(الصفحة 367)
واحتمالات :
أمّا الوجه الأوّل فيبتني على أنّ الصلاة تحتاج إلى فاتحة الكتاب بمقتضى قول : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» ، غاية الأمر أنّ قراءة الإمام في الأوّلتين تسقطها عن المأموم ، لأنـّه ضامن له ، وأمّا فيما لو اقتدى بالإمام في الثالثة أو الرابعة فلا دليل على سقوط القراءة ، وحيث إنّه لا يمكن الإتيان بها ثمّ إدرك الإمام في الركوع ـ والمفروض أنه تجب المتابعة في الأفعال ـ فلا محيص عن الذهاب إلى بطلان الجماعة ، وصيرورة الصلاة فرادى فيما لو لم يعلم ذلك من أوّل الشروع ، وإلاّ فلم تصر صلاته جماعة حتى تصير فرادى كما لا يخفى .
ويردّ هذا الوجه الأخبار المتقدّمة الدالّة على أنّ إدراك الركعة يتحقّق بإدراك الركوع ، فضلا عن إدراك تكبيرة الركوع أيضاً ، فإنه إذا كان الاقتداء بالإمام في الركوع وإدراكه معه موجباً لتحقّق الجماعة في تلك الركعة ، فإدراكه في حال القيام يوجب ذلك بطريق أولى .
ومن هذا يظهر بطلان الوجه الثاني ، فإنّه إذا كانت القراءة بأسرها ساقطة عن المأموم فيما لو أدرك الإمام في الركوع ، فسقوط بعضها عنه فيما لو أدركه في حال القيام بطريق أولى .
وحينئذ فلا مجال لملاحظة حال دليل وجوب المتابعة مع دليل وجوب الفاتحة في الصلاة وعدم تماميّتها بدونها ، فإنّه يكون حال المسألة بعينها حال مالو أدرك الإمام في تكبيرة الركوع في الركعة الثالثة أو الرابعة .
ودعوى الفرق بين المسألتين بأنّه هناك لا يتمكّن من قراءة شيء من الفاتحة ، فلا يتوجّه إليه الأمر المتعلّق بها أصلا ، وهذا بخلاف المقام فإنّه قد توجّه إليه الأمر بالفاتحة بعد الاقتداء كما هو المفروض ، لأنّ الكلام إنما هو على تقدير وجوب قراءتها في الأخيرتين اللتين هما أوّلتان للمأموم ، فالمزاحم لدليل وجوب الفاتحة
(الصفحة 368)
إنما هو وجوب الإتمام لا وجوب أصل قراءة الفاتحة ، ولا دليل لترجيح وجوب المتابعة .
مدفوعة بأنّه لا يرى العرف فرقاً بين المسألتين من هذه الجهة ، بل يستكشف حال المقام من الأخبار الواردة في تلك المسألة ، بمفهوم الموافقة الذي هو عبارة اُخرى عن الغاء الخصوصيّة ، كما نبّهنا عليه مراراً ، ومرجع ذلك إلى أنّ الأمر بالفاتحة ينحلّ إلى أوامر متعدّدة حسب تعدّد أجزاء الفاتحة ، فإذا كانت الأوامر المتعلّقة بأجزائها ساقطة بأسرها فيما لو أدرك الإمام في الركوع فسقوط بعضها عنه فيما لو أدركه في حال القيام بطريق أولى .
والذي يستفاد من تلك الاخبار أنّ المعتبر في إدراك الجماعة في الركعة إدراك الإمام في الركوع ، وإلاّ فلا وجه لإيجاب متابعته في الركوع فيما لو أدركه فيه ، بل كان اللازم هناك قراءة الفاتحة واللحوق بالإمام في السجود ، فرفع اليد عن قراءة الفاتحة وإيجاب متابعة الإمام في الركوع دليل على مدخليّة المتابعة في الركوع في تحقّق الجماعة في الركعة .
ولعلّ السرّ فيه أنّ معنى الركعة هو الركوع مرّة كما نبّهنا عليه في مسألة الركوع وحزئيته للصلاة ، فلا معنى لتحقّق الجماعة في الركعة مع عدم إدراك ركوع الإمام .
