة عدم خوف التضيق أيضاً معناه الاستحباب بقرينة مقابله ، وهكذا حال الروايات الدالّة على تقديم الفائتة على الحاضرة إلى أن يتضيّق وقتها ، فإنّها أيضاً محمولة على تضيّق وقت الفضيلة ، وبقرينة المقابلة يستفاد عدم وجوب التقديم مع عدم خوف التضيّق كما لا يخفى .
(الصفحة 160)
ثمّ لا يذهب عليك ، أنّ الروايات الدالّة على المواسعة وإن كان كثير منها ضعيفة السند أو مشتملة على ما لا يقول به أحد من الأصحاب ، كما أشرنا إليه عند نقلها ، إلاّ أنه يستفاد من مثل فتوى الصدوقين في محكيّ رسالة الشرائع على ما حكاه في مختلف الشيعة ومفتاح الكرامة والفقيه(1) ، ثبوت هذا المضمون وصدوره من الأئمّة(عليهم السلام) ، لوضوح استناد فتواهما إلى النصوص الصادرة منهم الواجدة لشرائط الحجّية باعتقادهما .
ومن هنا يمكن أن يقال: بأنّه على فرض عدم إمكان الجمع بين الطائفتين ليست الشهرة الفتوائية بين القدماء رضوان الله عليهم بالغة إلى حدّ يوجب سقوط أخبار المواسعة عن الحجّية ، بعد موافقتها لفتوى الصدوقين اللذين هما متقدّمان على المفيد والشيخ وغيرهما من القائلين بالمضايقة ، هذا مع أنّ الأخبار الدالّة على الفورية إن كانت بصدد إثبات توقيت الفائتة ، وأنّ أوّل وقتها يتحقّق بحدوث الذكر فهو مخالف لما هو المرتكز عند المتشرّعة .
ضرورة أنّهم لا يرون للقضاء وقتاً خاصّاً ، بحيث لو أخّر عنه لصار قضاءً أيضاً وهكذا ، وإن كانت بصدد إثبات أنّ هنا أمراً آخر تعلّق بالبدار والإتيان بالقضاء فوراً ، لكانت أيضاً مخالفة لارتكازهم .
نعم ، لو كان المراد بالفورية ما ذكرنا في تقريب جريان الأصل ، من أنه ليس هنا أمر آخر تعلّق بالمبادرة بالإتيان بالقضاء ، بل مقتضى الأمر المتعلّق بنفس الطبيعة لزوم الإتيان بها فوراً ، فإذا أخّرها إلى ثاني الوقت أو ثالثه وهكذا ، مع احتمال زوال تمكّنه في ذلك الوقت ، فإن اتّفق الإتيان بها فيه لا يكون مستحقّاً للعقاب إلاّ من جهة التجرّي الحاصل بالتأخير مع احتمال زوال التمكّن ، وإن لم يتّفق
- (1) مختلف الشيعة 3 : 5 ; مفتاح الكرامة 3 : 389 ; الفقيه 1 : 315 ح1428 .