(الصفحة 317)
عمداً ورفع رأسه من الركوع قبل الإمام كذلك ، كما حملها الشيخ(رحمه الله) على ذلك .
وبه ترتفع المعارضة الواقعة بينها وبين تلك الروايات منطوقاً ، كما بالنسبة إلى البعض ، ومفهوماً كما بالإضافة إلى البعض الآخر .
هذا ، ويمكن الجمع بينهما بحمل هذه على ما لو كان الإمام ممّن لا يقتدى به ، وحمل تلك على ما لو كان هناك إمام يقتدى به كما وقع في أكثرها التصريح به .
ثمّ إنّ ما عدى رواية ابن فضال واردة فيمن رفع رأسه من السجود أو الركوع قبل رفع الإمام رأسه ، ومن الواضح في مثل هذا المورد تحقق الركوع أو السجود من المأموم ، لأنّ المفروض أنّه لم يخلّ بالمتابعة في إحداثهما وأنّه ركع وسجد معه .
وحينئذ يقع الكلام في أنّ الركوع أو السجود المعاد بعد رفع الرأس هل كان إيجابه لغرض حفظ الوحدة فقط ، والتشاكل والانتظام المتقوّم بالمتابعة في الأفعال ، فلا يكون له موجب إلاّ ذلك ، ولا يكون ركوعاً وسجوداً حقيقيّاً بل صورة الركوع والسجود ، أو أنّ بقاء الإمام في ركوعه أو سجوده وعدم رفع رأسه منهما يوجب أن لا يكون رفع المأموم رأسه من ركوعه أو سجوده مضرّاً ببقاء ركوعه أو سجوده بعد اعادته والالتحاق بالامام ، غاية الأمر أنّ البقاء بالنسبة إلى الإمام حقيقيّ وبالنسبة إلى المأموم شرعيّ، فلم يتحقّق منه شرعاً إلاّ ركوع واحد وسجود واحد؟
وجهان:
الظاهر هو الوجه الثاني ، لأنّ ظاهر الأمر بالإعادة أنّ الركوع أو السجود المعاد إدامة للركوع أو السجود الأول ، وأنّه لا ينبغي نفاده قبل رفع الإمام رأسه ، ويترتّب على الوجهين أنّه على الوجه الثاني لابدّ من الإتيان بالذكر المعتبر في الركوع والسجود لو لم يأت به في الأول منهما ، وهذا بخلاف الوجه الأول ، فإنّه لا يلزم عليه الإتيان به كما لا يخفى .
(الصفحة 318)
هذا ، وأمّا رواية ابن فضّال فهي واردة فيما لو ركع قبل أن يركع الإمام، وحينئذ يقع الكلام في أنّ جواز الإعادة هل هو لأجل كون ركوعه الأول الواقع قبل الإمام غير مجز وأنّ الركوع المحسوب جزءً من الصلاة هو الركوع المعاد الذي تابع فيه الإمام ، أو أنّ الركوع الثاني قد شرع لغرض حفظ الوحدة والانتظام كما عرفت؟، وجهان:
وسيجيء التعرّض لمسألة السبق إلى الركوع إن شاء الله تعالى .
وجوب المتابعة شرطي أو تكليف نفسي؟
إنّ المتابعة في الأفعال فقط أو الأقوال أيضاً هل هي واجبة شرطاً أو أنّ المستفاد من الأدلّة حكم تكليفيّ نفسيّ كان الغرض منه حفظ الانتظام وتحقق الوحدة كما هو المشهور(1)؟
وعلى تقدير الشرطية هل هي شرط لصيرورة الفعل المتابع فيه متّصفاً بوصف الجزئية للصلاة ، فلا يحسب الركوع الذي لم يتابع فيه ركوعاً للصلاة ، فيجب عليه إعادته لكي لاتخلو صلاته من ركوع ، أو أنّ المتابعة شرط لاتّصاف الفعل المتابع فيه بكونه واقعاً في جماعة، أو أنّ المتابعة شرط لأصل صحة الصلاة بحيث كان الإخلال بها مضرّاً بصحتها؟، وجوه واحتمالات:
الظاهر أنّه لا محيص في هذا الباب عن الالتزام بما عليه المشهور من عدم كون الوجوب شرطيّاً ، لعدم دلالة الروايات على أزيد من حكم تكليفيّ ، وليس فيها إشعار بدخالة المتابعة في الصلاة أو في الجماعة ، نعم قد يقال كما قيل: بأنه لا فرق بين الرواية النبوية الواردة في المتابعة الظاهرة في إيجابها وإيجاب الركوع إذا ركع الإمام
- (1) تذكرة الفقهاء 4 : 347 مسألة 606; نهاية الأحكام 2 : 135 ـ 136; الذكرى 4: 445; مدارك الأحكام 4 : 328 ـ 329; جواهر الكلام 13 : 210 .
