(الصفحة 223)
الناس، وكذا الصبي .
نعم، لا محيص عن الالتزام بعدم جواز الائتمام بولد الزنا من حيث ورود النهي فيه، وبعدم دلالة على الجواز في البين .
(الصفحة 224)
اعتبار العدالة في إمام الجماعة وبيان مفهومها
المهمّ في هذا الباب التكلّم في اشتراط العدالة في الإمام وبيان مفهومها والأمارة عليها ، فنقول:
يظهر منهم اعتبار العدالة في موارد:
منها:
الإمام في باب صلاة الجماعة .
ومنها:
الشاهد الذي يعتبر قوله في باب القضاء ، وهذان الموردان قد ورد فيهما النصوص أو ما يكشف عنها(1) .
ومنها:
المفتي الذي يرجع إليه المقلّد في أخذ الحكم .
ومنها:
أصناف مستحقيّ الزكاة على ما ذكر بعضهم(2) وغير ذلك(3) .
- (1) الغنية : 87; شرائع الإسلام 1: 114; المعتبر 2: 433; الخلاف 1: 560 مسألة 310; تذكرة الفقهاء 4: 280 مسألة 564; مستند الشيعة 8: 26; جواهر الكلام 13 : 275 ; الوسائل 8: 313 . أبواب صلاة الجماعة ب11 وج27 : 391 ب41 .
- (2) المبسوط 1 : 247; الخلاف 4 : 224; الكافي في الفقه: 172; الوسيلة: 129; الغنية: 124; السرائر 1: 459 .
- (3) منها : الشاهدين في الطلاق; ومنها: القاضي; راجع شرائع الإسلام 2: 12; جواهر الكلام 32: 109; مسالك الأفهام 9: 113; الروضة البهية 6: 131; الوسائل 27: 11 . أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به ب1 .
(الصفحة 225)
أمّا اعتبار العدالة في باب صلاة الجماعة ، فهو من متفردات علمائنا الإمامية رضوان الله عليهم أجمعين ، نعم حكي عن السيّد المرتضى(رحمه الله) إنّه حكى عن أبي عبدالله البصري أنّه وافق الإمامية وقال باشتراط العدالة(1) ، وحكي عن الشافعي أنّه كره الصلاة خلف الفاسق(2) .
وكيف كان، فأصل اعتبارها في إمام الجماعة ممّا لا شكّ فيه عندنا ، وإنّما المهمّ بيان معناها ومفهومها بحسب الاصطلاح ، فنقول:
العدالة لغة بمعنى الاستقامة وعدم الانحراف(3) ، ويقابلها الفسق ، فإنّه بمعنى الميل والانحراف بقرينة المقابلة ، وأمّا اصطلاحاً فقد اختلفوا فيه على أقوال ثلاث:
الأول:
أنّ المراد بها ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق ، يظهر ذلك من ابن الجنيد والشيخ في الخلاف ، وكذا في المبسوط في باب الشهادات ، حيث قال في الثاني: العدالة في الدين أن يكون مسلماً ولا يعرف منه شيء من أسباب الفسق ، وحكي هذا القول عن غيره من بعض القدماء أيضاً(4) .
الثاني:
أنّ المراد بها معنى أخصّ من المعنى الأول وهو حسن الظاهر ، ومرجعه إلى كونه في الظاهر يعدّ رجلا صالحاً(5) .
الثالث:
أنّ المراد بها ملكة نفسانية راسخة في النفس باعثة على ملازمة التقوى بحيث يتعسّر معها ارتكاب الكبيرة ، وكذا الإصرار على الصغيرة أو عليها
- (1) نقله عنه في الخلاف 1: 560 مسألة 310; ولكن لم نجده في الإنتصار والناصريات والجمل .
- (2) الأمّ 1: 166; المجموع 4 : 253; تذكرة الفقهاء 4 : 280 مسألة 564 .
- (3) مقاييس اللغة 4 : 246 .
- (4) الخلاف 6: 218; ونقله عن ابن الجنيد في مختلف الشعية 3: 88 ، المبسوط 8: 217; السرائر 2: 117; الإشراف (مصنّفات الشيخ المفيد) 9: 25 .
- (5) المقنعة : 725 ; النهاية : 105 ; المهذّب 2 : 556; الوسيلة: 230; الكافي في الفقه: 434; الذكرى 4: 389 .
(الصفحة 226)
وعلى المروءة أيضاً ، وهذا المعنى هو المشهور بين المتأخّرين(1) .
