(الصفحة 215)
العدول في مثل صلاتي الظهر والعصر ، لأنّ العدول هناك يؤثّر في صيرورة الصلاة من أوّل أجزائها إلى آخرها متّصفة بعنوان المعدول إليها من الظهر والمغرب وغيرهما ، ولذا ذكرنا في محلّه أنّه على خلاف القاعدة .
لأنّ تأثير الأمر الحادث فيما وقع قبله خلاف مقتضى العقل ، ولذا لا يصار إليه إلاّ فيما ورد فيه النصّ ولا يتعدّى عن مورده أصلا ، كما مرّ في بحث العدول الذي تعرّضنا له في مبحث النية من الكتاب(1) ، وأمّا العدول هنا فلا يراد منه التأثير في الأجزاء السابقة ، بل الغرض منه قطع الأجزاء اللاحقة وإخراجها عن وصف الأجزاء السابقة ، ضرورة أنه لا يراد بالعدول عن الائتمام إلى الانفراد إلاّ مجرّد وقوع الأجزاء اللاحقة فرادى ، لا خروج الأجزاء السابقة عن وصف الجماعة ، فافترق العدولان، ولا ينبغي أن يقاس أحدهما بالآخر أصلا .
وبالجملة:
فإن كان مستند هذا الوجه ومبناه هو تغاير الجماعة والانفراد حقيقة، فقد عرفت ما فيه ، وإن كان مبناه كون الجماعة وصفاً لمجموع الصلاة دون أبعاضها ، فاللاّزم ملاحظة هذا الأمر والنظر فيه ، فنقول:
لا ينبغي الارتياب في أنّ الموارد التي كان بعض الصلاة متّصفاً بوصف الجماعة وبعضها بعنوان الفرد في الشرع كثيرة جدّاً ، كالمأموم المسبوق بركعة أو أزيد ، بل المأموم الذي لم يدرك من الجماعة إلاّ السجود وما يلحقه ، أو التشهّد فقط ، والدليل عليه أنّه وإن كان السجود أو التشهّد الذي أدركه جماعة لا يحسب جزء من صلاته إلاّ انّه لا يحتاج إلى إعادة تكبيرة الإحرام ، بل تكبيره هو التكبير الأول الذي نوى به الاقتداء والائتمام ، وكصلاة ذات الرقاع بالنسبة إلى الركعة الثانية من صلاة كلّ من الطائفتين .
- (1) راجع 2 : 9 ، مبحث النيّة .
(الصفحة 216)
لما عرفت من ظهور بعض الروايات الواردة فيها ، في أن كلاًّ من الطائفتين يصلّون الركعة الثانية لأنفسهم ، وكصلاة الإمام فيما لو اقتدى به في أثناء صلاته ، حيث إنّك عرفت أنّه لا يحتاج إلى قصد الإمامة، بل اتّصافها بوصف الجماعة يتحقّق بمجرّد قصد الائتمام به ، وكصلاة المأموم عند عروض حادثة للإمام ، مانعة عن إتمامه للصلاة ولم يمكن الاستخلاف ، وكصلاة المأموم المتمّ المقتدي بالإمام المقصر .
وبالجملة:
لا ينبغي الإشكال في أصل التبعّض وإنّما الإشكال وقع في موردين منه:
1 ـ
العدول من الانفراد إلى الجماعة ، ويظهر من الشيخ في موضع من الخلاف التصريح بالجواز ، ومن صاحب الجواهر من المتأخّرين الميل إليه(1) .
ثانيهما:
العكس ، والعدول من الائتمام إلى الانفراد ، وقد وقع الخلاف فيه من الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين ، لكنّه لم ينصّ أحد من القائلين بالمنع ببطلان الصلاة بذلك ، بل غاية دليلهم هو الإحتياط .
وأنت خبير بأنّ القائل بالمنع إن كان نظره إلى أنّ الجماعة التي هي في الأصل وعند الشروع سنّة وفضيلة ، تجب بالشروع في الصلاة بنية الائتمام ، فيرد عليه أنّه لا دليل على وجوبها بالشروع ، فتخصيص العمومات الواردة في الجماعة بهذا المورد تخصيص بلا دليل ، وإليه يرجع استدلال العلاّمة بأنّ الأصل عدم الوجوب بعد عدم الدليل عليه(2) .
وإن كان نظره إلى بطلان الصلاة بذلك ، فيرد عليه أنّه لا دليل على مبطلية قصد العدول . وبالجملة، بعدما نرى كثرة الموارد التي كانت الصلاة فيها متبعّضة
- (1) الخلاف 1: 552 مسألة 293; جواهر الكلام 14: 30 .
- (2) تذكرة الفقهاء 4: 271 .
(الصفحة 217)
من حيث الجماعة والانفراد ، يمكن لنا أن نستكشف جواز العدول من الائتمام إلى الانفراد بالمعنى الذي عرفت أنّه المراد من العدول هنا ، لا كمثل العدول من العصر إلى الظهر في مورد نسيانها ، أو العدول من الإتمام إلى القصر أو العكس في موارد التخيير بينهما .
ونحكم بالجواز مطلقاً سواء كان إختياريّاً أو اضطراريّاً ، خصوصاً مع أنّ الصلاة عبارة عن الأمر الذي يوجد بالشروع في أجزائها ويدوم إلى آخر الإتيان بها ، ولا تكون عبارة عن مجموع الأفعال والأقوال الذي لا يتحقّق إلاّ بعد تحقق أجزائها بأجمعها حتّى يستبعد حينئذ التبعيض كما لا يخفى .
