(الصفحة 30)
الجعفرية والبيان والارشاد واللمعة والألفية وشرحها للكركي ، والدرّة عدم الالتفات ، والمحكيّ عن الشهيد في الدروس الإتمام مع المطابقة والإشكال مع المخالفة ، وعن جامع المقاصد الاستئناف مع المخالفة دون الموافقة(1) .
ودعوى أنّه يستفاد إشعاراً بل دلالة من رواية عمّار الواردة في مطلق الشكوك اختصاص أدلّة الإحتياط بما إذا كان الشكّ الحادث في الأثناء باقياً إلى آخر الإتيان بصلاة الإحتياط ، مدفوعة مضافاً إلى عدم الدلالة ، بل ولا الإشعار ،
- (1) البيان : 151; وفيه: ولو ذكر في الثانية فوجهان: أقربهما الإتمام; اللمعة : 18; إرشاد الأذهان 1: 270; الدروس 1 : 205; جامع المقاصد 2 : 491; وحكاه في مفتاح الكرامة 3: 358 ، عن الجعفريّة والألفية وشرحها والدرّة .
- وهنا تفصيل آخر استقربه سيّدنا العلاّمة الاستاذ ـ دام ظلّه الوارف ـ في تعليقته المباركة على كتاب العروة ص68 ، حيث قال: والأقرب التفصيل بأنّ النقص المتبيّن إن كان هو الذي جعلت هذه الصلاة جابرة له شرعاً ، فالواجب إتمامها وإن خالفته في الكمّ والكيف ، كالركعتين من جلوس مع تبيّن النقص بركعة بل وكذا إذا أمكن تتميمها كذلك ، كالركعتين من قيام إذا تبيّنت الثلاث ، قبل أن يركع في الثانية منهما ، وأمّا في غيرما ذكر فالواجب قطعها وإتمام أصل الصلاة ، ولا يترك الاحتياط بالإعادة فيهما خصوصاً الثاني . انتهى .
- ومبنى ما أفاده على شمول أدلة الاحتياط لصورة تبيّن النقص في الأثناء وعدم اختصاص موردها بما إذا كان الشك باقياً إلى آخر صلاة الاحتياط . غاية الأمر أنه فيما إذا لم يمكن كون ما بيده جابراً للنقص المتبيّن ، ولم يمكن تتميمها كذلك كالركعتين من قيام مع تبيّن الثلاث بعدما ركع في الثانية منهما ، لا معنى للإتمام بعد كون تشريع الاحتياط لجبران النقص ، ولزوم إتمام أصل الصلاة إنّما هو لعدم الدليل على مانعية الاُمور المتخللة غير القابلة للوقوع جزء لو لم نقل باستفادة عدم مانعيتها من نفس أدلة الاحتياط الآمرة بها كما لايخفى .
- وكيف كان ، فالظاهر شمول أخبار الاحتياط للشك الحادث في أثناء الصلاة الباقي إلى زمان الشروع في صلاة الاحتياط وإن زال بعد الشروع ، وفاقاً لمن فصّل بين ما إذا كانت صلاة الاحتياط موافقة للمنقوص كمّاً وكيفاً ، وبين ما إذا كانت مخالفة له فيهما أو في أحدهما ، فأوجب إتمام ما بيده من صلاة الاحتياط في الصورة الاُولى والرجوع إلى حكم من تذكّر النقص في الصورة الثانية . كبعض المحققين في التعليقة على العروة .
- فإنّ إيجاب إتمام صلاة الاحتياط في الصورة الاُولى متوقف على كون المقام مشمولا لأدلة الاحتياط ، وإن كان يرد عليه أنه بعد الاعتراف بالشمول لا وجه للتفصيل بين الصورتين ، بل الظاهر عدم الفرق بينهما كما صرّح به سيدناالاستاذ(مدظلّه العالي)فيماتقدّم من عبارته.نعم لابدّمن تخصيص موردهابماإذالم يمكن كون مابيده جابرة ولم يمكن تتميمها كذلك ، لعدم إمكان كونه جابراً ، وتشريع الاحتياط إنما هو للجبران والتدارك . «المقرّر»
(الصفحة 31)
لأنّ الرواية قد رويت مختلفة بثلاثة متون :
أحدها :
ما رواه الصدوق بإسناده عن عمّار ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال له : «يا عمّار أجمع لك السهو كلّه في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنك نقصت»(1) .
