(الصفحة 205)
لا سبيل إليه .
وما توهّم دلالته على ذلك قد ذكرنا في تلك المسألة أنّه لا دلالة له بوجه وسنتعرّض له أيضاً ، والغرض المهم هنا التكلّم في التفصيل الذي ذهب إليه بعض المحقّقين من المعاصرين(1) ، حيث جوّز العدول فيما لو لم تكن نيته ذلك من أوّل الشروع في الصلاة ، وحكم بعدم جوازه فيما لو كانت نيّته ذلك ، فإنّه يقال عليه: إنّه إذا كان أصل العدول جائزاً فيما لو كانت نيّته من أوّل الأمر إقامة الصلاة جماعة ، فكيف تكون نيته في غير هذه الصورة قادحة؟ فإنّه إذا كان إيجاد المقصود من حيث هو من دون سبق تعلّق القصد به جائزاً ، فكيف يكون إيجاده مع القصد ممنوعاً؟! .
فحكمه بعدم الجواز فيما إذا كانت نيته من أوّل الأمر ذلك ، يكشف عن أنّ كون الجماعة وصفاً لمجموع الصلاة أمر إرتكازيّ بين المتشرّعة ، وأنّ جعل الصلاة مرتبطة بصلاة الإمام إنّما يكون موضوعه مجموع الصلاة دون البعض .
ويرد عليه أنه مع هذا الارتكاز لا وجه للعدول في الأثناء ، ولو لم تكن نيته من أوّل الأمر ذلك .
وكيف كان ، فتوضيح الجواب أنّ الجماعة وإن كانت متقوّمة بقصد الاقتداء والائتمام ، إلاّ أنه لابدّ في الحكم بجواز إمكان قصد الاقتداء بالنسبة إلى البعض وعدمه ، من ملاحظة متعلّق القصد ، وأنّ الاقتداء الذي يتعلّق به القصد وبه تصير الصلاة صلاة في جماعة ، هل هو الاقتداء في الصلاة من أوّل الشروع فيها إلى حين نفاد صلاة الإمام وخروجه منها ، أو أنه يستفاد من الأدلّة جواز الاقتداء المبعّض ، بل ليس الاقتداء إلاّ في الأبعاض؟ .
وتحقق الاقتداء في الكل إنّما هو بملاحظة الاقتداء فيها ، فالعمدة النظر والتكلّم
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 455 .
(الصفحة 206)
في متعلّق القصد ، وملاحظة حاله من حيث مشروعية الاقتداء المبعّض وعدمها ، فإن ثبت عدم مشروعيته أو لم تثبت المشروعية ، فكما لا تجوز نيته في الابتداء ، كذلك لا يجوز إيجاده في الأثناء ، ولو كان عند الشروع غير قاصد له أصلا ، وإن ثبتت مشروعيته فكما يجوز العدول في الأثناء من دون سبق قصده ، كذلك تجوز نيّته ابتداءً .
فالمهم الذي لابدّ من البحث فيه ملاحظة نفس الاقتداء الذي يتعلّق به القصد عند الشروع في الصلاة ، وحكم القصد يتبع حكم متعلقه ، فالتفصيل في حكم المتعلّق بين صورتي القصد ممّا لم نعرف له وجهاً ، فإن الاقتداء المبعض إن كان جائزاً شرعاً فما المانع من تعلّق القصد به ولو عند الشروع ، وإن لم يكن كذلك فما المجوز له في الأثناء؟
وبالجملة:
فلا فرق بين الابتداء والأثناء من هذه الجهة أصلا .
ثمّ إنّ المحقّق الحائري(قدس سره) القائل بالتفصيل أفاد في وجهه ما ملخّصه: إنّه مع قصد الاقتداء إلى آخر صلاة الإمام ، لا مانع من شمول أدلّة الجماعة ، بل لا وجه لعدم شمولها ، فتنعقد الصلاة صحيحة كذلك ، وبعد الانعقاد لا دليل على عدم جواز العدول .
