(الصفحة 340)
منها :
رواية حفص بن غياث التي رواها المشايخ الثلاثة كلّ بسند مستقلّ قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول في رجل أدرك الجمعة وقد ازدحم الناس فكبّر مع الإمام وركع ولم يقدر على السجود ، وقام الإمام والناس في الركعة الثانية ، وقام هذا معهم ، فركع الإمام ولم يقدر هذا على الركوع في الثانية من الزحام وقدر على السجود ، كيف يصنع؟ فقال أبو عبدالله(عليه السلام) : «أمّا الركعة الاُولى فهي إلى عند الركوع تامّة ، فلمّا لم يسجد لها حتى دخل في الركعة الثانية لم يكن ذلك له ، فلمّا سجد في الثانية فإن كان نوى هاتين السجدتين للركعة الاُولى فقد تمّت له الاُولى ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعة فسجد فيها ثم يتشهّد ويسلّم ، وإن كان لم ينو السجدتين للركعة الاُولى لم تجز عنه للاُولى ولا للثانية وعليه أن يسجد سجدتين وينوي أنّهما للركعة الاُولى ، وعليه بعد ذلك ركعة تامّة يسجد فيها .
هذا بحسب ما رواه الصدوق والشيخ ، وأمّا الكليني فرواه إلى قوله : لم تجز عنه للأولى ولا للثانية ، وفي التهذيب زيادة على ما في الفقيه وهي : إنّه قال حفص : فسألت عنها ابن أبي ليلى فما طعن فيها ولا قارب(1) .
وهذه الرواية تشتمل على حكمين مخالفين لما يستفاد من الروايات الواردة في باب صلاة الجماعة ، لأنّها تدلّ بظاهر على أنّ المأموم الذي فاته السجود من الركعة الاُولى والركوع من الركعة الثانية ، لا بدّ له أن ينوي السجدتين من الركعة الثانية للركعة الاُولى ، وإلاّ لم تجز عنه للأولى ولا للثانية .
ومرجع ذلك إلى أنه لابدّ في اتّصاف كلّ جزء من أجزاء الركعة بوصف الجزئيّة للركعة الاُولى أو الثانية من تعلّق القصد بذلك ، وأنّه لو لم يتعلّق القصد بهذه الجهة لم يحتسب الجزء المأتيّ به جزءً للركعة الاُولى وللثانية ، مع أنّ الظاهر على ما
- (1) الكافي 3 : 429 ح9; الفقيه 1 : 270 ح1235; التهذيب 3 : 21 ح78; الوسائل 7 : 335 . أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب17 ح2 .
(الصفحة 341)
يشهد به النصّ والفتوى أنه لا مدخليّة لهذا القصد في تحقّق ذاك الاتّصاف .
وكذلك الرواية تدلّ بذيلها المرويّ في التهذيب والفقيه على أنّه إذا لم يأت بالسجدتين من الركعة الثانية للإمام بنيّة الركعة الاُولى ، فعليه أن يسجد سجدتين اُخريين ينوي بهما الركعة الاُولى ، وعليه بعد ذلك ركعة تامّة ، مع أنّه يلزم على ذلك زيادة السجود الذي هو ركن وهي مبطلة .
نعم ، ذكر الشهيد(رحمه الله) في محكيّ الذكرى(1) أنّه لا بأس بالعمل بهذه الرواية لاشتهارها بين الاصحاب وعدم وجود ما ينافيها ، وزيادة السجود مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل إمامه ، وهذا التخصيص يخرج الروايات الدالّة على الابطال بزيادة السجود عن الدلالة ، وأمّا ضعف الراوي فلا يضرّ مع الاشتهار ، على أنّ الشيخ قال في الفهرست : إنّ كتاب حفص معتمد عليه(2) ، انتهى .
ويمكن أن يقال : بعدم كون الذيل تتمّة للرواية بل هو فتوى الصدوق ، كما هو دأبه في كتاب الفقيه ، حيث يذكر فتواه بعد نقل الرواية ، ولعلّه صار سبباً لإضافة الشيخ أيضاً ، حيث إنّه زعم كونه جزءً للرواية ، ولم يرجع إلى المصدر لكثرة اشتغاله .
