(الصفحة 323)
1 ـ
ما إذا كان ذلك مسبباً عن السهو والذهول عن كون صلاته جماعة ، أو عن الظنّ بكون الإمام قد رفع رأسه فرفع وانكشف الخلاف ، وأنّه لم يرفع الإمام رأسه بعد .
2 ـ
ما إذا وقع ذلك عن تعمّد والتفات .
أمّا الصورة الاُولى ، فالحكم فيها بمقتضى بعض الأخبار الواردة من طرقنا أنّه يجب عليه العود واللحوق بالإمام في الركوع حتّى كان متابعاً له في حدوث الركوع وبقائه(1) ، غاية الأمر أنّ البقاء هنا لا يكون بقاءً حقيقيّاً لتخلّل الرفع ، بل بقاء حكميّ اعتبره الشارع بقاء للركوع الأول وإن كان بحسب الواقع ركوعاً ثانوياً .
فإذا كان الحكم كذلك فإن عاد ولحق بالإمام في الركوع ، وإن خالف ولم يتابع الإمام في بقاء الركوع ولم يعد إليه مع كون الواجب عليه العود واللحوق ، فإن قلنا: بأنّ المتابعة واجبة شرطاً وأنّ الاخلال بها يقدح في الصلاة ، أو في القدوة في مجموع الصلاة ، أو في الجزء الذي خالف فيه والأجزاء اللاحقة ، أو في خصوص الجزء الذي لم يتابع فيه ، فاللازم القول ببطلان الصلاة أو القدوة في المجموع أو البعض .
وإن لم نقل باعتبار المتابعة شرطاً وقلنا: بأنّ الرواية النبوية المروية بطرق العامّة(2) التي هي الأصل في هذا الحكم لا دلالة لها على أزيد من إفادة تكليف نفسيّ في حال القدوة ، كما استظهرنا ذلك منه ، فاللازم في المقام أن يقال: إنّ ترك المتابعة لا يؤثّر في بطلان الصلاة ولا في بطلان القدوة أصلا ، بل غايته أنّه معصية لتكليف نفسيّ مستقلّ لا يترتّب عليها إلاّ استحقاق العقوبة .
ولا مجال لأن يقال: إنّ ترك المتابعة الذي به يتحقّق العصيان متّحد مع إدامة
- (1) راجع الوسائل 8 : 391 . أبواب صلاة الجماعة ب48 ح 4 .
- (2) راجع 3 : 314 .
(الصفحة 324)
القيام بعد رفع الرأس وعدم اللحوق بالإمام ، فإدامة القيام والاستمرار عليه مبغوض للمولى حينئذ ، فكيف يمكن أن يصير مقرّباً بمجرد وقوعه جزءً من الصلاة؟!. ضرورة أنّ المبغوض لا يكاد يمكن أن يكون مقرّباً للعبد إلى الله سبحانه وتعالى ، فالبطلان مستند إلى عدم قابلية القيام للوقوع جزءً من الصلاة ، وذلك لأنّ القيام المعتبر في الصلاة بعد الركوع هو قيام ما ، والمتابعة فيه متحقّقة على ما هو المفروض .
لأنّ الفرض فيما لو استمرّ على القيام حتّى رفع الإمام رأسه من الركوع وتتحقّق المتابعة في القيام ، فالذي يكون جزءً للصلاة وهي طبيعة القيام المتحقّقة بالقيام آناً ما ، قد تحقّقت فيه المتابعة ، فلم تلزم صيرورة المبعّد مقرّباً كما لا يخفى .
وهذا بخلاف ما إذا خالف الإمام ولم يتابعه في حدوث الركوع بل سبق إليه عمداً ، فإنّه هناك لا يقع الركوع المسبوق إليه إلاّ مبغوضاً مبعّداً للعبد عن ساحة المولى ، ولا يمكن أن يكون مقرّباً ، فالفرق بينهما أنّه هنا لم يتحقّق الاخلال بالمتابعة فيما هو جزء من الصلاة كما عرفت ، وأمّا هناك فقد تحقق الاخلال بها عمداً وصارت المعصية متّحدة مع ما هو من أجزاء الصلاة ، ولا محيص فيه من الحكم بالبطلان .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّه بناءً على كون وجوب المتابعة نفسيّاً لا مجال لتوهّم بطلان أصل العبادة ولا القدوة ، لعدم استلزام المخالفة صيرورة المبعّد مقرّباً حتّى يؤثّر في البطلان لأجل الاستحالة العقليّة ، ولا تكون المتابعة شرطاً في صحة القدوة كما هو المفروض .
فعلى هذا المبنى تكون العبادة صحيحة والقدوة متحقّقة والمخالفة غير مؤثّرة ، وأمّا على القول باستفادة الشرطية من الرواية النبوية: «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به» ، أو من الروايات الخاصّة الواردة من طرقنا الظاهرة في الأمر بالركوع والعود إليه لو
(الصفحة 325)
رفع المأموم رأسه منه قبل الإمام سهواً ، بدعوى كون الأمر الواقع فيها إرشاداً إلى اعتبار ذلك في تحقق الجماعة وصحة القدوة ، فالظاهر بطلان القدوة مع عدم رعاية المتابعة كما عرفت .
ويمكن تصحيحها في هذا الفرع بناءً على الشرطية أيضاً ، بدعوى أنّ الظاهر من الأدلة الظاهرة في الشرطية، أنّ المتابعة المعتبرة في صحة القدوة إنّما هي المتابعة في أجزاء الصلاة ، وأمّا مقدّمات الأجزاء كالرفع والهويّ ونحوهما ، فليست المتابعة فيها أيضاً معتبرة في صحة الجماعة ، وفي المقام لم يتحقّق الاخلال بالمتابعة فيما صار جزءً من الصلاة وعدّ من أجزائها .