هذا ، ويدلّ على ما ذكرنا مضافاً إلى ما ذكر ، رواية معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام وهي أوّل صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ ، فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال : «نعم»(1) .
فإنّه يستفاد منها أنه مع عدم إمهال الإمام حتى يقرأ المأموم لا مجال لرفع اليد عن متابعته بإتمام القراءة ، بل لابدّ من متابعة الإمام في الركوع ، بل يستفاد منها أنّ
- (1) التهذيب 3 : 47 ح 162 وص274 ح797; الاستبصار 1 : 438 ح 1687; الوسائل 8 : 388 . أبواب صلاة الجماعة ب47 ح5 .
(الصفحة 369)
ذلك كان مفروغاً عنه عند السائل ، ولذا لم يسأل عنه ، بل إنّما سأل عن أمر آخر وهو قضاء القراءة في آخر صلاته أي في الركعتين الأخيرتين ، وظاهر الجواب وإن كان وجوب ذلك ـ وهو ممّا لم يقل به أحد ـ إلاّ أنّ ذلك لا يقدح في الاستدلال بالرواية لما نحن بصدده كما هو واضح .
ويدلّ على ما ذكرنا أيضاً مرسلتا دعائم الاسلام :
1 ـ
ما أرسله في محكيّها عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال : «وليقرأ فيما بينه وبين نفسه إن أمهله الإمام»(1) فإنّها بمفهومها تدلّ على عدم وجوب القراءة مع عدم إمهال الإمام .
2 ـ
مرسلتها أيضاً عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال : «فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب وسورة إن أمهلك الإمام ، أو ما أدركت أن تقرأ»(2) فإذاً ينقدح أنّ الظاهر عدم وجوب قراءة ما بقي من الفاتحة ممّا يزاحم المتابعة مع الإمام في الركوع(3) .
وأمّا حكم التشهّد فإن كان واجباً على الإمام دون المأموم كما في المأموم المسبوق بركعة ، حيث إنّه لا يجب عليه التشهّد في الركعة الثانية للإمام التي هي الركعة الاُولى له ، فالظاهر أنّه يجب عليه المتابعة للإمام في الجلوس فقط ، بناءً على اختصاص وجوب المتابعة بالأفعال ، وفي التشهّد بناءً على عدم الاختصاص ووجوب المتابعة في الأقوال أيضاً .
والظاهر استحباب كون القعود على نحو التجافي ، وإن نسب إلى الصدوق الوجوب ، بل استظهر من جملة من القدماء(4) ، وقوّاه جماعة من متأخّري
- (1) دعائم الاسلام1: 191; بحار الانوار 85 : 113; مستدرك الوسائل 6 : 489 . أبواب صلاة الجماعة ب38 ح1 .
- (2) دعائم الاسلام 1 : 192; مستدرك الوسائل 6 : 490 . أبواب صلاة الجماعة ب38 ح4 .
- (3) وان كان سيّدنا العلاّمة الأستاذ ـ دام ظله الوارف ـ استقرب في حاشية العروة : 61 ، إتمام الفاتحة واللحوق بالإمام في السجود ، إلاّ أنه قد عدل عنه واستظهر عدم وجوب الاتمام لما ذكر (المقرّر) .
- (4) الفقيه 1 : 263; الكافي 3 : 381 ح1 ; الكافي في الفقه : 145; الغنية : 89 ; السرائر 1 : 287 .
(الصفحة 370)
المتأخّرين(1) إستناداً إلى ظاهر صحيحتي ابن الحجّاج والحلبي المتقدّمتين(2) ، إلاّ أنّ الظاهر عدم نهوضهما دليلاً على الوجوب ، خصوصاً بعد كون هذا النحو من الجلوس لا يلائم المتابعة المرعيّة شرعاً في أفعال الصلاة كما لايخفى .
وإن كان التشهّد واجباً على المأموم دون الإمام ، كما في المأموم المسبوق بركعة أيضاً بالنسبة إلى الركعة الثالثة للإمام التي هي له ركعة ثانية ، فالظاهر أنّه يجب عليه أن يجلس للتشهّد ، غاية الأمر إنّه يقتصر فيه ثمّ يلحق بالإمام ، ويتابعه فيما يأتي به . هذا وقد جمع الروايات الواردة في حكم التشهّد في الوسائل في باب (66 و67) من أبواب صلاة الجماعة .
