(الصفحة 19)
صلاة منفردة بمقتضى ظواهر الأدلّة الدالّة على أنّها شرّعت لتدارك النقص المحتمل ، ومن المعلوم أنّه لا صلاة إلاّ بها ، مضافاً إلى أنّ مقتضى كونها متمّمة للفريضة على تقدير النقص ، ونافلة على تقدير التمامية ، صلاحيّتها لوقوعها متتمّة ونافلة ، وهي لا تتحقّق إلاّ بعد قراءة خصوص الفاتحة فيها .
ومنه يظهر فساد ما حكي عن الحلّي من التخيير فيها بين الفاتحة والتسبيح(1) ، لعدم زيادة حكمها عن حكم مبدلها ، وهي الركعتان الأخيرتان أو واحدة منهما ، فإذا كانت الفاتحة واجبة فيه تخييراً ففيها أيضاً كذلك .
وجه الفساد ما عرفت من ظهور الأخبار في تعيينها ، كما أنّ ظاهرها عدم الاحتياج إلى السورة بعد قراءة الفاتحة ، وإن كان يمكن أن يقال : إنّ إيجاب الفاتحة إنما هو في قبال التسبيح ، ولا دلالة له فيه على عدم وجوب السورة إلاّ أنّ الظاهر إستفادته أيضاً ، خصوصاً بملاحظة عدم وجوبها في مبدلها على تقدير إختيار الفاتحة على التسبيح .
وهل يتعيّن فيها إلاّ الإخفات كما هي في مبدلها أو يتخيّر بينه وبين الجهر؟ .
ظاهر الأخبار باعتبار عدم التعرّض لهذه الجهة وإن كان هو عدم التعيّن ، فيصير مقتضى القاعدة التخيير ، إلاّ أنّ الأحوط الإخفات . وأمّا القنوت فالظاهر أنه لا دليل على استحبابه في صلاة الإحتياط . هذا ما يتعلّق بكيفية صلاة الإحتياط .
وأمّا أحكامها ، عدا ما تقدّم من عدم كون الشكّ في عدد ركعاتها موجبا لصلاة إحتياط اُخرى ، واعتبار الشكّ في أفعالها قبل تجاوز المحلّ ، ووجوب الإتيان بها إذا شكّ بعد الفراغ في وجوبها ، من جهة كون الشكّ في أنّ الحالة الطارية عليه في الأثناء هل كانت الشكّ أو الظنّ؟ ، وغير ذلك ممّا تقدّم؟
- (1) السرائر 1 : 254 ; والمفيد أيضاً في المقنعة : 146 .
(الصفحة 20)
فمن تلك الأحكام:
إنّه لا يضرّ تخلّل المنافي بينها وبين الفريضة على اختلاف بين الفقهاء ، وليعلم أنه ليس في كتب القدماء من التعرّض لحكم تخلّل المنافي بين صلاة الإحتياط وبين الفريضة عين ولا أثر ، بل الذي يظهر من تلك الكتب إنّما هو وجوب المبادرة إلى إتيان صلاة الإحتياط(1) .
نعم قد وقع التعرّض له بين المتأخّرين عنهم من الأصحاب ، ونسب إلى الأكثر بل المشهور القول ببطلان الصلاة وسقوط الإحتياط(2) . وحكي عن الحلّي والفاضل في بعض كتبه والشهيدين وجماعة من متأخري المتأخّرين القول بعدم البطلان(3) .
وكيف كان ، فنقول : بعد بيان أنّ المنافي تارة يكون منافياً مطلقاً عمداً وسهواً ، كالحدث والاستدبار ، واُخرى يكون منافياً لخصوص صورة العمد : الظاهر هو القول بالبطلان فيما لو تخلّل مثل الحدث ، لأنّ مقتضى الأخبار الواردة في الشكوك أنّ صلاة الإحتياط تتمّة للفريضة على تقدير النقص(4) .
فكأنّ الحدث المتخلّل بينهما إنّما حصل في الأثناء فتبطل . وكونه مسبوقاً بالتسليم غير مجد ، لوقوعه في غير محلّه ، فيكون ملحقاً بالسهو ، وإلاّ لكان مانعاً عن إنضمام اللاحق بسابقه .
