(الصفحة 344)
الوجوب النفسي بها كما اخترناه فيما سبق(1) ، فالظاهر عدم إيجابه خللا في الجماعة ، كما صرّح به في الجواهر وحكى عن اطلاق المنتهى والموجز ، بل عن الثاني التصريح بالجواز ، كما في نصّ الذكرى(2) ، نعم يتوقّف في محكيّ التذكرة في بطلان القدوة بالتأخير بركن(3) .
وكيف كان ، فالظاهر بناءً على هذا المبنى عدم البطلان مع حفظ صورة الجماعة وعدم صحّة سلبها .
ثمّ إنّ في الفرض الذي ورد فيه إحدى روايتي عبدالرحمن بن الحجّاج وكذا رواية حفص المتقدّمتان ـ وهو الذي كان التخلّف مستنداً إلى الزحام في يوم الجمعة أو فيه وفي غيره ـ تتصور صور كثيرة :
1 ـ
ما ورد في مورده رواية عبدالرحمن وهو ماإذا منعه الزحام عن الركوع والسجدتين من الركعة الاُولى ، وقد نفت الرواية البأس عن أن يركع ويسجد وحده ثمّ يلتحق بالإمام في الركعة الثانية ، والقدر المتيقن من موردها ما إذا أدرك الإمام في حال القيام من الركعة التالية قبل أن يركع الإمام ، فإنّه لا ريب في هذه الصورة في عدم حصول الاختلال في القدوة ، ولا فرق فيه بين دعوى كون الجماعة والفرادى وصفين لكلّ بعض على سبيل الاستقلال ، وبين القول بكونهما وصفين للمجموع من حيث هو مجموع .
والظاهر أنّ الحكم كذلك وإن ادرك الإمام في ركوع الركعة التالية لا في حال القيام . وأمّا إذا أدركه بعد الركوع وفات منه ركوع الركعة التالية أيضاً كالركوع والسجدتين من الركعة الاُولى ، ففي بطلان القدوة وصحتها وجهان ، والاقرب
- (1) راجع 3 : 318 .
- (2) المنتهى : 1 : 379; الموجز الحاوي (الرسائل العشر) : 113; الذكرى 4 : 452; جواهر الكلام 13 : 206 .
- (3) تذكرة الفقهاء 4 : 347 مسألة 606 . وفيه : ولو تأخّر عنه بركنين ، ففي الإبطال نظر .
(الصفحة 345)
الصحة بناءً على ما اخترناه من كون الجماعة وصفاً للمجموع ، كما هو المرتكز عند المتشرّعة والمغروس في أذهانهم ، لأنّه لم يخرج بالزحام عن كونه مقتدياً ، فلا وجه للحكم ببطلان صلاته خصوصاً مع عدم كون التخلّف عمديّاً ، بل مستنداً إلى الزحام كما هو المفروض .
2 ـ
ما إذا منعه الزحام عن خصوص السجدتين من الركعة الاُولى والحكم فيه الصحة أيضاً بأقسامه الثلاثة : من الالتحاق بالإمام قبل الركوع من الركعة التالية ، أو في حاله ، أو بعده كما عرفت في الصورة الاُولى .
3 ـ
ما وردت فيه رواية حفص المتقدّمة ، وهو ماإذا منعه الزحام عن السجدتين من الركعة الاُولى والركوع من الركعة الثانية ، وقد حكم فيها بأنّه إن نوى السجدتين من الركعة الثانية للركعة الاُولى فقد تمّت له الاُولى ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعة ، وإن كان لم ينو بهما الركعة الاُولى لم تجز عنه للاُولى ولا للثانية .
وقد عرفت أنّ اعتبار النيّة في ابعاض الركعة وأنّها هل تكون من الركعة الاُولى أو الثانية ، وهكذا ممّا لم يذهب إليه أحد من الفقهاء رضوان الله عليهم أجمعين .