ضرورة أنّ الركوع الذي هو جزء للصلاة قد تحققّت فيه المتابعة ، لأنّ المفروض أنّ إحداثه من المأموم إنّما وقع تبعاً للإمام ، ورفع الرأس منه الذي قد خولف فيه المتابعة لا يكون من أجزاء الصلاة ، والقيام بعده الذي هو من أجزاء الصلاة قد روعيت فيه المتابعة ، لأنّ المفروض استمرار المأموم على حال القيام حتّى يلحق به الإمام وتتحقّق المتابعة فيه ، ولا يقدح مجرّد كون حدوثه سابقاً على الإمام بعد كون الجزء للصلاة بعد رفع الرأس هو طبيعة القيام المتحقّقة بقيام مّا ، وقد تحقّقت فيه المتابعة على ما هو المفروض .
وأمّا الصورة الثانية، فالحكم فيها بمقتضى الجمع بين الروايات الواردة في المقام بعد حمل رواية غياث(1) على صورة التعمّد ، أنّه لا يجوز له العود، بل يبقى على حاله حتّى يلحق به الإمام ، ولا يبطل صلاته أو قدوته بذلك أصلا ، لا بناءً على استفادة الوجوب النفسي ، ولا بناءً على الشرطية ، أمّا على الأول فواضح ، وأمّا
- (1) الوسائل 8 : 391 . أبواب صلاة الجماعة ب48 ح6 .
(الصفحة 326)
على الثاني فلما عرفت من أنّ المتابعة إنّما هي معتبرة في الأجزاء دون مقدّماتها ، وأنّ الاخلال بها فيها لا يقدح بصحّة الصلاة ولا بالقدوة أصلا .
الفرع الثاني: سبق المأموم إلى الركوع
ما لو سبق الإمام إلى الركوع ، وليعلم أنّه لم يتعرّض لهذا الفرع أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم أجمعين إلى زمان المحقّق ، نعم أورد الشيخ(رحمه الله) في زيادات التهذيب الرواية الدالّة عليه ، وهي رواية ابن فضال المتقدّمة(1) ، ولكنّه اقتصر على مجرّد نقل الرواية من غير إشعار بالعمل بها ، ولم يتعرّض له في كتبه الفقهية . وأمّا المحقّق فقد عنون في الشرائع مسألة رفع الرأس من الركوع أو السجود قبل الإمام وقال بعد ذلك: وكذا إذا سبق الإمام فيه(2) .
ويستفاد من ذلك أنّه استنبط حكم السبق من الرفع ، وأنه لا يكون له دليل مستقل ، ولعلّه كان لأجل عدم صلاحية الرواية الواردة فيه للاعتماد عليها ، وكيف كان، فهذه المسألة أيضاً له صورتان:
1 ـ
السبق إليه عمداً .
2 ـ
السبق إليه سهواً .
أمّا في صورة العمد فربّما يقال ببطلان الصلاة فيها نظراً إلى أنّ الفعل قد وقع منهيّاً عنه ، فلا يمكن أن يقع جزءً من العبادة(3) ، ولا يمكن تداركه لاستلزامه الزيادة المبطلة ، وقد اُجيب عنه بأنّ اتّصاف الفعل بوقوعه منهيّاً عنه مبنيّ على اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ الخاصّ ، وقد حقّق في محلّه خلافه .
- (1) التهذيب 3: 277 ح811 .
- (2) شرائع الإسلام 1: 113 .
- (3) مستند الشيعة 8 : 98 .
(الصفحة 327)
ودعوى أنّ البطلان لا يتوقّف على كون الفعل منهيّاً عنه بل يكفي فيه عدم كونه مأموراً به ، فهو ثابت بلا إشكال ، لأنّ الأمر بالشيء وإن كان لا يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ ، إلاّ أنّه يوجب خلوّه عن الأمر وهو يكفي في البطلان وعدم إمكان الوقوع جزءً من العبادة .
مدفوعة بأنّه لا يحتاج في الصحّة إلى الأمر الفعلي ، بل تكفي المحبوبية الذاتية والرجحان في نفسه، مع قطع النظر عن المانع الخارجي .
هذا ، ولكنّ التحقيق أنّ الأمر بالشيء وإن كان لا يقتضي النهي عن الضدّ ، إلاّ أنّه فيما إذا لم يكن الضدّان ممّا لا ثالث لهما ، وإلاّ فالضدّ بعينه منهيّ عنه ، لكونه مخالفة للأمر بالضدّ الآخر ، فإنّ عصيان الأمر بالسكون يتحقّق بمجرّد الحركة ، وعصيان الأمر بالحركة لا يتحقّق إلاّ بالسكون .
وكذا في المقام ، فإنّ عصيان وجوب المتابعة لا يتحقّق في نفس الأمر إلاّ بالسبق إلى الركوع ولا واقعية له غير ذلك ، فلا محيص عن الالتزام بكونه منهيّاً عنه .
سلّمنا عدم تعلّق النهي به لأجل عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ مطلقاً ، لكن نقول: إنّ الوجود الذي يكون عصياناً للمولى ولا يقع إلاّ مبغوضاً صرفاً ، كيف يمكن أن يقع جزءً من العبادة ويصلح لأن يتقرّب به وبسائر الأجزاء؟! هذا كلّه في العمد .
وأمّا في صورة السهو فالحكم يدور مدار العمل بالرواية الواردة فيه ، فإن قلنا بأنّ عدم عمل الأصحاب بها إلى زمان المحقّق ، والدليل عليه عدم تعرّضهم لهذا الفرع يوجب الإعراض ، وهو قادح في الأخذ بها، فلابدّ من الحكم فيه على