وهذا بخلاف ما إذا كان من قصده ابتداءً العدول في الأثناء ، فإنّه يشكّ حينئذ في شمول أدلّة الجماعة لها ، ويرد عليه أنّ الشكّ في الشمول وعدمه هل يكون له منشأ غير الشكّ في الاقتداء المشروع؟ وأنه هل هو الاقتداء في الجميع أو الأعمّ منه ومن البعض؟ .
ومع هذا الشكّ كما يكون شمول أدلّة الجماعة للصورة الثانية مشكوكاً ، كذلك صحة الصلاة جماعة في الصورة الاُولى تكون مشكوكة أيضاً ، فلا وجه للجزم بصحّتها فيها والترديد في الصورة الاُخرى كما لا يخفى .
(الصفحة 207)
وبعبارة اُخرى: إنّ الجماعة وإن كانت من العناوين القصدية المتقومة بالقصد كعنواني التعظيم والاستهزاء وغيرهما من العناوين القصدية ، إلاّ أنه حيث كانت من الاُمور التدريجية غير القارّة التي يتحقّق كل جزء منها في زمان ، فلابدّ في تحقّقها من بقاء القصد إلى آخر الصلاة ، كما هو الشأن في جميع العناوين القصدية غير القارّة التي منها أصل عنوان الصلاة ، فإنّه عنوان تدريجيّ لابدّ من بقاء قصده إلى آخر الأجزاء والإتيان بكلّ جزء بما أنه جزء لها .
ففي المقام إذا شرع في الصلاة بنية الاقتداء إلى آخر صلاة الإمام ، فاتّصافها بكونها صلاة في جماعة يتوقّف على إدامة هذه النية إلى آخرها ، وإذا عدل عنها في الأثناء يكشف ذلك عن عدم اتّصاف ما وقع قبل هذه النية من الأجزاء بعنوان الجماعة .
نعم ، لو ثبت أنّ الجماعة وصف لكلّ جزء من أجزاء الصلاة على سبيل الاستقلال ، فلا مانع حينئذ من العدول في الأثناء ، ولكن لا ينحصر الجواز بما إذا حدثت نية العدول في الأثناء ، بل يعمّ ما إذا كان من أوّل الأمر قاصداً لذلك ، فيرجع الكلام بالأخرة إلى ملاحظة هذا المعنى ، وهو أنّ الاقتداء الذي هو من العناوين القصدية ويوجب الفضيلة للصلاة بخمس وعشرين درجة ، أو بأربع وعشرين(1) ، هل تختص مشروعيته بما إذا استدام إلى آخر صلاة الإمام ، أو يعمّ الاقتداء المبعّض أيضاً؟ .
وهذا هو الذي ينبغي أن يقع مبنى المسألة ويبحث فيه ، وليست المسألة مبتنية على أنّ الجماعة والفرادى هل هما حقيقتان أو حقيقة واحدة(2)؟
- (1) راجع 3 : 191 .
- (2) كما حكاه سيّدنا العلاّمة الاُستاذ «أدام الله ظلاله» عن شيخه المحقّق الخراساني(قدس سره)
، وذكر أنّه كان هو المعروف بين الأساتذة والأساطين المعاصرين له ، «المقرّر» .
(الصفحة 208)
وذلك ـ أي وجه عدم الابتناء ـ أنه إن كان المراد بتغايرهما من حيث الحقيقة هو عدم إمكان اجتماعهما في صلاة واحدة ، كعنواني صلاتي الظهر والعصر المتغايرين بهذا المعنى ، حيث إنّه لا يمكن اجتماعهما في صلاة واحدة ، لأنّه لا يتصوّر صلاة واحدة مركّبة من العنوانين ، بأن يكون بعض أجزائها ظهراً والبعض الآخر عصراً .
والعدول من العصر إلى الظهر في الأثناء وإن كان جائزاً في موارده ، إلاّ أنه لا يوجب اجتماع العنوانين على صلاة واحدة ، ضرورة أنّ العدول يؤثِّر في صيرورة الصلاة من أوّلها معنونة بعنوان المعدول إليها ، ولذا ذكرنا في بحث العدول أنه يكون على خلاف القاعدة ، ولا يصار إليه إلاّ في خصوص الموارد المنصوصة .