ودعوى أنّ الاشتغال بأصل التكليف بالصلاة يقتضي عدم العدول بعد الشكّ في جوازه .
مدفوعة: بأنّه لا مجال لجريان قاعدة الاشتغال بعد كون الشكّ في حصول البراءة ناشئاً إمّا عن احتمال كون الجماعة ممّا تجب بالشروع ، أو عن احتمال كون العدول موجباً لفسادها .
والأول مجرى أصل البراءة ، لكون الشكّ في حدوث تكليف وجوبيّ ، وكذا الثاني ، لأنّ مرجعه إلى الشكّ في شرطية البقاء والإدامة على هذه الحالة ، وهو مجرى البراءة على ما حققناه من جريان أصل البراءة عقلا ونقلا في موارد الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطيّين .
فانقدح ممّا ذكرنا أنّه لم ينهض شيء من أدلّة المنع على إثباته ، لكنّ الإحتياط خصوصاً في مثل الصلاة ممّا لا يحسن تركه .
(الصفحة 218)المبحث الخامس : أصناف الأئمة
في أصناف الأئمّة ومن تجوز الصلاة خلفه ومن لا تجوز على سبيل التنزيه أو التحريم الوضعي ونقول:
قد ورد في الروايات والفتاوى الكاشفة عن النصّ ، النهي تنزيهاً أو تحريماً عن إمامة عدّة كثيرة ربّما تزيد عن ثلاثين ، لكنّهم مختلفون من حيث كون النهي الوارد فيه مطلقاً أو مختصّاً بمأموم خاصّ ، وكذا من حيث ورود الرواية الدالّة على الجواز فيه أيضاً وعدمه ، ولا بأس لعدّ جميعهم والإشارة إلى حكمهم:
1 ـ المخالف(1) .
2 ـ الناصب ، وهو وإن كان من صنوف المخالفين ، إلاّ أنّه قد وقع النهي عن الائتمام به بعنوانه(2) .
3 ـ الشيعيّ غير الإماميّ الاثنى عشرية، كالواقفية، والزيدية، والفطحية وغيرهم(3) .
4 ـ من يتولّى عليّاً ولا يتبرّأ ممّن يعاديه(4) .
- (1) الخلاف 1: 549 مسألة 290; شرائع الإسلام 1: 114; تذكرة الفقهاء 4: 279 مسألة 563; مستند الشيعة 8: 26; الوسائل 8 : 309 . أبواب صلاة الجماعة ب 10 .
- (2) الوسائل 8: 310 . أبواب صلاة الجماعة ب10 ح4 .
- (3) الوسائل 8 : 310 . أبواب صلاة الجماعة ب10 ح5 .
- (4) الوسائل 8: 309 . أبواب صلاة الجماعة ب10 ح 3 .
(الصفحة 219)
5 ـ من لا تثق بدينه(1) ، والمراد به إمّا من تحتمل في حقّه المخالفة في الاُصول ، مثل ما إذا شككت في كونه إمامياً أو مخالفاً ، وإمّا من تحتمل في حقّه المخالفة العملية في الفروع ، ومرجعه إلى احتمال الفسق في حقّه .
6 ـ الفاسق(2) .
7 ـ العاق والديه ، وهو وإن كان من أفراد الفاسق ، إلاّ أنه منهيّ عن الائتمام به بالخصوص(3) .
8 ـ القاطع للرحم ، وهو كالسابق(4) .
9 ـ الأغلف(5) ، وهو إن كان متمكّناً من الختان ومع ذلك لم يفعل ، فهو فاسق لتركه ما أمر به ، وإن لم يكن متمكّناً منه بحيث كان تركه مستنداً إليه ، فلا يعلم دلالة الرواية على النهي عن إمامته لانصرافها عنه ، بل ظاهرها عدم الشمول كما لا يخفى .
10 ـ ولد الزنا ، وقد وقع النهي عن إمامته ، وليس في البين ما يدلّ على جوازها(6) .
11 ـ المجنون(7) ، وعدم جواز إمامته واضح لا خفاء فيه ، وذكره إنّما هو لاستيفاء جميع العناوين الواقعة متعلقة للنهي .
12 ـ السفيه ، والمراد منه إن كان هو المجنون فعدم جواز إمامته واضح ، وإن
- (1) الوسائل 8 : 309 . أبواب صلاة الجماعة ب10 ح 2 .
- (2) الوسائل 8 : 314 . أبواب صلاة الجماعة ب11 ح2 ، 4 .
- (3 و 6) الوسائل 8 : 313 . أبواب صلاة الجماعة ب11 ح1 .
- (5) الوسائل 8 : 320 . أبواب صلاة الجماعة ب13 وص322 ب14 ح6 .
- (6) الوسائل 8: 321 ، 322 . أبواب صلاة الجماعة ب14 ح1 ، 2 ، 4 ، 6 وص324 و325 ب15 ح3 ، 5 ، 6 .
- (7) الوسائل 8: 321 ، 322 . أبواب صلاة الجماعة ب14 ح1 ، 2 ، 4 ، 6 وص324 و325 ب15 ح3 ، 5 ، 6 .