وقد عرفت اشتمالها على زيادة بناءً على رواية الشيخ والصدوق ، ومقتضى تلك الزيادة الدالّة على لزوم الإتيان بالسجدتين بنيّة الركعة الاُولى بعد الاخلال بها في السجدتين اللتين أدركهما مع الإمام في الركعة الثانية ، تحقّق القدوة بإدراك ركوع واحد في مجموع الركعتين وهو مستبعد جدّاً ، مضافاً إلى استلزامه لزيادة السجود الذي هو ركن ، وحنيئذ فيشكل العمل بالرواية وإن نفى البأس عنه في الذكرى(1) كما عرفت .
(الصفحة 346)
4 ـ
ما إذا منعه الزحام عن خصوص الإتيان بالسجدة الثانية من الركعة الثانية ، والظاهر فيها صحّة الجمعة وعدم اختلال القدورة ، بل يأتي بها متى تمكّن منها ، ولا فرق في ذلك بين صورتي التمكّن منها قبل فراغ الإمام من الصلاة والتمكّن منها بعده ، كما هو واضح .
5 ـ
ما إذا منعه الزحام عن خصوص الإتيان بالسجدة الثانية من الركعة الاُولى مقتدياً بالإمام في سجدته ، فإن تمكّن من الإتيان بها واللحوق بالإمام قبل الركوع من الركعة الثانية أو في الركوع ، فالحكم كما لو منعه الزحام عن كلتا السجدتين من الركعة الاُولى إذا تمكّن من الإتيان بهما واللحوق بالإمام قبل الركوع أو بعده ، وإن لم يتمكّن من الإتيان بها إلى أن دخل الإمام في السجدة الثانية من الركعة الثانية .
فالمستفاد من رواية حفص لزوم متابعة الإمام والإتيان بالسجدة بقصد أنّها من الركعة الاُولى ، لأنّه لم يأت بها بعد ، فعليه أن يأتي بها مع ذلك القصد ، ويتمّ له بذلك ركعة واحدة ، وعليه أن يصلّي ركعة أخرى .
وأمّا إذا تمكّن من الإتيان بها مع الإمام في السجدة الاُولى من الركعة الثانية فلا ريب في لزوم متابعته فيها بمقتضى ما يستفاد من رواية حفص ، وينوي بها السجدة الثانية من الركعة الاُولى ، إنّما الاشكال والارتياب في أنه هل يلزم عليه إطالة السجود حتى يلحق به الإمام في السجدة الثانية ثمّ يتابعه في رفع الرأس منها ، أو أنه يلزم عليه متابعة الإمام في رفع الرأس من السجدة الاُولى والجلوس بين السجدتين ثمّ الإتيان بالسجدة الثانية لأجل المتابعة؟ وجهان .
ولا يبعد ترجيح الوجه الثاني للزوم متابعة الإمام مهما أمكن ، وإن استلزمت زيادة الركن ، أو كان العمل الذي تقع فيه المتابعة صادراً عن الإمام في غير المحل كالقنوت في غير الركعة الثانية حيث إنّه ورد النصّ على متابعة المأموم للإمام فيه(1)
- (1) التهذيب 2: 315 ح1287; الوسائل 6: 287. أبواب القنوت ب17 ح1 .
(الصفحة 347)
وإن وقع في غير محلّه .
والمتابعة وإن لم تكن بعنوانها مأموراً بها في الروايات الصادرة عن العترة الطاهرة «صلوات الله عليهم أجمعين» إلاّ أنه يستفاد اعتبارها من الفروع التي وقع التعرض لها فيها ، بل يستفاد أنّ وجوبها كان مفروغاً بين الرواة ولم يكن لهم ارتياب في ذلك ، فالظاهر بمقتضى ما ذكرنا لزوم المتابعة في المورد المفروض .