ولا يخفى أنّ المعنيين الأوّلين ليسا بمعنى العدالة ، لأنّها من الأوصاف الواقعية والفضائل النفس الأمرية ، ومجرّد ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق أو حسن الظاهر ، لا يوجب أن يكون الشخص متّصفاً بهذه الصفة واقعاً ، فإنّه يمكن أن يكون في الواقع فاسقاً .
غاية الأمر إنّه لم يظهر فسقه بل كان ظاهره حسناً ، فلابدّ أن يقال: بأنّ مراد من فسّر العدالة بأحد هذين المعنيين ليس هو تفسير العدالة وبيان معناها ، بل مراده أنّ ما يترتّب عليه الأثر من الأحكام المترتّبة على العدالة هو هذا المعنى .
والدليل عليه أنّ الشيخ في الخلاف بعدما تمسّك لمذهبه في قبال الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما ـ وهو عدم وجوب البحث عن الشاهد الذي عرف إسلامه ولم يعرف جرحه بإجماع الفرقة وأخبارهم ـ قال: وأيضاً الأصل في الإسلام العدالة ، والفسق طار عليه يحتاج إلى دليل ، وأيضاً نحن نعلم أنّه ما كان البحث في أيّام النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، ولا أيّام الصحابة ، ولا أيّام التابعين ، وإنّما هو شيء أحدثه شريك بن عبدالله القاضي . . .(2) .
فإنّ تمسكه بالأصل وكذا بعدم ثبوت البحث في تلك الأيّام ظاهر في أنه ليس مراده من ذلك تفسير حقيقة العدالة وبيان معناها ، بل المراد بيان ما يكفي في حكم الحاكم بشهادة الشاهدين ، وأنّه هو معروفية إسلامهما وعدم معروفية جرحهما كما لا يخفى .
وأمّا المعنى الثالث فهو وإن لم تكن تجري فيه هذه المناقشة ، إلاّ أنّ اعتبار
- (1) مختلف الشيعة 8 : 484 ; إرشاد الأذهان 2: 156 ; الدروس 2: 125 ; الروضة البهية 3: 128; مدارك الأحكام 4: 66; رياض المسائل 4 : 329; العروة الوثقى 1 : 630 مسألة 12 .
- (2) الخلاف 6: 217 ـ 218 مسألة 10 .
(الصفحة 227)
العدالة بهذا المعنى مشكل جدّاً ، ضرورة أنّ تحصّل الملكة الكذائية الباعثة على ملازمة التقوى أو مع المروّة في غاية الندرة ، لأنّ هذه الملكة حينئذ تصير من المراتب التالية للعصمة .
غاية الأمر أنّ العصمة عبارة عن الملكة التي تحصل للنفوس الشريفة ويمتنع معها صدور المعصية ، وأمّا ملكة العدالة فلا يمتنع معها صدور المعصية ، بل يمكن أن تصدر، ولكن يتعسّر ويصعب صدورها .
وبالجملة:
فاعتبار العدالة بهذا المعنى ممّا لا سبيل إليه بعد ندرة تحققها وكثرة الأحكام التي يترتّب عليها .
ثمّ إنّ استعمال كلمة العدالة لا ينحصر بالفقهاء ، بل يستعملونها علماء الأخلاق أيضاً ، حيث قسّموا ذلك العلم إلى قوّتين: «علميّة وعمليّة» ، والعملية لها قوّتان: شهوة وغضب ، وكلّ منهما إمّا أن تكون بحدّ الإفراط ، أو بحدّ التفريط ، أو على التوسّط ، فالمتوسّط من كلّ منهما هو العدالة ، وكذا القوّة العلميّة ، وهذا الذي ذكروه في مورد العدالة قد ينطبق على موردها بحسب اصطلاح الفقهاء ، وقد يتخلّف عنه كما هو غير خفيّ .
ثمّ إنّ الكتاب العزيز قد استعملت فيه هذه اللفظة ومقابلها في موارد:
منها:
قوله تعالى:
{وأشهدوا ذوي عدل منكم}(1) .
ومنها:
قوله تعالى:
{إن جاءَكم فاسق بنبأ فتبيّنوا}(2) .
ومنها:
قوله تعالى:
{وليكتب بينكم كاتب بالعدل}(3) .
- (1) الطلاق: 2 .
- (2) الحجرات: 6 .
- (3) البقرة: 282 .