وبالجملة:
لا يبقى للسامع ـ لكون الحدث مبطلا إذا وقع في الأثناء ، وأنّ صلاة
- (1) المقنعة: 146; المبسوط 1: 123; الانتصار: 156; المراسم: 89 ; المهذّب 1: 155; الغنية: 112; الوسيلة: 102; السرائر 1: 254 ; شرائع الإسلام 1 : 108 .
- (2) الذكرى 4 : 82 ; جامع المقاصد 2: 492; رياض المسائل 4: 246; كشف اللثام 4: 435; مختلف الشيعة 2: 415; ونقله عن المفيد أيضاً في رسالة العزية .
- (3) السرائر 1: 256; قواعد الأحكام 1: 306; الدروس1 : 205; روض الجنان: 353; مجمع الفائدة والبرهان 3: 194; مدارك الأحكام 4: 267; الحدائق الناضرة 9: 305 .
- (4) الوسائل 8 : 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح1 ، 3 ، 4 .
(الصفحة 21)
الإحتياط متمّمة لصلاة الفريضة ـ الارتياب في بطلانها بسبب تخلّل الحدث .
ويشهد له أيضاً أنه قد أمر بسجدتي السهو مع التكلّم بينهما في خبر ابن أبي يعفور المتقدّم سابقاً ، الوارد فيمن صلّي ركعتين أم أربعاً؟ حيث قال(عليه السلام) :«يتشهّد ويسلّم ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين وأربع سجدات ، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثمّ يتشهّد ويسلّم ـ إلى أن قال : ـ وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو»(1) .
واحتمال كون المراد التكلّم حين عروض الشكّ قبل أن يتلبّس بما هو وظيفته من التشهّد والتسليم ثمّ الإحتياط ، أو كون المراد التكلّم سهواً في أثناء الإحتياط في غايد البعد ، ولا يجوز حمل الرواية عليه .
فانقدح أنّ مقتضى ظواهر النصوص بطلان الصلاة بتخلّل الحدث ونحوه .
ومنها :
أنه لو تذكّر الشاكّ أحد طرفي الشكّ أو أطرافه ، فتارة يكون أحد طرفيه مثلا التمامية ، والآخر الزيادة ، كما في الشكّ بين الأربع والخمس ، واُخرى يكون أحد طرفيه النقص كما في سائر الشكوك الصحيحة .
ففي الأول: لا إشكال في تمامية الصلاة وصحّتها لو تذكّر التمامية ، والظاهر لزوم سجدتي السهو أيضاً كما في صورة عدم التبيّن ، لما عرفت من أنّ وجوبهما إنّما هو أثر نفس الذهول والغفلة المتحققة في أثناء الصلاة لا جبران إحتمال الزيادة ، لأنها مدفوعة بالاصل ، كما أنه لا إشكال في البطلان لو تذكّر زيادة ركعة في الصلاة ، لأنها القدر المتيقّن من الأخبار الدالّة على وجوب الإعادة على من زاد في صلاته ، كما مرّ فيما تقدّم .
وفي الثاني : الذي حكمه وجوب البناء على الأكثر ، والتشهّد والتسليم ثمّ الإتيان بصلاة الإحتياط ، إن تذكّر تمامية الصلاة وإنّها لم تكن ناقصة ، فإن كان ذلك
- (1) الكافي 3: 352 ح4; التهذيب 2 : 186 ح739; الاستبصار 1: 372 ح1315; الوسائل 8: 219 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح2 .
(الصفحة 22)
قبل الإتيان بصلاة الإحتياط فالظاهر سقوط وجوبها حينئذ ، لأنها إنّما شرعت لتدارك النقص المحتمل ، ومع عدم احتمال النقص لا مجال لوجوبها أصلا كما لا يخفى ، وإن كان ذلك بعد الإتيان بصلاة الإحتياط .
فالظاهر بمقتضى الروايات المتقدّمة الواردة في الشكوك وقوعها نافلة ، وهذا ممّا لا كلام فيه .
وإنّما الإشكال فيما لو تذكّر الشاكّ ـ بعد البناء على الأكثر والتسليم ـ نقصان الصلاة ، وفيه صور ثلاث ، لأنّه تارة يكون التذكّر قبل صلاة الإحتياط ، واُخرى في أثنائها ،وثالثة بعدها .