وأمّا إدراك الإمام بعد رفع الرأس من الركوع ، فلم يتعرّض الأصحاب لحكمه ، إلاّ في خصوص الركعة الأخيرة(3) ، كما أنّ أكثر الروايات الواردة في هذا المقام قد وردت في خصوص هذه الركعة ، نعم اطلاق بعضها يشمل غير الأخيرة أيضاً .
وكيف كان ، فلنذكر عدّة من الروايات الواردة في هذا الباب :
منها :
رواية معلّى بن خنيس عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتدّ بها»(4) .
ومنها :
رواية محمّد بن مسلم قال : قلت له : متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام؟ قال : «إذا أدرك الإمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك
- (1) مفاتيح الشرائع 1 : 167 ; جواهر الكلام 14 : 50; رياض المسائل 4 : 369; مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 699; العروة الوثقى 1 : 620 مسألة 19 .
- (2) الوسائل 8 : 418 . أبواب صلاة الجماعة ب67 ح1 و 2 .
- (3) شرائع الاسلام 1 : 116 ; تذكرة الفقهاء 4 : 326 مسألة 595; جامع المقاصد 2 : 502; مجمع الفائدة والبرهان 3 : 334; مدارك الأحكام 4 : 385; رياض المسائل 4 : 370 .
- (4) التهذيب 3 : 48 ح166 ; الوسائل 8 : 392 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح2 .
(الصفحة 371)
لفضل الصلاة مع الإمام»(1) ، وفي سند الرواية إرسال ، حيث إنّه لا يمكن لمحمّد بن أحمد بن يحيى أن يروي عن ابن أبي نصر من دون واسطة ، لأنّه من الطبقة السادسة من الطبقات التي رتّبناها ، وهو من الطبقة الثامنة ولابدّ أن يتوسّط بينهما واحد من الطبقة السابعة .
وكيف كان ، فهل المراد بإدراك الإمام في السجدة الأخيرة الدخول في الصلاة بالإتيان بتكبيرة الإحرام ثمّ متابعة الإمام في تلك السجدة ، أو أنّ المراد به هو إدراكه في السجدة بمتابعته فيها من غير سبق تكبيرة الإحرام؟ وعلى الأوّل هل يستفاد من الرواية كون هذا الإدراك نظير إدراك الإمام في الركوع من حيث عدم الاحتياج إلى إعادة تكبيرة الإحرام ـ وإن كان بينهما فرق من جهة كون إدراك الإمام في الركوع يوجب تحقّق الجماعة في تلك الركعة ، وإدراكه في السجود لا يحقّق ذلك ، بل لابدّ من الإتيان بجميع ركعات الصلاة ـ أو أنّه لا يستفاد منها إلاّ مجرّد كون هذا النحو من الإدراك يوجب درك فضيلة الصلاة مع الإمام؟ وهذا لا ينافي وجوب استئناف الصلاة من رأس والإتيان بجميع أجزائها حتّى تكبيرة الافتتاح .
وهنا احتمال آخر في الرواية ، وهو أن يكون المراد بإدراكه في السجدة الأخيرة هو إدراكه فيها بالتكبير في حال سجود الإمام من دون متابعته في السجدة ، إذ لا دلالة فيها على المتابعة فيها ولا يحتاج إليها أيضاً ، لما عرفت من أنّ حقيقة الائتمام ترجع إلى جعل الصلاة مرتبطة بصلاة الإمام ، ولاتكون المتابعة في الأفعال مقوّمة لحقيقة الائتمام ، بل غايتها أنّها واجبة نفساً كما عرفت .
ومنها :
رواية أبي هريرة التي رواها ابن الشيخ(رحمه الله) في محكيّ مجالسه بسند عاميّ قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن في السجود فاسجدوا ولا
- (1) التهذيب 3 : 57 ح197; الوسائل 8 : 392 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح1 .