ثانيها :
مارواه الشيخ باسناده عن سعد ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى ابن عمر ، عن موسى بن عيسى ، عن مروان بن مسلم ، عن عمّار بن موسى الساباطي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن شيء من السهو في الصلاة؟ فقال : «ألا أعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء؟» قلت : بلى ، قال : «إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شيء ، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(2) .
ثالثها :
مارواه الشيخ أيضاً باسناده عن احمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن الحسن بن عليّ ، عن معاذ بن مسلم ، عن عمّار بن موسى قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام): «كلّما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر» ، قال : «فاذا انصرفت فاتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(3) .
والتي يتوهّم فيها الدلالة أو الإشعار من هذه المتون الثلاثة هي الرواية المرويّة بالطريق الثاني . وأمّا ما رويت بالطريقين الآخرين ، فلا إشعار فيها فضلا عن الدلالة كما لا يخفى . ومع ثبوت هذا النحو من الاختلاف لا مجال للاستدلال بشيء منها ، إلاّ فيما تشترك فيه كما هو ظاهر .
- (1) الفقيه 1: 225 ح992; الوسائل 8: 212 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح1 .
- (2) التهذيب 2 : 349 ح1448; الوسائل 8 : 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح3 .
- (3) التهذيب2: 193 ح762; الاستبصار1: 376ح1426; الوسائل8:213.أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح4.
(الصفحة 32)الإخلال بصلاة الاحتياط
ومن أحكام صلاة الإحتياط انه لو زاد فيها ركعة أو ركناً أو نقص كذلك بحيث لا يقبل التدارك فلا إشكال في بطلانها ، وأمّا بطلان الصلاة في هذه الصورة وكذا فيما لونسي الإحتياط ودخل في فريضة اُخرى ، وذكر بعد ما كان ما أتى به نسياناً منافياً للفورية ، فيبتني على ملاحظة الأدلّة .
فإن قلنا: باستفادة اعتبار الفوريّة منها ، كما ربما يدّعى أنّها ظاهرها ، فمقتضى ذلك بطلان الصلاة السابقة ، وعدم كون نقصها المحتمل قابلا للتدارك ، وإن قلنا: بعدم ظهور الأدلّة في اعتبار الفوريّة ، بل غاية ما يقال: إنّ القدر المتيقّن من مفادها كون ما يوتى به عقيب السلام من دون فصل معتدّ به جابراً(1) ، فالأدلة وإن لم يكن لها اطلاق يدلّ على جواز التراخي ، ولكن لا دلالة لها أيضاً على منع الفصل من صحة صلاة الإحتياط ووقوعها جابرة للنقص; ومع هذا الحال يجب الإحتياط بالجمع بين صلاة الإحتياط والاستئناف ، إلاّ أن يكون هنا أصل شرعيّ يوجب جواز الاكتفاء بصلاة الإحتياط .
ثمّ إنّ المحقّق الحائري(قدس سره) بعدما عقد للمقام مسألتين ، إحداهما : مسألة إبطال صلاة الإحتياط ، والاُخرى : مسألة نسيانها والدخول في فريضة اُخرى مرتّبة أو غير مرتبة ، قد قرّر الأصل المحتمل في المسألة الاُولى من وجوه تأتي ، وأشار في المسألة الثانية إليها .
ويرد عليه اتّحاد ملاك المسألتين والدليل فيهما ، لأنّ الاخلال في كلتيهما إنّما وقع بالفورية التي يحتمل اعتبارها ، غاية الأمر أنّ الإخلال بها في المسألة الاُولى من حيث الابطال ، وفي المسألة الثانية من حيث الدخول في فريضة اُخرى .
وأمّا الاُصول التي قرّرها :
- (1) الوسائل 8: 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح3 ، 4 وص 217 ب10 ح4 ـ 6 .