فإن تذكّر النقص بعد الإتيان بصلاة الإحتياط ، فالظاهر صحة الصلاة ووقوع صلاة الإحتياط متمّمة لها ، لانّ ثمرة تشريع الاحتياط ذلك كما مرّ مراراً ، وليس لأحد أن يدّعي أنّ الأحكام المجعولة للشاكّ في عدد الركعات التي مرجعها إلى البناء على الأكثر ثمّ الإتيان بصلاة الإحتياط إنّما هي فيما لو بقي الشكّ بحاله دون ما لو حصل الجزم بالنقصان ، لأنه ـ مضافاً إلى مخالفته لظواهر النصوص بل صريح خبر عمّار المتقدّم(1) ـ مدفوع بأنّ مقتضى ذلك عدم العلم بتحقّق موردها حين الشكّ في أثناء الصلاة أصلا ، إذ لا يعلم ببقاء التردّد والشكّ إلى الأبد كما هو واضح .
وبالجملة ، فالاشكال في هذه الصورة أيضاً ممّا لا وجه له .
هذا فيما لو كان كان النقص المتبين قابلا للجبران بصلاة الإحتياط التي صلاّها .
وأمّا فيما لو لم يكن كذلك بأن تبيّن بعد صلاة الإحتياط نقص الصلاة أزيد ممّا كان محتملا ، كما فيما لو شكّ بين الثلاث والأربع وبنى على الأكثر وتشهّد وسلّم ثمّ اتى بركعة منفصلة بعنوان صلاة الإحتياط ، ثمّ تذكّر أنّ صلاته كانت ناقصة بركعتين وأنّ اعتقاده بالثلاث كان جهلا مركّباً ، فهل تبطل صلاته حينئذ ، نظراً إلى
- (1) التهذيب 2: 349 ح1448; الوسائل 8: 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح3 .
(الصفحة 23)
عدم إمكان التتميم لتخلّل صلاة الإحتياط في البين ، وعدم امكان كونها جابرة ، لانّ المفروض كون الصلاة ناقصة بركعتين أو تصحّ بعد تتميمها بهما متّصلة ، فيما لو كان التبيّن قبل الإتيان بالمنافي ، نظراً إلى عدم الدليل على كون صلاة الإحتياط التي تخلّلت في البين مانعاً عن لحوق الأجزاء الباقية ، أو مبطلا للاجزاء السابقة ، خصوصاً بعد كون الإتيان بها بتخيّل ثبوت الأمر بها؟ وجهان ، لا يبعد ثانيهما .
وهنا وجه ثالث ، وهو الاكتفاء في المثال بركعة اُخرى متّصلة بصلاة الإحتياط .
ولكن الانصاف أنه لا دليل على شيء من الوجوه الثلاثة . نعم ، لا دليل أيضاً على مانعية صلاة الإحتياط المتخلّلة في البين ، أو مبطليتها لعدم صدق عنوان الزيادة عليها ، ولهذه الجهة نفينا البعد عن الوجه الثاني ، فتدبّر .
وإن كان تذكّر النقص قبل الإتيان بصلاة الإحتياط ، فالمشهور أنه داخل في مسألة من تذكّر نقص الصلاة بعد التسليم بركعة أو أزيد(1) ، فيشمله الأخبار الدالّة على وجوب إلحاق مانقص(2) ، وعلى تقدير المناقشة في دخوله فيها موضوعاً ، نظراً إلى انّ مورد تلك الأخبار خصوص صورة ما لو صدر التسليم منه بزعم الفراغ لا مثل المقام . لا ينبغي الخدشة في اشتراك الموردين في الحكم ، نظراً إلى أنّ الحكم المذكور فيها مطابق للقاعدة . والنصّ والاجماع قائمان على أنّ التسليم المأتيّ به في المقام غير موجب للبطلان ولا يمنع عن الاتمام .
وقد تنظّر في الاشتراك أيضاً بعض الاعاظم من المعاصرين حيث قال في كتاب صلاته : وفيه نظر أيضاً لإمكان أن يكون التسليم هنا مانعاً من ضمّ الركعة المتّصلة ، كما يكون مانعاً منه على تقدير التمامية ، وتدارك المنقوص بالمنفصل لا
- (1) الحدائق 9 : 309; جواهر الكلام 12: 378; كشف اللثام 4: 434; مستند الشيعة 7: 94 .
- (2) الوسائل 8 : 198 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3 .