وبالجملة:
فإن كان المراد بتغاير الجماعة والفرادى عدم إمكان اجتماعهما في صلاة واحدة ، فمن الواضح أنه لا مجال لتوهّم ذلك ، ضرورة أنّ الموارد التي يكون بعض الصلاة جماعة والبعض الآخر فرداً كثيرة جدّاً ، كما في مورد اقتداء الحاضر بالمسافر ، والاقتداء في الصلاة الرباعية بالثلاثية أو الثنائية ونظائرهما .
وإن كان المراد بتغايرهما توقّف تحصّل كلّ واحد من عنوانيهما على تعلّق القصد به ، بحيث كان كلّ واحد منهما من العناوين القصدية ، فذلك أيضاً باطل لما عرفت من أنّ عنوان الجماعة وإن كان من العناوين القصدية المتقوّمة بالقصد ، إلاّ أنّ الصلاة فرداً لا تحتاج إلى نية الانفراد ، بل يكفي في تحقّقه مجرّد عدم قصد الاقتداء ، لا بنحو الموجبة المعدولة بل على نحو السالبة المحصّلة ، كما أنّ صلاة الإمام في الجماعة أيضاً لا تفتقر إلى قصد الإمامة على ما عرفت(1) ، خلافاً لبعض العامّة ، فهذا الاحتمال أيضاً ممّا لا وجه له .
(الصفحة 209)
فالواجب أن يقال بافتقار خصوص الجماعة ، إلى القصد وهو يجتمع مع القول بجواز العدول ومع القول بالعدم ، لما عرفت من تبعية حكم القصد لحكم متعلقه ، فإن قلنا باختصاص المشروعية الثابتة بالاقتداء في مجموع الصلاة ـ أي من حين الشروع إلى آخر صلاة الإمام ونفادها ـ فلا مجال لدعوى الجواز .
وإن قلنا بعدم الاختصاص والشمول للاقتداء المبعّض أيضاً ، بل ليس الاقتداء إلاّ بالنسبة إلى كلّ بعض على سبيل الاستقلال ، غاية الأمر أنّ الاقتداء في الكلّ مرجعه إلى تحقق الاقتداء في كل جزء من أجزائها ، فاللازم القول بجواز العدول ، فمبنى المسألة هو هذا المعنى وليس إلاّ ، كما لا يخفى .
وكيف كان فقد استدلّ على جواز العدول بوجوه:
منها:
الآية الشريفة(1) الواردة في صلاة ذات الرقاع ، بضميمة الروايات الدالّة على كيفيتها ، وهذه الروايات ـ غير ما ورد منها في كيفية صلاة الخوف في خصوص صلاة المغرب ـ مختلفة من جهتين :
1 ـ
تكبير الإمام في الركعة الثانية بعد مجيء الطائفة الثانية ، حيث إنّ مقتضى رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن الصادق(عليه السلام)الحاكية لصلاة النبيّ(صلى الله عليه وآله)بأصحابه في غزوة ذات الرقاع أنّه(صلى الله عليه وآله)كبّربعدمجيءالطائفة الثانية،وقيامهم خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله)(2).
والظاهر أنّ المراد بهذا التكبير هي تكبيرة الافتتاح هذا ، وباقي الروايات خالية عن اعتبار هذا التكبير والتعرّض(3) له ، ولعلّ ذكره في رواية عبدالرحمن كان مستنداً إلى سهو الراوي ، حيث كان اتّحاد السياق يلائم مع ثبوته كما لا يخفى .
- (1) النساء : 102 .
- (2) الفقيه 1: 293 ح 1337; الكافي 3: 456 ح2; التهذيب 3: 172 ح380; الوسائل 8: 435 . أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب2 ح1 .
- (3) الوسائل 8 : 436 ـ 438 ب2 ح2 ـ 8 .