(الصفحة 33)
فمنها:
استصحاب وجوب صلاة الإحتياط ، وقد استشكل عليه بأنّ إجراء الحكم المعلّق بالمفاهيم المقيّدة على غيرها لا يمكن بالاستصحاب ، لتعدّد الموضوع حتّى بنظر العرف ، نعم لو كان الحكم يسري إلى الوجودات الخارجية المتصفة بالقيد ، يمكن استصحابه بعد زوال قيده ، ألا ترى أنّ حكم الماء المتغيّر بنحو الكلّي لا يمكن إجراؤه على الماء غير المتغيّر ، ولكن لو تحقّق الماء المتغيّر في الخارج وصار محكوماً بالنجاسة بواسطة انطباق ذلك المفهوم على الفرد الخارجيّ الشخصي ثمّ زال تغيّره من قبل نفسه يصحّ استصحاب نجاسته ، فإنّ معروض النجاسة كان ذلك الشخص الخارجي عرفاً ، والحكم المتعلّق بأفعال المكلّفين ممّا لا يسري إلى الخارج ، بل الموجود الخارجي منها يوجب سقوط الحكم .
ومنها:
استصحاب كون صلاة الإحتياط موجبة لتدارك الركعة المنسيّة ، فإنّها كانت كذلك قبل ذلك . وأورد عليه بأنّ إيجابه للتدارك إنّما كان بوجودها الخارجي لا بالوجود اللحاظيّ الذي كان مورداً للأمر ، والمفروض عدم تحقّقها في الخارج قبل ذلك .
ومنها :
الاستصحاب التعليقي ، وقد بيّنه من وجهين:
أحدهما :
إنّ صلاة الإحتياط قد جعل الشارع وجودها الخارجي موجباً لتدارك النقص المحتمل ، فيقال : إنّ الركعتين بعد التسليم فيما إذا شكّ المصلّي بين الثنتين والأربع ، كانتا بحيث لو وجدتا في الخارج حصل بهما تدارك النقص المحتمل في الفريضة شرعاً ، وفي الزمن اللاّحق يشكّ في ارتفاع هذا الأثر الشرعيّ المعلّق على الوجود الخارجي ، فيستصحب كاستصحاب النجاسة المعلّقة على الغليان الخارجي .
(الصفحة 34)
وأورد عليه: بأنّ تدارك النقص المحتمل ليس ممّا جعله الشارع ، بل هو من فوائدها الواقعية صار موجباً لجعل الشارع صلاة الإحتياط . وبعبارة اُخرى بناء الشاك بين الثنتين والأربع على الأكثر ، ثمّ اتيان مقدار الناقص المحتمل بعد السلام مفصولة مشتمل على مصلحة موجبة لتدارك ما فات من المصلّي ، ولأجل ذلك أمر الشارع بذلك ، لا أنّ الشارع أمر بذلك وجعل وجود الركعتين موجباً للتدارك بجعل آخر .
ثانيهما :
استصحاب كون الإحتياط على تقدير وجوده قبل ذلك متداركاً للنقص المحتمل ، فإنّه كان كذلك من قبل ، فإنّ التدارك وإن قلنا: بأنّه ليس بمجعول شرعيّ وليس له أثر شرعيّ أيضاً ، ولكن تناله يد الجعل بتقبّل ما يأتي به في حال عدم الفورية مصداقاً للمأمور به ، نظير استصحاب الطهارة حال الصلاة بعدما كان فارغاً منها ، فإنّ مصحّح الاستصحاب ليس إلاّ تقبّل الشارع ما أتى به مصداقاً للمأمور به(1) ، انتهى .
والتحقيق في هذا المقام أن يقال : إنّ الشكّ في وجوب صلاة الإحتياط ، وكذا في كونها موجبة لتدارك النقيصة المحتملة ، مسبّب عن الشكّ في اعتبار الفورية وعدمه ، أو الشكّ في مانعية الفصل وعدمها ، ومع جريان البراءة في مثل الشكّ في الشرطيّة أو المانعيّة ـ كما هو الحق وقد حقق في محله ـ لا يبقى مجال للشكّ في وجوب صلاة الإحتياط ، وكذا في كونها موجبة لتدارك الركعة الناقصة المحتملة; مضافاً إلى انّ استصحاب وجوب صلاة الإحتياط ممّا لا مانع منه على الظاهر ، وكذا استصحاب كونها موجبة للتدارك .
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 386 ـ 389 .