ومنها :
رواية عبدالرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يكون في المسجد إمّا في يوم الجمعة وإمّا في غير ذلك من الأيّام ، فيزحمه الناس إمّا إلى حائط وإمّا إلى أُسطوانة ، فلا يقدر على أن يركع ولا يسجد حتى رفع الناس رؤوسهم ، فهل يجوز له أن يركع ويسجد وحده ثمّ يستوي مع الناس في الصفّ؟ قال : «نعم لا بأس بذلك»(3) .
- (1) الذكرى 4 : 127; الوسائل 7 : 336 . أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب17 ذ ح2 .
- (2) الفهرست : 61 .
- (3) التهذيب 3: 248 ح680 وفيه: «حتى يرفع الناس»; الوسائل 7 : 336 . أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب17 ح3.
(الصفحة 342)
ومنها :
رواية اُخرى لعبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يصلّي مع إمام يقتدي به ، فركع الإمام وسها الرجل وهو خلفه لم يركع حتى رفع الإمام رأسه وانحط للسجود أيركع ثمّ يلحق بالإمام والقوم في سجودهم ، أم كيف يصنع؟ قال : «يركع ثمّ ينحطّ ويتمّ صلاته معهم ولا شيء عليه»(1) .
هذه هي الروايات الواردة في المقام ، وقد انقدح لك أنّ الأخير منها واردة في التخلّف المستند إلى السهو عن الركوع ، وغيرها في التخلّف الناشيء عن الالجاء والاضطرار لأجل الازدحام الموجب لفوت الركوع والسجود من ركعة واحدة أو الركوع من ركعة والسجود من اُخرى .
فمرجع غير الاخيرة إلى أنه لو حصل التخلّف ولو بالنسبة إلى الزائد من ركن واحد ولكن كان مستنداً إلى الالجاء والاضطرار فلا بأس بذلك ، ولا يوجب بطلان القدوة إلاّ أن يقال : إنّ رواية حفص لا دلالة لها إلاّ على تحقّق القدوة في خصوص الركوع والسجود الذي تابع فيه الإمام ، ونوى جزئيته للركعة الاُولى ، وعليه فلم يتحقّق التخلّف ، لأنّ ما هو المحسوب جزءً للركعة الاُولى هو الركوع الواقع فيها والسجود الواقع في الركعة الثانية ، والمفروض تحقّق المتابعة بالنسبة إلى كليهما .
هذا ، ولكن رواية عبدالرحمن صريحة في عدم اختلال القدوة بحصول التخلّف في الزائد عن الركن الواحد في صورة الالجاء والاضطرار ، والظاهر بملاحظة الرواية الواردة في السهو أنّ ذلك لا يختصّ بحال الإضطرار ، بل التخلّف السهوي بالنسبة إلى الزائد من ركن لا يوجب أيضاً خللا في القدوة ، كما أنّ الظاهر إنّه لا خصوصيّة للالجاء والاضطرار ، بل يعمّ مطلق صور الاعتذار ويخرج
- (1) التهذيب 3 : 55 ح188 ; الوسائل 7 : 337 . أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب17 ح4 .
(الصفحة 343)
خصوص صورة العمد والالتفات .
وكيف كان ، فلا ريب في دلالة الروايات على عدم اختلال القدوة بالنسبة إلى الأجزاء السابقة على الجزء الذي وقع فيه التخلّف ، وكذا الأجزاء اللاحقة عليه ، فلا مجال للمناقشة في ذلك ، وأمّا بالنسبة إلى نفس الجزء الذي وقع فيه التخلّف ، فإن قلنا : بعدم وقوعه متّصفاً بوصف الجماعة كما ربّما يستظهر من قول الراوي في إحدى روايتي عبدالرحمن «فهل يجوز له أن يركع ويسجد وحده؟» فاللازم الالتزام بأحد أمرين :
إمّا دعوى أنّ الجماعة والفرادى وصفان لكلّ جزء من الأجزاء على سبيل الاستقلال لا للمجموع بحيث كان المصلّي عند كلّ جزء مخيّراً بين إيقاعه فرداً أو في جماعة ، وعليه فكما أنه لا مانع من العدول عن الائتمام إلى الانفراد ، كذلك لا مانع من العدول عن الانفراد إلى الائتمام ، بل لا معنى للعدول أصلا ، لأنّ المتّصف بذلك هو كلّ جزء مستقلاًّ فلا يتحقّق العدول .