(الصفحة 319)
وكذا السجود والتكبير(1) ، وبين ما ورد في باب الوضوء من قوله تعالى:
{إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق . . .}(2) من جهة إفادة الشرطية .
فكما أنّه لا إشكال في أنّ مفاد هذه الآية الشريفة بيان اشتراط الصلاة بالوضوء ، وأنّ الأمر به أمر إرشادي والغرض منه الإرشاد إلى شرطية الوضوء للصلاة لا وجوبه في نفسه ، فكذلك لا ينبغي الإشكال في ظهور الرواية النبوية الدالّة على أنّه «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به» في اشتراط المتابعة في صحة القدرة ، ولا فرق بين الآية والرواية من هذه الجهة أصلا .
هذا ، ولكنّ الأمر ليس كما ذكره ، فإنّه هناك حيث يكون في البين عنوان آخر متعلّق للوجوب ، وقد علّق وجوب الوضوء على إرادة القيام إليه لا يكاد يفهم من ذلك إلاّ مدخلية الوضوء في حصول الغرض من الأمر المتعلّق بذلك العنوان ، وأنّه لا يكاد يحصل ذلك الغرض إلاّ بعد كون الإتيان به في حال كونه متوضّئاً وممتثلا للأمر المتعلّق بالوضوء .
وأمّا هنا فإنّه وإن كان في البين عنوان آخر أيضاً; وهو الائتمام، وقد تعلّق به الأمر الاستحبابي ، إلاّ أنه لا تكون الرواية بصدد بيان اشتراطه بشرط مثل نية الائتمام مثلا ، فإنّك عرفت سابقاً أنّ هذه الرواية على تقدير صدورها عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)قد صدرت بعد مضيّ سنين متعدّدة من إقامته بالمدينة ، مع أنّه كانت الصلاة جماعة متداولة بين المسلمين من أوّل قدوم النبيّ(صلى الله عليه وآله) بها بل قبل قدومه .
ولا ينبغي توهّم كون الجماعة متداولة بينهم سنين تقرب من عشر ، وبعد ذلك
- (1) راجع 3 : 314 .
- (2) المائدة: 6 .
(الصفحة 320)
بيّن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّها تحتاج إلى كذا وكذا ، فالرواية لا تكون بصدد بيان هذه الجهة أصلا ، بل التأمّل فيها يقضي بكون مفادها بيان نفس الائتمام بما له من المعنى عند العرف ، وأنّ الاقتداء والائتمام في باب الصلاة معناه هو الاقتداء المتداول بين الناس في أمورهم الاجتماعية التي من شأنها جعل واحد منهم رئيساً ومتبوعاً .
فكما أنّ الاقتداء عرفاً وجعل واحد متبوعاً في جهة من الجهات لا يكاد يتحقّق إلاّ بمتابعته في الجهة التي اقتدى به في تلك الجهة ، فإنّه مع الاخلال بالمتابعة لا يكاد يرى تابع ومتبوع لتقوّمه بالانتظام والوحدة ، فكذلك الاقتداء في باب الصلاة .