ثمّ إنّه لو وقع التخلّف في شيء من الموارد المذكورة مستنداً إلى التعمّد والاختيار دون النسيان أو الزحام والاضطرار ، فهل يوجب ذلك بطلان القدوة أم لا؟ التحقيق أن يقال : إن قلنا باعتبار المتابعة العمليّة في حقيقة القدوة عرفاً ، بحيث لم يمكن تحقّقها بدونها عند العرف ، كما ربّما يحكى ذلك عن الشيخ الأعظم العلاّمة الأنصاري(قدس سره)(1) ، فالتخلّف والاخلال بالمتابعة يوجب اختلال القدوة بلا ارتياب ، إلاّ أنّ هذا القول ممّا لا يساعده الدليل ، ولا ينبغي الالتزام به ، فإنّه لو كانت المتابعة دخيلا في حقيقة القدوة وماهيتها ، لم يكن فرق في ذلك بين صورتي الاختيار والاضطرار أصلا ، مع ظهور الروايات المتقدّمة في بقائها ، وعدم اختلالها بالتخلّف الناشئ عن السهو أو الزحام .
فهذا المعنى ممّا لا يمكن الالتزام به ، اللّهم إلاّ أن يراد أنّ الاخلال بالمتابعة عمداً لا يجتمع مع نيّة الاقتداء المقرونة بالشروع في الصلاة ، ولكنّه يرد عليه أيضاً أنّ عدم إمكان اجتماع ذلك مع تلك النيّة متفرّع على عدم إمكان اجتماعه مع المنويّ ، بل ليست المضادّة والمنافاة إلاّ معه ، ضرورة أنّ النيّة من حيث هي مع قطع النظر عن ملاحظة المنويّ ، لا مضادّة بينها وبين التخلّف والاخلال بالمتابعة العمليّة ، كما هو أوضح من أن يخفى .
- (1) كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري : 298 .
(الصفحة 348)
نعم ، لو قلنا : بعدم اعتبار المتابعة في حقيقة القدوة عرفاً ، بل باعتبارها فيها شرعاً ، فاللازم الالتزام بعدم تحقّقها مع التخلّف الاختياري فقط ، لدلالة الأدلّة المتقدّمة على عدم قدح الاخلال بها في حالتي السهو والاضطرار .
هذا ولكن هذا المبنى أيضاً عندنا غير صحيح ، لأنك قد عرفت أنّ وجوب المتابعة على ما يعطيه التأمّل في الدليل الدالّ عليه ، لا يكون وجوباً شرطيّاً بحيث يكون لمتعلّقه دخل في الاقتداء شرعاً ، بل لا يكون إلاّ وجوباً نفسياً لا يترتّب على مخالفته سوى الإثم واستحقاق العقوبة .
وممّا ذكرنا يظهر الخلل فيما أفاده صاحب المصباح حيث قال :
والذي يقتضيه التحقيق هو أنه لابدّ في تحقّق مفهوم الائتمام عرفاً أو شرعاً من المتابعة ، ألا ترى أنّه لو سبق المأموم الإمام في مجموع صلاته أو تأخّر عنه كذلك لا يعدّ مؤتمّاً به ، ولكنّه قد يلاحظ الائتمام بالنظر إلى مجموع الصلاة على سبيل الاجمال ، وبهذه الملاحظة يصحّ أن يقال لمن صلّى خلف زيد الظهر مثلا بنيّة الائتمام إذا تابعه في معظم أفعالها : أنه صلّى الظهر مقتدياً بزيد ، وإن تخلف عنه في بعض أفعالها بتقديم أو تأخير .
وقد يلاحظ كونها فعلا تدريجيّاً حاصلا بمتابعة الإمام في أفعالها المتدرّجة ، ففي كلّ جزء تخلّف عنه بتقديم أو تأخير لا يتحقّق بالنسبة إليه الاقتداء ، ولكن لا ينفي ذلك صدق كونه مقتدياً في أصل الصلاة عند ملاحظتها على سبيل الإجمال ، فلا يبطل به الائتمام من أصله ما لم يكن ذلك مقروناً بنية الإعراض عن الجماعة أو بالعزم على الإتيان به كذلك من أوّل الأمر ، بحيث يكون هذا الجزء بنفسه مستقلاًّ بالملاحظة .
فمن نوى الائتمام بشخص في صلاته مقتضاه أن يتابعه في جميع الهيآت الصادرة منه من القيام والقعود والركوع والسجود ، فلو خالفه في شيء منها وهو على هذا