وإمّا الالتزام بأنه يكفي في تحقّق الجماعة كون صلاة المأموم واقعة في حال صلاة الإمام وإن لم يتحقق المتابعة بالنسبة إلى كلّ جزء .
نعم ، لا محيص عن اعتبار المتابعة بالنسبة إلى معظم الأجزاء .
هذا ، ولكنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة منذ تشريع الجماعة وتعليمها للناس الذي كان مقروناً مع تعليم أصل الصلاة ، كما مرّت الاشارة إليه في بعض المباحث السابقة(1) ، أنّ الموصوف بوصف الجماعة هو مجموع الصلاة لا كلّ جزء على سبيل الاستقلال ، هذا كلّه حكم صور العذر .
وأمّا إذا تخلّف عن الامام بالتأخّر الفاحش عمداً ، فإن قلنا : باعتبار المتابعة شرطاً في صحّة الجماعة فاللازم الحكم بالبطلان ، وإن لم نقل بذلك بل قلنا : بتعلّق
(الصفحة 344)
الوجوب النفسي بها كما اخترناه فيما سبق(1) ، فالظاهر عدم إيجابه خللا في الجماعة ، كما صرّح به في الجواهر وحكى عن اطلاق المنتهى والموجز ، بل عن الثاني التصريح بالجواز ، كما في نصّ الذكرى(2) ، نعم يتوقّف في محكيّ التذكرة في بطلان القدوة بالتأخير بركن(3) .
وكيف كان ، فالظاهر بناءً على هذا المبنى عدم البطلان مع حفظ صورة الجماعة وعدم صحّة سلبها .
ثمّ إنّ في الفرض الذي ورد فيه إحدى روايتي عبدالرحمن بن الحجّاج وكذا رواية حفص المتقدّمتان ـ وهو الذي كان التخلّف مستنداً إلى الزحام في يوم الجمعة أو فيه وفي غيره ـ تتصور صور كثيرة :
1 ـ
ما ورد في مورده رواية عبدالرحمن وهو ماإذا منعه الزحام عن الركوع والسجدتين من الركعة الاُولى ، وقد نفت الرواية البأس عن أن يركع ويسجد وحده ثمّ يلتحق بالإمام في الركعة الثانية ، والقدر المتيقن من موردها ما إذا أدرك الإمام في حال القيام من الركعة التالية قبل أن يركع الإمام ، فإنّه لا ريب في هذه الصورة في عدم حصول الاختلال في القدوة ، ولا فرق فيه بين دعوى كون الجماعة والفرادى وصفين لكلّ بعض على سبيل الاستقلال ، وبين القول بكونهما وصفين للمجموع من حيث هو مجموع .
والظاهر أنّ الحكم كذلك وإن ادرك الإمام في ركوع الركعة التالية لا في حال القيام . وأمّا إذا أدركه بعد الركوع وفات منه ركوع الركعة التالية أيضاً كالركوع والسجدتين من الركعة الاُولى ، ففي بطلان القدوة وصحتها وجهان ، والاقرب
- (1) راجع 3 : 318 .
- (2) المنتهى : 1 : 379; الموجز الحاوي (الرسائل العشر) : 113; الذكرى 4 : 452; جواهر الكلام 13 : 206 .
- (3) تذكرة الفقهاء 4 : 347 مسألة 606 . وفيه : ولو تأخّر عنه بركنين ، ففي الإبطال نظر .