وبالجملة:
فالرواية ناظرة إلى أنّ جعل الإمام إنّما هو كجعله في سائر الاُمور الاجتماعية التي يكون الغرض من جعل المتبوع فيها معلوماً لكلّ واحد من الناس ، فكما أنّ الغرض منها هو الائتمام بالمتبوع والمتابعة له في الجهة التي كان فيها متبوعاً ، كذلك الغرض من جعل الإمام في باب الجماعة في الصلاة هو الائتمام به والاقتداء والتبعية له .
فغاية نظر الرواية هو بيان معنى الائتمام في لسان الشرع ، وأنّه هو المعنى العرفي المعهود بين أهل العرف في أمورهم العادية ، وليست بصدد إفادة اشتراط الائتمام بشيء أصلا حتّى يكون الاخلال به موجباً لعدم تحقّقه .
وإن شئت قلت: إنّ صدور هذه الرواية بعد مضيّ سنين متعدّدة من زمان الإتيان بالصلاة في جماعة دليل على عدم بطلان الصلاة بالاخلال بالمتابعة ، وإن كانت الرواية ظاهرة في وجوبها ، لأنّ تعرّض النبيّ(صلى الله عليه وآله) لذلك إنّما هو لأجل ردع بعض من المصلّين في جماعة ، حيث لم يكن يراعى المتابعة مسامحة ، فالرواية بصدد بيان إيجابها ردعاً لمن لم يراع ، وحينئذ فمع عدم مراعاته في طول سنين وعدم بيان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يستكشف عدم كون الاخلال بها مضرّاً بصحّة أصل الصلاة أو القدوة .
(الصفحة 321)
فانقدح من جميع ذلك أنّه لابدّ من الالتزام بما عليه المشهور من عدم كون وجوب المتابعة وجوباً شرطياً أصلا .
ثمّ إنّه على التقديرين ـ أي الوجوب النفسي للمتابعة أو الشرطي الراجع إلى مدخليتها في الصحة ـ هل الواجب هي المتابعة في جميع الأفعال أو معظمها؟ وجهان:
الظاهر هو الوجه الأول لقوله(صلى الله عليه وآله) : «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به» الظاهر في لزوم الائتمام والمتابعة ما دام كونه إماماً ، وما ذكر متفرّعاً عليه فإنّما هو على سبيل المثال ، والغرض وجوب المتابعة في جميع الأفعال والهيئات الصادرة عن الامام من قيام وقعود وانحناء وسجود ووضع ورفع .
واحتمال كون الواجب خصوص المتابعة في معظم الأفعال مع أنّه لا يتجاوز عن حدّ الاحتمال ولا يكاد يساعده ظواهر شيء من الأدلّة مجمل جدّاً ، لأنّه لم يعلم أنّ المراد هو المعظم مفهوماً أو مصداقاً ، وعليه يقع الاختلال في الجماعة ، لأنّه يختار أحد المتابعة في الركوع والآخر المتابعة في السجود والثالث المتابعة في غيرهما ، وكيف كان فلا مجال لهذا الاحتمال أصلا .
ويقع الكلام بعد ذلك بناءً على استفادة الوجوب الشرطي من الرواية النبويّة: «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به» في أنّ الاقتداء العملي والمتابعة المستفادة شرطيّتها هل هو شرط بالنسبة إلى مجموع الصلاة ، بحيث كان الاقتداء في كلّ فعل شرطاً في اتّصاف مجموع الصلاة بوصف الوقوع في جماعة وكان الاخلال بالمتابعة ولو في فعل واحد مانعاً عن اتّصاف الصلاة بذلك الوصف ، أو أنّ المتابعة في كلّ فعل شرط لوقوع نفس ذلك الفعل جماعة ، بحيث زاد ثواب خصوص ذلك الفعل على ما لو وقع فرداً بخمس وعشرين درجة ، أو بأربع وعشرين(1) ، فالاخلال بالمتابعة في الركوع مانع عن اتّصافه بكونه ركوعاً قدويّاً ، ولا يقدح في اتّصاف السجود بهذا
- (1) راجع الوسائل 8 : 285 . أبواب صلاة الجماعة ب 1 .